أُعِدَّتِ الراحَةُ الكُبرى لِمَن تَعِبا | وَفازَ بِالحَقِّ مَن يَألُهُ طَلَبا |
وَما قَضَت مِصرُ مِن كُلِّ لُبانَتَها | حَتّى تَجُرَّ ذُيولَ الغِبطَةِ القُشُبا |
في الأَمرِ ما فيهِ مِن جِدٍّ فَلا تَقِفوا | مِن واقِعٍ جَزَعاً أَو طائِرٍ طَرَبا |
لا تُثبِتُ العَينُ شَيئاً أَو تُحَقِّقُهُ | إِذا تَحَيَّرَ فيها الدَمعُ وَاِضطَرَبا |
وَالصُبحُ يُظلِمُ في عَينَيكِ ناصِعُهُ | إِذا سَدَلتَ عَلَيكَ الشَكَّ وَالرِيَبا |
إِذا طَلَبتَ عَظيماً فَاِصبِرَنَّ لَهُ | أَو فَاِحشُدَنَّ رِماحَ الخَطِّ وَالقُضُبا |
وَلا تُعِدَّ صَغيراتِ الأُمورِ لَهُ | إِنَّ الصَغائِرَ لَيسَت لِلعُلا أُهُبا |
وَلَن تَرى صُحبَةً تُرضى عَواقِبُها | كَالحَقِّ وَالصَبرِ في أَمرٍ إِذا اِصطَحَبا |
إِنَّ الرِجالَ إِذا ما أُلجِئوا لَجَئوا | إِلى التَعاوُنِ فيما جَلَّ أَو حَزَبا |
لا رَيبَ أَنَّ خُطا الآمالِ واسِعَةٌ | وَأَنَّ لَيلَ سُراها صُبحُهُ اِقتَرَبا |
وَأَنَّ في راحَتَي مِصرٍ وَصاحِبِها | عَهداً وَعَقداً بِحَقٍّ كانَ مُغتَصَبا |
قَد فَتَّحَ اللَهُ أَبواباً لَعَلَّ لَنا | وَراءَها فُسَحَ الآمالِ وَالرُحُبا |
لَولا يَدُ اللَهِ لَم نَدفَع مَناكِبَها | وَلَم نُعالِج عَلى مِصراعِها الأَرَبا |
لا تَعدَمُ الهِمَّةُ الكُبرى جَوائِزَها | سِيّانِ مَن غَلَبَ الأَيّامَ أَو غُلِبا |
وَكُلُّ سَعيٍ سَيَجزي اللَهُ ساعِيَهُ | هَيهاتَ يَذهَبُ سَعيَ المُحسِنينَ هَبا |
لَم يُبرِمِ الأَمرَ حَتّى يَستَبينَ لَكُم | أَساءَ عاقِبَةً أَم سَرَّ مُنقَلَبا |
نِلتُم جَليلاً وَلا تُعطونَ خَردَلَةً | إِلّا الَّذي دَفَعَ الدُستورُ أَو جَلَبا |
تَمَهَّدَت عَقَباتٌ غَيرُ هَيِّنَةٍ | تَلقى رُكابُ السُرى مِن مِثلِها نَصَبا |
وَأَقبَلَت عَقَباتٌ لا يُذَلِّلُها | في مَوقِفِ الفَصلِ إِلّا الشَعبُ مُنتَخَبا |
لَهُ غَداً رَأيُهُ فيها وَحِكمَتُهُ | إِذا تَمَهَّلَ فَوقَ الشَوكِ أَو وَثَبا |
كَم صَعَّبَ اليَومُ مِن سَهلٍ هَمَمتَ بِهِ | وَسَهَّلَ الغَدُ في الأَشياءِ ما صَعُبا |
ضَمّوا الجُهودَ وَخَلوُها مُنَكَّرَةً | لا تَملَئوا الشَدقَ مِن تَعريفِها عَجَبا |
أَفي الوَغى وَرَحى الهَيجاءِ دائِرَةٌ | تُحصونَ مَن ماتَ أَو تُحصونَ ما سُلِبا |
خَلّوا الأَكاليلَ لِلتاريخِ إِنَّ لَهُ | يَداً تُؤَلِّفُها دُرّاً وَمَخشَلَبا |
أَمرُ الرِجالِ إِلَيهِ لا إِلى نَفَرٍ | مِن بَينِكُم سَبَقَ الأَنباءَ وَالكُتُبا |
أَملى عَلَيهِ الهَوى وَالحِقدُ فَاِندَفَعَت | يَداهُ تَرتَجِلانِ الماءَ وَاللَهَبا |
إِذا رَأَيتَ الهَوى في أُمَّةٍ حَكَماً | فَاِحكُم هُنالِكَ أَنَّ العَقلَ قَد ذَهَبا |
