| سعْيُ الفَتى في عَيْشِهِ عِبادَة | وقائِدٌ يَهديهِ للسعادة |
| لأَنّ بالسَّعي يقومُ الكوْنُ | والله للسَّاعِينَ نِعْمَ العَونُ |
| فإن تشأ فهذه حكاية | تعدُّ في هذا المقامِ غاية |
| كانت بأرضِ نملة ٌ تنبالهْ | لم تسلُ يوماً لذة َ البطالة |
| واشتهرتْ في النمل بالتقشُّف | واتَّصفَتْ بالزُّهْدِ والتَّصَوُّفِ |
| لكن يقومُ الليْلَ مَن يَقتاتُ | فالبطْنُ لا تَملؤُه الصلاة ُ |
| والنملُ لا يَسعَى إليهِ الحبُّ | ونملتي شقَّ عليها الدأبُ |
| فخرجَتْ إلى التِماسِ القوتِ | وجعلتْ تطوفُ بالبيوتِ |
| تقولُ: هل من نَملة ٍ تَقِيَّهْ | تنعمُ بالقوتِ لذي الوليهْ |
| لقد عَيِيتُ بالطِّوى المُبَرِّحِ | ومُنذ ليْلتيْن لم أُسَبِّحِ |
| فصاحتِ الجاراتُ يا للعارِ | لم تتركِ النملة ُ للصرصارِ |
| متى رضينا مثلَ هذي الحالِ | متى مددنا الكفَّ للسؤالِ |
| ونحن في عين الوجودِ أمَّة | ذاتُ اشتِهارٍ بعُلوِّ الهمّة |
| نحملُ ما لا يصبرُ الجمالُ | عن بعضِه لو أَنها نِمالُ |
| أَلم يقلْ من قولُه الصوابُ | ما عِندنا لسائلٍ جَوابُ |
| فامضي، فإنَّا يا عجوزَ الشُّومِ | نرى كمالَ الزهدِ أن تصومي |
شعر أحمد شوقي
أجمل قصائد امير الشعراء الشاعر المصري أحمد شوقي.
ركزوا رفاتك في الرمال لواء
| رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ | يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساء |
| يا وَيحَهُم نَصَبوا مَناراً مِن دَمٍ | توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ |
| ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ | بَينَ الشُعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءَ |
| جُرحٌ يَصيحُ عَلى المَدى وَضَحِيَّةٌ | تَتَلَمَّسُ الحُرِّيَةَ الحَمراءَ |
| يا أَيُّها السَيفُ المُجَرَّدُ بِالفَلا | يَكسو السُيوفَ عَلى الزَمانِ مَضاءَ |
| تِلكَ الصَحاري غِمدُ كُلِّ مُهَنَّدٍ | أَبلى فَأَحسَنَ في العَدُوِّ بَلاءَ |
| وَقُبورُ مَوتى مِن شَبابِ أُمَيَّةٍ | وَكُهولِهِم لَم يَبرَحوا أَحياءَ |
| لَو لاذَ بِالجَوزاءِ مِنهُم مَعقِلٌ | دَخَلوا عَلى أَبراجِها الجَوزاءَ |
| فَتَحوا الشَمالَ سُهولَهُ وَجِبالَهُ | وَتَوَغَّلوا فَاِستَعمَروا الخَضراءَ |
| وَبَنَوا حَضارَتَهُم فَطاوَلَ رُكنُها | دارَ السَلامِ وَجِلَّقَ الشَمّاءَ |
| خُيِّرتَ فَاِختَرتَ المَبيتَ عَلى الطَوى | لَم تَبنِ جاهاً أَو تَلُمَّ ثَراءَ |
| إِنَّ البُطولَةَ أَن تَموتَ مِن الظَما | لَيسَ البُطولَةُ أَن تَعُبَّ الماءَ |
| إِفريقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها | ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ |
