| تَبَرَّمْتَ بالعيشِ خوفَ الفناءِ | ولو دُمْتَ حيَّا سَئمتَ الخلودْ |
| وَعِشْتَ على الأرضِ مثل الجبال | جليلاً، غريباً، وَحيد |
| فَلَمْ تَرتشفْ من رُضابِ الحياة | ولم تصطبحْ منْ رحيقِ الوُجود |
| ولم تدرِ ما فتنة ُ الكائناتِ | وما سحْرُ ذاكَ الربيعِ الوَليد |
| وما نشوة ُ الحبّ عندَ المحبِّ | وما صرخة ُ القلبِ عندَ الصّدودْ |
| ولم تفتكرْ بالغدِ المسترابِ | ولم تحتفل بالمرامِ البعيدْ |
| وماذا يُرجِّي ربيبُ الخلودِ | من الكون-وهو المقيمُ العهيد-؟ |
| وماذا يودُّ وماذا يخافُ | من الكونِ-وهو المقيمُ الأبيد-؟ |
| تأمَّلْ..، فإنّ نِظامَ الحياة ِ | نظامُ، دقيقٌ، بديعٌ، فريد |
| فما حبَّبَ العيشَ إلاّ الفناءُ | ولا زانَهُ غيرُ خوْفِ اللحُود |
| ولولا شقاءُ الحياة ِ الأليمِ | لما أدركَ النَّاسُ معنى السُّعودْ |
| ومن لم يرُعْه قطوبُ الديَاجيرِ | لَمْ يغتبطْ بالصّباح الجديدْ |
شاعر الخضراء
أبو القاسم الشابي هو شاعر تونسي لقب بشاعر الخضراء مجموعة مميزة من قصائد شاعر الخضراء.
إذا لم يكنْ من لقاءِ المنايا
| إذا لم يكنْ من لقاءِ المنايا | مناصٌ لمن حلَّ هذا الوجودْ |
| فأيُّ غَناءٍ لهذي الحياة | وهذا الصراعِ، العنيفِ، الّشديد |
| وذاك الجمال الذي لا يُملُّ | وتلك الأغاني،وذاكَ الّنشيد |
| وهذا الظلامِ، وذاك الضياءِ | وتلكَ النّجومِ، وهذا الصَّعيد |
| لماذا نمرّ بوادِي الزمان | سِراعاً، ولكنّنا لا نَعُود؟ |
| فنشرب من كلّ نبع شراباً | ومنهُ الرفيعُ، ومنه الزَّهيد؟ |
| ومنه اللذيذُ، ومنه الكريهُ، | ومنه المُشيدُ، ومنه الُمبيد |
| وَنَحْمِلُ عبْئاً من الذّكرياتِ | وتلكَ العهودَ التي لا تَعود |
| ونشهدُ أشكالَ هذي الوجوهِ | وفيها الشَّقيُّ، وفيها السَّعيدْ |
| وفيها البَديعُ، وفيها الشنيعُ، | وفيها الوديعُ، وفيها العنيدْ |
| فيصبحُ منها الوليُّ، الحميمُ، | ويصبحُ منها العدوُّ، الحقُودْ |
| غريبٌ لعَمْري بهذا الوجودْ | |
| أتيناه من عالمٍ، لا نراه | فُرادى ، فما شأنُ هذي الحقُودْ؟ |
| وما شأنُ هذا العَدَاءِ العنيفِ؟ | وما شأنُ هذا الإخاءِ الوَدودْ؟ |
ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ
| ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ | وَنِلنا كمالَ النُّفوسِ البعيدْ |
| فهل لا نَمَلُّ دوامَ البقاء؟ | وهل لا نَوَدُّ كمالا جديد |
| وكيف يكوننَّ هذا “الكمالُ”: | ماذا تراه؟ وكيف الحدود |
