نجدد ذكرى عهدكم ونعيد

نُجدِّدُ ذِكرَى عهدِكم ونُعيدُ وندني خيالَ الأمسِ وهوَ بعيدُ
وللناسِ في الماضي بصائرُ يَهتدِي عليهِنَّ غاوٍ، أَو يسيرُ رشيد
إذا الميْتُ لم يَكرُمْ بأَرضٍ ثناؤُهُ تحيَّرَ فيها الحيُّ كيف يسود
ونحنُ قضاة ُ الحقِّ، نرعى قديمهُ وإن لم يفتنا في الحقوقِ جديد
ونعلمُ أنَّا في البناءِ دعائمٌ وأنتم أساسٌ في البناءِ وطيد
فريدُ ضحايانا كثيرٌ، وإنما مَجالُ الضحايا أَنتَ فيه فريد
فما خلفَ ما كابدتَ في الحقِّ غاية ٌ ولا فوقَ ما قاسيْتَ فيه مَزيد
تغرَّبْتَ عشراً أَنتَ فيهنَّ بائسٌ وأنت بآفاقِ البلادِ شريد
تجوعُ ببلدانٍ، وتعرى بغيرها وتَرْزَحُ تحتَ الداءِ، وهُوَ عَتيد
ألا في سبيلِ اللهِ والحقِّ طارفٌ من المالِ لم تبخلْ به، وتليد
وَجودُكَ بعدَ المالِ بالنفسِ صابراً إذا جزعَ المحضورُ وهوَ يجود
فلا زِلْتَ تمثالاً من الحقِّ خالصاً على سرهِ نبني العلا، ونشيد
يعلم نشءَ الحي كيف هوى الحمى وكيف يحامي دونهُ، ويذود

أمن البحر صائغ عبقري

أَمِنَ البحرِ صائغٌ عَبْقَرِيٌّبالرمالِ النواعمِ البيضِ مغرى 
طاف تحتَ الضُّحَى عليهنَّ، والجوْهَرُ في سُوقِه يُباعُ ويُشْرَى
جئنهُ في معاصمٍ ونحوٍفكسا معصماً، وآخرَ عرى
وأبى أن يقلدَ الدرَّ والياقوتَ نحراً، وقلَّدَ الماسَ نحْرا
وترى خاتماً وراءَ بَنانٍوبَناناً من الخواتمِ صِفْرا
وسواراً يزينُ زندَ كعابٍوسواراً من زندِ حسناءَ فرّا
وترى الغِيدَ لُؤلؤاً ثَمَّ رَطْباًوجماناً حوالي الماءِ نثرا
وكأَنَّ السماءَ والماءَ شِقَّاصدفٍ، حمَّلا رفيفاً ودرَّا
وكأَنّ السماءَ والماءَ عُرْسٌمترعُ المهرجان لمحاً وعطرا
أَو رَبيعٌ من ريشة ِ الفنِّ أَبهَىمِن ربيع الرُّبى ، وأَفتنُ زَهْرا
أو تهاويل شاعرٍ عبقريٍّطارحَ البحرَ والطبيعة َ شعرا
يا سواريْ فيروزجٍ ولجينٍبها حليتْ معاصمُ مصرا
في شُعاعِ الضُّحَى يعودان ماساًوعلى لمحة ِ الأصائلِ تبرا
ومَشَتْ فيهما النّجومُ فكانتفي حواشيهما يواقيتَ زهرا
لكَ في الأرضِ موكبٌ ليس يألوالــريحَ والطيرَ والشياطينَ حشرا
سرتَ فيه على كنوز سليمانَ تعدُّ الخُطى اختيالاً وكِبْرا
وتَرنَّمْتَ في الركابِ، فقلناراهبٌ طاف في الأَناجيل يَقرا
هو لحنٌ مضي‍َّعٌ، لا جواباًقد عرفنا له، ولا مستقرا
لك في طيِّهِ حديثُ غرامٍظلَّ في خاطر الملحنِ سرَّا
قد بعثنا تحيَّة ً وثناءًلكَ يا أرفعَ الزواخر ذكرا
وغشيناكَ ساعة ً تنبشُ الماضي نبشاً، وتقتلُ الأمسَ فكرا
وفتحنا القديمَ فيك كتاباًوقرأنا الكتابَ سطراً فسطرا
ونشرنا من طيهنَّ اللياليفلَمَحنا من الحضارة ِ فَجْرا
ورأَينا مصراً تُعلِّمُ يونانَ، ويونانَ تقبِسُ العلمَ مصرا
تِلكَ تأْتيكَ بالبيانِ نبيّاًعبقرياً، وتلك بالفنّ سحرا
ورأَينا المنارَ في مطلع النَّجْــمِ على برقِهِ المُلَمَّحِ يُسرى
شاطىء ٌ مثلُ رُقعة ِ الخُلدِ حُسناًوأديمِ الشبابِ طيباً وبشرا
جرَّ فيروزجاً على فضة ِ الماءِ، وجرَّ الأصيلُ والصبح تبرا
كلما جئتهُ تهلل بشراًمن جميع الجهاتِ، وافترَّ ثغرا
انثنى موجة ً، وأقبلَ يرخيكِلَّة ً تارة ً ويَرفعُ سِترا
شبَّ وانحطَّ مثلَ أَسرابِ طيرٍماضياتٍ تلفُّ بالسهلِ وعرا
رُبما جاءَ وَهْدَة ً فتردَّىفي المهاوي، وقامَ يطفرُ صخرا
وترى الرملَ والقصورَ كأيكٍركب الوكرُ في نواحيهِ وكرا
وتَرى جَوْسَقاً يُزَيِّنُ رَوْضاًوترى رَبوة ً تزيِّنُ مصرا
سَيِّدَ الماءِ، كم لنا من صلاحٍو عليٍّ وراءَ مائكَ ذِكرى 
كم مَلأْناكَ بالسَّفينِ مَواقِيــرَ كشُمِّ الجبالِ جُنداً ووَفرا
شاكياتِ السلاحِ يخرجنَ من مصــرٍ بملومة ٍ، ويدخلن مصرا
شارعاتِ الجناحِ في ثَبَجِ الماءِ كنسرٍ يشدُّ في السحب نسرا
وكأَنّ اللُّجاجَ حينَ تنَزَّىوتسدُّ الفجاجَ كرَّا وفرَّا
أجمٌ بعضُهُ لبعضٍ عدوٌّزَحَفَتْ غابة ٌ لتمزيق أُخرَى 
قذفتْ ههنا زئيراً وناباًورَمَت ههنا عُواء وظُفرا
أنتَ تغلي إلى القيامة ِ كالقدْرِ، فلا حطَّ يومها لكَ قدرا
شعر احمد شوقي

