يا أيها السَّادرُ في غَيِّهِ – يا واقِفاً فَوْقَ حُطَامِ الجِباهْ |
مهلاً ففي أَنَّاتِ من دُسْتَهُمْ – صوتٌ رهيبٌ سوفَ يَدْوِي صَدَاهْ |
لا تأمَنَنَّ الدَّهْرَ إمَّا غَفَا – في كهفِهِ الدَّاجي وطالتْ رُؤَاهْ |
فإنْ قَضَى اليومُ وما قَبْلَهُ – ففي الغدِ الحيِّ صَبَاحُ الحَياهْ |
يا أَيُّها الجبَّارُ لا تزدري – فالحقُّ جبَّارٌ طويلُ الأَنَاهْ |
يَغْفَى وفي أَجْفَانِهِ يقْظَةٌ – ترنو إلى الفَجْرِ الَّذي لا تَرَاهْ |
يا أيها الشادي المغرد ههنا
يا أَيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههُنا – ثَمِلاً بِغِبْطةِ قَلْبهِ المَسْرورِ |
مُتَنقِّلاُ بَيْنَ الخَمائلِ تالِياً – وَحْيَ الرَّبيعِ السَّاحرِ المَسْحورِ |
غَرِّدْ ففي تِلْكَ السُّهولِ زَنابِقُ – تَرْنو إليكَ بِناظرٍ مَنْظورِ |
غَرِّدْ فَفي قَلبي إليكَ مَوَدَّةٌ – لَكِنْ مَوَدَّةُ طائرٍ مَأسورِ |
هَجَرَتْهُ أسْرابُ الحمائمِ وانْبَرَتْ – لِعَذابِهِ جنِّيةُ الدَّيْجورِ |
غَرِّدْ ولا تُرْهِبْ يميني إنَّني – مِثْلُ الطُّيورِ بمُهْجَتي وضَميري |
لكنْ لَقَدْ هاضَ التُّرابُ مَلامعي – فَلَبِثْتُ مِثلَ البُلبلِ المَكْسورِ |
أشدُو برنّاتِ النِّياحَةِ والأسى – مشبوبةً بعواطفي وشُعوري |
غرِّدْ ولا تَحْفَل بقلبي إنَّهُ – كالمِعْزَفِ المُتَحَطِّمِ المَهْجورِ |
رتِّل على سَمْع الرَّبيعِ نشيدَهُ – واصْدَحْ بفيْضِ فؤادك المَسْجورِ |
وانْشِدْ أناشيدَ الجَمال فإنَّها – روحُ الوُجودِ وسَلْوَةُ المَقْهورِ |
أنا طائرٌ مُتَغرِّدٌ مُتَرنِّمٌ – لكِنْ بصوتِ كآبتي وزَفيري |
يَهْتاجُني صوتُ الطُّيورِ لأنَّه – مُتدفِّقُ بِحَرارةٍ وطَهورِ |
مَا في وجود النَّاسِ من شيءٍ به – يَرضَى فؤادي أو يُسَرُّ ضَميري |
فإذا استَمَعْتُ حديثهم ألْفَيْتُهُ – غَثًّا يَفيض بِركَّةٍ وفُتورِ |
وإذا حَضَرْتُ جُموعَهُمْ ألْفَيْتَني – مَا بينهمْ كالبُلبلِ المأسورِ |
متوحِّداً بِعَواطفي ومَشاعِري – وخَواطري وكَآبَتي وسُروري |
يَنتابُني حَرَجُ الحياةِ كأنَّني – مِنهمْ بِوَهْدَة جَنْدَلٍ وصُخورِ |
فإذا سَكَتُّ تضجَّروا وإذا نَطَقْتُ – تذمَّروا من فكْرَتي وشُعوري |
آهٍ منَ النَّاسِ الذين بَلَوْتُهُمْ – فَقَلَوْتُهُمْ في وحشتي وحُبوري |
مَا منهُمُ إلاَّ خَبيثٌ غادِرٌ – متربِّصٌ بالنَّاسِ شَرَّ مَصيرِ |
ويَودُّ له مَلَكَ الوُجودَ بأسره – ورمى الوَرَى في جاحِمٍ مَسْجورِ |
