| بم التعلل لا أهل ولا وطن ~ ولا نديم ولا كأس ولا سكن |
| أريد من زمني ذا أن يبلغني ~ ما ليس يبلغه من نفسه الزمن |
| لا تلق دهرك إلا غير مكترث ~ مادام يصحب فيه روحك البدن |
| فما يدوم سرور ما سررت به ~ ولا يرد عليك الفائت الحزن |
| مما أضر بأهل العشق أنهم ~ هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا |
| تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم ~ في إثر كل قبيح وجهه حسن |
| تحملوا حملتكم كل ناجية ~ فكل بين علي اليوم مؤتمن |
| ما في هوادجكم من مهجتي عوض ~ إن مت شوقا ولا فيها لها ثمن |
| يا من نعيت على بعد بمجلسه ~ كل بما زعم الناعون مرتهن |
| كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ~ ثم انتفضت فزال القبر والكفن |
| قد كان شاهد دفني قبل قولهم ~ جماعة ثم ماتوا قبل من دفنوا |
| ما كل ما يتمنى المرء يدركه ~ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن |
| رأيتكم لا يصون العرض جاركم ~ ولا يدر على مرعاكم اللبن |
| جزاء كل قريب منكم ملل ~ وحظ كل محب منكم ضغن |
| وتغضبون على من نال رفدكم ~ حتى يعاقبه التنغيص والمنن |
| فغادر الهجر ما بيني وبينكم ~ يهماء تكذب فيها العين والأذن |
| تحبو الرواسم من بعد الرسيم بها ~ وتسأل الأرض عن أخفافها الثفن |
| إني أصاحب حلمي وهو بي كرم ~ ولا أصاحب حلمي وهو بي جبن |
| ولا أقيم على مال أذل به ~ ولا ألذ بما عرضي به درن |
| سهرت بعد رحيلي وحشة لكم ~ ثم استمر مريري وارعوى الوسن |
| وإن بليت بود مثل ودكم ~ فإنني بفراق مثله قمن |
| أبلى الأجلة مهري عند غيركم ~ وبدل العذر بالفسطاط والرسن |
| عند الهمام أبي المسك الذي غرقت ~ في جوده مضر الحمراء واليمن |
| وإن تأخر عني بعض موعده ~ فما تأخر آمالي ولا تهن |
| هو الوفي ولكني ذكرت له ~ مودة فهو يبلوها ويمتحن |
قصائد المتنبي
مجموعة مختارة من قصائد الشاعر أبو الطيب المتنبي في هذه الصفحة.
عذل العواذل حول قلبي التائه
| عَذْلُ العَواذِلِ حَوْلَ قَلبي التّائِهِ | وَهَوَى الأحِبّةِ مِنْهُ في سَوْدائِهِ |
| يَشْكُو المَلامُ إلى اللّوائِمِ حَرَّهُ | وَيَصُدُّ حينَ يَلُمْنَ عَنْ بُرَحائِهِ |
| وبمُهْجَتي يا عَاذِلي المَلِكُ الذي | أسخَطتُ أعذَلَ مِنكَ في إرْضائِهِ |
| إنْ كانَ قَدْ مَلَكَ القُلُوبَ فإنّهُ | مَلَكَ الزّمَانَ بأرْضِهِ وَسَمائِهِ |
