فَدَيْناكَ مِنْ رَبْعٍ وَإنْ زِدْتَنَا كرْبا | فإنّكَ كنتَ الشرْقَ للشمسِ وَالغَرْبَا |
وَكَيفَ عَرَفْنا رَسْمَ مَنْ لم يدَعْ لَنا | فُؤاداً لِعِرْفانِ الرّسومِ وَلا لُبّا |
نَزَلْنَا عَنِ الأكوارِ نَمشِي كَرامَةً | لمَنْ بَانَ عَنهُ أنْ نُلِمّ بهِ رَكْبَا |
نَذُمُّ السّحابَ الغُرَّ في فِعْلِهَا بِهِ | وَنُعرِضُ عَنها كُلّما طَلَعتْ عَتْبَا |
وَمن صَحِبَ الدّنيا طَوِيلاً تَقَلّبَتْ | على عَيْنِهِ حتى يَرَى صِدْقَها كِذبَا |
وَكيفَ التذاذي بالأصائِلِ وَالضّحَى | إذا لم يَعُدْ ذاكَ النّسيمُ الذي هَبّا |
ذكرْتُ بهِ وَصْلاً كأنْ لم أفُزْ بِهِ | وَعَيْشاً كأنّي كنتُ أقْطَعُهُ وَثْبَا |
وَفَتّانَةَ العَيْنَينِ قَتّالَةَ الهَوَى | إذا نَفَحَتْ شَيْخاً رَوَائِحُها شَبّا |
لهَا بَشَرُ الدُّرّ الذي قُلّدَتْ بِهِ | وَلم أرَ بَدْراً قَبْلَهَا قُلّدَ الشُّهْبَا |
فَيَا شَوْقُ ما أبْقَى ويَا لي من النّوَى | ويَا دَمْعُ ما أجْرَى ويَا قلبُ ما أصبَى |
لَقد لَعِبَ البَينُ المُشِتُّ بهَا وَبي | وَزَوّدَني في السّيرِ ما زَوّدَ الضّبّا |
وَمَن تكُنِ الأُسْدُ الضّواري جُدودَه | يكُنْ لَيلُهُ صُبْحاً وَمَطعمُهُ غصْبَا |
وَلَسْتُ أُبالي بَعدَ إدراكيَ العُلَى | أكانَ تُراثاً ما تَناوَلْتُ أمْ كَسْبَا؟ |
فَرُبّ غُلامٍ عَلّمَ المَجْدَ نَفْسَهُ | كتعليمِ سيفِ الدّوْلة الطّعنَ والضرْبَا |
إذا الدّوْلَةُ استكفَتْ بهِ في مُلِمّةٍ | كفاها فكانَ السّيفَ والكَفّ والقَلْبَا |
تُهابُ سُيُوفُ الهِنْدِ وَهْيَ حَدائِدٌ | فكَيْفَ إذا كانَتْ نِزارِيّةً عُرْبَا |
وَيُرْهَبُ نَابُ اللّيثِ وَاللّيْثُ وَحدَهُ | فكَيْفَ إذا كانَ اللّيُوثُ لهُ صَحبَا |
وَيُخشَى عُبابُ البَحْرِ وَهْوَ مكانَهُ | فكَيفَ بمَنْ يَغشَى البِلادَ إذا عَبّا |
عَلِيمٌ بأسرارِ الدّيَانَاتِ وَاللُّغَى | لهُ خَطَرَاتٌ تَفضَحُ النّاسَ والكُتْبَا |
فَبُورِكْتَ مِنْ غَيْثٍ كأنّ جُلودَنَا | به تُنْبِتُ الدّيباجَ وَالوَشْيَ وَالعَصْبَا |
وَمن وَاهِبٍ جَزْلاً وَمن زاجرٍ هَلا | وَمن هاتِكٍ دِرْعاً وَمن ناثرٍ قُصْبَا |
هَنيئاً لأهْلِ الثّغْرِ رَأيُكَ فيهِمِ | وَأنّكَ حزْبَ الله صرْتَ لهمْ حِزْبَا |
وَأنّكَ رُعْتَ الدّهْرَ فيهَا وَرَيبَهُ | فإنْ شَكّ فليُحدِثْ بساحتِها خَطْبَا |
