.. تكلمي .. تكلمي
أيتها الجميلة الخرساء
فالحب .. مثل الزهرة البيضاء
تكون أحلى .. عندما
.. توضع في إناء
، كالطير في السماء
والأسماك في البحار
. واعتبريني منك يا حبيبتي
.هل بيننا أسرار ؟
أبعد عامين معا؟
.تبقى لنا أسرار
.. تحدثي
عن كل ما يخطر في بالك من أفكار
، عن قطة المنزل
عن آنية الأزهار
عن الصديقات اللواتي
.. زرت في النهار
.. والمسرحيات التي شاهدتها
.. والطقس ، والأسفار
.. تحدثي
عما تحبين من الأشعار
، عن عودة الغيم
وعن رائحة الأمطار
.. تحدثي إلي عن بيروت
.. وحبنا المنقوش
فوق الرمل والمحار
.. فإن أخبارك يا حبيبتي
.. سيدة الأخبار
.. تصرفي حبيبتي
كسائر النساء
.. تكلمي عن أبسط الأشياء
وأصغر الأشياء
، عن ثوبك الجديد
عن قبعة الشتاء
عن الأزاهير التي اشتريتها
(من (شارع الحمراء
، تكلمي ، حبيبتي
عما فعلت اليوم
– أي كتاب – مثلا
قرأت قبل النوم؟
أين قضيت عطلة الأسبوع ؟
وما الذي شاهدت من أفلام ؟
بأي شط كنت تسبحين ؟
هل صرت
لون التبغ والورد ككل عام ؟
.. تحدثي .. تحدثي
من الذي دعاك
هذا السبت للعشاء ؟
بأي ثوب كنت ترقصين ؟
وأي عقد كنت تلبسين ؟
،فكل أنبائك ، يا أميرتي
أميرة الأنباء
.. عادية
تبدو لك الأشياء
.. سطحية
تبدو لك الأشياء
.. لكن ما يهمني
أنت مع الأشياء
.. وأنت في الأشياء
.. وأنت في الأشياء
شعر نزار قباني
قصائد و أبيات شعر للشاعر المرموق نزار قباني مجموعة رائعة من أشعار نزار قباني في الحب.
إلى سمكة قبرصية تدعى تمارا
1
باسم ليماسول..
شكراً يا تامارا
باسم هذا الخاتم المشغول بالفيروز..
شكراً يا تامارا
باسم هذا الدفتر المفتوح للضوء.. وللشعر..
وللعشاق..
شكراً يا تامارا
باسم أسرابٍ من النورس كانت
تنقر الحنطة من ثغرك..
شكراً يا تامارا
باسم كل القبرصيين الذين اكتشفوا
اللؤلؤ الأسود في عينيك.
شكراً يا تامارا
باسم أحزاني التي ألقيتها في بحر بيروت.
وأجزائي التي أبحث عنها..
في زوايا الأرض ليلاً ونهاراً…
ألف شكرٍ.. يا تامارا.
*
يا تامارا القبرصية:
أيها السيف الذي يقتلني من قبل أن يلقي التحية
باسم مقهانا البدائي على البحر..
وكرسيين مزروعين في الرمل..
و (أنطونيو) الذي كان خلال الصيف عراب هوانا.
والذي كان وديعاً مثل قط منزليٍ..
وعريقاً مثل تمثال حكيمٍ من أثينا،
ورقيقاً.. وصديقاً.. عندما يختار في الليل لنا
فاكهة البحر..
ويوصيك بأن ترتشفي (الأوزو)
الذي تشربه آلهة اليونان في الحب وفي الحرب..
ويرجوك بأن تستمتعي بمذاق (الكالامار)
ومذاق العشق في تلك الجزيره
باسم آلاف التفاصيل الصغيره..
ألف شكرٍ .. يا تامارا
3
كيف أنسى امرأةً من قبرصٍ..
تدعى تامارا..
شعرها تعلكه الريح..
ونهداها يقيمان مع الله حوارا..
خرجت من رغوة البحر كعشتارٍ.. وكانت
تلبس الشمس بساقيها سوارا..
كيف أنسى جسداً؟
يقدح كالفوسفور في الليل شرارا..
كيف أنسى حلمةً مجنونةً
مزقت لحمي، صعوداً..
وانحدارا…
4
إصهلي.. يا فرس الماء الجميله
إصرخي.. يا قطة الليل الجميله
بلليني برذاذ الماء والكحل..
فلولاك لكانت هذه الأرض صحارى..
بلليني.. بالأغاني القبرصيه
ما تهم الأبجديات.. فأنت الأبجديه..
يا التي عشت إلى جانبها العشق.. جنوناً
وانتحارا..
يا التي ساحلها الرملي يرمي لي..
زهوراً.. ونبيذاً قبرصياً.. ومحارا..
لم يكن حب تامارا..
ذلك الحب الروائي ، ولكن
كان عصفاً ودمارا.
لم يكن جدول ماءٍ
إنما كان حبا صغيراً..
فقد احتل بلاداً.. وشعوباً.. وبحارا..
كل أمجادي سرابٌ خادعٌ
ليس من مجدٍ حقيقيٍ..
سوى عيني تامارا..
5
تحت سطح الماء.. أحببت تامارا..
