تَبَرَّمْتَ بالعيشِ خوفَ الفناءِ

تَبَرَّمْتَ بالعيشِ خوفَ الفناءِ ولو دُمْتَ حيَّا سَئمتَ الخلودْ
وَعِشْتَ على الأرضِ مثل الجبال جليلاً، غريباً، وَحيد
فَلَمْ تَرتشفْ من رُضابِ الحياة ولم تصطبحْ منْ رحيقِ الوُجود
ولم تدرِ ما فتنة ُ الكائناتِ وما سحْرُ ذاكَ الربيعِ الوَليد
وما نشوة ُ الحبّ عندَ المحبِّ وما صرخة ُ القلبِ عندَ الصّدودْ
ولم تفتكرْ بالغدِ المسترابِ ولم تحتفل بالمرامِ البعيدْ
وماذا يُرجِّي ربيبُ الخلودِ من الكون-وهو المقيمُ العهيد-؟
وماذا يودُّ وماذا يخافُ من الكونِ-وهو المقيمُ الأبيد-؟
تأمَّلْ..، فإنّ نِظامَ الحياة ِ نظامُ، دقيقٌ، بديعٌ، فريد
فما حبَّبَ العيشَ إلاّ الفناءُ ولا زانَهُ غيرُ خوْفِ اللحُود
ولولا شقاءُ الحياة ِ الأليمِ لما أدركَ النَّاسُ معنى السُّعودْ
ومن لم يرُعْه قطوبُ الديَاجيرِ لَمْ يغتبطْ بالصّباح الجديدْ

إذا لم يكنْ من لقاءِ المنايا

إذا لم يكنْ من لقاءِ المنايا مناصٌ لمن حلَّ هذا الوجودْ
فأيُّ غَناءٍ لهذي الحياة وهذا الصراعِ، العنيفِ، الّشديد
وذاك الجمال الذي لا يُملُّ وتلك الأغاني،وذاكَ الّنشيد
وهذا الظلامِ، وذاك الضياءِ وتلكَ النّجومِ، وهذا الصَّعيد
لماذا نمرّ بوادِي الزمان سِراعاً، ولكنّنا لا نَعُود؟
فنشرب من كلّ نبع شراباً ومنهُ الرفيعُ، ومنه الزَّهيد؟
ومنه اللذيذُ، ومنه الكريهُ، ومنه المُشيدُ، ومنه الُمبيد
وَنَحْمِلُ عبْئاً من الذّكرياتِ وتلكَ العهودَ التي لا تَعود
ونشهدُ أشكالَ هذي الوجوهِ وفيها الشَّقيُّ، وفيها السَّعيدْ
وفيها البَديعُ، وفيها الشنيعُ، وفيها الوديعُ، وفيها العنيدْ
فيصبحُ منها الوليُّ، الحميمُ، ويصبحُ منها العدوُّ، الحقُودْ
غريبٌ لعَمْري بهذا الوجودْ
أتيناه من عالمٍ، لا نراه فُرادى ، فما شأنُ هذي الحقُودْ؟
وما شأنُ هذا العَدَاءِ العنيفِ؟ وما شأنُ هذا الإخاءِ الوَدودْ؟

ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ

ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ وَنِلنا كمالَ النُّفوسِ البعيدْ
فهل لا نَمَلُّ دوامَ البقاء؟ وهل لا نَوَدُّ كمالا جديد
وكيف يكوننَّ هذا “الكمالُ”: ماذا تراه؟ وكيف الحدود
وإنّ جمالَ «الكمال» «الطُّموحُ» وما دامَ «فكراً» يُرَى من بعيدْ
فما سِحْرُهُ إنْ غدا «واقعاً» يُحَسُّ، وأصبحَ شيئاً شهيدْ؟
وهل ينطفي في النفوس الحنينُ وتصبحُ أشواقُنا في خُمودْ
فلا تطمحُ النَّفْسُ فوقَ الكمالِ
إذا لم يَزُل شوْقُها في الخلودِ فذاكَ لعمري شقاءُ الجدود
وحربٌ، ضروسٌ،_ كاقد عهدتُ_ وَنَصْرٌ، وكسرٌ وهمُّ مديدْ
وإن زال عنُها فذاك الفَناءُ وإن كانَ في عَرَصات الخُلود

