غُروبُ دَمعٍ مِنَ الأَجفانِ تَنهَمِلُ | وَحُرقَةٌ بِغَليلِ الحُزنِ تَشتَعِلُ |
وَلَيسَ يُطفِئُ نارَ الحُزنِ إِذ وَقَدَت | عَلى الجَوانِحِ إِلّا الواكِفُ الخَضِلُ |
إِن لَجَّ حُزنٌ فَلا بِدعٌ وَلا عَجَبٌ | أَو قَلَّ صَبرٌ فَلا لَومٌ وَلا عَذَلُ |
عَمري لَقَد فَدَحَ الخَطبُ الَّذي طَرَقَت | بِهِ اللَيالي وَجَلَّ الحادِثُ الجَلَلُ |
لِلَّهِ أَيُّ يَدٍ بانَ الحِمامُ بِها | مِنّا وَأَيَّةُ نَفسٍ غالَها الأَجَلُ |
سَيِّدَةُ الناسِ حَقّاً بَعدَ سَيِّدِهِم | وَمَن لَها المَأثُراتُ السُبَّقُ الأُوَلُ |
جَرى لَها قَدَرٌ حَتمٌ فَحَلَّ بِها | مَكروهُهُ وَقَضاءٌ موشِكٌ عَجِلُ |
فَكُلُّ عَينٍ لَها مِن عَبرَةٍ دِرَرٌ | وَكُلُّ قَلبٍ لَهُ مِن حَسرَةٍ شُغُلُ |
عَمَّ البُكاءُ عَلَيها وَالمُصابُ بِها | كَما يَعُمُّ سَحابُ الديمَةِ الهَطِلُ |
فَالشَرقُ وَالغَربُ مَغمورانِ مِن أَسَفٍ | باقٍ لِفِقدانِها وَالسَهلُ وَالجَبَلُ |
مَثوبَةُ اللَهِ مِمّا فارَقَت عِوَضٌ | وَجَنَّةُ الخُلدِ مِما خَلَّفَت بَدَلُ |
قُل لِلإِمامِ الَّذي آلاؤُهُ جُمَلٌ | وَبِشرُهُ أَمَلٌ وَسُخطُهُ وَجَلُ |
لَكَ البَقاءُ عَلى الأَيّامِ يَقتَبِلُ | وَالعُمرُ يَمتَدُّ بِالنُعمى وَيَتَّصِلُ |
وَالناسُ كُلُّهُمُ في كُلِّ حادِثَةٍ | فِداءُ نَعلِكَ أَن يَغتالَكَ الزَلَلُ |
إِذا بَقيتَ لِدينِ اللَهِ تَكلَؤُهُ | فَكُلُّ رُزءٍ صَغيرُ القَدرِ مُحتَمَلُ |
لَئِن رُزِقتَ الَّتي ما مِثلُها اِمرَأَةٌ | لَقَد أُتيتَ الَّذي لَم يُؤتَهُ رَجُلُ |
صَبراً وَمَعرِفَةً بِاللَهِ صادِقَةً | وَالصَبرُ أَجمَلُ ثَوبٍ حينَ يُبتَذَلُ |
عَزَّيتَ نَفسَكَ عَنها بِالنَبِيِّ وَما | في الخُلدِ بَعدَ النَبِيِّ المُصطَفى أَمَلُ |
وَكَيفَ نَرجو خُلوداً لَم يُخَصَّ بِهِ | مِن قَبلِنا أَنبِياءُ اللَهِ وَالرُسُلُ |
عَمَّرَكَ اللَهُ في النَعماءِ مُبتَهِجاً | بِها وَأَعطاكَ مِنها فَوقَ ما تَسَلُ |
البحتري
البحتري هو الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي أبو عبادة البحتري وهو من أكبر شعراء العصر العباسي, مجموعة مميزة من قصائد الشاعر البحتري في مكتبة قصائد العرب.
