وأوَدُّ أن أحيا بفكرة ِ شاعرٍ | فأرى الوجودَ يضيقُ عن أحلامي |
إلاّ إذا قَطَّعتُ أسْبابي مَعَ الدُّ | نيا وَعِشْتُ لِوَحْدتي وَظَلامي |
في الغابِ، في الجبلِ البعيدِ عن الورى | حيثُ الطبيعة ُ، والجمالُ السامي |
وأعيشُ عيشة َ زاهدٍ مُتَنَسِّكٍ | ما إنْ تُدَنِّسه الحَياة ُ بِذَامِ |
هجرَ الجماعة َ للجبا، تورُّعاً | عنها وعن بَطْشِ الحياة الدَّامي |
تمشي حواليه الحياة ُ كأَنَّها | الحلمُ الجميل، خفيفة َ الأقدامِ |
وتَخَرُّ أمواجُ الزَّمانِ بهَيْبة ٍ | قدسيَّة ٍ، في يميِّها المُترامي |
فأعيش في غابِ حياة ً، كلّها | للفنِّ للأَحلامِ، للإلهامِ |
لكِنَّني لا أستطيعُ، فإنَّ لي | أمَّا، يصدُّ حنانُها أوهامي |
وصغارَ إخوانٍ، يرون سلامهمَ | في الكَائناتِ مُعَلَّقاً بسَلامي |
فقدوا الأب الحاني، فكنتُ لضعفهم كهفاً، | يَصدُّ غوائلَ الأيامِ |
وَيَقِيهمُ وَهَجَ الحياة ، وَلَفْحَها | ويذودُ عنهم شرّة َ الآلامِ |
فأنا المكبَّلُ في سَلاسِلَ، حيَّة ٍ، | ضَحَّيْتُ مِنْ رَأَفي بها أحلامي |
وأنا الذي سكنَ المدينة َ، مكرهاً | ومشى إلى الآتي بِقَلْبٍ دامِ |
يُصْغي إلى الدُّنيا السَّخيفة ِ راغماً | ويعيشُ مثلَ النَّاسِ بالأَوهامِ |
وأنا الذي يحيا يأرض، قفرة ً | مدحوَّة ً للشكِّ والآلامِ… |
هَجَمَتْ بيَ الدُّنيا على أهوالها | وخِضمَّها الرَّحْبِ، العميقِ الطَّامي |
من غير إنذَارٍ فَأحْمِلَ عُدَتي | وأخوضَهُ كالسَّابحِ العَوَّامِ |
فتحطّمتْ نفسي على شُطْآنهِ | وتأجّجتْ في جَوِّه آلامي |
الويلُ للدّنيا التي في شرعها | فأسُ الطَّعام كريشة ِ الرّسّامِ؟ |
أرى هيكلَ الأيامُ، مشيَّداً
أرى هيكلَ الأيامُ، مشيَّداً | ولا بدَّ أنْ يأتي على أُسِّهِ الهَدْمُ |
فيصبحَ ما قد شيدَّ الله، والورى | خراباً، كأنَّ الكلُّ في أمسهِ وهمُ! |
فقل لي: ما جّدوى َ الحياة ِ وكربِها، | وتلك التي تزوي، وتلك التي تنمو؟ |
«وفوْجٍ، تغذِّيه الحياة ُ لِبَانَها، | وفوجٍ، يُرى تَحْتَ التُّرابِ لَهُ رَدْمُ؟ |
وعقلٍ من الأضواء، في رأس نابغ | وعقلٍ من الظّلماء، يحملهُ فدمُ؟ |
وأفئدة حسرَ، تذوب كآبة | وأفئدة ٍ، سكرى ، يِرفُّ لها النّجمُ؟ |
لِتعْسِ الوَرى ، شاءَ الإلهُ وجودَهم | فكانَ لَهُمْ جهلٌ، وكانَ لَهُمْ فهمُ!! |
راعها منهُ صَمتُه ووجُومُه
راعها منهُ صَمتُه ووجُومُه | وشجاها شكوبهُ وسُهُومهُ |