فيَوْماً بخَيْلٍ تَطْرُدُ الرّومَ عنهُمُ | وَيَوْماً بجُودٍ تطرُدُ الفقرَ وَالجَدْبَا |
سَراياكَ تَتْرَى والدُّمُسْتُقُ هارِبٌ | وَأصْحابُهُ قَتْلَى وَأمْوالُهُ نُهْبَى |
أتَى مَرْعَشاً يَستَقرِبُ البُعدَ مُقبِلاً | وَأدبَرَ إذ أقبَلْتَ يَستَبعِدُ القُرْبَا |
كَذا يَترُكُ الأعداءَ مَن يَكرَهُ القَنَا | وَيَقْفُلُ مَنْ كانَتْ غَنيمَتُهُ رُعبَا |
وَهَلْ رَدّ عَنهُ باللُّقَانِ وُقُوفُهُ | صُدُورَ العَوالي وَالمُطَهَّمَةَ القُبَّا |
مَضَى بَعدَما التَفّ الرّماحانِ ساعَةً | كما يَتَلَقّى الهُدْبُ في الرّقدةِ الهُدبَا |
وَلَكِنّهُ وَلّى وَللطّعْنِ سَوْرَةٌ | إذا ذَكَرَتْها نَفْسُهُ لَمسَ الجَنْبا |
وَخَلّى العَذارَى والبَطاريقَ والقُرَى | وَشُعثَ النّصارَى والقَرابينَ وَالصُّلبَا |
أرَى كُلَّنَا يَبْغي الحَيَاةَ لنَفْسِهِ | حَريصاً عَلَيها مُسْتَهاماً بها صَبّا |
فحُبُّ الجَبَانِ النّفْسَ أوْرَدَهُ البَقَا | وَحُبُّ الشّجاعِ الحرْبَ أوْرَدهُ الحرْبَا |
وَيخْتَلِفُ الرّزْقانِ والفِعْلُ وَاحِدٌ | إلى أنْ تَرَى إحسانَ هذا لِذا ذَنْبَا |
فأضْحَتْ كأنّ السّورَ من فوْقِ بدئِهِ | إلى الأرْضِ قد شَقَّ الكواكبَ والتُّربَا |
تَصُدّ الرّياحُ الهُوجُ عَنْهَا مَخافَةً | وَتَفْزَعُ فيها الطّيرُ أن تَلقُطَ الحَبّا |
وَتَرْدي الجِيادُ الجُرْدُ فوْق جبالها | وَقد نَدَفَ الصِّنّبرُ في طُرْقها العُطْبَا |
كَفَى عَجَباً أنْ يَعجَبَ النّاسُ أنّهُ | بَنى مَرْعَشاً؛ تَبّاً لآرائِهِمْ تَبّا |
وَما الفَرْقُ ما بَينَ الأنامِ وَبَيْنَهُ | إذا حَذِرَ المحذورَ وَاستصْعبَ الصّعبَا |
لأمْرٍ أعَدّتْهُ الخِلافَةُ للعِدَى | وَسَمّتْهُ دونَ العالَمِ الصّارِمَ العَضْبَا |
وَلم تَفْتَرِقْ عَنْهُ الأسِنّةُ رَحْمَةً | وَلم تَترُكِ الشّأمَ الأعادي لهُ حُبّا |
وَلَكِنْ نَفاها عَنْهُ غَيرَ كَريمَةٍ | كَريمُ الثّنَا ما سُبّ قَطّ وَلا سَبّا |
وَجَيْشٌ يُثَنّي كُلّ طَوْدٍ كَأنّهُ | خرِيقُ رِياحٍ وَاجَهَتْ غُصُناً رَطْبَا |
كأنّ نُجُومَ اللّيْلِ خافَتْ مُغَارَهُ | فمَدّتْ عَلَيْها مِنْ عَجاجتِهِ حُجْبا |
فمن كانَ يُرْضِي اللّؤمَ والكفرَ مُلكُهُ | فهذا الذي يُرْضِي المكارِمَ وَالرّبّا |
قصيدة المتنبي
أروع أبيات الشعر العربي للشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي قصيدة المتنبي الرائعة من أجمل القصائد.
