اسلوب الكلام

مكارم البأس و الجود قد تذهب
سُدى ما لم تزيِّنها
البشاشة و البشرُ
و لن تكسب ود امريء
بادرته كبرا
و منك نصيبه التأنيب و الزجرُ
كمن اعطى بيدٍ و باليد الأخرى
يجلد بالسوط و النُذرُ
فما السحاب بالصواعق و البروق
ما لم يصيبك منها وابل القطرُ
و لن يسرُكَ من صاحب حديثه
مبطّنٌ ظاهرُهُ حلوٌ و باطنهُ مُرُّ
و لا تسدي للأصحاب عهدا لست تحفظه
و لا ضير إن أملتهم خيرُ
لا عتب على نمام يسعى للخراب
و العتب كل العتب
لمن يسمع له عذرُ
وما اذا ارتجي من صديق
يسرني علنا و أعلمُ
أن أنامله من دمي حمرُ
شيَمُ الكرام اذا رأوا في
الناس مثلبةً
كان دوائها التجميل و السترُ
لكلٍّ من بني الانسان غايتهم
و كل امرىء
يسعدهُ العرفان و العذر
و الصمت عند اشتداد الغيض
و ضبط النفس من سبل الفخرُ
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس المنديل

كربة

تجلد فبعد كل الكروب
فرجٌ سيأتي عن قريبْ
إنّهُ لابد آتٍ
بعد كل مأساةٍ تنوبْ
معشر بني الانسان يا صاحبي
قد خُلقنا للنوائب كي تنوبْ
و اذكر كيف كادت الشمس في تموز
تحرق الارض فأدركها الغروبْ
كم بلاد عُمِّرت
بعد أهوال الحروبْ
و نادب لهالك بالأمس
بعد حزن الأمس قد اصبح طروبْ
و سموم القيض بددته
للصبا انسام من صوب الجنوبْ
هذه بغداد تنهض من جديد
تتعافى بعد نكبات الخطوبْ
نحمد الله اللذي جعلَ السلوى
شفاءً للقلوبْ
فكم من حادث يُنسى
و إن كادت إلأنفس
من هول الحوادث أن تذوبْ
و كذا شأن الحوادث
فهي تولد ثم تكبر
و تأول للنضوب
شأنها شأن الحياة
في كل المسالك و الدروب
لست وحيدا بها وحدك
و هل تجد مسلكاً خالٍ من عيوب
و أحذر الناس وجدتُ انهم
جواسيس الوشاية تبحث عن عيوب
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس المنديل

بغداد ١٩٩١

هذي قرانا يا بني امحلت إذ تولتنا
على نكبات الدهر ألوان الخطوبْ
سمراء قاحلة ارض الفرات و أرى
الفتيان فيها تهرع كل يوم للهروبْ
و انحسر نهر الفرات يمشي خجلاً
ريثما الماء يصل إلى ارض الجنوبْ
بغداد بها الشجعان صرعى يشنقون
كيف يشنق من كانوا اسودا في الحروب
يشنق الصنديد بارق في الوغى غدراً
و جبان القوم من هولها لاذ بالهروب
فوق بغداد دخان اليأس خيم مثقلا
على صدر الأزقة و الشوارع و الدروب
:::::
سقط هذا اليوم في بغداد
سعد و غدا يسقط سعيد
كيف تقتل الأبطال شنقا كيف
لمن كان للأوطان بالنفس يجود
وجديد القلب بالأمل الوضاح يغريني أن
أزهار الصبى أينعت خلف أسوار الحدود
تمتم الأهل بشيء من حذر هل تغادر
قالو لي بشيئ من اسى خشيةً ًالا تعود
هيّا يا رفيق الدرب ننجو نتمرد
آنت الثورة على البغي و تكسير القيود
::::
و يأتيني نذير الشؤم في كل مساء
فيوسوس ما النجاة إلا في الهروب
و دفاع الخوف يأتي في الصباح
كيف تنجو أوصدت كل الدروب
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس المنديل