قف حي شبان الحمى

قفْ حيِّ شبانَ الحمى قبلَ الرحيلِ بقافِيَهْ
عودتهمْ أمثالها في الصالحاتِ الباقيه
من كلِّ ذاتِ إشارة ٍ ليستْ عليهم خافيه
قلْ: يا شبابُ نصيحة مما يُزَوَّدُ غاليه
هل راعكم أن المدا رسَ في الكنانة ِ خاوِيَه
هجرتْ فكلٌّ خليَّة من كلِّ شُهْدٍ خاليه
وتعطَّلتْ هالاتُها منكم، وكانت حاليه
غَدَتِ السياسة ُ وَهْيَ آ مرة عليها ناهيه
فهجرتمو الوطنَ العز يزَ إلى البلادِ القاصيه
أنتمْ غداً في عالمٍ هو والحضارة ُ ناحِيهْ
واريتُ فيه شبيبتي وقضيتُ فيه ثمانِيه
ما كنتُ ذا القلبِ الغليـ ـظِ، ولا الطباعِ الجافيه
سيروا به تتعلموا سرَّ الحياة ِ العاليه
وتأملوا البنيانَ، وادَّ كروا الجهودَ البانيه
ذوقوا الثمارَ جنيَّة ً وردوا المناهلَ صافيه
واقضوا الشبابَ، فإنّ ساعته                                                   القصيرة فانيه
واللهِ لا حرجٌ عليـ ـكم في حديثِ الغانيه
أَو في اشتِهاءِ السِّحْرِ من لَحْظِ العيونِ الساجيه
أَو في المسارحِ فَهْيَ بالنّـ ـفسِ اللطيقة ِ راقيه

فتحية دنيا تدوم وصحة

فتْحِيَّة ٌ دنيا تدومُ وصِحة ٌتَبقى  وبهجَة ُ أُمَّة ٍ وحياة
مولايّ إنّ الشمسَ في عليائهاأنثى  وكلُّ الطيبات بناتُ 

