مَا أجْدَرَ الأيّامَ وَاللّيَالي | بأنْ تَقُولَ مَا لَهُ وَمَا لي |
لا أنْ يكونَ هكَذا مَقَالي | فَتىً بنِيرانِ الحُروبِ صَالِ |
مِنْهَا شَرَابي وَبهَا اغْتِسَالي | لا تَخطُرُ الفَحشاءُ لي ببَالِ |
لَوْ جَذَبَ الزّرّادُ مِنْ أذْيَالي | مُخَيِّراً لي صَنْعَتَيْ سِرْبَالِ |
مَا سُمْتُهُ زَرْدَ سِوَى سِرْوَالِ | وَكَيفَ لا وَإنّمَا إدْلالي |
بِفارِسِ المَجْرُوحِ وَالشَّمَالِ | أبي شُجاعٍ قاتِلِ الأبطالِ |
سَاقي كُؤوسِ المَوْتِ وَالجِرْيالِ | لمّا أصَارَ القُفْصَ أمْسِ الخالي |
وَقَتّلَ الكُرْدَ عَنِ القِتالِ | حتى اتّقَتْ بالفَرِّ وَالإجْفَالِ |
فَهَالِكٌ وَطائِعٌ وَجَالِ | وَاقْتَنَصَ الفُرْسانَ بالعَوَالي |
وَالعُتُقِ المُحْدَثَةِ الصّقالِ | سَارَ لصَيدِ الوَحشِ في الجِبالِ |
وَفي رَقَاقِ الأرْضِ وَالرّمَالِ | على دِمَاءِ الإنْسِ وَالأوْصَالِ |
مُنْفَرِدَ المُهْرِ عَنِ الرّعَالِ | مِنْ عِظَمِ الهِمّةِ لا المَلالِ |
وَشِدّةِ الضِّنّ لا الاسْتِبْدالِ | ما يَتَحرَّكْنَ سِوَى انْسِلالِ |
فَهُنّ يُضرَبنَ على التَّصْهَالِ | كُلُّ عَليلٍ فَوْقَهَا مُخْتَالِ |
يُمْسِكُ فَاهُ خَشْيَةَ السُّعَالِ | من مَطلِعِ الشّمسِ إلى الزّوالِ |
فَلَمْ يَئِلْ ما طارَ غَيرَ آلِ | وَمَا عَدا فانغَلّ في الأدْغالِ |
وَمَا احتَمَى بالماءِ وَالدِّحَالِ | مِنَ الحَرَامِ اللّحْمِ وَالحَلالِ |
إنّ النّفُوسَ عَدَدُ الآجَالِ | سَقْياً لدَشْتِ الأرْزَنِ الطُّوَالِ |
بَينَ المُرُوجِ الفِيحِ وَالأغْيَالِ | مُجاوِرِ الخِنْزِيرِ للرّئْبَالِ |
داني الخَنانيصِ مِنَ الأشْبَالِ | مُشْتَرِفِ الدّبّ عَلى الغَزَالِ |
مُجتمِعِ الأضْدادِ وَالأشكالِ | كَأنّ فَنّاخُسْرَ ذا الإفْضَالِ |
خَافَ عَلَيْهَا عَوَزَ الكَمَالِ | فَجَاءَهَا بالفِيلِ وَالفَيّالِ |
فَقِيدَتِ الأيّلُ في الحِبَالِ | طَوْعَ وُهُوقِ الخَيلِ وَالرّجالِ |
تَسيرُ سَيرَ النَّعَمِ الأرْسَالِ | مُعْتَمّةً بيَبِسِ الأجْذالِ |
وُلِدْنَ تحتَ أثْقَلِ الأحْمَالِ | قَدْ مَنَعَتْهُنّ مِنَ التّفَالي |
لا تَشْرَكُ الأجْسامَ في الهُزالِ | إذا تَلَفّتنَ إلى الأظْلالِ |
أرَيْنَهُنّ أشْنَعَ الأمْثَالِ | كَأنّمَا خُلِقْنَ لِلإذْلالِ |
زِيادَةً في سُبّةِ الجُهّالِ | وَالعُضْوُ لَيسَ نافِعاً في حَالِ |
لِسَائِرِ الجِسْمِ مِنَ الخَبَالِ | وَأوْفَتِ الفُدْرُ مِنَ الأوْعَالِ |
مُرْتَدِياتٍ بِقِسِيِّ الضّالِ | نَوَاخِسَ الأطْرَافِ لِلأكفَالِ |