ورأيت السمك الأحمر.. والأزرق.
والفضي..
فوجئت بغاباتٍ من المرجان..
داعبت كطفلٍ سلحفاة البحر،
لامست النباتات التي تفترس الإنسان،
حاولت انتشال السفن الغرقى من القعر..
ولملمت كنوزاً ليس تحصى..
ونجوماً .. وثمارا..
تحت سطح الماء.. أعلنت زواجي بتامارا.
فإذا بالموج قد صار نبيذاً..
وإذا الأسماك أصبحن سكارى..
6
ما الذي يحدث تحت الماء في جلد تامارا؟
فهنا.. الأحمر يزداد احمرارا..
وهنا .. الأخضر يزداد اخضرارا..
وهنا السرة تزداد أمام الضوء..
خوفاً.. وانبهارا..
ما الذي يحدث في عقلي.. وفي عقل تامارا؟
سمك الدولفين يرمي نفسه.
كالمجانين يميناً.. ويسارا..
سمك الدولفين يدعوني لكي أقفز في الماء..
وفي مملكة الأسماك..
لا أملك رأياً أو خيارا..
عبثٌ.. أن يسأل الإنسان عن ماضيه أو حاضره،
عندما يتخذ البحر القرارا…
7
يا تامارا..
أنت في قبرض كبريتٌ .. وشمعٌ
وأنا موسى الذي أوقد تحت الماء نارا…
إلى صديقة خائفة
لا تعبأي..
إن رددوا أسماءنا
في هذه المدينة الثرثارة.. الواشية..
القبيحه..
فليس في العالم ما يطربني
أكثر من أن يقرعوا من حولنا
كل صباحٍ،
جرس الفضيحه…
إلى عجوز
عبثاً جهودك .. بي الغريزة مطفاه
إني شبعتك جيفةً متقيئه
تدعو .. وفي شفتيك تحترق امرأه
إني قرفتك ناهداً متدلياً
أنا لا تحركني العجائز .. فارجعي
لك أربعون .. وأي ذكرى سيئه
أخت الأزقة .. والمضاجع .. والغوى
والغرفة المشبوهة المتلألئه..
شفةً أقبل أم أقبل مدفأه؟
الدود يملأ قعرها والأوبئه..
صيرت للزوار ثديك مورداً
فبكل ثغرٍ من حليبك قطرةٌ
وقرابةٌ في كل عرقٍ .. أو رئه
والإبط .. أية حفرةٍ ملعونةٍ
الدود يملأ قعرها والأوبئه..
صيرت للزوار ثديك مورداً
إما ارتوت فئةٌ .. عصرت إلى فئه
فبكل ثغرٍ من حليبك قطرةٌ
وقرابةٌ في كل عرقٍ .. أو رئه
إلى عصفورة سويسرية
أصديقتي : إن الكتابة لعنةٌ
فانجي بنفسك من جحيم زلازلي
فكرت أن دفاتري هي ملجأي
ثم اكتشفت أن هواك ينهي غربتي
فمررت مثل الماء بين أناملي
بشرت في دين الهوى .. لكنهم
في لحظةٍ ، قتلوا جميع بلابلي
لا فرق في مدن الغبار .. صديقتي
ما بين صورة شاعرٍ .. ومقاول ..
*
يا رب : إن لكل جرحٍ ساحلاً
وأنا جراحاتي بغير سواحل ..
كل المنافي لا تبدد وحشتي
ما دام منفاي الكبير .. بداخلي .
إلى قديسة
إلى قديسة
ماذا إذن تتوقعين؟
يا بضعة امرأةٍ.. أجيبي.. ما الذي تتوقعين؟
أأظل أصطاد الذباب هنا؟ وأنت تدخنين
أجتر كالحشاش أحلامي..
وأنت تدخنين..
وأنا أمام سريرك الزاهي كقط مستكين..
ماتت مخالبه، وعزته، وهدته السنين
*
أنا لن أكون – تأكدي- القط الذي تتصورين..
قطاً من الخشب المجوف.. لا يحركه الحنين
يغفو على الكرسي إذ تتجردين
ويرد عينيه.. إذا انحسرت قباب الياسمين..
*
تلك النهاية ليس تدهشني..
فمالك تدهشين؟
هذا أنا.. هذا الذي عندي..
فماذا تأمرين؟
أعصابي احترقت.. وأنت على سريرك تقرأين..
أأصوم عن شفتيك؟
فوق رجولتي ما تطلبين..
ما حكمتي؟
ما طيبتي؟
هذا طعام الميتين..
متصوفٌ! من قال؟ إني آخر المتصوفين
أنا لست يا قديستي الرب الذي تتصورين
رجلٌ أنا كالآخرين
بطهارتي..
بنذالتي..
رجلٌ أنا كالآخرين
فيه مزايا الأنبياء، وفيه كفر الكافرين
ووداعة الأطفال فيه..
وقسوة المتوحشين..
رجلٌ أنا كالآخرين..
رجلٌ يحب –إذا أحب- بكل عنف الأربعين
لو كنت يوماً تفهمين
ما الأربعون.. وما الذي يعنيه حب الأربعين
يا بضعة امرأةٍ.. لو أنك تفهمين..