فأمَرَّتْ كفَّا على شَعْره العا | ري برفقٍ، كأنَّها ستُنِيمُهْ |
وأطلّتْ بوجهها الباسمِ الحلْـ | ـوِ على خدِّه وقالتْ تَلُومُهْ: |
“أيّها الطائرُ الكئيب تَغَرَّد | إنّ شَدْوَ الطُّيورِ حلوٌ رَخِيمُهْ» |
وأجبني- فدتكَ نفسي- ماذا؟ | أَمُصَابٌ؟ أَمْ ذاك أمرٌ ترومُهْ؟» |
«بل هو الفنُّ واكتئابُه، والفنَّـ | جمٌّ أحزانهُ وهمومُهُ |
«أبداً يحملُ الوجودَ بما فيـ | ـه كأنْ ليسَ للوجودِ زعيمُهْ:» |
خلِّ عبءَ الحياة عنك، وهيَّا | بمحيّاً، كالصّبح، طلْقٍ أديمُه |
«فَكثيرٌ عليكَ أن تحْمل الدّنـ | ـيا وتمشي بِوقْرِها لا تَريمُهْ» |
«والوجودُ العظيم أُقْعِدَ في الما | ضي وما أنتَ رَبُّهُ فَتُقِيمُهْ» |
وامشِ في روضة ِ الشباب طروباً | فحواليكَ وَرْدُهُ وَكُرومُهْ» |
«واتلُ للحُبِّ والحياة ِ أغانيـ | ـكَ وَخلِّ الشَّقاءَ تدمَى كُلُومُهْ» |
واحتضنَّي، فإنني لكَ، حتّى | يتوارى هذا الدُّجَى ونجومُهْ» |
ودعِ الحُبّ يُنشدُ الشعر لِلّيل.، | فكم يُسكر الظلامَ رنيمهُ… |
واقطفِ الورد من خدودي، وجيـ | وَنُهودي..، وافْعَلْ بِهِ ما تَرُومُهْ» |
إنِ للبيت لهوة َ، الناعمَ الحلوَ، | وللكونِ حربُه وهمومُهُ |
والاتشفْ من فمي الأناشيدَ شكرى َ، | فالهوى ساحرُ الدلالِ، وسَيمُه |
وانسَ فَيَّ الحياة َ..، فالعمرُ قفرٌ | مرعبٌ، إنْ ذوى وجفَّ نعيمَه |
وارمِ لِلّيل، والضّبابِ، بعيداً | فَنَّكَ العَابسَ، الكثيرَ وُجومهْ» |
فالهوى ، والشبابُ، والمرحُ، المعـ | ـسولُ تشدو أفنانُهُ ونسيمهُ |
«هي فنُّ الحياة ، يا شاعري الفنّا | بل لُبُّ فنّها وصميمهُ |
«تلك يا فيلسوفُ، فلسفة ُ الكوْ | ن، ووَحيُ الوجودِ هذا قديمهُ |
وهي إنجيليَ الجميلُ، فصدُّقه | ـه وإلاّ..، فلِلغرامِ جَحِيمُهْ..» |
فرماها بنظرة ٍ، غشيتُها | سَكْرة ُ الحبِّ، والأسى وغيومُهْ |
وتلاهى ببسمة ٍ، رشفتها | منهُ سَكْرَانة ُ الشَّبابِ، رؤومُهْ |
والتقتْ عندها الشفّاهُ..، وغنَّت | قُبلٌ أجفلت لديها همومه |
مَا تريدُ الهُمومُ من عالَمٍ، ضَا | مسراتهُّ، وغنّت نجومه؟ |
ليلة ٌ أسبلَ الغرامُ عليها | سحرهُ، الناعمة الطريرَ نعيمَهُ |
وتغنَّى في ظلها الفرحُ اللاهي | هي فَجَفَّ الأسى وَخَرّ هَشِيمُهْ |
أَغْرَقَ الفيلسوفُ فلسفة َ الأحـ | ـزان في بحرها..، فَمَنْ ذا يلومُهْ |
إنَّ في المرأة ِ الجميلة ِ سِحْراً | عبقريَّاً، يذكي الأسى ، وينيمهُ |
تسائلني مالي سكت ولا أهب