ألا ما لسيف الدولة اليوم عاتبا
ألا ما لسَيفِ الدّوْلَةِ اليَوْمَ عَاتِبَا | فَداهُ الوَرَى أمضَى السّيُوفِ مَضَارِبَا |
وما لي إذا ما اشتَقْتُ أبصَرْتُ دونَهُ | تَنَائِفَ لا أشْتَاقُها وَسَبَاسِبَا |
وَقد كانَ يُدْني مَجلِسِي من سَمائِهِ | أُحادِثُ فيها بَدْرَهَا وَالكَوَاكِبَا |
حَنَانَيْكَ مَسْؤولاً وَلَبّيْكَ داعياً | وَحَسبيَ مَوْهُوباً وحَسبُكَ وَاهِبَا |
أهذا جَزاءُ الصّدْقِ إنْ كنتُ صادقاً | أهذا جَزاءُ الكِذبِ إنْ كنتُ كاذِبَا |
وَإنْ كانَ ذَنْبي كلَّ ذَنْبٍ فإنّهُ | مَحا الذّنْبَ كلَّ المَحوِ مَن جاءَ تائِبَا |
أيدري ما أرابك من يريب
أيَدْري ما أرابَكَ مَنْ يُريبُ | وَهل تَرْقَى إلى الفَلَكِ الخطوبُ |
وَجِسمُكَ فَوْقَ هِمّةِ كلّ داءٍ | فَقُرْبُ أقَلّها منهُ عَجيبُ |
يُجَمّشُكَ الزّمانُ هَوًى وحُبّاً | وَقد يُؤذَى منَ المِقَةِ الحَبيبُ |
وَكَيفَ تُعِلُّكَ الدّنْيا بشَيْءٍ | وَأنْتَ لِعِلّةِ الدّنْيَا طَبيبُ |
وَكَيفَ تَنُوبُكَ الشّكْوَى بداءٍ | وَأنْتَ المُسْتَغاثُ لِمَا يَنُوبُ |
مَلِلْتَ مُقامَ يَوْمٍ لَيْسَ فيهِ | طِعانٌ صادِقٌ وَدَمٌ صَبيبُ |
وَأنْتَ المَرْءُ تُمْرِضُهُ الحَشَايَا | لهِمّتِهِ وَتَشْفِيهِ الحُرُوبُ |
وَما بِكَ غَيرُ حُبّكَ أنْ تَرَاهَا | وَعِثْيَرُهَا لأِرْجُلِهَا جَنيبُ |
مُجَلَّحَةً لهَا أرْضُ الأعادي | وَللسُّمْرِ المَنَاحِرُ وَالجُنُوبُ |
فَقَرِّطْهَا الأعِنّةَ رَاجِعَاتٍ | فإنّ بَعيدَ ما طَلَبَتْ قَرِيبُ |
إذا داءٌ هَفَا بُقْراطُ عَنْهُ | فَلَمْ يُعْرَفْ لصاحِبِهِ ضَرِيبُ |
بسَيْفِ الدّوْلَةِ الوُضّاءِ تُمْسِي | جُفُوني تحتَ شَمسٍ ما تَغيبُ |
فأغْزُو مَنْ غَزَا وبِهِ اقْتِداري | وَأرْمي مَنْ رَمَى وَبهِ أُصيبُ |
وَللحُسّادِ عُذْرٌ أنْ يَشِحّوا | على نَظَرِي إلَيْهِ وَأنْ يَذوبُوا |
فإنّي قَدْ وَصَلْتُ إلى مَكَانٍ | عَلَيْهِ تحسُدُ الحَدَقَ القُلُوبُ |
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب
يا أُخْتَ خَيرِ أخٍ يا بِنْتَ خَيرِ أبِ | كِنَايَةً بهِمَا عَنْ أشرَفِ النّسَبِ |
أُجِلُّ قَدْرَكِ أنْ تُسْمَيْ مُؤبَّنَةً | وَمَنْ يَصِفْكِ فَقد سَمّاكِ للعَرَبِ |