لِيَبُلَّ غُلَّتَهُ التي لا ترتوي – ويَكُضَّ تُهْمَةَ قلبهِ المَغْفورِ |
وإذا دخلتُ إلى البلادِ فإنَّ أَفكاري – تُرَفْرِفُ في سُفوحِ الطُّورِ |
حيثُ الطَّبيعَةُ حُلوةٌ فتَّانَةٌ – تختال بَيْنَ تَبَرُّجٍ وسُفُورِ |
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي غارقةٌ – بموَّارِ الدَّمِ المَهدورِ |
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي لا – ترثي لصوتِ تَفجُّع المَوْتُورِ |
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي لا – تَعْنو لغَير الظَّالمِ الشَّرِّيرِ |
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي مُرتادٌ – لكلِّ دَعَارَةٍ وفُجُورِ |
يا أَيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههنا – ثَمِلاً بغبطة قَلْبِهِ المسرورِ |
قبِّل أَزاهيرَ الرَّبيعِ وغنِّها – رَنَمَ الصَّباحِ الضَّاحِك المحبورِ |
واشرب مِنَ النَّبْعِ الجميل الملتوي – مَا بَيْنَ دَوْحِ صَنَوبَرٍ وغَديرِ |
واتْرُكْ دموعَ الفجرِ في أَوراقِها – حتَّى تُرشِّفَهَا عَرُوسُ النُّورِ |
فَلَرُبَّما كانتْ أَنيناً صاعداً – في اللَّيلِ مِنْ متوجِّعٍ مَقْهُورِ |
ذَرَفَتْهُ أَجفانُ الصَّباحِ مدامعاً – أَلاَّقَةً في دَوْحةٍ وزُهورِ |
أريد سلوكم والقلب يأبى
أَريدُ سُلُوَّكُم وَالقَلبُ يَأبى – وَأَعتِبُكُم وَمِلءُ النَفسِ عُتبى |
وَأَهجُرُكُم فَيَهجُرُني رُقادي – وَيُضويني الظَلامُ أَسىً وَكَربا |
وَأَذكُرُكُم بِرُؤيَةِ كُلِّ حُسنٍ – فَيَصبو ناظِري وَالقَلبُ أَصبى |
وَأَشكو مِن عَذابي في هَواكُم – وَأَجزيكُم عَنِ التَعذيبِ حُبّا |
وَأَعلَمُ أَنَّ دَأبَكُمُ جَفائي – فَما بالي جَعَلتُ الحُبَّ دَأبا |
وَرُبَّ مُعاتَبٍ كَالعَيشِ يُشكى – وَمِلءُ النَفسِ مِنهُ هَوىً وَعُتبى |
أَتَجزيني عَنِ الزُلفى نِفاراً – عَتَبتكَ بِالهَوى وَكَفاكَ عَتبا |
فَكُلُّ مَلاحَةٍ في الناسِ ذَنبٌ – إِذا عُدَّ النِفارُ عَلَيكَ ذَنبا |
أَخَذتُ هَواكَ عَن عَيني وَقَلبي – فَعَيني قَد دَعَت وَالقَلبُ لَبّى |
وَأَنتَ مِنَ المَحاسِنِ في مِثالٍ – فَدَيتُكَ قالَباً فيهِ وَقَلبا |
أُحِبُّكَ حينَ تَثني الجيدَ تيهاً – وَأَخشى أَن يَصيرَ التيهُ دَأبا |
وَقالوا في البَديلِ رِضاً وَرَوحٌ – لَقَد رُمتُ البَديلَ فَرُمتُ صَعبا |
وَراجَعتُ الرَشادَ عَسايَ أَسلو – فَما بالي مَعَ السُلوانِ أَصبى |