أنتَ يا شعرُ، فلذة ٌ من فؤادي

أنتَ يا شعرُ، فلذة ٌ من فؤادي تتغنَّى ، وقطعة ُ من وجودي
فيكَ مَا في جوانحي مِنْ حَنينٍ أبديِّ إلى صَميم الوجودِ
فيكَ مَا في خواطري من بكاءٍ فيك ما في عواطفي مِنْ نَشيدِ
فيكَ ما في مَشَاعري مِنْ وُجومٍ لا يغنِّي، ومن سرور عهيدِ
فيكَ ما في عَوَالمي مِنْ ظلامٍ سرمديّ، ومن صباحٍ وليدِ
فيكَ ما في عَوَالمي من نجومٍ ضاحكاتٍ خلف الغمام الشرودِ
فيكَ ما في عَوَالمي من ضَبَابِ وسراب، ويقظة ، وهجودِ
فيكَ ما في طفولتي مِنْ سلامٍ، وابتسامٍ، وغبطة ٍ، وَسُعودِ
فيكَ ما في شبيتي من حنينٍ، وشجون، وبهجة ، وجمودِ
فيك- إن عانق الربيع فؤادي تتثنَّى سَنَابلي وَوُرُودي
ويغنى الصّباحُ أنشودة َ الحب، على مَسْمَعِ الشَّبابِ السَّعيدِ
ثم أجنى في صيْف أحلاميَ الساحر ما لذَّ من ثمار الخلودِ
فيك يبدو خريفُ نفسي مَلُولاً، شاحبَ اللون، عاريَ الأملود
حَلَّلْته الحَياة ُ بالحَزَنِ الدّا هُتافُ السَّؤُوم والمُسْتَعيدِ
فيك يمشي شتاءُ أيَّاميَ البا كي، وتُرغي صَوَاعقي وَرُعُودي
وتجفُّ الزهورُ في قلبيَ الدا جي، وَتَهْوي إلى قرارٍ بعيدِ.
أنت يا شعرُ-قصة ٌ عن حَياتي أنت يا شعرُ صورة ٌ من وجودي
أنت يا شعر-إن فرحتُ-أغاريدي وإن غنَّت الكآبة -عودي
أنت ياشعرُ كأسُ خمرٍ عجيبٍ أتلَّهى به خلال اللحودِ..
أتحسَّاهُ في الصَّباحِ، لأنسى ما تقضَّى في أمسيَ المفقودِ
وأناجيه في المساءِ، لِيُلْهِيَني
أنتَ ما نِلْتُ من كهوفِ الليالي وتصفَّحتُ من كتاب الخلودِ
فيك ما في الوجودِ مِنْ حَلَكٍ، دا جٍ، وما فيه من ضياءٍ، بَعيدِ
فيك ما في الوجودِ من نَغَمٍ، حُلْوٍ، وما فيه مِن ضَجيجٍ، شَديدِ
فيك ما في الوجودِ مِنْ جَبَلٍ، وعْرٍ، وما فيه من حَضِيضٍ، وَهِيدِ
فيك ما في الوجودِ من حَسَكٍ، يُدْمِي، وما فيه من غَضيضِ الورودِ

يودُّ الفَتَى لو خاضَ عاصفة َ الرّدى

يودُّ الفَتَى لو خاضَ عاصفة َ الرّدى وصدَّ الخميسَ المَجْرَ، والأسَدَ الوَرْدَا
لِيُدْرِكَ أمجادَ الحُروبِ، وَلَوْ دَرى حَقِيقَتَها مَا رام مِنْ بيْنها مَجْدا
فَما المجدُ في أنْ تُسْكِرَ الأرضَ بالدِّما وتركَبَ في هيجائها فرَساً نهْدَا
ولكنّه في أن تَصُدَّ بهمَّة ٍ عن العالَمِ المرزوءِ، فيْضَ الأسى صدَّا

يا ليلُ! ما تصنعُ النفسُ التي سكنتْ

يا ليلُ! ما تصنعُ النفسُ التي سكنتْ هذا الوجودَ، ومِنْ أعدائها القَدَرُ؟
ترضى وَتَسْكُتُ؟ هذا غيرُ محتَمَلٍ! إذاً، فهل ترفضُ الدنيا، وتنتحرُ؟
وذا جنونٌ، لَعَمْري، كلُّه جَزَعٌ باكٍ، ورأيٌ مريضٌ، كُلُّه خَوَرُ!
فإنما الموتُ ضَرْبٌ من حَبائِله لا يُفلتُ الخلقُ ما عاشوا، فما النَّظرُ؟
هذا هو اللّغْزُ، عَمَّاهُ وعَقَّدَهُ على الخليقة ِ، وحْشٌ، فاتكٌ حذِرُ
قد كَبَّلَ القدرُ الضّاري فرائسَه فما استطاعُو له دفْعاً، ولا حَزَروا
وخاطَ أعينَهم، كي لا تُشَاهِدَهُ عينٌ، فتعلمَ ما يأتي وما يذرُ
وَحَاطَهُمْ بفنونٍ من حَبَائِلِهِ فما لَهُمْ أبداً مِنْ بطشِه وَزرُ
لا الموتُ يُنقذُهم من هَوْل صولَتهِ ولا الحياة ُ، تَسَاوَى النّاسُ والحَجَرُ!
حَارَ المساكينُ، وارتاعُوا، وأَعْجَزَهم أن يحذروهُ، وهَلْ يُجْديهمُ الحذرُ
وَهُمْ يعيشونَ في دنيا مشيَّدة ٍ منَ الخطوب، وكونٍ كلَّه خَطرُ؟
وكيف يحذرُ أعمَى ، مُدْلِجٌ، تَعِبٌ هولَ الظَّلامِ، ولا عَزمٌ ولا بَصَرُ؟
قد أيقنوا أنه لا شيءَ يُنقذهُم فاستسلموا لِسُكُونِ الرُّعْبِ، وانتظروا..
ولو رأوه لسَارتْ كي تحارِبَه مِنَ الورى زُمَرٌ، في إثرِهَا زُمَرُ
وثارت الجنّ، والأملاك ناقمة ً والبحرُ، والبَرُّ، والأفلاكُ، والعُصُر
لكنه قوَّة ٌ تُملي إرادتها سِرَّا، فَنَعْنو لها قهراً، ونأتمرُ
حقيقة مُرَّة ، يا ليلُ، مُبْغَضَة ٌ كالموت، لكنْ إليها الوِرْدُ والصَّدَرُ
تَنَهَّدَ اللَّيْلُ، حتَّى قلتُ: «قد نُثِرَتْ تلك النجومُ، ومات الجنُّ والبشرُ
وَعَاد للصّمتِ..، يُصغي في كآبته كالفيلسوف-إلى الدنيا، ويفتكرُ..
وقَهْقَهَ القَدرُ الجبّارُ، سخرية ً بالكائنات. تَضَاحَكْ أيّها القدرُ!
تمشي إلى العَدَمِ المحتومِ، باكية ً طوائفُ الخلق، والأشكالُ والصورُ
وأنتَ فوقَ الأسى والموت، مبتسمٌ ترنو إلى الكون، يُبْنَى ، ثمّ يندَثِرُ