| ألشّمسُ مِنْ حُسّادِهِ وَالنّصْرُ من | قُرَنَائِهِ وَالسّيفُ مِنْ أسمَائِهِ |
| أينَ الثّلاثَةُ مِنْ ثَلاثِ خِلالِهِ | مِنْ حُسْنِهِ وَإبَائِهِ وَمَضائِهِ |
| مَضَتِ الدّهُورُ وَمَا أتَينَ بمِثْلِهِ | وَلَقَدْ أتَى فَعَجَزْنَ عَنْ نُظَرَائِهِ |
القَلْبُ أعلَمُ يا عَذُولُ بدائِهِ
| القَلْبُ أعلَمُ يا عَذُولُ بدائِهِ | وَأحَقُّ مِنْكَ بجَفْنِهِ وبِمَائِهِ |
| فَوَمَنْ أُحِبُّ لأعْصِيَنّكَ في الهوَى | قَسَماً بِهِ وَبحُسْنِهِ وَبَهَائِهِ |
| أأُحِبّهُ وَأُحِبّ فيهِ مَلامَةً؟ | إنّ المَلامَةَ فيهِ من أعْدائِهِ |
| عَجِبَ الوُشاةُ من اللُّحاةِ وَقوْلِهِمْ | دَعْ ما نَراكَ ضَعُفْتَ عن إخفائِهِ |
| ما الخِلُّ إلاّ مَنْ أوَدُّ بِقَلْبِهِ | وَأرَى بطَرْفٍ لا يَرَى بسَوَائِهِ |
| إنّ المُعِينَ عَلى الصّبَابَةِ بالأسَى | أوْلى برَحْمَةِ رَبّهَا وَإخائِهِ |
| مَهْلاً فإنّ العَذْلَ مِنْ أسْقَامِهِ | وَتَرَفُّقاً فالسّمْعُ مِنْ أعْضائِهِ |
| وَهَبِ المَلامَةَ في اللّذاذَةِ كالكَرَى | مَطْرُودَةً بسُهادِهِ وَبُكَائِهِ |
| لا تَعْذُلِ المُشْتَاقَ في أشْواقِهِ | حتى يَكونَ حَشاكَ في أحْشائِهِ |
| إنّ القَتيلَ مُضَرَّجاً بدُمُوعِهِ | مِثْلُ القَتيلِ مُضَرَّجاً بدِمائِهِ |
| وَالعِشْقُ كالمَعشُوقِ يَعذُبُ قُرْبُهُ | للمُبْتَلَى وَيَنَالُ مِنْ حَوْبَائِهِ |
| لَوْ قُلْتَ للدّنِفِ الحَزينِ فَدَيْتُهُ | مِمّا بِهِ لأغَرْتَهُ بِفِدائِه |
| وُقِيَ الأميرُ هَوَى العُيُونِ فإنّهُ | مَا لا يَزُولُ ببَأسِهِ وسَخَائِهِ |
| يَسْتَأسِرُ البَطَلَ الكَمِيَّ بنَظْرَةٍ | وَيَحُولُ بَينَ فُؤادِهِ وَعَزائِهِ |
| إنّي دَعَوْتُكَ للنّوائِبِ دَعْوَةً | لم يُدْعَ سامِعُهَا إلى أكْفَائِهِ |
| فأتَيْتَ مِنْ فَوْقِ الزّمانِ وَتَحْتِهِ | مُتَصَلْصِلاً وَأمَامِهِ وَوَرائِهِ |
| مَنْ للسّيُوفِ بأنْ يكونَ سَمِيَّهَا | في أصْلِهِ وَفِرِنْدِهِ وَوَفَائِهِ |
| طُبِعَ الحَديدُ فكانَ مِنْ أجْنَاسِهِ | وَعَليٌّ المَطْبُوعُ مِنْ آبَائِهِ |
أتُنْكِرُ يا ابنَ إسْحَقٍ إخائي
| أتُنْكِرُ يا ابنَ إسْحَقٍ إخائي | وتَحْسَبُ ماءَ غَيرِي من إنائي؟ |
| أأنْطِقُ فيكَ هُجْراً بعدَ عِلْمي | بأنّكَ خَيرُ مَن تَحْتَ السّماءِ |
| وأكْرَهُ مِن ذُبابِ السّيفِ طَعْماً | وأمْضَى في الأمورِ منَ القَضاءِ |
| ومَا أرْبَتْ على العِشْرينَ سِنّي | فكَيفَ مَلِلْتُ منْ طولِ البَقاءِ؟ |