قالوا الحِمايَةُ زالَت قُلتُ لا عَجَبٌ | بَل كانَ باطِلُها فيكُم هُوَ العَجَبا |
رَأسُ الحِمايَةِ مَقطوعٌ فَلا عَدِمَت | كِنانَةُ اللَهِ حَزماً يَقطَعُ الذَنَبا |
لَو تَسأَلونَ أَلِنبي يَومَ جَندَلَها | بِأَيِّ سَيفٍ عَلى يافوخِها ضَرَبا |
أَبا الَّذي جَرَّ يَومَ السِلمِ مُتَّشِحاً | أَم بِالَّذي هَزَّ يَومَ الحَربِ مُختَضِبا |
أَم بِالتَكاتُفِ حَولَ الحَقِّ في بَلَدٍ | مِن أَربَعينَ يُنادي الوَيلَ وَالحَرَبا |
يا فاتِحَ القُدسِ خَلِّ السَيفَ ناحِيَةً | لَيسَ الصَليبُ حَديداً كانَ بَل خَشَبا |
إِذا نَظَرتَ إِلى أَينَ اِنتَهَت يَدُهُ | وَكَيفَ جاوَزَ في سُلطانِهِ القُطُبا |
عَلِمتَ أَنَّ وَراءَ الضَعفِ مَقدِرَةً | وَأَنَّ لِلحَقِّ لا لِلقُوَّةِ الغَلَبا |
امير الشعراء
هو لقب للشاعر الكبير أحمد شوقي وهو شاعر مصري من شعراء العصر الحديث.
سينية
اختلاف النهار والليل ينسي | اذكرا لي الصبا وأيام أنسي |
وصفا لي ملاوة من شباب | صورت من تصورات ومس |
عصفت كالصبا اللعوب ومرت | سنة حـلوة ولذة خلس |
وسلا مصر: هل سلا القلب عنها | أو أسا جرحه الزمان المؤسي |
كلما مرت الـليالـي عليه | رق، والعهد فـي الليالي تقسي |
مستطار إذا البواخر رنت | أول الليل، أو عوت بعد جرس |
راهب في الضلوع للسفن فطن | كلما ثرن شاعهن بنقس |
يا ابنة اليم، ما أبـوك بـخيل | ماله مولعاً بمنع وحبس |
أحرام على بلابـله الدوح | حلال للطير من كل جنس؟ |
كل دار أحق بالأهل إلا | في خبيث من المذاهب رجس |
نفسي مرجل، وقلبي شراع | بهما في الدموع سيري وأرسي |
واجعلي وجهك (الفنار) ومجراك | يـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس) |
وطـني لو شغلت بالخلد عنه | نازعتني إليه في الخلد نفسي |
وهـفا بالفؤاد في سلسبيل | ظمأ للسواد مـن (عين شمس) |
شهد الله لم يغب عن جـفوني | شخصه ساعة ولم يخل حسي |
يا فؤادي لكل أمر قرار | فيه يبدو وينجلي بعد لبس |
عقلت لجة الأمور عقولاً | طالت الحوت طول سبح وغس |
غرقت حيث لا يصاح بطاف | أو غريق، ولا يصاخ لحس |
فلـك يكسف الشموس نـهـاراً | ويسوم البدور ليلة وكس |
ومواقيت للأمور إذا ما | بلغتها الأمور صارت لعكس |
دول كالرجال مرتهنـات | بقيام من الجدود وتعس |
وليال من كل ذات سوار | لطمت كل رب (روم) و(فرس) |
سددت بالهلال قوساً وسلت | خنجراً ينفذان من كل ترس |
حكمت في القرون (خوفو) و(دارا) | وعفت (وائلاً) وألوت (بعبس) |
أين (مروان) في المشارق عرش | أموي وفي الـمغارب كرسي؟ |
سقمت شمسهم فرد عليها | نورها كل ثاقب الرأي نطس |
ثم غابت وكل شمس سوى هاتيك | تبلى، وتنطوي تحت رمس |
وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى) | شفتني القصور من (عبد شمس) |