لا يَمْلِكُ الطّرِبُ المَحزُونُ مَنطِقَه | وَدَمْعَهُ وَهُمَا في قَبضَةِ الطّرَبِ |
غدَرْتَ يا مَوْتُ كم أفنَيتَ من عدَدٍ | بمَنْ أصَبْتَ وكم أسكَتَّ من لجَبِ |
وكم صَحِبْتَ أخَاهَا في مُنَازَلَةٍ | وكم سألتَ فلَمْ يَبخَلْ وَلم تَخِبِ |
طَوَى الجَزِيرَةَ حتى جاءَني خَبَرٌ | فَزِعْتُ فيهِ بآمالي إلى الكَذِبِ |
حتى إذا لم يَدَعْ لي صِدْقُهُ أمَلاً | شَرِقْتُ بالدّمعِ حتى كادَ يشرَقُ بي |
تَعَثّرَتْ بهِ في الأفْوَاهِ ألْسُنُهَا | وَالبُرْدُ في الطُّرْقِ وَالأقلامُ في الكتبِ |
كأنّ فَعْلَةَ لم تَمْلأ مَوَاكِبُهَا | دِيَارَ بَكْرٍ وَلم تَخْلَعْ ولم تَهَبِ |
وَلم تَرُدّ حَيَاةً بَعْدَ تَوْلِيَةٍ | وَلم تُغِثْ داعِياً بالوَيلِ وَالحَرَبِ |
أرَى العرَاقَ طوِيلَ اللّيْلِ مُذ نُعِيَتْ | فكَيفَ لَيلُ فتى الفِتيانِ في حَلَبِ |
يَظُنّ أنّ فُؤادي غَيرُ مُلْتَهِبٍ | وَأنّ دَمْعَ جُفُوني غَيرُ مُنسكِبِ |
بَلى وَحُرْمَةِ مَنْ كانَتْ مُرَاعِيَةً | لحُرْمَةِ المَجْدِ وَالقُصّادِ وَالأدَبِ |
وَمَن مَضَتْ غيرَ مَوْرُوثٍ خَلائِقُها | وَإنْ مَضَتْ يدُها موْرُوثَةَ النّشبِ |
وَهَمُّهَا في العُلَى وَالمَجْدِ نَاشِئَةً | وَهَمُّ أتْرابِها في اللّهْوِ وَاللّعِبِ |
يَعلَمْنَ حينَ تُحَيّا حُسنَ مَبسِمِها | وَلَيسَ يَعلَمُ إلاّ الله بالشَّنَبِ |
مَسَرّةٌ في قُلُوبِ الطّيبِ مَفِرقُهَا | وَحَسرَةٌ في قُلوبِ البَيضِ وَاليَلَبِ |
إذا رَأى وَرَآهَا رَأسَ لابِسِهِ | رَأى المَقانِعَ أعلى منهُ في الرُّتَبِ |
وَإنْ تكنْ خُلقتْ أُنثى لقد خُلِقتْ | كَرِيمَةً غَيرَ أُنثى العَقلِ وَالحَسبِ |
وَإنْ تكنْ تَغلِبُ الغَلباءُ عُنصُرَهَا | فإنّ في الخَمرِ معنًى لَيسَ في العِنَبِ |
فَلَيْتَ طالِعَةَ الشّمْسَينِ غَائِبَةٌ | وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَينِ لم تَغِبِ |
وَلَيْتَ عَينَ التي آبَ النّهارُ بهَا | فِداء عَينِ التي زَالَتْ وَلم تَؤبِ |
فَمَا تَقَلّدَ بالياقُوتِ مُشْبِهُهَا | وَلا تَقَلّدَ بالهِنْدِيّةِ القُضُبِ |
وَلا ذكَرْتُ جَميلاً مِنْ صَنائِعِهَا | إلاّ بَكَيْتُ وَلا وُدٌّ بلا سَبَبِ |