| وَالمُسلِمونَ عَلى اِختِلافِ دِيارِهِم | لا يَملُكونَ مَعَ المُصابِ عَزاءَ |
| وَالجاهِلِيَّةُ مِن وَراءِ قُبورِهِم | يَبكونَ زيدَ الخَيلِ وَالفَلحاءَ |
| في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ | جَسَدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ |
| لَم تُبقِ مِنهُ رَحى الوَقائِعِ أَعظُماً | تَبلى وَلَم تُبقِ الرِماحُ دِماءَ |
| كَرُفاتِ نَسرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيغَمٍ | باتا وَراءَ السافِياتِ هَباءَ |
| بَطَلُ البَداوَةِ لَم يَكُن يَغزو عَلى | تَنَكٍ وَلَم يَكُ يَركَبُ الأَجواءَ |
| لَكِن أَخو خَيلٍ حَمى صَهَواتِها | وَأَدارَ مِن أَعرافِها الهَيجاءَ |
| لَبّى قَضاءَ الأَرضِ أَمسِ بِمُهجَةٍ | لَم تَخشَ إِلّا لِلسَماءِ قَضاءَ |
| وافاهُ مَرفوعَ الجَبينِ كَأَنَّهُ | سُقراطُ جَرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَ |
| شَيخٌ تَمالَكَ سِنَّهُ لَم يَنفَجِر | كَالطِفلِ مِن خَوفِ العِقابِ بُكاءَ |
| وَأَخو أُمورٍ عاشَ في سَرّائِها | فَتَغَيَّرَت فَتَوَقَّعَ الضَرّاءَ |
| الأُسدُ تَزأَرُ في الحَديدِ وَلَن تَرى | في السِجنِ ضِرغاماً بَكى اِستِخذاءَ |
| وَأَتى الأَسيرُ يَجُرُّ ثِقلَ حَديدِهِ | أَسَدٌ يُجَرِّرُ حَيَّةً رَقطاءَ |
| عَضَّت بِساقَيهِ القُيودُ فَلَم يَنُؤ | وَمَشَت بِهَيكَلِهِ السُنونَ فَناءَ |
| تِسعونَ لَو رَكِبَت مَناكِبَ شاهِقٍ | لَتَرَجَّلَت هَضَباتُهُ إِعياءَ |
| خَفِيَت عَنِ القاضي وَفاتَ نَصيبُها | مِن رِفقِ جُندٍ قادَةً نُبَلاءَ |
| وَالسُنُّ تَعصِفُ كُلَّ قَلبِ مُهَذَّبٍ | عَرَفَ الجُدودَ وَأَدرَكَ الآباءَ |
| دَفَعوا إِلى الجَلّادِ أَغلَبَ ماجِداً | يَأسو الجِراحَ وَيُعَتِقُ الأُسَراءَ |
| وَيُشاطِرُ الأَقرانَ ذُخرَ سِلاحِهِ | وَيَصُفُّ حَولَ خِوانِهِ الأَعداءَ |
| وَتَخَيَّروا الحَبلَ المَهينَ مَنِيَّةً | لِلَّيثِ يَلفِظُ حَولَهُ الحَوباءَ |
| حَرَموا المَماتَ عَلى الصَوارِمِ وَالقَنا | مَن كانَ يُعطي الطَعنَةَ النَجلاءَ |
| إِنّي رَأَيتُ يَدَ الحَضارَةِ أولِعَت | بِالحَقِّ هَدماً تارَةً وَبِناءَ |
| شَرَعَت حُقوقَ الناسِ في أَوطانِهِم | إِلّا أُباةَ الضَيمِ وَالضُعَفاءَ |
| يا أَيُّها الشَعبُ القَريبُ أَسامِعٌ | فَأَصوغُ في عُمَرَ الشَهيدِ رِثاءَ |
| أَم أَلجَمَت فاكَ الخُطوبُ وَحَرَّمَت | أُذنَيكَ حينَ تُخاطَبُ الإِصغاءَ |
| ذَهَبَ الزَعيمُ وَأَنتَ باقٍ خالِدٌ | فَاِنقُد رِجالَكَ وَاِختَرِ الزُعَماءَ |
| وَأَرِح شُيوخَكَ مِن تَكاليفِ الوَغى | وَاِحمِل عَلى فِتيانِكَ الأَعباءَ |
سينية
