فَدَتكَ يَدي مِن عاتِبٍ وَلِسانِيا | وَقَولِيَ في حُكمِ العُلا وَفَعالِيا |
فَإِنَّ يَزيدَ وَالمُهَلَّبَ حَبَّبا | إِلَيكَ المَعالي إِذ أَحَبّا المَعالِيا |
وَلَم يورِثاكَ القَولَ لا فِعلَ بَعدَهُ | وَما خَيرُ حَليِ السَيفِ إِن كانَ نابِيا |
تَرى الناسَ فَوضى في السَماحِ وَلَن تَرى | فَتى القَومِ إِلّا الواهِبَ المُتَغاضِيا |
وَإِنّي صَديقٌ غَيرَ أَن لَستُ واجِداً | لِفَضلِكَ فَضلاً أَو يَعُمَّ الأَعادِيا |
وَلا مَجدَ إِلّا حينَ تُحسِنُ عائِداً | وَكُلُّ فَتىً في الناسِ يُحسِنُ بادِيا |
وَما لَكَ عُذرٌ في تَأَخُّرِ حاجَتي | لَدَيكَ وَقَد أَرسَلتُ فيها القَوافِيا |
حَرامٌ عَلَيَّ غَزوُ بَذٍّ وَأَهلِها | إِذا سِرتُ وَالعِشرونَ أَلفاً وَرائِيا |
فَلا تُفسِدَن بِالمَطلِ مَنّاً تَمُنُّهُ | فَخَيرُ السَحابِ ما يَكونُ غَوادِيا |
فَإِن يَكُ في المَجدِ اِشتِراءٌ فَإِنَّهُ اِش | تِراؤُكَ شُكري طولَ دَهري بِمالِيا |
البحتري
البحتري هو الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي أبو عبادة البحتري وهو من أكبر شعراء العصر العباسي, مجموعة مميزة من قصائد الشاعر البحتري في مكتبة قصائد العرب.
لأي شيء صددت عني
لِأَيِّ شَيءٍ صَدَدتَ عَنّي | يا بائِناً بِالعَزاءِ مِنّي |
هَل كانَ مِنّي فَعالُ سوءٍ | يَحسُنِ في مِثلِهِ التَجَنّي |
إِن كانَ ذَنبٌ فَعِد بِعَفوٍ | مِنكَ يُسَلّى نَجِيَّ حُزني |
إِنَّ شَفيعي إِلَيكَ مِنّي | دُموعُ عَيني وَحُسنُ ظَنّي |
فَبِالَّذي قادَني ذَليلاً | إِلَيكَ إِلّا عَفَوتَ عَنّي |
إن الزمان زمان سو
إِنَّ الزَمانَ زَمانُ سَو | وَجَميعُ هَذا الخَلقِ بَو |
وَإِذا سَأَلتَهُمُ نَدىً | فَجَوابُهُم عَن ذاكَ وَو |
لَو يَملِكونَ الضَوءَ بُخ | لاً لَم يَكُن لِلخَلقِ ضَو |
ذَهَبَ الكِرامُ بِأَسرِهِم | وَبَقى لَنا لَيتا وَلَو |
جسمي لا جسمك النحيل
جِسمِيَ لا جِسمُكَ النَحيلُ | وَيا عَليلاً أَنا العَليلُ |
حُمّاكَ حُمّايَ غَيرَ شَكٍّ | فَلَيتَني دونَكَ البَديلُ |
حَمَيتُ نَفسي لَذيذَ عَيشٍ | إِذِ احتَمى ذَلِكَ الخَليلُ |
وَحالَ مِن دونِهِ حِجابٌ | فَعادَني لَيلِيَ الطَويلُ |
إِنّي لَأَرضى بِخَطِّ سَطرٍ | أَو أَن يَجيني لَهُ رَسولُ |
غروب دمع من الأجفان تنهمل
غُروبُ دَمعٍ مِنَ الأَجفانِ تَنهَمِلُ | وَحُرقَةٌ بِغَليلِ الحُزنِ تَشتَعِلُ |
وَلَيسَ يُطفِئُ نارَ الحُزنِ إِذ وَقَدَت | عَلى الجَوانِحِ إِلّا الواكِفُ الخَضِلُ |