يَكَدْنَ يَنْفُذْنَ منَ الآطالِ | لهَا لِحىً سُودٌ بِلا سِبَالِ |
يَصْلُحنَ للإضْحاكِ لا الإجْلالِ | كُلُّ أثِيثٍ نَبْتُهَا مِتْفَالِ |
لم تُغْذَ بالمِسْكِ وَلا الغَوَالي | تَرْضَى من الأدْهانِ بالأبْوَالِ |
وَمِنْ ذَكيّ الطّيبِ بالدَّمَالِ | لَوْ سُرّحَتْ في عارِضَيْ مُحتالِ |
لَعَدّهَا مِنْ شبكاتِ المَالِ | بَينَ قُضَاةِ السّوْءِ وَالأطفَالِ |
شَبيهَةِ الإدْبَارِ بالإقْبَالِ | لا تُؤثِرُ الوَجهَ على القَذَالِ |
فاخْتَلَفَتْ في وَابِلَيْ نِبَالِ | مِنْ أسْفَلِ الطّوْدِ وَمن مُعَالِ |
قَدْ أوْدَعَتْهَا عَتَلُ الرّجَالِ | في كلّ كِبْدٍ كَبِدَيْ نِصَالِ |
فَهُنّ يَهْوِينَ مِنَ القِلالِ | مَقْلُوبَةَ الأظْلافِ وَالإرْقالِ |
يُرْقِلْنَ في الجَوّ على المَحَالِ | في طُرُقٍ سَرِيعَةِ الإيصالِ |
يَنَمْنَ فيهَا نِيمَةَ المِكسَالِ | على القُفِيّ أعْجَلَ العِجالِ |
لا يَتَشَكّينَ مِنَ الكَلالِ | وَلا يُحاذِرْنَ مِنَ الضّلالِ |
فكانَ عَنهَا سَبَبَ التّرْحالِ | تَشْوِيقُ إكْثَارٍ إلى إقْلالِ |
فَوَحْشُ نَجْدٍ منْهُ في بَلْبَالِ | يَخَفْنَ في سَلمى وَفي قِيَالِ |
نَوَافِرَ الضِّبَابِ وَالأوْرَالِ، | وَالخاضِبَاتِ الرُّبْدِ وَالرِّئَالِ |
وَالظّبيِ وَالخَنْسَاءِ وَالذَّيّالِ | يَسْمَعْنَ من أخبارِهِ الأزْوَالِ |
ما يَبعَثُ الخُرْسَ على السّؤالِ | فَحُولُهَا وَالعُوذُ وَالمَتَالي |
تَوَدّ لَوْ يُتْحِفُهَا بِوَالِ | يَرْكَبُهَا بالخُطْمِ وَالرّحالِ |
يُؤمِنُهَا مِنْ هَذِهِ الأهْوَالِ | وَيَخْمُسُ العُشْبَ وَلا تُبَالي |
وَمَاءَ كُلِّ مُسْبِلٍ هَطّالِ | يا أقْدَرَ السُّفّارِ وَالقُفّالِ |
لوْ شِئتَ صِدتَ الأُسدَ بالثّعالي | أوْ شِئتَ غرّقتَ العِدَى بالآلِ |
وَلَوْ جَعَلْتَ مَوْضِعَ الإلالِ | لآلِئاً قَتَلْتَ بِاللآّلي |
لم يَبْقَ إلاّ طَرَدُ السّعَالي | في الظُّلَمِ الغَائِبَةِ الهِلالِ |
على ظُهُورِ الإبِلِ الأُبّالِ | فَقَدْ بَلَغْتَ غايَةَ الآمَالِ |
فلَمْ تَدَعْ منها سِوَى المُحالِ | في لا مَكانٍ عِندَ لا مَنَالِ |
يا عَضُدَ الدّوْلَةِ وَالمَعَالي | ألنّسَبُ الحَلْيُ وأنْتَ الحالي |
بالأبِ لا بالشَّنْفِ وَالخَلْخالِ | حَلْياً تَحَلّى مِنْكَ بالجَمَالِ |
وَرُبّ قُبْحٍ وَحِلًى ثِقَالِ | أحسَنُ منها الحُسنُ في المِعطالِ |
فَخْرُ الفَتى بالنّفسِ وَالأفْعَالِ | مِنْ قَبْلِهِ بالعَمّ وَالأخْوَالِ |
قصائد الشاعر المتنبي
مجموعة من أجمل قصائد الشاعر ابو الطيب المتنبي تجدونها بهذه الصفحة.