| وما استَغرقتُ وَصْفَكَ في مَديحي | فأنْقُصَ مِنْهُ شَيئاً بالهِجَاءِ |
| وهَبْني قُلتُ: هذا الصّبْحُ لَيْلٌ | أيَعْمَى العالمُونَ عَنِ الضّياءِ؟ |
| تُطيعُ الحاسِدينَ وأنْتَ مَرْءٌ | جُعِلْتُ فِداءَهُ وهُمُ فِدائي |
| وهاجي نَفْسِهِ مَنْ لم يُمَيّزْ | كَلامي مِنْ كَلامِهِمِ الهُراءِ |
| وإنّ مِنَ العَجائِبِ أنْ تَراني | فَتَعْدِلَ بي أقَلّ مِنَ الهَبَاءِ |
| وتُنْكِرَ مَوْتَهُمْ وأنا سُهَيْلٌ | طَلَعْتُ بمَوْتِ أوْلادِ الزّناءِ |
أمن ازديارك في الدجى الرقباء
| أمِنَ ازْدِيارَكِ في الدُّجى الرُّقَبَاءُ | إذْ حَيثُ كنتِ مِنَ الظّلامِ ضِياءُ |
| قَلَقُ المَليحَةِ وِهْيَ مِسْكٌ هَتكُها | ومَسيرُها في اللّيلِ وهيَ ذُكاءُ |
| أسَفي على أسَفي الذي دَلّهْتِني | عَنْ عِلْمِهِ فَبِهِ عَليّ خَفَاءُ |
| وَشَكِيّتي فَقْدُ السّقامِ لأنّهُ | قَدْ كانَ لمّا كانَ لي أعضاءُ |
| مَثّلْتِ عَيْنَكِ في حَشايَ جِراحَةً | فتَشابَها كِلْتاهُما نَجْلاءُ |
| نَفَذَتْ عَلَيّ السّابِرِيَّ ورُبّما | تَنْدَقّ فيهِ الصَّعدَةُ السّمْراءُ |
| أنا صَخْرَةُ الوادي إذا ما زُوحمَتْ | وإذا نَطَقْتُ فإنّني الجَوْزاءُ |
| وإذا خَفِيتُ على الغَبيّ فَعَاذِرٌ | أنْ لا تَراني مُقْلَةٌ عَمْيَاءُ |
| شِيَمُ اللّيالي أنْ تُشكِّكَ ناقَتي | صَدْري بها أفضَى أمِ البَيداءُ |
| فَتَبيتُ تُسْئِدُ مُسْئِداً في نَيّها | إسْآدَها في المَهْمَهِ الإنْضاءُ |
| بَيْني وبَينَ أبي عليٍّ مِثْلُهُ | شُمُّ الجِبالِ ومِثْلُهنّ رَجاءُ |
| وعِقابُ لُبنانٍ وكيفَ بقَطْعِها | وهُوَ الشّتاءُ وصَيفُهُنّ شِتاءُ |
| لَبَسَ الثُّلُوجُ بها عَليّ مَسَالِكي | فَكَأنّها بِبيَاضِها سَوْداءُ |
| وكَذا الكَريمُ إذا أقامَ ببَلْدَةٍ | سَالَ النُّضارُ بها وقامَ الماءُ |
| جَمَدَ القِطارُ ولَوْ رَأتْهُ كمَا تَرَى | بُهِتَتْ فَلَمْ تَتَبَجّسِ الأنْواءُ |
| في خَطّهِ من كلّ قَلبٍ شَهْوَةٌ | حتى كأنّ مِدادَهُ الأهْواءُ |
| ولكُلّ عَيْنٍ قُرّةٌ في قُرْبِهِ | حتى كأنّ مَغيبَهُ الأقْذاءُ |
| مَنْ يَهتَدي في الفِعْلِ ما لا تَهْتَدي | في القَوْلِ حتى يَفعَلَ الشّعراءُ |
| في كلّ يَوْمٍ للقَوافي جَوْلَةٌ | في قَلْبِهِ ولأُذْنِهِ إصْغَاءُ |
| وإغارَةٌ في ما احْتَواهُ كأنّمَا | في كُلّ بَيْتٍ فَيْلَقٌ شَهْبَاءُ |
| مَنْ يَظلِمُ اللّؤماءَ في تَكليفِهِمْ | أنْ يُصْبِحُوا وَهُمُ لَهُ أكْفاءُ |
