أَمُعَفِّرَ اللَيثِ الهِزَبرِ بِسَوطِهِ | لِمَنِ اِدَّخَرتَ الصارِمَ المَصقولا |
وَقَعَت عَلى الأُردُنِّ مِنهُ بَلِيَّةٌ | نُضِدَت بِها هامُ الرِفاقِ تُلولا |
وَردٌ إِذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِباً | وَرَدَ الفُراتَ زَئيرُهُ وَالنيلا |
مُتَخَضِّبٌ بِدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ | في غيلِهِ مِن لِبدَتَيهِ غيلا |
ما قوبِلَت عَيناهُ إِلّا ظُنَّتا | تَحتَ الدُجى نارَ الفَريقِ حُلولا |
في وَحدَةِ الرُهبانِ إِلّا أَنَّهُ | لا يَعرِفُ التَحريمَ وَالتَحليلا |
يَطَءُ الثَرى مُتَرَفِّقاً مِن تيهِهِ | فَكَأَنَّهُ آسٍ يَجُسُّ عَليلا |
وَيَرُدُّ عُفرَتَهُ إِلى يافوخِهِ | حَتّى تَصيرَ لِرَأسِهِ إِكليلا |
وَتَظُنُّهُ مِمّا يُزَمجِرُ نَفسُهُ | عَنها لِشِدَّةِ غَيظِهِ مَشغولا |
قَصَرَت مَخافَتُهُ الخُطى فَكَأَنَّما | رَكِبَ الكَمِيُّ جَوادَهُ مَشكولا |
أَلقى فَريسَتَهُ وَبَربَرَ دونَها | وَقَرُبتَ قُرباً خالَهُ تَطفيلا |
فَتَشابَهُ الخُلُقانِ في إِقدامِهِ | وَتَخالَفا في بَذلِكَ المَأكولا |
أَسَدٌ يَرى عُضوَيهِ فيكَ كِلَيهِما | مَتناً أَزَلَّ وَساعِداً مَفتولا |
في سَرجِ ظامِئَةِ الفُصوصِ طِمِرَّةٍ | يَأبى تَفَرُّدُها لَها التَمثيلا |
نَيّالَةِ الطَلَباتِ لَولا أَنَّها | تُعطي مَكانَ لِجامِها ما نيلا |
تَندى سَوالِفُها إِذا اِستَحضَرتَها | وَيُظَنَّ عَقدُ عِنانِها مَحلولا |
ما زالَ يَجمَعُ نَفسَهُ في زَورِهِ | حَتّى حَسِبتَ العَرضَ مِنهُ الطولا |
وَيَدُقُّ بِالصَدرِ الحِجارَ كَأَنَّهُ | يَبغي إِلى ما في الحَضيضِ سَبيلا |
وَكَأَنَّهُ غَرَّتهُ عَينٌ فَاِدَّنى | لا يُبصِرُ الخَطبَ الجَليلَ جَليلا |
أَنَفُ الكَريمِ مِنَ الدَنِيَّةِ تارِكٌ | في عَينِهِ العَدَدَ الكَثيرَ قَليلا |
وَالعارُ مَضّاضٌ وَلَيسَ بِخائِفٍ | مِن حَتفِهِ مَن خافَ مِمّا قيلا |
سَبَقَ اِلتِقاءَكَهُ بِوَثبَةِ هاجِمٍ | لَو لَم تُصادِمُهُ لَجازَكَ ميلا |
خَذَلَتهُ قُوَّتُهُ وَقَد كافَحتَهُ | فَاِستَنصَرَ التَسليمَ وَالتَجديلا |
قَبَضَت مَنِيَّتُهُ يَدَيهِ وَعُنقَهُ | فَكَأَنَّما صادَفتَهُ مَغلولا |
سَمِعَ اِبنُ عَمَّتِهي بِهِ وَبِحالِهِ | فَنَجا يُهَروِلُ مِنكَ أَمسِ مَهولا |
وَأَمَرُّ مِمّا فَرَّ مِنهُ فِرارُهُ | وَكَقَتلِهِ أَن لا يَموتَ قَتيلا |
تَلَفُ الَّذي اِتَّخَذَ الجَراءَةَ خُلَّةً | وَعَظَ الَّذي اِتَّخَذَ الفِرارَ خَليلا |
لَو كانَ عِلمُكَ بِالإِلَهِ مُقَسَّماً | في الناسِ ما بَعَثَ الإِلَهُ رَسولا |
لَو كانَ لَفظُكَ فيهِمِ ما أَنزَلَ ال | قُرآنَ وَالتَوراةَ وَالإِنجيلا |
لَو كانَ ما تُعطِيهِمِ مِن قَبلِ أَن | تُعطِيهِمِ لَم يَعرِفوا التَأميلا |
فَلَقَد عُرِفتَ وَما عُرِفتَ حَقيقَةً | وَلَقَد جُهِلتَ وَما جُهِلتَ خُمولا |
نَطَقَت بِسُؤدُدِكَ الحَمامُ تَغَنِّياً | وَبِما تُجَشِّمُها الجِيادُ صَهيلا |
ما كُلُّ مَن طَلَبَ المَعالِيَ نافِذاً | فيها وَلا كُلُّ الرِجالِ فُحولا |
قصيدة المتنبي
أروع أبيات الشعر العربي للشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي قصيدة المتنبي الرائعة من أجمل القصائد.