إثلث فإنا أيها الطلل
إثْلِثْ! فإنّا أيّهَا الطّلَلُ | نبْكي وَتُرْزِمُ تَحْتَنَا الإبِلُ |
أوْ لا فَلا عَتْبٌ عَلى طَلَلٍ | إنّ الطّلُولَ لمِثْلِهَا فُعُلُ |
لَوْ كُنْتَ تَنْطِقُ قُلتَ مُعتَذِراً | بي غَيرُ ما بكَ أيّهَا الرّجُلُ |
أبكاكَ أنّكَ بَعضُ مَن شَغَفُوا | لم أبكِ أنّي بَعضُ مَن قَتَلُوا |
إنّ الذينَ أقَمْتَ وَارْتَحَلُوا | أيّامُهُمْ لِدِيَارِهِمْ دُوَلُ |
الحُسْنُ يَرْحَلُ كُلّمَا رَحلوا | مَعَهُمْ وَيَنْزِلُ حَيثُمَا نَزَلُوا |
في مُقْلَتيْ رَشَإٍ تُديرُهُمَا | بَدَوِيّةٌ فُتِنَتْ بهَا الحِلَلُ |
تَشكُو المَطاعِمُ طولَ هِجرَتِها | وَصُدودَها وَمَنِ الذي تَصِلُ |
ما أسْأرَتْ في القَعْبِ مِن لَبَنٍ | تَرَكَتهُ وَهوَ المِسكُ وَالعَسَلُ |
قالَتْ ألا تَصْحُو فَقُلتُ لَهَا | أعْلَمْتِني أنّ الهَوَى ثَمَلُ |
لَوْ أنّ فَنّاخُسْرَ صَبّحَكُمْ | وَبَرَزْتِ وَحْدَكِ عاقَهُ الغَزَلُ |
وَتَفَرّقَتْ عَنكُمْ كَتَائِبُهُ | إنّ المِلاحَ خَوَادِعٌ قُتُلُ |
مَا كُنتِ فَاعِلَةً وَضَيْفُكُمُ | مَلِكُ المُلُوكِ وَشأنُكِ البَخَلُ |
أتُمَنّعِينَ قِرىً فتَفْتَضِحي | أمْ تَبْذِلينَ لَهُ الذي يَسَلُ |
بَلْ لا يَحِلّ بحَيْثُ حَلّ بِهِ | بُخْلٌ وَلا خَوَرٌ وَلا وَجَلُ |
مَلِكٌ إذا مَا الرُّمحُ أدرَكَهُ | طَنَبٌ ذَكَرْنَاهُ فَيَعْتَدِلُ |
إنْ لم يَكُنْ مَن قَبلَهُ عَجَزُوا | عَمّا يَسُوسُ بهِ فَقد غَفَلُوا |
حتى أتَى الدّنْيَا ابنُ بَجدَتِهَا | فَشكَا إلَيْه السّهلُ وَالجَبَلُ |
شكوَى العَليلِ إلى الكَفيلِ لَهُ | أنْ لا تَمُرَّ بجِسْمِهِ العِلَلُ |
قالَتْ فَلا كَذَبَتْ شَجاعَتُهُ | أقْدِمْ فنَفْسُكَ مَا لهَا أجَلُ |
فَهُوَ النّهَايَةُ إنْ جَرَى مَثَلٌ | أوْ قيلَ يَوْمَ وَغىً منِ البَطَلُ |
عُدَدُ الوُفُودِ العَامِدينَ لَهُ | دونَ السّلاحِ الشُّكلُ وَالعُقُلُ |
فَلِشُكْلِهِمْ في خَيْلِهِ عَمَلٌ | وَلِعُقْلِهِمْ في بُخْتِهِ شُغُلُ |
تُمْسِي على أيْدي مَوَاهِبِهِ | هِيَ أوْ بَقِيّتُهَا أوِ البَدَلُ |
يُشْتَاقُ مِنْ يَدِهِ إلى سَبَلٍ | شَوْقاً إلَيْهِ يَنْبُتُ الأسَلُ |
سَبَلٌ تَطُولُ المَكْرُماتُ بِهِ | وَالمَجْدُ لا الحَوْذانُ وَالنَّفَلُ |
وَإلى حَصَى أرْضٍ أقَامَ بهَا | بالنّاسِ مِنْ تَقبيلِهِ يَلَلُ |
إنْ لم تُخَالِطْهُ ضَوَاحِكُهُمْ | فَلِمَنْ تُصَانُ وَتُذخَرُ القُبَلُ |
