جَلَلاً كمَا بي فَلْيَكُ التّبْريحُ | أغِذاءُ ذا الرّشإِ الأغَنّ الشّيحُ |
لَعِبَتْ بمَشيَتِهِ الشَّمولُ وغادرَتْ | صَنَماً منَ الأصنامِ لَوْلا الرّوحُ |
ما بالُهُ لاحَظْتُهُ فتَضَرّجَتْ | وَجنَاتُهُ وفُؤادِيَ المَجْرُوحُ |
وَرَمَى وما رَمَتَا يَداهُ فَصابَني | سَهْمٌ يُعَذِّبُ والسّهامُ تُريحُ |
قَرُبَ المَزَارُ ولا مَزارَ وإنّما | يَغدو الجَنانُ فَنَلْتَقي ويَرُوحُ |
وفَشَتْ سَرائرُنا إلَيكَ وشَفّنا | تَعريضُنا فبَدا لَكَ التّصريحُ |
لمّا تَقَطّعَتِ الحُمُولُ تَقَطّعَتْ | نَفْسِي أسًى وكأنّهُنّ طُلُوحُ |
وَجَلا الوَداعُ من الحَبيبِ مَحاسِناً | حُسْنُ العَزاءِ وقد جُلينَ قَبيحُ |
فَيَدٌ مُسَلِّمَةٌ وطَرْفٌ شاخِصٌ | وحَشاً يَذوبُ ومَدْمَعٌ مَسفُوحُ |
يجدُ الحَمامُ ولوْ كوَجدي لانْبَرَى | شَجَرُ الأراكِ مَعَ الحَمامِ يَنُوحُ |
وأمَقَّ لوْ خَدَتِ الشّمالُ براكِبٍ | في عَرْضِهِ لأناخَ وَهْيَ طَليحُ |
نازَعْتُهُ قُلُصَ الرّكابِ ورَكْبُها | خَوْفَ الهَلاكِ حُداهُمُ التّسبيحُ |
لَوْلا الأميرُ مُساوِرُ بنُ مُحَمّدٍ | ما جُشّمَتْ خَطَراً وَرُدّ نَصِيحُ |
ومتى وَنَتْ وأبُو المُظَفَّرِ أمُّها | فأتاحَ لي وَلَها الحِمامَ مُتِيحُ |
شِمْنا وما حُجِبَ السّماءُ بُرُوقَهُ | وحَرًى يَجُودُ وما مَرَتْهُ الرّيحُ |
مَرْجُوُّ مَنْفَعَةٍ مَخُوفُ أذِيّةٍ | مَغْبُوقُ كأسِ مَحامِدٍ مَصبوحُ |
حَنِقٌ على بِدَرِ اللُّجَينِ وما أتَتْ | بإساءَةٍ وعَنِ المُسِيءِ صَفُوحُ |
لَوْ فُرّقَ الكَرَمُ المُفَرِّقُ مالَهُ | في النّاسِ لم يَكُ في الزّمانِ شَحيحُ |
ألْغَتْ مَسامِعُهُ المَلامَ وغادَرَتْ | سِمَةً على أنْفِ اللّئَامِ تَلُوحُ |
هذا الذي خَلَتِ القُرُونُ وذِكْرُهُ | وحَديثُهُ في كُتْبِها مَشْرُوحُ |
ألْبابُنا بِجَمَالِهِ مَبْهُورَةٌ | وسَحابُنا بِنَوالِهِ مَفضُوحُ |
يَغشَى الطّعانَ فَلا يَرُدّ قَنَاتَهُ | مكسُورَةً ومِنَ الكُماةِ صَحيحُ |
وعلى التّرابِ منَ الدّماءِ مَجاسِدٌ | وعلى السّماءِ منَ العَجاجِ مُسُوحُ |
يَخْطُو القَتيلَ إلى القَتيلِ أمَامَهُ | رَبُّ الجَوادِ وخَلْفَهُ المَبْطُوحُ |
فمَقيلُ حُبّ مُحبّه فَرِحٌ بِهِ | ومَقيلُ غَيظِ عَدُوِّهِ مَقْرُوحُ |