رب ليل سريت والبرق طرفي | وبساط طويت والريح عنسي |
أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغرب | وأطوي البلاد حزنـاً لدهس |
في ديار من الخلائف درس | ومـنار من الطوائف طمس |
وربى كالجنان في كنف الزيتون | خضر، وفي ذرا الكرم طلس |
لم يرعـني سوى ثرى قرطبي | لمست فيه عبرة الدهر خمسي |
يا وقى الله ما أصبح منه | وسقى صفوت الحيا ما أمسي |
قرية لا تعد في الأرض كنت | تمسك الأرض أن تميد وترسي |
غشيت ساحل المحيط وغطت | لجة الروم من شراع وقلس |
ركب الدهر خاطري في ثراها | فأتى ذلك الحمى بــعد حدس |
فتجلت لي القصور ومن فيها | من العز في منازل قعس |
سنة من كرى وطيف أمـان | وصحا القلب مـن ضلال وهجس |
وإذا الدار ما بها من أنيس | وإذا القوم ما لهم من محس |
ورقيق من البيوت عتيق | جاوز الألف غير مذموم حرس |
أثر من (محمد) وتراث | صار (للروح) ذي الولاء الأمس |
بلغ النجم ذروة وتناهى | بين (ثهلان) في الأساس و(قدس) |
مرمر تسبح النواظر فيه | ويطول المدى عليها فترسي |
وسوار كأنها في استواء | ألفات الوزير في عرض طرس |
فترة الدهر قد كست سطريها | ما اكتسى الهدب من فتور ونعس |
ويحها! كم تزينت لعليم | واحد الدهر واستعدت لخمس |
وكأن الرفيف في مسرح العين | ملاء مدنرات الدمقس |
ومكان الكتاب يغريك رياً | ورده غائباً فتدنو للمس |
صنعة (الداخل) المبارك في | الغرب وآل له ميامين شمس |
من (لحمراء) جللت بغبار | الدهر كالجرح بين بـرء ونكس |
كسنا البرق لو محا الضوء لحظاً | لمحتها العيون من طول قبس |
حصن (غرناطة) ودار بني الأحمر | من غافل ويقظان ندس |
جلل الثلج دونها رأس (شيرى) | فبدا منه في عـصائب برس |
سرمد شيبه، ولم أر شيئاً | قبله يـرجى البقاء وينسي |
مشت الحادثات في غرف (الحمراء) | مشي النعي في دار عرس |
هتكت عزة الحجاب وفضت | سدة الباب من سمير وأنسي |
عرصات تخلت الخيل عنها | واستراحت من احتراس وعس |
ومغان على الليالي وضاء | لم تجد للعشي تكرار مس |
لا ترى غير وافدين على التاريخ | ساعين في خشوع ونكس |
نقلوا الطـرف في نضارة آس | من نقوش، وفي عصارة ورس |
وقباب من لازورد وتبر | كالربى الشم بين ظل وشمس |
وخطوط تكفلت للمعاني | ولألفاظها بأزيـن لبس |
وترى مجلس السباع خلاء | مقفر القاع من ظباء وخنس |
لا (الثريا) ولا جواري الثريا | يتنزلن فيه أقمار إنس |
مرمر قامت الأسود عليه | كلة الظفر لينات المجس |
تنثر الماء في الحياض جماناً | يـتنزى على ترائب ملس |
آخر العهد بالجزيرة كانت | بعد عرك من الزمان وضرس |
فتراها تقول: راية جيش | باد بالأمس بـين أسر وحـس |
ومفاتيحها مقاليد ملك | باعها الوارث المضـيع ببخس |