إِذا ما الكَأسُ لَم تُذهِب هُمومي – فَقَد تَبَّت يَدُ الساقي وَتَبّا |
عَلى أَنّي أَعَفُّ مَنِ اِحتَساها – وَأَكرَمُ مِن عَذارى الدَيرِ شربا |
وَلي نَفسٌ أُرَوّيها فَتَزكو – كَزَهرِ الوَردِ نَدَّوهُ فَهَبّا |
لكل زمان مضى آية
لِكُلِّ زَمانٍ مَضى آيَةٌ – وَآيَةُ هَذا الزَمانِ الصُحُف |
لِسانُ البِلادِ وَنَبضُ العِبادِ – وَكَهفُ الحُقوقِ وَحَربُ الجَنَف |
تَسيرُ مَسيرَ الضُحى في البِلادِ – إِذا العِلمُ مَزَّقَ فيها السَدَف |
وَتَمشي تُعَلِّمُ في أُمَّةٍ – كَثيرَةِ مَن لا يَخُطُّ الأَلِف |
فَيا فِتيَةَ الصُحفُ صَبراً إِذا – نَبا الرِزقُ فيها بِكُم وَاِختَلَف |
فَإِنَّ السَعادَةَ غَيرُ الظُهورِ – وَغَيرُ الثَراءِ وَغَيرُ التَرَف |
وَلَكِنَّها في نَواحي الضَميرِ – إِذا هُوَ بِاللَومِ لَم يُكتَنَف |
خُذوا القَصدَ وَاِقتَنِعوا بِالكَفافِ – وَخَلّوا الفُضولَ يَغِلها السَرَف |
وَروموا النُبوغَ فَمَن نالَهُ – تَلَقّى مِنَ الحَظِّ أَسنى التُحَف |
وَما الرِزقُ مُجتَنِبٌ حِرفَةً – إِذا الحَظُّ لَم يَهجُرِ المُحتَرِف |
إِذا آخَتِ الجَوهَرِيَّ الحُظوظُ – كَفَلنَ اليَتيمَ لَهُ في الصَدَف |
وَإِن أَعرَضَت عَنهُ لَم يَحلُ في – عُيونِ الخَرائِدِ غَيرُ الخَزَف |
رَعى اللَهُ لَيلَتَكُم إِنَّها – تَلَت عِندَهُ لَيلَةَ المُنتَصَف |
لَقَد طَلَعَ البَدرُ مِن جُنحِها – وَأَوما إِلى صُبحِها أَن يَقِف |
جَلَوتُم حَواشِيَها بِالفُنونِ – فَمِن كُلِّ فَنٍّ جَميلٍ طَرَف |
فَإِن تَسأَلوا ما مَكانُ الفُنونِ – فَكَم شَرَفٍ فَوقَ هَذا الشَرَف |
أَريكَةُ مولِييرَ فيما مَضى – وَعَرشُ شِكِسبيرَ فيما سَلَف |
وَعودُ اِبنِ ساعِدَةٍ في عُكاظَ – إِذا سالَ خاطِرُهُ بِالطُرَف |
فَلا يَرقَيَن فيهِ إِلّا فَتىً – إِلى دَرَجاتِ النُبوغِ اِنصَرَف |
تُعَلِّمُ حِكمَتُهُ الحاضِرينَ – وَتُسمِعُ في الغابِرينَ النُطَف |
حَمَدنا بَلاءَكُمُ في النِضالِ – وَأَمسُ حَمَدنا بَلاءَ السَلَف |
وَمَن نَسِيَ الفَضلَ لِلسابِقينَ – فَما عَرَفَ الفَضلَ فيما عَرَف |
أَلَيسَ إِلَيهِم صَلاحُ البِناءِ – إِذا ما الأَساسُ سَما بِالغُرَف |
فَهَل تَأذَنونَ لِذي خِلَّةٍ – يَفُضُّ الرَياحينَ فَوقَ الجِيَف |
فَأَينَ اللِواءُ وَرَبُّ اللِواءِ – إِمامُ الشَبابِ مِثالُ الشَرَف |
وَأَينَ الَّذي بَينَكُم شِبلُهُ – عَلى غايَةِ الحَقِّ نِعمَ الخَلَف |
وَلا بُدَّ لِلغَرسِ مِن نَقلِهِ – إِلى مَن تَعَهَّدَ أَو مَن قَطَف |