يُخْفي العَداوَةَ وهيَ غَيرُ خَفِيّةٍ | نَظَرُ العَدُوّ بِمَا أسَرّ يَبُوحُ |
يا ابنَ الذي ما ضَمّ بُرْدٌ كابنِهِ | شَرَفاً ولا كالجَدّ ضَمّ ضَريحُ |
نَفْديكَ من سَيْلٍ إذا سُئِلَ النّدَى | هَوْلٍ إذا اخْتَلَطا دَمٌ ومَسيحُ |
لَوْ كُنتَ بحراً لم يكُنْ لكَ ساحِلٌ | أو كنتَ غَيثاً ضاقَ عنكَ اللُّوحُ |
وخَشيتُ منكَ على البِلادِ وأهلِها | ما كانَ أنذَرَ قَوْمَ نُوحٍ نُوحُ |
عَجْزٌ بِحُرٍّ فَاقَةٌ وَوَراءَهُ | رِزْقُ الإل?هِ وبابُكَ المَفْتُوحُ |
إنّ القَرِيضَ شَجٍ بِعطْفي عائِذٌ | من أنْ يكونَ سَوَاءَكَ المَمْدوحُ |
وذَكيّ رائحَةِ الرّياضِ كَلامُها | تَبْغي الثّنَاءَ على الحَيَا فَتَفُوحُ |
جُهْدُ المُقِلّ فكَيفَ بابنِ كَريمَةٍ | تُوليهِ خَيراً واللّسانُ فَصيحُ |
قصيدة المتنبي
أروع أبيات الشعر العربي للشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي قصيدة المتنبي الرائعة من أجمل القصائد.
جاريَةٌ ما لجِسْمِها رُوحُ
جاريَةٌ ما لجِسْمِها رُوحُ | بالقَلبِ مِنْ حُبّها تَباريحُ |
في كَفّها طاقَةٌ تُشِيرُ بهَا | لكُلّ طِيبٍ مِنْ طيبِها رِيحُ |
سأشرَبُ الكأْسَ عن إشارَتِها | ودَمعُ عَيني في الخَدِّ مَسفوحُ |
يُقاتِلُني عَلَيْكَ اللّيْلُ جِدّاً
يُقاتِلُني عَلَيْكَ اللّيْلُ جِدّاً | ومُنصَرَفي لَهُ أمضَى السّلاحِ |
لأنّي كُلّما فارَقْتَ طَرْفي | بَعيدٌ بَينَ جَفْني والصّباحِ |
أباعِثَ كُلّ مَكْرُمَةٍ طَمُوحِ
أباعِثَ كُلّ مَكْرُمَةٍ طَمُوحِ | وفارِسَ كُلّ سَلْهَبَةٍ سَبوحِ |
وطاعِنَ كلّ نَجْلاءٍ غَمُوسٍ | وعاصِيَ كلّ عَذّالٍ نَصِيحِ |
سَقاني الله قَبلَ المَوْتِ يَوْماً | دَمَ الأعداءِ من جوْفِ الجُرُوحِ |
وطائِرَةٍ تَتَبّعُهَا المَنَايَا
وطائِرَةٍ تَتَبّعُهَا المَنَايَا | على آثارِها زَجِلُ الجَنَاحِ |
كأنّ الرّيشَ منهُ في سِهَامٍ | على جَسَدٍ تَجَسّمَ من رِياحِ |
كأنّ رُؤوسَ أقْلامٍ غِلاظٍ | مُسِحنَ برِيشِ جُؤجؤهِ الصِّحاحِ |
فأقْعَصَها بحُجْنٍ تَحْتَ صُفْرٍ | لهَا فِعْلُ الأسِنّةِ والصِّفَاحِ |
فقُلتُ لكُلّ حَيٍّ يَوْمُ سُوءٍ | وإنْ حَرصَ النّفُوسُ على الفَلاحِ |
مَا سَدِكَتْ عِلّةٌ بمَوْرُودِ