| ونَذيمُهُمْ وبهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ | وبِضِدّها تَتَبَيّنُ الأشْياءُ |
| مَنْ نَفْعُهُ في أنْ يُهاجَ وضَرُّهُ | في تَرْكِهِ لَوْ تَفْطَنُ الأعداءُ |
| فالسّلمُ يَكسِرُ من جَناحَيْ مالهِ | بنَوالِهِ ما تَجْبُرُ الهَيْجاءُ |
| يُعطي فتُعطَى من لُهَى يدِهِ اللُّهَى | وتُرَى بِرُؤيَةِ رَأيِهِ الآراءُ |
| مُتَفَرّقُ الطّعْمَينِ مُجْتَمعُ القُوَى | فكأنّهُ السّرّاءُ والضّرّاءُ |
| وكأنّهُ ما لا تَشاءُ عُداتُهُ | مُتَمَثّلاً لوُفُودِهِ ما شَاؤوا |
| يا أيّهَا المُجدَى علَيْهِ رُوحُهُ | إذْ لَيسَ يأتيهِ لها اسْتِجداءُ |
| إحْمَدْ عُفاتَكَ لا فُجِعْتَ بفَقدِهم | فَلَتَرْكُ ما لم يأخُذوا إعْطاءُ |
| لا تَكْثُرُ الأمواتُ كَثرَةَ قِلّةٍ | إلاّ إذا شَقِيَتْ بكَ الأحْياءُ |
| والقَلْبُ لا يَنْشَقّ عَمّا تَحْتَهُ | حتى تَحِلّ بهِ لَكَ الشّحْناءُ |
| لمْ تُسْمَ يا هَرُونُ إلاّ بَعدَمَا اقْـ | ـتَرَعَتْ ونازَعتِ اسمَكَ الأسماءُ |
| فغَدَوْتَ واسمُكَ فيكَ غيرُ مُشارِكٍ | والنّاسُ في ما في يَدَيْكَ سَواءُ |
| لَعَمَمْتَ حتى المُدْنُ منكَ مِلاءُ | ولَفُتَّ حتى ذا الثّناءُ لَفَاءُ |
| ولجُدْتَ حتى كِدْتَ تَبخَلُ حائِلاً | للمُنْتَهَى ومنَ السّرورِ بُكاءُ |
| أبْدَأتَ شَيئاً ليسَ يُعرَفُ بَدْؤهُ | وأعَدْتَ حتى أُنْكِرَ الإبْداءُ |
| فالفَخْرُ عَن تَقصِيرِهِ بكَ ناكِبٌ | والمَجْدُ مِنْ أنْ يُسْتَزادَ بَراءُ |
| فإذا سُئِلْتَ فَلا لأنّكَ مُحوِجٌ | وإذا كُتِمتَ وشَتْ بكَ الآلاءُ |
| وإذا مُدِحتَ فلا لتَكسِبَ رِفْعَةً | للشّاكِرينَ على الإلهِ ثَنَاءُ |
| وإذا مُطِرْتَ فَلا لأنّكَ مُجْدِبٌ | يُسْقَى الخَصِيبُ ويُمْطَرُ الدّأمَاءُ |
| لم تَحْكِ نائِلَكَ السّحابُ وإنّما | حُمّتْ بهِ فَصَبيبُها الرُّحَضاءُ |
| لم تَلْقَ هَذا الوَجْهَ شَمسُ نَهارِنَا | إلاّ بوَجْهٍ لَيسَ فيهِ حَيَاءُ |
| فَبِأيّما قَدَمٍ سَعَيْتَ إلى العُلَى | أُدُمُ الهِلالِ لأخمَصَيكَ حِذاءُ |
| ولَكَ الزّمانُ مِنَ الزّمانِ وِقايَةٌ | ولَكَ الحِمامُ مِنَ الحِمامِ فِداءُ |
| لوْ لم تكنْ من ذا الوَرَى اللّذْ منك هُوْ | عَقِمَتْ بمَوْلِدِ نَسْلِها حَوّاءُ |
ماذا يقول الذي يغني
| ماذا يَقولُ الّذي يُغَنّي | يا خيرَ مَنْ تَحتَ ذي السّماءِ |
| شَغَلْتَ قَلْبي بلَحْظِ عَيْني | إلَيكَ عَنْ حُسْنِ ذا الغِناءِ |