فَلا تَجحَدَنَّ يَدَ الغارِسينَ – وَهَذا الجَنى في يَدَيكَ اِعتَرَف |
أُولَئِكَ مَرّوا كَدودِ الحَريرِ – شَجاها النَفاعُ وَفيهِ التَلَف |
ضج الحجاز وضج البيت والحرم
ضَجَّ الحِجازُ وَضَجَّ البَيتُ وَالحَرَمُ – وَاِستَصرَخَت رَبَّها في مَكَّةَ الأُمَمُ |
قَد مَسَّها في حِماكَ الضُرُّ فَاِقضِ لَها – خَليفَةَ اللَهِ أَنتَ السَيِّدُ الحَكَمُ |
لَكَ الرُبوعُ الَّتي ريعَ الحَجيجُ بِها – أَلِلشَريفِ عَلَيها أَم لَكَ العَلَمُ |
أُهينَ فيها ضُيوفُ اللَهِ وَاِضطُهِدوا – إِن أَنتَ لَم تَنتَقِم فَاللَهُ مُنتَقِمُ |
أَفي الضُحى وَعُيونُ الجُندِ ناظِرَةٌ – تُسبى النِساءُ وَيُؤذى الأَهلُ وَالحَشَمُ |
وَيُسفِكُ الدَمُ في أَرضٍ مُقَدَّسَةٍ – وَتُستَباحُ بِها الأَعراضُ وَالحُرَمُ |
يَدُ الشَريفِ عَلى أَيدي الوُلاةِ عَلَت – وَنَعلُهُ دونَ رُكنِ البَيتِ تُستَلَمُ |
نَيرونُ إِن قيسَ في بابِ الطُغاةِ بِهِ – مُبالَغٌ فيهِ وَالحَجّاجُ مُتَّهَمُ |
أَدِّبهُ أَدِّب أَميرَ المُؤمِنينَ فَما – في العَفوِ عَن فاسِقٍ فَضلٌ وَلا كَرَمُ |
لا تَرجُ فيهِ وَقاراً لِلرَسولِ فَما – بَينَ البُغاةِ وَبَينَ المُصطَفى رَحِمُ |
اِبنُ الرَسولِ فَتىً فيهِ شَمائِلُهُ – وَفيهِ نَخوَتُهُ وَالعَهدُ وَالشَمَمُ |
ما كانَ طَهَ لِرَهطِ الفاسِقينَ أَباً – آلَ النَبِيِّ بِأَعلامِ الهُدى خُتِموا |
خَليفَةَ اللَهِ شَكوى المُسلِمينَ رَقَت – لِسُدَّةِ اللَهِ هَل تَرقى لَكَ الكَلِمُ |
الحَجُّ رُكنٌ مِنَ الإِسلامِ نُكبِرُهُ – وَاليَومَ يوشِكُ هَذا الرُكنُ يَنهَدِمُ |
مِنَ الشَريفِ وَمِن أَعوانِهِ فَعَلَت – نُعمى الزِيادَةِ ما لا تَفعَلُ النِقَمُ |
عَزَّ السَبيلُ إِلى طَهَ وَتُربَتِهِ – فَمَن أَرادَ سَبيلاً فَالطَريقُ دَمُ |
مُحَمَّدٌ رُوِّعتَ في القَبرِ أَعظَمُهُ – وَباتَ مُستَأمَناً في قَومِهِ الصَنَمُّ |
وَخانَ عَونُ الرَفيقِ العَهدَ في بَلَدٍ – مِنهُ العُهودُ أَتَت لِلناسِ وَالذِمَمُ |
قَد سالَ بِالدَمِ مِن ذَبحٍ وَمِن بَشَرٍ – وَاِحمَرَّ فيهِ الحِمى وَالأَشهُرُ الحُرُمُ |
وَفُزِّعَت في الخُدورِ الساعِياتُ لَهُ – الداعِياتُ وَقُربُ اللَهِ مُغتَنَمُ |
آبَت ثَكالى أَيامى بَعدَ ما أَخَذَت – مِن حَولِهِنَّ النَوى وَالأَينُقُ الرَسُمُ |
حُرِمنَ أَنوارَ خَيرِ الخَلقِ مِن كَثَبٍ – فَدَمعُهُنَّ مِنَ الحِرمانِ مُنسَجِمُ |