خرج القوم في كتائب صم | عن حفاظ كموكب الدفن خرس |
ركبوا بالبحار نعشاً وكانت | تحت آبائهم هي العرش أمس |
رب بان لهادم، وجموع | لمشت ومحسن لمخس |
إمرة الناس همة لا تأنى | لجبــان ولا تسنى لجبس |
يا دياراً نزلت كالخلد ظلاً | وجـنى دانياً وسلسال أنس |
محسنات الفصول لا نـاجر فيها | بقيظ ولا جمادى بـقرس |
لا تحش العيون فوق ربــاها | غير حور حو المراشف لعس |
كسيت أفرخي بظلك ريشاً | وربا في رباك واشتد غرسي |
هم بنو مصر لا الجميل لديهم | بمضاع ولا الصنيع بمنسي |
من لسان على ثنائك وقف | وجنان على ولائك حبس |
حسبهم هذه الطلول عظات | من جديد على الدهور ودرس |
وإذا فاتك التفات إلى الماضي | فقد غاب عنك وجه التأسي |
شيعت أحلامي بقلب باك
شَيَّعتُ أَحلامي بِقَلبٍ باكِ | وَلَمَمتُ مِن طُرُقِ المِلاحِ شِباكي |
وَرَجَعتُ أَدراجَ الشَبابِ وَوَردِهِ | أَمشي مَكانَهُما عَلى الأَشواكِ |
وَبِجانِبي واهٍ كَأنَّ خُفوقَهُ | لَمّا تَلَفَّتَ جَهشَةُ المُتَباكي |
شاكي السِلاحِ إِذا خَلا بِضُلوعِهِ | فَإِذا أُهيبَ بِهِ فَلَيسَ بِشاكِ |
قَد راعَهُ أَنّي طَوَيتُ حَبائِلي | مِن بَعدِ طولِ تَناوُلٍ وَفِكاكِ |
وَيحَ اِبنِ جَنبي كُلُّ غايَةِ لَذَّةٍ | بَعدَ الشَبابِ عَزيزَةُ الإِدراكِ |
لَم تُبقِ مِنّا يا فُؤادُ بَقِيَّةً | لِفُتُوَّةٍ أَو فَضلَةٌ لِعِراكِ |
كُنّا إِذا صَفَّقتَ نَستَبِقُ الهَوى | وَنَشُدُّ شَدَّ العُصبَةِ الفُتّاكِ |
وَاليَومَ تَبعَثُ فِيَّ حينَ تَهَزُّني | ما يَبعَثُ الناقوسُ في النُسّاكِ |
يا جارَةَ الوادي طَرِبتُ وَعادَني | ما يُشبِهُ الأَحلامَ مِن ذِكراكِ |
مَثَّلتُ في الذِكرى هَواكِ وَفي الكَرى | وَالذِكرَياتُ صَدى السِنينِ الحاكي |
وَلَقَد مَرَرتُ عَلى الرِياضِ بِرَبوَةٍ | غَنّاءَ كُنتُ حِيالَها أَلقاكِ |
ضَحِكَت إِلَيَّ وُجوهُها وَعُيونُها | وَوَجَدتُ في أَنفاسِها رَيّاكِ |
فَذَهبتُ في الأَيّامِ أَذكُرُ رَفرَفاً | بَينَ الجَداوِلِ وَالعُيونِ حَواكِ |
أَذَكَرتِ هَروَلَةَ الصَبابَةِ وَالهَوى | لَمّا خَطَرتِ يُقَبِّلانِ خُطاكِ |
لَم أَدرِ ماطيبُ العِناقِ عَلى الهَوى | حَتّى تَرَفَّقَ ساعِدي فَطواكِ |
وَتَأَوَّدَت أَعطافُ بانِكِ في يَدي | وَاِحمَرَّ مِن خَفرَيهِما خَدّاكِ |
وَدَخَلتُ في لَيلَينِ فَرعِكِ وَالدُجى | وَلَثَمتُ كَالصُبحِ المُنَوِّرِ فاكِ |
وَوَجدتُ في كُنهِ الجَوانِحِ نَشوَةً | مِن طيبِ فيكِ وَمِن سُلافِ لَماكِ |
وَتَعَطَّلَت لُغَةُ الكَلامِ وَخاطَبَت | عَينَيَّ في لُغَةِ الهَوى عَيناكِ |
وَمَحَوتُ كُلَّ لُبانَةٍ مِن خاطِري | وَنَسيتُ كُلَّ تَعاتُبٍ وَتَشاكي |