في وَجْهِهِ مِنْ نُورِ خَالِقِهِ | غُرَرٌ هيَ الآيَاتُ وَالرّسُلُ |
فإذا الخَميسُ أبَى السّجودَ لهُ | سَجَدَتْ لَهُ فيهِ القَنَا الذُّبُلُ |
وَإذا القُلُوبُ أبَتْ حُكُومَتَهُ | رَضِيَتْ بحُكمِ سُيُوفِهِ القُلَلُ |
أرَضِيتَ وَهشُوذانُ ما حكَمَتْ | أمْ تَسْتَزِيدَ لاُِمّكَ الهَبَلُ |
وَرَدَتْ بِلادَكَ غيرَ مُغْمَدَةٍ | وَكَأنّهَا بَينَ القَنَا شُعَلُ |
وَالقَوْمُ في أعيانِهِمْ خَزَرٌ | وَالخَيْلُ في أعيانِهَا قَبَلُ |
فأتَوْكَ لَيسَ بمَنْ أتَوْا قِبَلٌ | بهِمِ وَلَيسَ بمَنْ نَأوْا خَلَلُ |
لم يَدْرِ مَنْ بالرّيّ أنّهُمُ | فَصَلُوا وَلا يَدري إذا قَفَلُوا |
وَأتَيْتَ مُعْتَزِماً وَلا أسَدٌ | وَمَضَيْتَ مُنهَزِماً وَلا وَعِلُ |
تُعْطي سِلاحَهُمُ وَرَاحَهُمُ | مَا لمْ تَكُنْ لِتَنَالَهُ المُقَلُ |
أسخَى المُلُوكِ بِنَقْلِ مَملَكَةٍ | مَنْ كادَ عَنْهُ الرّأسُ يَنتَقِلُ |
لَوْلا الجَهَالَةُ مَا دَلَفْتَ إلى | قَوْمٍ غَرِقْتَ وَإنّمَا تَفَلُوا |
لا أقْبَلُوا سِرّاً وَلا ظَفِرُوا | غَدْراً وَلا نَصَرَتْهُمُ الغِيَلُ |
لا تَلْقَ أفرَسَ منكَ تَعْرِفُهُ | إلاّ إذا ما ضاقَتِ الحِيَلُ |
لا يَسْتَحي أحَدٌ يُقَالُ لَهُ | نَضَلُوكَ آلُ بُوَيْهِ أوْ فَضَلُوا |
قَدَرُوا عَفَوْا وَعدوا وَفَوْا سُئلوا | أغنَوْا عَلَوْا أعْلَوْا وَلُوا عَدَلوا |
فَوْقَ السّمَاءِ وَفَوْقَ ما طلَبوا | فإذا أرادوا غايَةً نَزَلُوا |
قَطَعَتْ مكارِمُهُمْ صَوَارِمَهمْ | فإذا تَعَذّرَ كاذِبٌ قَبِلُوا |
لا يَشْهَرُونَ عَلى مُخالِفِهِمْ | سَيْفاً يَقُومُ مَقَامَهُ العَذَلُ |
فأبُو عَليٍّ مَنْ بهِ قَهَرُوا | أبُو شُجَاعٍ مَنْ بِهِ كمَلُوا |
حَلَفَتْ لِذا بَرَكاتُ غُرّةِ ذا | في المَهْدِ أنْ لا فَاتَهُ أمَلُ |
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه
وَفاؤكُما كالرَّبْع أشْجاهُ طاسمه | بأنْ تُسعِدا والدّمْعُ أشفاهُ ساجِمُهْ |
وما أنَا إلاّ عاشِقٌ كلُّ عَاشِقٍ | أعَقُّ خَليلَيْهِ الصّفِيّينِ لائِمُهْ |
وقَدْ يَتَزَيّا بالهَوَى غَيرُ أهْلِهِ | ويَستَصحِبُ الإنسانُ مَن لا يُلائمُهْ |
بَليتُ بِلى الأطْلالِ إنْ لم أقِفْ بها | وُقوفَ شَحيحٍ ضاعَ في التُّرْبِ خاتمُهْ |
كَئيباً تَوَقّاني العَواذِلُ في الهَوَى | كمَا يَتَوَقّى رَيّضَ الخَيلِ حازِمُهْ |
قِفي تَغرَمِ الأولى من اللّحظِ مُهجتي | بثانِيَةٍ والمُتْلِفُ الشّيْءَ غارِمُهْ |