قَد كانَ كلّ حِجابٍ دونَ رُؤيَتها | فَمَا قَنِعتِ لها يا أرْضُ بالحُجُبِ |
وَلا رَأيْتِ عُيُونَ الإنْسِ تُدْرِكُها | فَهَلْ حَسَدْتِ عَلَيها أعينَ الشُّهبِ |
وَهَلْ سَمِعتِ سَلاماً لي ألمّ بهَا | فقَدْ أطَلْتُ وَما سَلّمتُ من كَثَبِ |
وَكَيْفَ يَبْلُغُ مَوْتَانَا التي دُفِنَتْ | وَقد يُقَصِّرُ عَنْ أحيائِنَا الغَيَبِ |
يا أحسَنَ الصّبرِ زُرْ أوْلى القُلُوبِ بِهَا | وَقُلْ لصاحِبِهِ يا أنْفَعَ السُّحُبِ |
وَأكْرَمَ النّاسِ لا مُسْتَثْنِياً أحَداً | منَ الكِرامِ سوَى آبَائِكَ النُّجُبِ |
قد كانَ قاسَمَكَ الشخصَينِ دهرُهُما | وَعاشَ دُرُّهُما المَفديُّ بالذّهَبِ |
وَعادَ في طَلَبِ المَترُوكِ تارِكُهُ | إنّا لَنغْفُلُ وَالأيّامُ في الطّلَبِ |
مَا كانَ أقصرَ وَقتاً كانَ بَيْنَهُمَا | كأنّهُ الوَقْتُ بَينَ الوِرْدِ وَالقَرَبِ |
جَزَاكَ رَبُّكَ بالأحزانِ مَغْفِرَةً | فحزْنُ كلّ أخي حزْنٍ أخو الغضَبِ |
وَأنْتُمُ نَفَرٌ تَسْخُو نُفُوسُكُمُ | بِمَا يَهَبْنَ وَلا يَسخُونَ بالسَّلَبِ |
حَلَلْتُمُ من مُلُوكِ الأرْضِ كلّهِمِ | مَحَلَّ سُمرِ القَنَا من سائِرِ القَصَبِ |
فَلا تَنَلْكَ اللّيالي، إنّ أيْدِيَهَا | إذا ضَرَبنَ كَسَرْنَ النَّبْعَ بالغَرَبِ |
وَلا يُعِنّ عَدُوّاً أنْتَ قاهِرُهُ | فإنّهُنّ يَصِدْنَ الصّقرَ بالخَرَبِ |
وَإنْ سَرَرْنَ بمَحْبُوبٍ فجَعْنَ بهِ | وَقَد أتَيْنَكَ في الحَالَينِ بالعَجَبِ |
وَرُبّمَا احتَسَبَ الإنْسانُ غايَتَهَا | وَفاجَأتْهُ بأمْرٍ غَيرِ مُحْتَسَبِ |
وَمَا قَضَى أحَدٌ مِنْهَا لُبَانَتَهُ | وَلا انْتَهَى أرَبٌ إلاّ إلى أرَبِ |
تَخالَفَ النّاسُ حتى لا اتّفاقَ لَهُمْ | إلاّ على شَجَبٍ وَالخُلفُ في الشجبِ |
فقِيلَ تَخلُصُ نَفْسُ المَرْءِ سَالمَةً | وَقيلَ تَشرَكُ جسْمَ المَرْءِ في العَطَبِ |
وَمَنْ تَفَكّرَ في الدّنْيَا وَمُهْجَتهِ | أقامَهُ الفِكْرُ بَينَ العَجزِ وَالتّعَبِ |
فهمت الكتاب أبر الكتب
فَهِمْتُ الكِتابَ أبَرَّ الكُتُبْ | فَسَمْعاً لأمْرِ أميرِ العَرَبْ |
وَطَوْعاً لَهُ وَابْتِهاجاً بِهِ | وَإنْ قَصّرَ الفِعْلُ عَمّا وَجَبْ |
وَمَا عَاقَني غَيرُ خَوْفِ الوُشاةِ | وَإنّ الوِشاياتِ طُرْقُ الكَذِبْ |