تُسائلني مالي سكتُّ ولا أُهِبْ | بقومي وديجورُ المصائبِ مُظْلِمُ |
وَسَيْلُ الرَّزايا جَارفٌ متدفّعٌ | عضوبٌ وجه الدّهر أربدُ أقتمُ |
سَكَتُّ وقد كانت قناتيَ غضَّة ً | تصيحُ إلى همس النسَّيم وتحلمُ |
وقلتُ، وقد أصغتْ إلى الرّيحِ مرّة ً | فجاش بها إعصارهُ المتهزِّمُ |
وقلتُ وقد جاش القَريضُ بخاطري | كما جاش صخَّابُ الأواذيِّ، أسْحَمُ |
أرى المجدَ معصوب الجبين مُجدَّلاًً | على حَسَكِ الآلم يغمرهُ الدَّمُ |
وقد كان وضَّاحَ الأساريرَ باسماً | يهبُّ إلى الجلَّى ولا يَتَبَرّمُ |
فيا إيها الظلمُ المصَّعرُ حدَّه | يرويدكَ! إن الدّهر يبني ويهدمُ |
سيثارُ للعز المحطَّم تاجه | رجالٌ، إذا جاش الرِّدى فهمُ هُمُ |
رجالٌ يرون الذَُلَّ عاراً وسبَّة ً | ولا يرهبون الموت والموتُ مقدمُ |
وهل تعتلي إلا نفوسٌ أبيِّة ٌ | تصدَّع أغلالَ الهوانِ وتَحطِمُ |
إذا صَغُرَتْ نفسُ الفتى كان شوقُهُ
إذا صَغُرَتْ نفسُ الفتى كان شوقُهُ | صغيراً، فلم يتعبْ، ولم يتجشَّم |
ومَنْ كان جبَّارَ المطامِعِ لم يَزلْ | يلاقي من الدّنيا ضراوة َ قشعمِ |
ترجو السعادة يا قلبي ولو وجدت
تَرجُو السَّعادة َ يا قلبي ولو وُجِدَتْ | في الكون لم يشتعلْ حُزنٌ ولا أَلَمُ |
ولا استحالت حياة ُ الناس أجمعها | وزُلزلتْ هاتِهِ الأكوانُ والنُّظمُ |
فما السَّعادة في الدُّنيا سوى حُلُمٍ | ناءٍ تُضَحِّي له أيَّامَهَا الأُمَمُ |
ناجت به النّاسَ أوهامٌ معربدة ٌ | لمَّا تغَشَّتْهُمُ الأَحْلاَمُ والظُّلَمُ |
فَهَبَّ كلٌ يُناديهِ وينْشُدُهُ | كأنّما النَّاسُ ما ناموا ولا حلُمُوا |
خُذِ الحياة َ كما جاءتكَ مبتسماً | في كفِّها الغارُ، أو في كفِّها العدمُ |
وارقصْ على الوَرِد والأشواكِ متَّئِداً | غنَّتْ لكَ الطَّيرُ، أو غنَّت لكَ الرُّجُمُ |
وأعمى كما تأمرُ الدنيّا بلا مضضٍ | والجم شعورك فيها، إنها صنمُ |
فمن تآلّم لن ترحم مضاضتهُ | وَمَنْ تجلّدَ لم تَهْزأ به القمَمُ |
هذي سعادة ُ دنيانا، فكن رجلاً | ـ إن شئْتَها ـ أَبَدَ الآباد يَبْتَسِمُ! |
وإن أردت قضاء العيشِ في دعَة ٍ | شعريّة ٍ لا يغشّي صفوها ندمُ |
فاتركْ إلى النّاس دنياهمْ وضجَّتهُمْ | وما بنوا لِنِظامِ العيشِ أو رَسَموا |
واجعلْ حياتكَ دوحاً مُزْهراً نَضِراً | في عُزْلَة ِ الغابِ ينمو ثُمّ ينعدمُ |
واجعل لياليك أحلاماً مُغَرِّدة ً | إنَّ الحياة َ وما تدوي به حُلُمُ |