| وإنّ جمالَ «الكمال» «الطُّموحُ» | وما دامَ «فكراً» يُرَى من بعيدْ |
| فما سِحْرُهُ إنْ غدا «واقعاً» | يُحَسُّ، وأصبحَ شيئاً شهيدْ؟ |
| وهل ينطفي في النفوس الحنينُ | وتصبحُ أشواقُنا في خُمودْ |
| فلا تطمحُ النَّفْسُ فوقَ الكمالِ | |
| إذا لم يَزُل شوْقُها في الخلودِ | فذاكَ لعمري شقاءُ الجدود |
| وحربٌ، ضروسٌ،_ كاقد عهدتُ_ | وَنَصْرٌ، وكسرٌ وهمُّ مديدْ |
| وإن زال عنُها فذاك الفَناءُ | وإن كانَ في عَرَصات الخُلود |
أنتَ يا شعرُ، فلذة ٌ من فؤادي
| أنتَ يا شعرُ، فلذة ٌ من فؤادي | تتغنَّى ، وقطعة ُ من وجودي |
| فيكَ مَا في جوانحي مِنْ حَنينٍ | أبديِّ إلى صَميم الوجودِ |
| فيكَ مَا في خواطري من بكاءٍ | فيك ما في عواطفي مِنْ نَشيدِ |
| فيكَ ما في مَشَاعري مِنْ وُجومٍ | لا يغنِّي، ومن سرور عهيدِ |
| فيكَ ما في عَوَالمي مِنْ ظلامٍ | سرمديّ، ومن صباحٍ وليدِ |
| فيكَ ما في عَوَالمي من نجومٍ | ضاحكاتٍ خلف الغمام الشرودِ |
| فيكَ ما في عَوَالمي من ضَبَابِ | وسراب، ويقظة ، وهجودِ |
| فيكَ ما في طفولتي مِنْ سلامٍ، | وابتسامٍ، وغبطة ٍ، وَسُعودِ |
| فيكَ ما في شبيتي من حنينٍ، | وشجون، وبهجة ، وجمودِ |
| فيك- إن عانق الربيع فؤادي | تتثنَّى سَنَابلي وَوُرُودي |
| ويغنى الصّباحُ أنشودة َ الحب، | على مَسْمَعِ الشَّبابِ السَّعيدِ |
| ثم أجنى في صيْف أحلاميَ | الساحر ما لذَّ من ثمار الخلودِ |
| فيك يبدو خريفُ نفسي مَلُولاً، | شاحبَ اللون، عاريَ الأملود |
| حَلَّلْته الحَياة ُ بالحَزَنِ الدّا | هُتافُ السَّؤُوم والمُسْتَعيدِ |
| فيك يمشي شتاءُ أيَّاميَ البا | كي، وتُرغي صَوَاعقي وَرُعُودي |
| وتجفُّ الزهورُ في قلبيَ الدا | جي، وَتَهْوي إلى قرارٍ بعيدِ. |
| أنت يا شعرُ-قصة ٌ عن حَياتي | أنت يا شعرُ صورة ٌ من وجودي |
| أنت يا شعر-إن فرحتُ-أغاريدي | وإن غنَّت الكآبة -عودي |
| أنت ياشعرُ كأسُ خمرٍ عجيبٍ | أتلَّهى به خلال اللحودِ.. |
| أتحسَّاهُ في الصَّباحِ، لأنسى | ما تقضَّى في أمسيَ المفقودِ |
| وأناجيه في المساءِ، لِيُلْهِيَني | |
| أنتَ ما نِلْتُ من كهوفِ الليالي | وتصفَّحتُ من كتاب الخلودِ |
| فيك ما في الوجودِ مِنْ حَلَكٍ، دا | جٍ، وما فيه من ضياءٍ، بَعيدِ |
| فيك ما في الوجودِ من نَغَمٍ، | حُلْوٍ، وما فيه مِن ضَجيجٍ، شَديدِ |
| فيك ما في الوجودِ مِنْ جَبَلٍ، | وعْرٍ، وما فيه من حَضِيضٍ، وَهِيدِ |
| فيك ما في الوجودِ من حَسَكٍ، | يُدْمِي، وما فيه من غَضيضِ الورودِ |