لا أَمسَ مِن عُمرِ الزَمانِ وَلا غَدٌ | جُمِعَ الزَمانُ فَكانَ يَومَ رِضاكِ |
لُبنانُ رَدَّتني إِلَيكَ مِنَ النَوى | أَقدارُ سَيرٍ لِلحَياةِ دَراكِ |
جَمَعَت نَزيلَي ظَهرِها مِن فُرقَةٍ | كُرَةٌ وَراءَ صَوالِجِ الأَفلاكِ |
نَمشي عَلَيها فَوقَ كُلِّ فُجاءَةٍ | كَالطَيرِ فَوقَ مَكامِنِ الأَشراكِ |
وَلَو أَنَّ بِالشَوقُ المَزارُ وَجَدتَني | مُلقى الرِحالِ عَلى ثَراكِ الذاكي |
بِنتَ البِقاعِ وَأُمَّ بَردونِيَّها | طيبي كَجِلَّقَ وَاِسكُبي بَرداكِ |
وَدِمَشقُ جَنّاتُ النَعيمِ وَإِنَّما | أَلفَيتُ سُدَّةَ عَدنِهِنَّ رُباكِ |
قَسَماً لَوِ اِنتَمَتِ الجَداوِلُ وَالرُبا | لَتَهَلَّلَ الفِردَوسُ ثُمَّ نَماكِ |
مَرآكِ مَرآهُ وَعَينُكِ عَينُهُ | لِم يا زُحَيلَةُ لا يَكونُ أَباكِ |
تِلكَ الكُرومُ بَقِيَّةٌ مِن بابِلٍ | هَيهاتَ نَسيَ البابِلِيِّ جَناكِ |
تُبدي كَوَشيِ الفُرسِ أَفتَنَ صِبغَةٍ | لِلناظِرينَ إِلى أَلَذِّ حِياكِ |
خَرَزاتِ مِسكٍ أَو عُقودَ الكَهرَبا | أودِعنَ كافوراً مِنَ الأَسلاكِ |
فَكَّرتُ في لَبَنِ الجِنانِ وَخَمرِها | لَمّا رَأَيتُ الماءَ مَسَّ طِلاكِ |
لَم أَنسَ مِن هِبَةِ الزَمانِ عَشِيَّةً | سَلَفَت بِظِلِّكِ وَاِنقَضَت بِذَراكِ |
كُنتِ العَروسَ عَلى مَنَصَّةِ جِنحِها | لُبنانُ في الوَشيِ الكَريمِ جَلاكِ |
يَمشي إِلَيكِ اللَحظُ في الديباجِ أَو | في العاجِ مِن أَيِّ الشِعابِ أَتاكِ |
ضَمَّت ذِراعَيها الطَبيعَةُ رِقَّةً | صِنّينَ وَالحَرَمونَ فَاِحتَضَناكِ |
وَالبَدرُ في ثَبَجِ السَماءِ مُنَوِّرٌ | سالَت حُلاهُ عَلى الثَرى وَحُلاكِ |
وَالنَيِّراتُ مِنَ السَحابِ مُطِلَّةٌ | كَالغيدِ مِن سِترٍ وَمِن شُبّاكِ |
وَكَأَنَّ كُلَّ ذُؤابَةٍ مِن شاهِقٍ | رُكنُ المَجرَّةِ أَو جِدارُ سِماكِ |
سَكَنَت نَواحي اللَيلِ إِلّا أَنَّةً | في الأَيكِ أَو وَتَراً شَجِيَ حِراكِ |
شَرَفاً عَروسَ الأَرزِ كُلُّ خَريدَةٍ | تَحتَ السَماءِ مِنَ البِلادِ فِداكِ |
رَكَزَ البَيانُ عَلى ذَراكِ لِوائَهُ | وَمَشى مُلوكُ الشِعرِ في مَغناكِ |
أُدَباؤُكِ الزُهرُ الشُموسُ وَلا أَرى | أَرضاً تَمَخَّضُ بِالشُموسِ سِواكِ |
مِن كُلِّ أَروَعَ عِلمُهُ في شِعرِهِ | وَيَراعُهُ مِن خُلقِهِ بِمَلاكِ |
جَمعَ القَصائِدَ مِن رُباكِ وَرُبَّما | سَرَقَ الشَمائِلَ مِن نَسيمِ صَباكِ |
موسى بِبابِكِ في المَكارِمِ وَالعُلا | وَعَصاهُ في سِحرِ البَيانِ عَصاكِ |
أَحلَلتِ شِعري مِنكِ في عُليا الذُرا | وَجَمَعتِهِ بِرِوايَةِ الأَملاكِ |
إِن تُكرِمي يا زَحلُ شِعري إِنَّني | أَنكَرتُ كُلَّ قَصيدَةٍ إِلّاكِ |
أَنتِ الخَيالُ بَديعُهُ وَغَريبُهُ | اللَهُ صاغَكِ وَالزَمانُ رَواكِ |