إِن لَجَّ حُزنٌ فَلا بِدعٌ وَلا عَجَبٌ | أَو قَلَّ صَبرٌ فَلا لَومٌ وَلا عَذَلُ |
عَمري لَقَد فَدَحَ الخَطبُ الَّذي طَرَقَت | بِهِ اللَيالي وَجَلَّ الحادِثُ الجَلَلُ |
لِلَّهِ أَيُّ يَدٍ بانَ الحِمامُ بِها | مِنّا وَأَيَّةُ نَفسٍ غالَها الأَجَلُ |
سَيِّدَةُ الناسِ حَقّاً بَعدَ سَيِّدِهِم | وَمَن لَها المَأثُراتُ السُبَّقُ الأُوَلُ |
جَرى لَها قَدَرٌ حَتمٌ فَحَلَّ بِها | مَكروهُهُ وَقَضاءٌ موشِكٌ عَجِلُ |
فَكُلُّ عَينٍ لَها مِن عَبرَةٍ دِرَرٌ | وَكُلُّ قَلبٍ لَهُ مِن حَسرَةٍ شُغُلُ |
عَمَّ البُكاءُ عَلَيها وَالمُصابُ بِها | كَما يَعُمُّ سَحابُ الديمَةِ الهَطِلُ |
فَالشَرقُ وَالغَربُ مَغمورانِ مِن أَسَفٍ | باقٍ لِفِقدانِها وَالسَهلُ وَالجَبَلُ |
مَثوبَةُ اللَهِ مِمّا فارَقَت عِوَضٌ | وَجَنَّةُ الخُلدِ مِما خَلَّفَت بَدَلُ |
قُل لِلإِمامِ الَّذي آلاؤُهُ جُمَلٌ | وَبِشرُهُ أَمَلٌ وَسُخطُهُ وَجَلُ |
لَكَ البَقاءُ عَلى الأَيّامِ يَقتَبِلُ | وَالعُمرُ يَمتَدُّ بِالنُعمى وَيَتَّصِلُ |
وَالناسُ كُلُّهُمُ في كُلِّ حادِثَةٍ | فِداءُ نَعلِكَ أَن يَغتالَكَ الزَلَلُ |
إِذا بَقيتَ لِدينِ اللَهِ تَكلَؤُهُ | فَكُلُّ رُزءٍ صَغيرُ القَدرِ مُحتَمَلُ |
لَئِن رُزِقتَ الَّتي ما مِثلُها اِمرَأَةٌ | لَقَد أُتيتَ الَّذي لَم يُؤتَهُ رَجُلُ |
صَبراً وَمَعرِفَةً بِاللَهِ صادِقَةً | وَالصَبرُ أَجمَلُ ثَوبٍ حينَ يُبتَذَلُ |
عَزَّيتَ نَفسَكَ عَنها بِالنَبِيِّ وَما | في الخُلدِ بَعدَ النَبِيِّ المُصطَفى أَمَلُ |
وَكَيفَ نَرجو خُلوداً لَم يُخَصَّ بِهِ | مِن قَبلِنا أَنبِياءُ اللَهِ وَالرُسُلُ |
عَمَّرَكَ اللَهُ في النَعماءِ مُبتَهِجاً | بِها وَأَعطاكَ مِنها فَوقَ ما تَسَلُ |
رحلت عنك رحيل المرء عن وطنه
رَحَلتُ عَنكَ رَحيلَ المَرءِ عَن وَطَنِه | وَرِحلَةَ السَكَنِ المُشتاقِ عَن سَكَنِه |
وَما تَباعَدتُ إِلّا أَنَّ مُستَتِراً | مِنَ الزَمانِ نَأَتهُ الدارُ عَن جُنَنِه |
أُنسٌ لَوَ أَنّي بِنِصفِ العُمرِ مِن أَمَمٍ | أَشريهِ ما خِلتُني أَغلَيتُ في ثَمَنِه |
فَإِن تَكَلَّفتُ صَبراً عَنكَ أَو مُنِيَت | نَفسي بِهِ فَهوَ صَبرُ الطَرفِ عَن وَسَنِه |
وَما تَعَرَّضتُ مِن شَينوخَ عارِفَةً | إِلّا تَعَرَّضَ عُثنونٌ عَلى ذَقَنِه |
فَاِسلَم أَبا صالِحٍ لِلمَجدِ تَعمُرُهُ | بِأَريَحِيَّةِ مَحمودِ النَثّا حَسَنِه |