وَتَكْثِيرِ قَوْمٍ وَتَقْلِيلِهِمْ | وَتَقْرِيبِهِمْ بَيْنَنَا وَالخَبَبْ |
وَقَدْ كانَ يَنصُرُهُمْ سَمْعُهُ | وَيَنْصُرُني قَلْبُهُ وَالحَسَبْ |
وَمَا قُلتُ للبَدْرِ أنتَ اللُّجَينُ | وَما قُلتُ للشمسِ أنتِ الذّهَبْ |
فيَقْلَقَ منهُ البَعيدُ الأنَاةِ | وَيَغْضَبَ منهُ البَطيءُ الغَضَبْ |
وَمَا لاقَني بَلَدٌ بَعْدَكُمْ | وَلا اعتَضْتُ من رَبّ نُعمايَ رَبْ |
وَمَنْ رَكِبَ الثّوْرَ بَعدَ الجَوَا | دِ أنْكَرَ أظْلافَهُ وَالغَبَبْ |
وَما قِسْتُ كُلَّ مُلُوكِ البِلادِ | فدَعْ ذِكْرَ بَعضٍ بمَن في حلَبْ |
وَلَوْ كُنْتُ سَمّيْتُهُمْ باسْمِهِ | لَكانَ الحَديدَ وَكانُوا الخَشَبْ |
أفي الرّأيِ يُشْبَهُ أمْ في السّخَا | ءِ أمْ في الشّجاعةِ أمْ في الأدبْ |
مُبَارَكُ الاسْمِ أغرُّ اللّقَبْ | كَرِيمُ الجِرِشَّى شرِيفُ النّسَبْ |
أخُو الحرْبِ يُخدِمُ ممّا سبَى | قَنَاهُ وَيَخْلَعُ ممّا سَلَبْ |
إذا حازَ مالاً فَقَدْ حازَهُ | فَتًى لا يُسَرّ بِمَا لا يَهَبْ |
وَإنّي لأُتْبِعُ تَذْكَارَهُ | صَلاَةَ الإل?هِ وَسَقْيَ السُّحُبْ |
وَأُثْني عَلَيْهِ بِآلائِهِ | وَأقرُبُ منْهُ نَأى أوْ قَرُبْ |
وَإنْ فارَقَتْنيَ أمْطَارُهُ | فأكْثَرُ غُدْرَانِهَا ما نَضَبْ |
أيَا سَيفَ رَبّكَ لا خَلْقِهِ | وَيَا ذا المَكارِمِ لا ذا الشُّطَبْ |
وَأبْعَدَ ذي هِمّةٍ هِمّةً | وَأعرَفَ ذي رُتْبَةٍ بالرُّتَبْ |
وَأطْعَنَ مَنْ مَسّ خَطّيّةً | وَأضرَبَ مَنْ بحُسَامِ ضَرَبْ |
بذا اللّفْظِ ناداكَ أهْلُ الثّغُورِ | فَلَبّيْتَ وَالهَامُ تحتَ القُضُبْ |
وَقَدْ يَئِسُوا مِنْ لَذِيذِ الحَياةِ | فَعَينٌ تَغُورُ وَقَلْبٌ يَجِبْ |
وَغَرّ الدُّمُسْتُقَ قَوْلُ العُدَا | ةِ إنّ عَلِيّاً ثَقيلٌ وَصِبْ |
وَقَدْ عَلِمَتْ خَيْلُهُ أنّهُ | إذا هَمّ وَهْوَ عَليلٌ رَكِبْ |
أتَاهُمْ بأوْسَعَ مِنْ أرْضِهِمْ | طِوَالِ السّبيبِ قِصَارِ العُسُبْ |
تَغيبُ الشّوَاهِقُ في جَيْشِهِ، | وَتَبْدُو صِغاراً إذا لم تَغِبْ |
وَلا تَعْبُرُ الرّيحُ في جَوّهِ | إذا لم تَخَطّ القَنَا أوْ تَثِبْ |
فَغَرّقَ مُدْنَهُمُ بالجُيُوشِ | وَأخْفَتَ أصْوَاتَهُمْ باللّجَبْ |