أميم القلب

يا أُميمَ القلبْ جودي كي نجودْ
قد تَلَقّى صدري
رشقاً من نبال
نحوي صُوِبَتْ
من لواحظٍ حوراءَ سودْ
و أتتني قبلةٌ عبر امواج الأثير
أُرسِلت من شفاهٍ ذابلات
من شفاه حمرْ
حمراءَ لها اطيافُ سودْ
كأنها وردة “البكراء” راودها الصدود
يا أميم القلب يا حوض الوجود
لا تُلاقي وصلي بالصدود
جود يا “حوض الجحود”
ما لِسمح الخُلق شيمة الجحودْ
أتعلمين أن هذه الدنيا حوضٌ للجحود
و ما لحوضٍ من جحود أن يجودْ
لا امطار فيها سوى برقٌ و رعودْ
كَثُرتْ فيها ثعالبُ مكرٍ
و أُناسٌ مُسِخوا مثل القرودْ
و أختفت منها الأسود
يا لهف نفسي
لم تفي تلك المواثق و العهود
عودي يا سويدا القلب
إنني سأمتُ اكاذيبَ الوعودْ
أيت زمان الوصل من قبل الصدود
ليت ذاك الدهر يوماً سيعود
أنما الآمال يا أُمَيمْ تكبر
هناك خلفَ اسوار الحدودْ
تُراودني كما اشباح سود
أو جميلةٌ تُأملني بأنها سوف تعودْ
قد سأمت هذه الدنيا
فكلُّ ما فيها قيود
أنا راحلٌ عبر الحدودْ
رحلةٌ منها لن أعود
هُناكَ أُجرب حظي
خلف اسوار الحدودْ
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس المنديل

وعي

ورثنا عن الأجداد أمراض و جهل
اذ لعن الله بالقرآن ثالثها الفقرُ
فما الحياة إلا فنون العيش
كملتها علوم تلاها الخير و البشرُ
و بالعلم نسينا فنون العيش مجملة
و لم يبقى من ذاك سوى القلةُ النزرُ
اتى الوعي وبالاً على الانسان إذ
يفتك بنا القلق و الخوف و الذعرُ
ثم اتى الأدمان معضلة تفتك
كالأفيون و التحشيش و السكرُ
اخوى الجهالة يغرق في سبات
و من يعي يعذبه التشكيك و الفكرُ
من بنات الوعي و التعليم ضلوع
الناس بالكسب و التخوين و الغدرُ
رضينا بمكننة الحقل و التصنيع
مكننة الأنسان معضلةٌ امرها نُكرُ
اصبح الدولار رئيس ذوي التيجان
هو الصادح المحكي الذي امره أمرُ
نعلّم الأبناء علوم معقدة و نسينا
مكارم الأخلاق و الجود و الصبر
نقتني أشياء لسنا بحاجتها
و الجار عن حاجةٍ ينتابه الضرُ
نسينا أن حطام الدهر مهزلةٌ
و ما النهاية الا عظامٍ لفها القبرُ
ترى مدن التطور على مابها من ألقٍ
فهي ساحات من امر المروءة قفرُ
فهل يفوز العلم و التنوير أو انه
سيحيله الأرض بعد رخائها كوكب قفرُ
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس المنديل

يوم الرحيل

قفي بباب الدار يا فوز هيا ودعينا
فنحن غداة الغد حتما راحلينا
قفي فداك اهلي و صحبتي
و كل الناس من نازل بوادينا
قفي و لا تبالي حادثات الدهر
فشأن الحوادث و العوادي ان تلينا
إعلمي ان فؤادي هذا اليوم و غداً
و بعد غدٍ في الهوى بات رهينا
إنّا على عهد الهوى أصدقنا
و على الولاء و أقسمنا اليمينا
لا تسمعي قول الوشاة بنا
و حدثيني اليوم أخبركِ اليقينا
و لا تبالي بعذل بعض الناس
و إن بدوا تقاة و ركع ساجدينا
ولا تعجبي يا خلة الروح اذا
قال الحسود كلاماً يزدرينا
لعمركِ ما ضرني لو كان
جميع الخلق في حبكِ قرابينا
فإن اتت على هوانا الحوادث عنوة
فهل في الكون كسبٌ أن يواسينا
ياحسرتي لقد غال الزمان المودةَ
بيننا فبنا و بنتم وقال الدهر آمينا
فبعد اليوم لن يرجى وصالاّ لنا
فليسكت الدهر و لتهنأ أعادينا
و بات الفراق من الأحبة هولا
و زفرات الصدر تشجي لا تواسينا
طوحت بنا سبل النوى الى صنعاء
فلا خُلةٌ ترجى و لا داراً لتأوينا
فلا الآمال بالأحلام مزهرةٌ و لا
الدار داري و لا الأهلون أهلينا
با لهفي على ذاك الزمن و لهفي
على موضعٍ كان في بغداد يأوينا
و رعى الله زمان الوصل في بغداد
اذ كنا محض سكارى نمشي حالمينا
و اليوم بنتم و بنّا و لا عدتم و لا عدنا
و سيف الوجد مغمد في حواشينا
و حسب كؤوس المنى في حب
ظريف الخُلق ان تسقي المنونا
و حسب اهل المودة اذ قبلوا
كأس المنايا تُسقى دون أمانينا
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس في صنعاء عام 1992