أَيُّ الصَغائِرِ في الإِسلامِ فاشِيَةً – تودى بِأَيسَرِها الدَولاتُ وَالأُمَمُ |
يَجيشُ صَدري وَلا يَجري بِها قَلَمي – وَلَو جَرى لَبَكى وَاِستَضحَكَ القَلَمُ |
أَغضَيتُ ضَنّاً بِعِرضي أَن أَلَمَّ بِهِ – وَقَد يَروقُ العَمى لِلحُرِّ وَالصَمَمِ |
مَوِّه عَلى الناسِ أَو غالِطهُمُ عَبَثاً – فَلَيسَ تَكتُمُهُم ما لَيسَ يَنكَتِمُ |
مِنَ الزِيادَةِ في البَلوى وَإِن عَظُمَت – أَن يَعلَمَ الشامِتونَ اليَومَ ما عَلِموا |
كُلُّ الجِراحِ بِآلامٍ فَما لَمَسَت – يَدُ العَدُوِّ فَثَمَّ الجُرحُ وَالأَلَمُ |
وَالمَوتُ أَهوَنُ مِنها وَهيَ دامِيَةٌ – إِذا أَساها لِسانٌ لِلعِدى وَفَمُ |
رَبَّ الجَزيرَةِ أَدرِكها فَقَد عَبَثَت – بِها الذِئابُ وَضَلَّ الراعِيَ الغَنَمُ |
إِنَّ الَّذينَ تَوَلَّوا أَمرَها ظَلَموا – وَالظُلمُ تَصحَبُهُ الأَهوالُ وَالظُلَمُ |
في كُلِّ يَومٍ قِتالٌ تَقشَعِرُّ لَهُ – وَفِتنَةٌ في رُبوعِ اللَهِ تَضطَرِمُ |
أَزرى الشَريفُ وَأَحزابُ الشَريفِ بِها – وَقَسَّموها كَإِرثِ المَيتِ وَاِنقَسَموا |
لا تُجزِهِم عَنكَ حُلماً وَاِجزِهِم عَنَتاً – في الحِلمِ ما يَسَمُ الأَفعالَ أَو يَصِمِ |
كَفى الجَزيرَةَ ما جَرّوا لَها سَفَهاً – وَما يُحاوِلُ مِن أَطرافِها العَجَمُ |
تِلكَ الثُغورُ عَلَيها وَهيَ زينَتُها – مَناهِلٌ عَذُبَت لِلقَومِ فَاِزدَحَموا |
في كُلِّ لُجٍّ حَوالَيها لَهُم سُفُنٌ – وَفَوقَ كُلِّ مَكانٍ يابِسٍ قَدَمُ |
والاهُمُ أُمَراءُ السوءِ وَاِتَّفَقوا – مَعَ العُداةِ عَلَيها فَالعُداةُ هُمُ |
فَجَرِّدِ السَيفَ في وَقتٍ يُفيدُ بِهِ – فَإِنَّ لِلسَيفِ يَوماً ثُمَّ يَنصَرِمُ |
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتُكَ الصَّبْرُ – أما لِلْهَوى نَهْيٌ عليكَ ولا أمْرُ |
بَلى، أنا مُشْتاقٌ وعنديَ لَوْعَةٌ – ولكنَّ مِثْلي لا يُذاعُ لهُ سِرُّ |
إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْتُ يَدَ الهوى – وأذْلَلْتُ دمْعاً من خَلائقِهِ الكِبْرُ |
تَكادُ تُضِيْءُ النارُ بين جَوانِحي – إذا هي أذْكَتْها الصَّبابَةُ والفِكْرُ |
مُعَلِّلَتي بالوَصْلِ، والمَوتُ دونَهُ – إذا مِتُّ ظَمْآناً فلا نَزَلَ القَطْرُ |
حَفِظْتُ وَضَيَّعْتِ المَوَدَّةَ بيْننا – وأحْسَنُ من بعضِ الوَفاءِ لكِ العُذْرُ |
وما هذه الأيامُ إلاّ صَحائفٌ – ِلأحْرُفِها من كَفِّ كاتِبِها بِشْرُ |