فأخْبِثْ بِهِ طالِباً قَتْلَهُمْ | وَأخْبِثْ بِهِ تارِكاً مَا طَلَبْ |
نَأيْتَ فَقَاتَلَهُمْ باللّقَاءِ | وَجِئْتَ فَقَاتَلَهُمْ بالهَرَبْ |
وَكَانُوا لَهُ الفَخْرَ لَمّا أتَى | وَكُنْتَ لَهُ العُذْرَ لمّا ذَهَبْ |
سَبَقْتَ إلَيْهِمْ مَنَايَاهُمُ | وَمَنْفَعَةُ الغَوْثِ قَبْلَ العَطَبْ |
فَخرّوا لخَالِقِهِمْ سُجّداً | وَلَوْ لم تُغِثْ سَجَدوا للصُّلُبْ |
وَكم ذُدتَ عَنهُمْ رَدًى بالرّدى | وَكَشّفْتَ من كُرَبٍ بالكُرَبْ |
وَقَدْ زَعَمُوا أنّهُ إنْ يَعُدْ | يَعُدْ مَعَهُ المَلِكُ المُعتَصِبْ |
وَيَسْتَنْصِرانِ الذي يَعْبُدانِ | وَعِنْدَهُما أنّهُ قَدْ صُلِبْ |
ليَدْفَعَ ما نَالَهُ عَنْهُمَا | فَيَا لَلرّجالِ لهَذا العَجَبْ |
أرَى المُسْلِمِينَ مَعَ المُشْرِكِيـ | ـنَ إمّا لعَجْزٍ وَإمّا رَهَبْ |
وَأنْتَ مَعَ الله في جانِبٍ | قَليلُ الرّقادِ كَثيرُ التّعَبْ |
كأنّكَ وَحْدَكَ وَحّدْتَهُ | وَدانَ البَرِيّةُ بابنٍ وَأبْ |
فَلَيْتَ سُيُوفَكَ في حَاسِدٍ | إذا ما ظَهَرْتَ عليهمْ كَئِبْ |
وَلَيْتَ شَكاتَكَ في جِسْمِهِ | وَلَيتَكَ تَجْزِي ببُغْضٍ وَحُبْ |
فَلَوْ كُنتَ تَجزِي بِهِ نِلْتُ منِـ | ـكَ أضْعَفَ حَظٍّ بأقوَى سَبَبْ |
لأي صروف الدهر فيه نعاتب
لأيّ صُرُوفِ الدّهْرِ فيهِ نُعاتِبُ | وَأيّ رَزاياهُ بوِتْرٍ نُطالِبُ |
مَضَى مَنْ فَقَدْنا صَبرَنا عند فَقْدِهِ | وقد كانَ يُعطي الصّبرَ والصّبرُ عازِبُ |
يَزُورُ الأعادي في سَمَاءِ عَجَاجَةٍ | أسِنّتُهُ في جانِبَيْها الكَواكِبُ |
فتَسْفِرُ عَنهُ والسّيوفُ كأنّما | مَضارِبُها مِمّا انْفَلَلْنَ ضرائِبُ |
طَلَعْنَ شُمُوساً والغُمُودُ مَشارِقٌ | لَهُنّ وهاماتُ الرّجالِ مَغارِبُ |
مَصائِبُ شَتّى جُمّعَتْ في مُصيبَةٍ | ولم يَكفِها حتى قَفَتْها مَصائِبُ |
رَثَى ابنَ أبينا غيرُ ذي رَحِمٍ لَهُ | فَباعَدَنَا عَنْهُ ونَحْنُ الأقارِبُ |
وَعَرّضَ أنّا شامِتُونَ بمَوتِهِ | وإلاّ فَزارَتْ عارضَيْهِ القَواضِبُ |
ألَيسَ عَجيباً أنّ بَينَ بَني أبٍ | لنَجْلِ يَهوديٍّ تَدِبّ العَقارِبُ |
ألا إنّما كانَتْ وَفاةُ مُحَمّدٍ | دَليلاً على أنْ لَيسَ لله غَالِبُ |