يودُّ الفَتَى لو خاضَ عاصفة َ الرّدى
| يودُّ الفَتَى لو خاضَ عاصفة َ الرّدى | وصدَّ الخميسَ المَجْرَ، والأسَدَ الوَرْدَا |
| لِيُدْرِكَ أمجادَ الحُروبِ، وَلَوْ دَرى | حَقِيقَتَها مَا رام مِنْ بيْنها مَجْدا |
| فَما المجدُ في أنْ تُسْكِرَ الأرضَ بالدِّما | وتركَبَ في هيجائها فرَساً نهْدَا |
| ولكنّه في أن تَصُدَّ بهمَّة ٍ | عن العالَمِ المرزوءِ، فيْضَ الأسى صدَّا |
يا ليلُ! ما تصنعُ النفسُ التي سكنتْ
| يا ليلُ! ما تصنعُ النفسُ التي سكنتْ | هذا الوجودَ، ومِنْ أعدائها القَدَرُ؟ |
| ترضى وَتَسْكُتُ؟ هذا غيرُ محتَمَلٍ! | إذاً، فهل ترفضُ الدنيا، وتنتحرُ؟ |
| وذا جنونٌ، لَعَمْري، كلُّه جَزَعٌ | باكٍ، ورأيٌ مريضٌ، كُلُّه خَوَرُ! |
| فإنما الموتُ ضَرْبٌ من حَبائِله | لا يُفلتُ الخلقُ ما عاشوا، فما النَّظرُ؟ |
| هذا هو اللّغْزُ، عَمَّاهُ وعَقَّدَهُ | على الخليقة ِ، وحْشٌ، فاتكٌ حذِرُ |
| قد كَبَّلَ القدرُ الضّاري فرائسَه | فما استطاعُو له دفْعاً، ولا حَزَروا |
| وخاطَ أعينَهم، كي لا تُشَاهِدَهُ | عينٌ، فتعلمَ ما يأتي وما يذرُ |
| وَحَاطَهُمْ بفنونٍ من حَبَائِلِهِ | فما لَهُمْ أبداً مِنْ بطشِه وَزرُ |
| لا الموتُ يُنقذُهم من هَوْل صولَتهِ | ولا الحياة ُ، تَسَاوَى النّاسُ والحَجَرُ! |
| حَارَ المساكينُ، وارتاعُوا، وأَعْجَزَهم | أن يحذروهُ، وهَلْ يُجْديهمُ الحذرُ |
| وَهُمْ يعيشونَ في دنيا مشيَّدة ٍ | منَ الخطوب، وكونٍ كلَّه خَطرُ؟ |
| وكيف يحذرُ أعمَى ، مُدْلِجٌ، تَعِبٌ | هولَ الظَّلامِ، ولا عَزمٌ ولا بَصَرُ؟ |
| قد أيقنوا أنه لا شيءَ يُنقذهُم | فاستسلموا لِسُكُونِ الرُّعْبِ، وانتظروا.. |
| ولو رأوه لسَارتْ كي تحارِبَه | مِنَ الورى زُمَرٌ، في إثرِهَا زُمَرُ |
| وثارت الجنّ، والأملاك ناقمة ً | والبحرُ، والبَرُّ، والأفلاكُ، والعُصُر |
| لكنه قوَّة ٌ تُملي إرادتها | سِرَّا، فَنَعْنو لها قهراً، ونأتمرُ |
| حقيقة مُرَّة ، يا ليلُ، مُبْغَضَة ٌ | كالموت، لكنْ إليها الوِرْدُ والصَّدَرُ |
| تَنَهَّدَ اللَّيْلُ، حتَّى قلتُ: «قد نُثِرَتْ | تلك النجومُ، ومات الجنُّ والبشرُ |
| وَعَاد للصّمتِ..، يُصغي في كآبته | كالفيلسوف-إلى الدنيا، ويفتكرُ.. |
| وقَهْقَهَ القَدرُ الجبّارُ، سخرية ً | بالكائنات. تَضَاحَكْ أيّها القدرُ! |
| تمشي إلى العَدَمِ المحتومِ، باكية ً | طوائفُ الخلق، والأشكالُ والصورُ |
| وأنتَ فوقَ الأسى والموت، مبتسمٌ | ترنو إلى الكون، يُبْنَى ، ثمّ يندَثِرُ |