سَقاكِ وحَيّانَا بكِ الله إنّمَا | على العِيسِ نَوْرٌ والخدورُ كمائِمُهْ |
وما حاجةُ الأظعانِ حَوْلَكِ في الدّجى | إلى قَمَرٍ ما واجدٌ لكِ عادِمُهْ |
إذا ظَفِرَتْ منكِ العُيونُ بنَظرَةٍ | أثابَ بها مُعيي المَطيّ ورازِمُهْ |
حَبيبٌ كأنّ الحُسنَ كانَ يُحِبّهُ | فآثَرَهُ أوْ جارَ في الحُسنِ قاسِمُهْ |
تَحُولُ رِماحُ الخَطّ دونَ سِبائِهِ | وتُسبَى لَهُ منْ كلّ حَيٍّ كرائِمُهْ |
وَيُضْحي غُبارُ الخَيلِ أدنَى سُتُورِهِ | وآخِرُها نَشْرُ الكِباءِ المُلازِمُهْ |
وما اسْتَغْرَبَتْ عَيني فِراقاً رأيْتُهُ | ولا عَلّمَتْني غَيرَ ما القلبُ عالمُهْ |
فَلا يَتَّهِمْني الكاشِحونَ فإنّني | رَعَيتُ الرّدى حتى حَلَتْ لي علاقمُهْ |
مُشِبُّ الذي يَبكي الشّبابَ مُشيبُهُ | فكَيفَ تَوَقّيهِ وبانِيهِ هادِمُهْ |
وتَكْمِلَةُ العَيشِ الصِّبا وعَقيبُهُ | وغائِبُ لَوْنِ العارِضَينِ وقادِمُهْ |
وما خَضَبَ النّاسُ البَياضَ لأنّهُ | قَبيحٌ ولكِنْ أحْسَنُ الشَّعرِ فاحِمُهْ |
وأحسَنُ مِنْ ماءِ الشّبيبَةِ كُلّهِ | حَيَا بارِقٍ في فازَةٍ أنا شائِمُهْ |
عَلَيها رِياضٌ لم تَحُكْها سَحابَةٌ | وأغصانُ دَوْحٍ لمْ تُغَنِّ حَمَائِمُهْ |
وفَوْقَ حَواشي كلّ ثَوْبٍ مُوَجَّهٍ | من الدُّرّ سِمْطٌ لم يُثَقّبْهُ ناظِمُهْ |
تَرَى حَيَوانَ البَرّ مُصْطَلِحاً بِهِ | يُحارِبُ ضِدٌّ ضِدَّهُ ويُسالِمُهْ |
إذا ضَرَبَتْهُ الرّيحُ ماجَ كَأنّهُ | تجولُ مَذاكيه وتَدأى ضَراغِمُهْ |
وفي صورةِ الرّوميّ ذي التّاجِ ذِلّةٌ | لأبْلَجَ لا تيجانَ إلاّ عَمائِمُهْ |
تُقَبّلُ أفْواهُ المُلُوكِ بِساطَهُ | ويَكْبُرُ عَنها كُمُّهُ وبَراجِمُهْ |
قِياماً لمَنْ يَشفي مِنَ الدّاءِ كَيُّهُ | ومَن بَينَ أُذْنَيْ كلّ قَرْمٍ مَواسمُهْ |
قَبائِعُها تَحْتَ المَرافِقِ هَيْبَةً | وأنْفَذُ ممّا في الجُفُونِ عَزائِمُهْ |
لَهُ عَسكَرَا خَيْلٍ وطَيرٍ إذا رَمَى | بها عَسكَراً لم يَبقَ إلاّ جَماجمُهْ |
أجِلّتُها مِنْ كلّ طاغٍ ثِيابُهُ | ومَوْطِئُها مِن كلّ باعٍ مَلاغمُهْ |
فَقَدْ مَلّ ضَوْءُ الصّبْحِ ممّا تُغيرُهُ | ومَلّ سَوادُ اللّيلِ ممّا تُزاحِمُهْ |
ومَلّ القَنَا ممّا تَدُقّ صُدورَهُ | ومَلّ حَديدُ الهِنْدِ ممّا تُلاطِمُهْ |
سَحابٌ مِنَ العِقبانِ يزْحَفُ تحتَها | سحابٌ إذا استَسقتْ سقتها صَوارِمُهْ |
سلَكتُ صُروفَ الدّهرِ حتى لقيتُهُ | على ظَهرِ عَزْمٍ مُؤيَداتٍ قَوائِمُهْ |