| اختلاف النهار والليل ينسي | اذكرا لي الصبا وأيام أنسي |
| وصفا لي ملاوة من شباب | صورت من تصورات ومس |
| عصفت كالصبا اللعوب ومرت | سنة حـلوة ولذة خلس |
| وسلا مصر: هل سلا القلب عنها | أو أسا جرحه الزمان المؤسي |
| كلما مرت الـليالـي عليه | رق، والعهد فـي الليالي تقسي |
| مستطار إذا البواخر رنت | أول الليل، أو عوت بعد جرس |
| راهب في الضلوع للسفن فطن | كلما ثرن شاعهن بنقس |
| يا ابنة اليم، ما أبـوك بـخيل | ماله مولعاً بمنع وحبس |
| أحرام على بلابـله الدوح | حلال للطير من كل جنس؟ |
| كل دار أحق بالأهل إلا | في خبيث من المذاهب رجس |
| نفسي مرجل، وقلبي شراع | بهما في الدموع سيري وأرسي |
| واجعلي وجهك (الفنار) ومجراك | يـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس) |
| وطـني لو شغلت بالخلد عنه | نازعتني إليه في الخلد نفسي |
| وهـفا بالفؤاد في سلسبيل | ظمأ للسواد مـن (عين شمس) |
| شهد الله لم يغب عن جـفوني | شخصه ساعة ولم يخل حسي |
| يا فؤادي لكل أمر قرار | فيه يبدو وينجلي بعد لبس |
| عقلت لجة الأمور عقولاً | طالت الحوت طول سبح وغس |
| غرقت حيث لا يصاح بطاف | أو غريق، ولا يصاخ لحس |
| فلـك يكسف الشموس نـهـاراً | ويسوم البدور ليلة وكس |
| ومواقيت للأمور إذا ما | بلغتها الأمور صارت لعكس |
| دول كالرجال مرتهنـات | بقيام من الجدود وتعس |
| وليال من كل ذات سوار | لطمت كل رب (روم) و(فرس) |
| سددت بالهلال قوساً وسلت | خنجراً ينفذان من كل ترس |
| حكمت في القرون (خوفو) و(دارا) | وعفت (وائلاً) وألوت (بعبس) |
| أين (مروان) في المشارق عرش | أموي وفي الـمغارب كرسي؟ |
| سقمت شمسهم فرد عليها | نورها كل ثاقب الرأي نطس |
| ثم غابت وكل شمس سوى هاتيك | تبلى، وتنطوي تحت رمس |
| وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى) | شفتني القصور من (عبد شمس) |
| رب ليل سريت والبرق طرفي | وبساط طويت والريح عنسي |
| أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغرب | وأطوي البلاد حزنـاً لدهس |
| في ديار من الخلائف درس | ومـنار من الطوائف طمس |
| وربى كالجنان في كنف الزيتون | خضر، وفي ذرا الكرم طلس |
| لم يرعـني سوى ثرى قرطبي | لمست فيه عبرة الدهر خمسي |
| يا وقى الله ما أصبح منه | وسقى صفوت الحيا ما أمسي |
| قرية لا تعد في الأرض كنت | تمسك الأرض أن تميد وترسي |
| غشيت ساحل المحيط وغطت | لجة الروم من شراع وقلس |
| ركب الدهر خاطري في ثراها | فأتى ذلك الحمى بــعد حدس |
| فتجلت لي القصور ومن فيها | من العز في منازل قعس |
| سنة من كرى وطيف أمـان | وصحا القلب مـن ضلال وهجس |
| وإذا الدار ما بها من أنيس | وإذا القوم ما لهم من محس |