قردٌ رأى الفيلَ على الطريقِ

قردٌ رأى الفيلَ على الطريقِ مهرولاً خوفاً من التعويقِ
وكان ذاك القِردُ نصفَ أَعمى يُريد يُحْصِي كلَّ شيءٍ عِلما
فقال: أهلا بأبي الأهوالِ ومرْحباً بِمُخْجِلِ الجِبالِ
نقدي الرؤوسُ رأسكَ العظيما فقف أشاهدْ حسنك الوسيما
للهِ ما أظرفَ هذا القدَّا وألطف العظمَ وأبهى الجلدا!
وأَملَح الأذْنَ في الاستِرسالِ كأَنها دائرة ُ الغِربالِ!
وأَحسَنَ الخُرطومَ حين تاهَا كأَنه النخلة ُ في صِباها!
وظَهرُك العالي هو البِساطُ للنفْسِ في رُكوبِه کنبِساطُ
فعدَّها الفيلُ من السعودِ وأمرَ الشاعرَ بالصُّعود
فجالَ في الظهر بلا توانِ حتى إذا لم يَبقَ من مكان
أَوفى على الشيءِ الذي لا يُذكرُ وأدخلَ الاصبعَ فيه يخبرُ
فاتهم الفيلُ البعوضَ، واضطربْ وضيَّقَ الثقب، وصالَ بالذنبْ
فوقَعَ الضربُ على السليمه فلحِقَتْ بأُختِها الكريمه
ونزل البصيرُ ذا اكتئابِ يشكو إلى الفيلِ من المُصابِ
فقال: لا مُوجِب للندامه الحمد لله على السلامه
من كان في عينيْه هذا الداءُ ففي العَمى لنفسِه وقاءُ

يَحكون أَن أُمَّة َ الأَرانِبِ

يَحكون أَن أُمَّة َ الأَرانِبِ قد أخذت من الثرى بجانبِ
وابتَهجَتْ بالوطنِ الكريمِ ومثلِ العيالِ والحريمِ
فاختاره الفيلُ له طريقا ممزِّقاً أصحابنا تمزيقا
وكان فيهم أرنبٌ لبيبُ أذهبَ جلَّ صوفهِ التَّجريب
نادى بهم: يا مَعشرَ الأَرانبِ من عالِمٍ، وشاعرٍ، وكاتب
اتَّحِدوا ضِدَّ العَدُوِّ الجافي فالاتحادُ قوّة ُ الضِّعاف
فأقبلوا مستصوبين رايهْ وعقدوا للاجتماعِ رايه
وانتخبوا من بينِهم ثلاثه لا هَرَماً راعَوْا، ولا حَداثه
بل نظروا إلى كمالِ العقلِ واعتَبروا في ذاك سِنَّ الفضْل
فنهض الأولُ للخطِاب فقال : إنّ الرأيَ ذا الصواب
أن تُتركَ الأرضُ لذي الخرطومِ كي نستريحَ من أَذى الغَشوم
فصاحت الأرانبُ الغوالي : هذا أضرُّ من أبي الأهوال
ووثبَ الثاني فقال: إني أَعهَدُ في الثعلبِ شيخَ الفنِّ
فلندْعُه يُمِدّنا بحِكمتِهْ ويأخذ اثنيْنِ جزاءَ خدمتِه
فقيلَ : لا يا صاحبَ السموِّ لا يدفعُ العدوُّ بالعدوِّ
وانتَدَبَ الثالثُ للكلامِ فقال : يا معاشرَ الأقوامِ
اجتمِعوا؛ فالاجتِماع قوّه ثم احفِروا على الطريق هُوَّه
يهوى إليها الفيلُ في مروره فنستَريحُ الدهرَ من شرورِه
ثم يقولُ الجيلُ بعدَ الجيلِ قد أَكلَ الأَرنبُ عقلَ الفيل
فاستصوبوا مقالهُ ، واستحسنوا وعملوا من فورهم ، فأحسنوا
وهلكَ الفيلُ الرفيعُ الشَّانِ فأَمستِ الأُمَّة ُ في أَمان
وأقبلتْ لصاحبِ التدبير ساعية ً بالتاجِ والسرير
فقال : مهلا يا بني الأوطانِ إنّ محلِّي للمحلُّ الثاني
فصاحبُ الصَّوتِ القويِّ الغالبِ منْ قد دعا : يا معشرَ الأرانب