| و قفت في حر الهجيرة ارعى غنمي |
| و ارتشفت الماء من سُقم الغدير |
| ما اقسى وهج الشمس في الظهيرة |
| و غدا وجهيَ اسفع من لفح السعير |
| الشمس اطبقت على سطح البسيطة |
| حتى تبولت دماً من وطأها الحمير |
| جودي علينا يا سماء انا نستغيث |
| فوددنا بغبار السافيات نستجير |
| خيّم اليأس على القرية و الاسى |
| و شهدت بها الغربان اسراب تطير |
| كفي اللوم عني فلن تجدي الملامة |
| فكلانا في هذه القرية عبدٌ و أجير |
| شقيت بها حتى جفت اقدامي من |
| الصبر و تجرعت بؤساً ما له قط نظير |
| فاذا كانت تصاريف الحياة هكذا |
| فبئس مورداً لها و بها ذاك المصير |
| اذا شهدتها تقول أهذه دنيا تعاش |
| يعقبها حساب و نار تصلى و سعيرْ |
| اشفقت على البهائم من جور الجفاف |
| بديار ليس فيها من سقف يجير |
| اقول لها صبرا نصمد ما استطعنا |
| فلا حول لنا و كلانا في هذي اسير |
| اقول لها من هذي الديار لابد من رحيل |
| فاصبري يا نفس ريثما يأتينا البشير |
| انني أُخبرت أن في المدينة ناس تشرب |
| شهدا والغانيات ترتدي ثيابا من حرير |
| لكن دونها سور منيع يحمي اهلها |
| و الدرب نحوها ملغوم طويل و عسيرْ |
| لا تلمني يا ابي على الرحيل و دعني |
| اسلك الدرب فاني في الملمات قديرْ |
| جمعت الحقائب و الكتب و عزمت |
| و احضرت رفيقا و هممتُ بالمسيرْ |
| سأغادر نحو ارض و بلاد فيها ماء |
| حيث لا شمس تشرق و العيش اليسير |
| يقول صحبي ليت هذي الدار ماتت |
| ليتها نهبٌ هنا يتلقفها جحيم و سعير |
| يا حادي الأضغان جئت معاتبا ما اخبرت |
| اني في عداد الكون محض عصفور صغير |
| و ما اخبرتني بأن جل الناس حمقى |
| و بعضهم أحقاد و أضغان و شرٌ يستطير |
| فهذا المخبر السري و ذاك واشٍ |
| و ذا منافق يقبل أيدي سلطان حقير |