رحلت عنك رحيل المرء عن وطنه
رَحَلتُ عَنكَ رَحيلَ المَرءِ عَن وَطَنِه | وَرِحلَةَ السَكَنِ المُشتاقِ عَن سَكَنِه |
وَما تَباعَدتُ إِلّا أَنَّ مُستَتِراً | مِنَ الزَمانِ نَأَتهُ الدارُ عَن جُنَنِه |
أُنسٌ لَوَ أَنّي بِنِصفِ العُمرِ مِن أَمَمٍ | أَشريهِ ما خِلتُني أَغلَيتُ في ثَمَنِه |
فَإِن تَكَلَّفتُ صَبراً عَنكَ أَو مُنِيَت | نَفسي بِهِ فَهوَ صَبرُ الطَرفِ عَن وَسَنِه |
وَما تَعَرَّضتُ مِن شَينوخَ عارِفَةً | إِلّا تَعَرَّضَ عُثنونٌ عَلى ذَقَنِه |
فَاِسلَم أَبا صالِحٍ لِلمَجدِ تَعمُرُهُ | بِأَريَحِيَّةِ مَحمودِ النَثّا حَسَنِه |
أرق العين أن قرة عيني
أَرَّقَ العَينَ أَنَّ قُرَّةَ عَيني | دَخَلَت بَينَهُ اللَيالي وَبَيني |
إِن يُقَدِّر لَنا الزَمانُ إِلتقاءً | فَهوَ حُكمي عَلى الزَمانِ وَديني |
ما لِشَيءٍ بَشاشَةَ بَعدَ شَيءٍ | كَتَلاقٍ مُواشِكٍ بَعدَ بَينِ |
صافَحَت في وَداعِها فَأَرَتنا | ذَهَباً مِن خِضابِها في لُجَينِ |
أَصدَقُ الناسِ مَن يُشيدُ بِقَولٍ | إِنَّ سَيفَ الإِمامِ ذو السَيفَينِ |
تَقِفُ العَينُ عِندَ أَنوَرِ وَجهٍ | يَتَجَلّى لَنا وَأَندى يَدَينِ |
قادَ آباؤُهُ الجِيادَ مُلوكاً | قَبلَ قَودِ الجِيادِ مِن ذي رُعَينِ |
نطالب بشرا بسقيا المدام
نُطالِبُ بِشراً بِسُقيا المُدا | مِ وَبِشرٌ يُطالِبُنا بِالثَمَن |
أَمِن عادَةٍ لَكَ في بَيعِها | أَمِ البُخلُ مِنكَ طَريقٌ قَمَن |
فَإِن بِعتِناها فَنَكِّب بِنا | عَنِ البَخسِ في بَيعِها وَالغَبَن |
وَأَوفِ لَنا الكَيلَ حَتّى نَعُد | دُ قَبيحَكَ في بَيعِناها حَسَن |
عَذيرِيَ مِن تاجِرٍ خازِنٍ | بَضائِعَهُ في أَصيصٍ وَدَن |
وَبَعضُهُمُ في اِختِياراتِهِ | يُحِبُّ الدَناءَةَ حُبَّ الوَطَن |
سلام أيها الملك اليماني
سَلامٌ أَيُّها المَلِكُ اليَماني | لَقَد غَلَبَ البِعادُ عَلى التَداني |
ثَمانٍ قَد مَضَينَ بِلا تَلاقٍ | وَما في الصَبرِ فَضلٌ عَن ثَمانِ |
وَما أَعتَدُّ مِن عُمري بِيَومٍ | يَمُرُّ وَلا أَراكَ وَلا تَراني |
وثقت بسعد فما أفلحت
وَثِقتُ بِسَعدٍ فَما أَفلَحَت | أَمانَةُ سَعدٍ وَلا خَونُهُ |
وَقَد بَزَّ أَدهَمَهُ لَونُهُ | فَراحَ سَواءً وَبِرذَونُهُ |
وَكَيفَ سُكوني إِلى غَيبِهِ | وَلَونُ يَدي عِندَهُ لَونُهُ |