بِنَفْسي من الغادينَ في الحيِّ غادَةً – هَوايَ لها ذنْبٌ، وبَهْجَتُها عُذْرُ |
تَروغُ إلى الواشينَ فيَّ، وإنَّ لي – لأُذْناً بها عن كلِّ واشِيَةٍ وَقْرُ |
بَدَوْتُ، وأهلي حاضِرونَ، لأنّني – أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلِها، قَفْرُ |
وحارَبْتُ قَوْمي في هواكِ، وإنَّهُمْ – وإيّايَ، لو لا حُبُّكِ الماءُ والخَمْرُ |
فإنْ يكُ ما قال الوُشاةُ ولمْ يَكُنْ – فقدْ يَهْدِمُ الإيمانُ ما شَيَّدَ الكفرُ |
وَفَيْتُ، وفي بعض الوَفاءِ مَذَلَّةٌ – لإنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدْر |
وَقورٌ، ورَيْعانُ الصِّبا يَسْتَفِزُّها – فَتَأْرَنُ، أحْياناً كما، أَرِنَ المُهْرُ |
تُسائلُني من أنتَ؟ وهي عَليمَةٌ – وهل بِفَتىً مِثْلي على حالِهِ نُكْرُ |
فقلتُ كما شاءَتْ وشاءَ لها الهوى – قَتيلُكِ! قالت: أيُّهمْ؟ فَهُمْ كُثْرُ |
فقلتُ لها: لو شَئْتِ لم تَتَعَنَّتي – ولم تَسْألي عَنّي وعندكِ بي خُبْرُ |
فقالتْ: لقد أَزْرى بكَ الدَّهْرُ بَعدنا – فقلتُ: معاذَ اللهِ بل أنتِ لا الدّهر |
وما كان لِلأحْزان، ِ لولاكِ، مَسْلَكٌ – إلى القلبِ، لكنَّ الهوى لِلْبِلى جِسْر |
وتَهْلِكُ بين الهَزْلِ والجِدِّ مُهْجَةٌ – إذا ما عَداها البَيْنُ عَذَّبها الهَجْرُ |
فأيْقَنْتُ أن لا عِزَّ بَعْدي لِعاشِقٍ – و أنّ يَدي ممّا عَلِقْتُ بهِ صِفْرُ |
وقلَّبْتُ أَمري لا أرى ليَ راحَة، – إذا البَيْنُ أنْساني ألَحَّ بيَ الهَجْرُ |
فَعُدْتُ إلى حُكم الزّمانِ وحُكمِها – لها الذّنْبُ لا تُجْزى بهِ وليَ العُذْرُ |
كَأَنِّي أُنادي دونَ مَيْثاءَ ظَبْيَةً – على شَرَفٍ ظَمْياءَ جَلَّلَها الذُّعْرُ |
تَجَفَّلُ حيناً، ثُمّ تَرْنو كأنّها – تُنادي طَلاًّ بالوادِ أعْجَزَهُ الحَُضْرُ |
فلا تُنْكِريني، يابْنَةَ العَمِّ، إنّهُ – لَيَعْرِفُ من أنْكَرْتهِ البَدْوُ والحَضْرُ |
ولا تُنْكِريني، إنّني غيرُ مُنْكَرٍ – إذا زَلَّتِ الأقْدامُ، واسْتُنْزِلَ النّصْرُ |
وإنّي لَجَرّارٌ لِكُلِّ كَتيبَةٍ – مُعَوَّدَةٍ أن لا يُخِلَّ بها النَّصر |
وإنّي لَنَزَّالٌ بِكلِّ مَخوفَةٍ – كَثيرٍ إلى نُزَّالِها النَّظَرُ الشَّزْرُ |
فَأَظْمَأُ حتى تَرْتَوي البيضُ والقَنا – وأَسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذِّئْبُ والنَّسْرُ |
ولا أًصْبَحُ الحَيَّ الخُلُوفَ بغارَةٍ – و لا الجَيْشَ ما لم تأْتِهِ قَبْلِيَ النُّذْرُ |