مَهالِكَ لم تَصْحَبْ بها الذئبَ نَفسُه | ولا حَمَلَتْ فيها الغُرابَ قَوادِمُهْ |
فأبصَرْتُ بَدراً لا يَرَى البدرُ مِثْلَهُ | وخاطَبْتُ بحْراً لا يرى العِبرَ عائِمُهْ |
غَضِبْتُ لَهُ لمّا رَأيْتُ صِفاتِهِ | بلا واصِفٍ والشِّعرُ تهذي طَماطِمُهْ |
وكنتُ إذا يَمّمْتُ أرضاً بَعيدَةً | سرَيتُ فكنْتُ السرّ واللّيلُ كاتمُهْ |
لقد سَلّ سيفَ الدّولَةِ المَجدُ مُعلَماً | فلا المَجدُ مخفيه ولا الضّرْبُ ثالمُهْ |
على عاتِقِ المَلْكِ الأغَرِّ نِجادُهُ | وفي يَدِ جَبّارِ السّماواتِ قائِمُهْ |
تُحارِبُهُ الأعداءُ وهْيَ عَبيدُهُ | وتَدّخِرُ الأمْوالَ وهْيَ غَنائِمُهْ |
ويَستَكبرُونَ الدّهرَ والدّهْرُ دونَهُ | ويَستَعظِمونَ المَوتَ والموْتُ خادمُهْ |
وإنّ الذي سَمّى عَلِيّاً لَمُنْصِفٌ | وإنّ الذي سَمّاهُ سَيفاً لَظالمُهْ |
وما كلُّ سَيفٍ يَقْطَعُ الهَامَ حَدُّهُ | وتَقْطَعُ لَزْباتِ الزّمانِ مَكارِمُهْ |
أين أزمعت أيهذا الهمام
أيْنَ أزْمَعْتَ أيّهذا الهُمامُ | نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَى وأنتَ الغَمامُ |
نَحْنُ مَن ضايَقَ الزّمانُ له فيـ | ـكَ وخانَتْهُ قُرْبَكَ الأيّامُ |
في سَبيلِ العُلى قِتالُكَ والسّلْـ | ـمُ وهذا المُقامُ والإجْذامُ |
لَيتَ أنّا إذا ارْتَحَلْتَ لكَ الخَيْـ | ـلُ وأنّا إذا نَزَلْتَ الخِيامُ |
كُلَّ يَوْمٍ لكَ احْتِمالٌ جَديدٌ | ومَسيرٌ للمَجْدِ فيهِ مُقامُ |
وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً | تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ |
وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا | وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ |
ولَنَا عادَةُ الجَميلِ منَ الصّبْـ | ـرِ لَوَ انّا سِوَى نَوَاكَ نُسامُ |
كُلُّ عَيْشٍ ما لم تُطِبْهُ حِمامٌ | كلُّ شَمسٍ ما لم تكُنْها ظَلامُ |
أزِلِ الوَحْشَةَ التي عِندَنَا يا | مَن بِهِ يأنَسُ الخَميسُ اللُّهامُ |
والذي يَشهَدُ الوَغَى ساكِنَ القَلـ | ـبِ كَأنّ القِتالَ فيها ذِمَامُ |
والذي يَضرِبُ الكَتائِبَ حتى | تَتَلاقَى الفِهاقُ والأقدامُ |
وإذا حَلّ ساعَةً بمَكانٍ | فأذاهُ عَلى الزّمانِ حَرامُ |
والذي تُنْبِتُ البِلادُ سُرُورٌ | والذي تَمْطُرُ السّحابُ مُدامُ |
كُلّما قيلَ قَد تَناهَى أرانَا | كَرَماً ما اهتَدَتْ إليهِ الكِرامُ |