مَا سَدِكَتْ عِلّةٌ بمَوْرُودِ | أكْرَمَ مِنْ تَغْلِبَ بنِ داوُدِ |
يأنَفُ مِنْ مِيتَةِ الفِراشِ وَقَدْ | حَلّ بِهِ أصْدَقُ المَوَاعيدِ |
وَمِثْلُهُ أنْكَرَ المَمَاتَ عَلى | غَيرِ سُرُوجِ السّوابِحِ القُودِ |
بَعْدَ عِثَارِ القَنَا بلَبّتِهِ | وَضَرْبِهِ أرْؤسَ الصّنَاديدِ |
وَخَوْضِهِ غَمْرَ كُلّ مَهْلَكَةٍ | للذِّمْرِ فيها فُؤادُ رِعْديدِ |
فإنْ صَبَرْنَا فَإنّنَا صُبُرٌ | وَإنْ بَكَيْنَا فَغَيْرُ مَرْدودِ |
وَإنْ جَزِعْنَا لَهُ فَلا عَجَبٌ | ذا الجَزْرُ في البَحْرِ غَيرُ مَعهُودِ |
أينَ الهِبَاتُ التي يُفَرّقُهَا | على الزَّرَافَاتِ وَالمَوَاحِيدِ |
سالِمُ أهْلِ الوِدادِ بَعْدَهُمُ | يَسْلَمُ للحُزْنِ لا لِتَخْليدِ |
فَمَا تَرَجّى النّفوسُ مِنْ زَمَنٍ | أحْمَدُ حالَيْهِ غَيرُ مَحْمُودِ |
إنّ نُيُوبَ الزّمَانِ تَعْرِفُني | أنَا الذي طالَ عَجْمُها عُودي |
وَفيّ ما قَارَعَ الخُطُوبَ ومَا | آنَسَني بالمَصائِبِ السُّودِ |
ما كُنْتَ عَنْهُ إذِ اسْتَغاثَكَ يا | سَيْفَ بَني هاشِمٍ بمَغْمُودِ |
يا أكْرَمَ الأكْرَمينَ يا مَلِكَ الـ | ـأمْلاكِ طُرّاً يا أصْيَدَ الصِّيدِ |
قَدْ ماتَ مِنْ قَبْلِها فَأنْشَرَهُ | وَقْعُ قَنَا الخَطّ في اللّغاديدِ |
وَرَمْيُكَ اللّيْلَ بالجُنُودِ وَقَدْ | رَمَيْتَ أجْفانَهُمْ بتَسْهيدِ |
فَصَبّحَتْهُمْ رِعَالُهَا شُزَّباً | بَينَ ثُباتٍ إلى عَبَادِيدِ |
تَحْمِلُ أغْمادُهَا الفِداءَ لَهُمْ | فانْتَقَدُوا الضّرْبَ كالأخاديدِ |
مَوْقِعُهُ في فَراشِ هَامِهِمِ | وَرِيحُهُ في مَنَاخِرِ السِّيدِ |
أفْنى الحَيَاةَ التي وَهَبْتَ لَهُ | في شَرَفٍ شَاكِراً وَتَسْوِيدِ |
سَقيمَ جِسْمٍ صَحيحَ مَكْرُمَةٍ | مَنجُودَ كَرْبٍ غِياثَ مَنجُودِ |
ثُمّ غَدَا قَيْدهُ الحِمَامَ وَمَا | تَخْلُصُ مِنْهُ يَمينُ مَصْفُودِ |
لا يَنقُصُ الهالِكُونَ مِنْ عَدَدٍ | مِنْهُ عَليٌّ مُضَيِّقُ البِيدِ |
تَهُبّ في ظَهْرِهَا كَتائِبُهُ | هُبُوبَ أرْواحِهَا المَراوِيدِ |
أوّلَ حَرْفٍ مِنِ اسمِهِ كَتَبَتْ | سَنَابِكُ الخَيلِ في الجَلاميدِ |
مَهْمَا يُعَزِّ الفَتى الأميرَ بِهِ | فَلا بإقْدامِهِ وَلا الجُودِ |
وَمِنْ مُنَانَا بَقَاؤهُ أبَداً | حَتى يُعَزّى بكُلّ مَوْلُودِ |