ويا رُبَّ دارٍ، لم تَخَفْني، مَنيعَةً – طَلَعْتُ عليها بالرَّدى، أنا والفَجْر |
وحَيٍّ رَدَدْتُ الخَيْلَ حتّى مَلَكْتُهُ – هَزيماً ورَدَّتْني البَراقِعُ والخُمْرُ |
وساحِبَةِ الأذْيالِ نَحْوي، لَقيتُها – فلَم يَلْقَها جافي اللِّقاءِ ولا وَعْرُ |
وَهَبْتُ لها ما حازَهُ الجَيْشُ كُلَّهُ – ورُحْتُ ولم يُكْشَفْ لأبْياتِها سِتْر |
ولا راحَ يُطْغيني بأثوابِهِ الغِنى – ولا باتَ يَثْنيني عن الكَرَمِ الفَقْرُ |
وما حاجَتي بالمالِ أَبْغي وُفورَهُ – إذا لم أَفِرْ عِرْضي فلا وَفَرَ الوَفْرُ |
أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى – ولا فَرَسي مُهْرٌ، ولا رَبُّهُ غُمْرُ |
ولكنْ إذا حُمَّ القَضاءُ على امرئٍ – فليْسَ لَهُ بَرٌّ يَقيهِ، ولا بَحْرُ |
وقال أُصَيْحابي: الفِرارُ أو الرَّدى – فقلتُ:هما أمرانِ، أحْلاهُما مُرُّ |
ولكنّني أَمْضي لِما لا يَعيبُني – وحَسْبُكَ من أَمْرَينِ خَيرُهما الأَسْر |
يَقولونَ لي: بِعْتَ السَّلامَةَ بالرَّدى – فقُلْتُ: أما واللهِ، ما نالني خُسْرُ |
وهلْ يَتَجافى عَنّيَ المَوْتُ ساعَةً – إذا ما تَجافى عَنّيَ الأسْرُ والضُّرُّ؟ |
هو المَوتُ، فاخْتَرْ ما عَلا لكَ ذِكْرُهُ – فلم يَمُتِ الإنسانُ ما حَيِيَ الذِّكْرُ |
ولا خَيْرَ في دَفْعِ الرَّدى بِمَذَلَّةٍ – كما رَدَّها، يوماً، بِسَوْءَتِهِ عَمْرُو |
يَمُنُّونَ أن خَلُّوا ثِيابي، وإنّما – عليَّ ثِيابٌ، من دِمائِهِمُ حُمْرُ |
وقائِمُ سَيْفٍ فيهِمُ انْدَقَّ نَصْلُهُ – وأعْقابُ رُمْحٍ فيهُمُ حُطِّمَ الصَّدْرُ |
سَيَذْكُرُني قومي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ – وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ |
فإنْ عِشْتُ فالطِّعْنُ الذي يَعْرِفونَهُ – وتِلْكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّرُ الشُّقْرُ |
وإنْ مُتُّ فالإنْسانُ لابُدَّ مَيِّتٌ – وإنْ طالَتِ الأيامُ، وانْفَسَحَ العُمْرُ |
ولو سَدَّ غيري ما سَدَدْتُ اكْتَفوا بهِ – وما كان يَغْلو التِّبْرُ لو نَفَقَ الصُّفْرُ |
ونَحْنُ أُناسٌ، لا تَوَسُّطَ عندنا – لنا الصَّدْرُ دونَ العالمينَ أو القَبْرُ |
تَهونُ علينا في المعالي نُفوسُنا – ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِها المَهْرُ |
أعَزُّ بَني الدُّنيا وأعْلى ذَوي العُلا – وأكْرَمُ مَنْ فَوقَ التُّرابِ ولا فَخْرُ |