وكِفاحاً تَكِعُّ عَنْهُ الأعادي | وارْتِياحاً تَحارُ فيهِ الأنامُ |
إنّما هَيْبَةُ المُؤمَّلِ سَيْفِ الـ | ـدوْلَةِ المَلْكِ في القلوبِ حُسامُ |
فكَثيرٌ مِنَ الشّجاعِ التّوَقّي | وكَثيرٌ مِنَ البَليغِ السّلامُ |
أنا منك بين فضائل ومكارم
أنَا مِنكَ بَينَ فَضائِلٍ وَمَكارِمِ | وَمِنِ ارْتِياحِكَ في غَمامٍ دائِمِ |
وَمِنِ احتِقارِكَ كُلَّ مَا تَحْبُو بِهِ | فيما أُلاحِظُهُ بعَيْنَيْ حَالِمِ |
إنّ الخَليفَةَ لم يُسَمِّكَ سَيْفَهَا | حَتى بَلاكَ فكُنْتَ عَينَ الصّارِمِ |
فإذا تَتَوّجَ كُنتَ دُرّةَ تاجِهِ | وَإذا تَخَتّمَ كنتَ فَصّ الخاتِمِ |
وإذا انتَضاكَ على العِدى في مَعَركٍ | هَلَكُوا وضاقَتْ كَفُّهُ بالقائِمِ |
أبدَى سَخاؤكَ عَجزَ كلّ مُشَمِّرٍ | في وَصْفِهِ وأضاقَ ذَرْعَ الكاتِمِ |
إذا كان مدح فالنسيب المقدم
إذا كانَ مَدحٌ فالنّسيبُ المُقَدَّمُ | أكُلُّ فَصِيحٍ قالَ شِعراً مُتَيَّمُ |
لَحُبّ ابنِ عَبدِالله أولى فإنّهُ | بهِ يُبدَأُ الذّكرُ الجَميلُ وَيُختَمُ |
أطَعْتُ الغَواني قَبلَ مَطمَحِ ناظري | إلى مَنظَرٍ يَصغُرنَ عَنهُ وَيَعْظُمُ |
تَعَرّضَ سَيْفُ الدّولَةِ الدّهرَ كلّهُ | يُطَبِّقُ في أوصالِهِ وَيُصَمِّمُ |
فَجازَ لَهُ حتى على الشّمسِ حكمُهُ | وَبَانَ لَهُ حتى على البَدرِ مِيسَمُ |
كأنّ العِدَى في أرضِهِم خُلَفاؤهُ | فإن شاءَ حازُوها وإن شاءَ سلّمُوا |
وَلا كُتْبَ إلاّ المَشرَفيّةُ عِنْدَهُ | وَلا رُسُلٌ إلاّ الخَميسُ العَرَمْرَمُ |
فَلَم يَخْلُ من نصرٍ لَهُ مَن لهُ يَدٌ | وَلم يَخْلُ مِن شكرٍ لَهُ من له فَمُ |
ولم يَخْلُ من أسمائِهِ عُودُ مِنْبَرٍ | وَلم يَخْلُ دينارٌ وَلم يَخلُ دِرهَمُ |
ضَرُوبٌ وَما بَينَ الحُسامَينِ ضَيّقٌ | بَصِيرٌ وَما بَينَ الشّجاعَينِ مُظلِمُ |
تُباري نُجُومَ القَذفِ في كلّ لَيلَةٍ | نُجُومٌ لَهُ مِنْهُنّ وَردٌ وَأدْهَمُ |
يَطَأنَ مِنَ الأبْطالِ مَن لا حَملنَهُ | وَمِن قِصَدِ المُرّانِ مَا لا يُقَوَّمُ |
فَهُنّ مَعَ السِّيدانِ في البَرّ عُسَّلٌ | وَهُنّ مَعَ النّينَانِ في المَاءِ عُوَّمُ |
وَهُنّ مَعَ الغِزلانِ في الوَادِ كُمَّنٌ | وَهُنّ مَعَ العِقبانِ في النِّيقِ حُوَّمُ |
إذا جَلَبَ النّاسُ الوَشيجَ فإنّهُ | بِهِنّ وَفي لَبّاتِهِنّ يُحَطَّمُ |
بغُرّتِهِ في الحَربِ والسّلْمِ والحِجَى | وَبَذلِ اللُّهَى وَالحمدِ وَالمجدِ مُعلِمُ |
يُقِرُّ لَهُ بالفَضلِ مَن لا يَوَدُّهُ | وَيَقضِي لَهُ بالسّعدِ مَن لا يُنَجِّمُ |