| ورقيق من البيوت عتيق | جاوز الألف غير مذموم حرس |
| أثر من (محمد) وتراث | صار (للروح) ذي الولاء الأمس |
| بلغ النجم ذروة وتناهى | بين (ثهلان) في الأساس و(قدس) |
| مرمر تسبح النواظر فيه | ويطول المدى عليها فترسي |
| وسوار كأنها في استواء | ألفات الوزير في عرض طرس |
| فترة الدهر قد كست سطريها | ما اكتسى الهدب من فتور ونعس |
| ويحها! كم تزينت لعليم | واحد الدهر واستعدت لخمس |
| وكأن الرفيف في مسرح العين | ملاء مدنرات الدمقس |
| ومكان الكتاب يغريك رياً | ورده غائباً فتدنو للمس |
| صنعة (الداخل) المبارك في | الغرب وآل له ميامين شمس |
| من (لحمراء) جللت بغبار | الدهر كالجرح بين بـرء ونكس |
| كسنا البرق لو محا الضوء لحظاً | لمحتها العيون من طول قبس |
| حصن (غرناطة) ودار بني الأحمر | من غافل ويقظان ندس |
| جلل الثلج دونها رأس (شيرى) | فبدا منه في عـصائب برس |
| سرمد شيبه، ولم أر شيئاً | قبله يـرجى البقاء وينسي |
| مشت الحادثات في غرف (الحمراء) | مشي النعي في دار عرس |
| هتكت عزة الحجاب وفضت | سدة الباب من سمير وأنسي |
| عرصات تخلت الخيل عنها | واستراحت من احتراس وعس |
| ومغان على الليالي وضاء | لم تجد للعشي تكرار مس |
| لا ترى غير وافدين على التاريخ | ساعين في خشوع ونكس |
| نقلوا الطـرف في نضارة آس | من نقوش، وفي عصارة ورس |
| وقباب من لازورد وتبر | كالربى الشم بين ظل وشمس |
| وخطوط تكفلت للمعاني | ولألفاظها بأزيـن لبس |
| وترى مجلس السباع خلاء | مقفر القاع من ظباء وخنس |
| لا (الثريا) ولا جواري الثريا | يتنزلن فيه أقمار إنس |
| مرمر قامت الأسود عليه | كلة الظفر لينات المجس |
| تنثر الماء في الحياض جماناً | يـتنزى على ترائب ملس |
| آخر العهد بالجزيرة كانت | بعد عرك من الزمان وضرس |
| فتراها تقول: راية جيش | باد بالأمس بـين أسر وحـس |
| ومفاتيحها مقاليد ملك | باعها الوارث المضـيع ببخس |
| خرج القوم في كتائب صم | عن حفاظ كموكب الدفن خرس |
| ركبوا بالبحار نعشاً وكانت | تحت آبائهم هي العرش أمس |
| رب بان لهادم، وجموع | لمشت ومحسن لمخس |
| إمرة الناس همة لا تأنى | لجبــان ولا تسنى لجبس |
| يا دياراً نزلت كالخلد ظلاً | وجـنى دانياً وسلسال أنس |
| محسنات الفصول لا نـاجر فيها | بقيظ ولا جمادى بـقرس |
| لا تحش العيون فوق ربــاها | غير حور حو المراشف لعس |
| كسيت أفرخي بظلك ريشاً | وربا في رباك واشتد غرسي |
| هم بنو مصر لا الجميل لديهم | بمضاع ولا الصنيع بمنسي |
| من لسان على ثنائك وقف | وجنان على ولائك حبس |
| حسبهم هذه الطلول عظات | من جديد على الدهور ودرس |
| وإذا فاتك التفات إلى الماضي | فقد غاب عنك وجه التأسي |