أجَارَ على الأيّامِ حتى ظَنَنْتُهُ | يُطالِبُهُ بالرّدّ عَادٌ وَجُرهُمُ |
ضَلالاً لهذِي الرّيحِ ماذا تُرِيدُهُ | وَهَدياً لهذا السّيلِ ماذا يُؤمِّمُ |
ألم يَسألِ الوَبْلُ الذي رامَ ثَنْيَنَا | فَيُخبرَهُ عَنْكَ الحَديدُ المُثَلَّمُ |
وَلمّا تَلَقّاكَ السّحابُ بصَوبِهِ | تَلَقَّاهُ أعلى منهُ كَعْباً وَأكْرَمُ |
فَبَاشَرَ وَجْهاً طالَمَا بَاشَرَ القَنَا | وَبَلّ ثِياباً طالَمَا بَلّهَا الدّمُ |
تَلاكَ وَبَعضُ الغَيثِ يَتبَعُ بَعضَهُ | مِنَ الشّأمِ يَتْلُو الحاذِقَ المُتَعَلِّمُ |
فزارَ التي زارَت بكَ الخَيلُ قَبرَها | وَجَشّمَهُ الشّوقُ الذي تَتَجَشّمُ |
وَلمّا عَرَضتَ الجَيشَ كانَ بَهَاؤهُ | على الفَارِسِ المُرخى الذؤابةِ منهُمُ |
حَوَالَيْهِ بَحْرٌ للتّجافيفِ مَائِجٌ | يَسيرُ بهِ طَودٌ مِنَ الخَيلِ أيْهَمُ |
تَسَاوَت بهِ الأقْطارُ حتى كأنّهُ | يُجَمِّعُ أشْتاتَ الجِبالِ ويَنْظِمُ |
وكُلُّ فَتًى للحَربِ فَوقَ جَبينِهِ | منَ الضّربِ سَطْرٌ بالأسنّةِ مُعجَمُ |
يَمُدُّ يَدَيْهِ في المُفاضَةِ ضَيْغَمٌ | وَعَيْنَيْهِ من تَحتِ التّريكةِ أرقَمُ |
كَأجْنَاسِهَا راياتُهَا وَشِعارُهَا | وَمَا لَبِسَتْهُ وَالسّلاحُ المُسَمَّمُ |
وَأدّبَهَا طُولُ القِتالِ فَطَرفُهُ | يُشيرُ إلَيْهَا مِن بَعيدٍ فَتَفْهَمُ |
تُجاوِبُهُ فِعْلاً وَما تَسْمَعُ الوَحَى | وَيُسْمِعُها لَحْظاً وما يَتَكَلّمُ |
تَجانَفُ عَن ذاتِ اليَمينِ كأنّهَا | تَرِقّ لِمَيّافَارَقينَ وَتَرحَمُ |
وَلَو زَحَمَتْهَا بالمَناكِبِ زَحْمَةً | دَرَت أيُّ سورَيها الضّعيفُ المُهَدَّمُ |
على كُلّ طاوٍ تَحْتَ طاوٍ كَأنّهُ | من الدّمِ يُسقى أو من اللّحم يُطعَمُ |
لها في الوَغَى زِيّ الفَوارِسِ فَوقَهَا | فكُلّ حِصانٍ دارِعٌ مُتَلَثّمُ |
وما ذاكَ بُخْلاً بالنّفُوسِ على القَنَا | وَلَكِنّ صَدْمَ الشّرّ بالشّرّ أحزَمُ |
أتَحْسَبُ بِيضُ الهِندِ أصلَكَ أصلَها | وَأنّكَ منها؟ سَاءَ ما تَتَوَهّمُ |
إذا نَحْنُ سَمّيْناكَ خِلْنَا سُيُوفَنَا | منَ التّيهِ في أغْمادِها تَتَبَسّمُ |
وَلم نَرَ مَلْكاً قَطّ يُدْعَى بدُونِهِ | فيَرضَى وَلكِنْ يَجْهَلُونَ وتَحلُمُ |
أخَذْتَ على الأرواحِ كُلّ ثَنِيّةٍ | من العيشِ تُعطي مَن تَشاءُ وَتحرِمُ |
فَلا مَوتَ إلاّ مِن سِنانِكَ يُتّقَى | وَلا رِزقَ إلاّ مِن يَمينِكَ يُقْسَمُ |