أَما تَنفَكُّ باكِيَةً بِعَينٍ | غَزيرٍ دَمعُها كَمِدٌ حَشاها |
أبو العتاهية
قصائد أبو العتاهيه وهو إسماعيل بن القاسم بن سُويد العنزي أبو العتاهية كنية غلبت عليه لما عرف به في شبابه من مجون وهو من شعراء العصر العباسي.
من أجاب الهوى إلى كل ما يدعوه
مَن أَجابَ الهَوى إِلى كُلِّ ما يَد | عوهُ مِمّا يُضِلُّ ضَلَّ وَ تاها |
مَن رَأى عِبرَةً فَفَكَّرَ فيها | آذَنَتهُ بِالشَيءِ حينَ يَراها |
رُبَّما اِستَغلَقَت أُمورٌ عَلى مَن | كانَ يَأتي الأُمورَ مِن مَأتاها |
وَ سَيَأوي إِلى يَدٍ كُلُّ ما تَأ | تي وَتَأتي إِلى يَدٍ حُسناها |
قَد تَكونُ النَجاةُ تَكرَهُها النَف | سُ وَتَأتي ما كانَ فيهِ أَذاها |
إن المحب إذا ترادف همه
إِنَّ المُحِبَّ إِذا تَرادَفَ هَمُّهُ | يَلقى المُحِبُّ فَيَستَريحُ إِلَيهِ |
إن الفناء من البقاء قريب
إِنَّ الفَناءَ مِنَ البَقاءِ قَريبُ | إِنّ الزَمانَ إِذا رَمى لَمُصيبُ |
إِنَّ الزَمانَ لِأَهلِهِ لَمُؤَدَّبٌ | لَو كانَ يَنفَعُ فيهِمُ التَأديبُ |
صِفَةُ الزَمانِ حَكيمَةٌ وَبَليغَةٌ | إِنَّ الزَمانَ لَشاعِرٌ وَخَطيبُ |
وَأَراكَ تَلتَمِسُ البَقاءَ وَطولُهُ | لَكَ مُهرِمٌ وَمُعَذِّبٌ وَمُذيبُ |
وَلَقَد رَأَيتُكَ لِلزَمانِ مُجَرِّباً | لَو كانَ يُحكِمُ رَأيَكَ التَجريبُ |
وَلَقَد يُكَلِّمُكَ الزَمانُ بِأَلسُنٍ | عَرَبِيَّةٍ وَأَراكَ لَستَ تُجيبُ |
لَو كُنتَ تَفهَمُ عَن زَمانِكَ قَولَهُ | لَعَراكَ مِنهُ تَفَجُّعٌ وَنَحيبُ |
أَلحَحتَ في طَلَبِ الصِبا وَضَلالِهِ | وَالمَوتُ مِنكَ وَإِن كَرِهتَ قَريبُ |
وَلَقَد عَقَلتَ وَما أَراكَ بِعاقِلٍ | وَلَقَد طَلَبتَ وَما أَراكَ تُصيبُ |
وَلَقَد سَكَنتَ صُحونَ دارِ تَقَلُّبٍ | أَبلى وَأَفنى دارَكَ التَقليبُ |
أَمَعَ المَماتِ يَطيبُ عَيشُكَ يا أَخي | هَيهاتَ لَيسَ مَعَ المَماتِ يَطيبُ |
زُغ كَيفَ شِئتَ عَنِ البِلى فَلَهُ عَلى | كُلَّ اِبنِ أُنثى حافِظٌ وَرَقيبُ |
كَيفَ اِغتَرَرتَ بِصَرفِ دَهرِكَ يا أَخي | كَيفَ اِغتَرَرتَ بِهِ وَأَنتَ لَبيبُ |
وَلَقَد حَلَبتَ الدَهرَ أَشطُرَ دَرِّهِ | حِقَباً وَأَنتَ مُجَرِّبٌ وَأَريبُ |
وَالمَوتُ يَرتَصِدُ النُفوسَ وَكُلُّنا | لِلمَوتِ فيهِ وَلِلتُرابِ نَصيبُ |
إِن كُنتَ لَستَ تُنيبُ إِن وَثَبَ البِلى | بَل يا أَخي فَمَتى أَراكَ تُنيبُ |
لِلَّهِ دَرُّكَ عائِباً مُتَسَرِّعاً | أَيَعيبُ مَن هُوَ بِالعُيوبِ مَعيبُ |
وَلَقَد عَجِبتُ لِغَفلَتي وَلِغِرَّتي | وَالمَوتُ يَدعوني غَداً فَأُجيبُ |
وَلَقَد عَجِبتُ لِطولِ أَمنِ مَنِيَّتي | وَلَها إِلَيَّ تَوَثُّبٌ وَدَبيبُ |
لِلَّهِ عَقلي ما يَزالُ يَخونَني | وَلَقَد أَراهُ وَإِنَّهُ لَصَليبُ |
لِلَّهِ أَيّامٌ نَعِمتُ بِلينِها | أَيّامَ لي غُصنُ الشَبابِ رَطيبُ |
إِنَّ الشَبابَ لَنافِقٌ عِندَ النِسا | ما لِلمَشيبِ مِنَ النِساءِ حَبيبُ |
هززتك لا أني وجدتك ناسيا
هَزَزتُكَ لا أَنّي وَجَدتُكَ ناسِياً | لِوَعدٍ وَ لا أَني أَرَدتُ التَقاضِيا |
وَ لَكِن وَجَدتُ السَيفَ عِندَ انتِضائِهِ | إِلى الهَزِّ مُحتاجاً وَ إِن كانَ ماضِيا |
ألا هل إلى طول الحياة سبيل
أَلا هَل إِلى طولِ الحَياةِ سَبيلُ | وَأَنّي وَهَذا المَوتُ لَيسَ يُقيلُ |
وَإِنّي وَإِن أَصبَحتُ بِالمَوتِ موقِناً | فَلي أَمَلٌ دونَ اليَقينِ طَويلُ |
وَلِلدَهرِ أَلوانٌ تَروحُ وَتَغتَدي | وَإِنَّ نُفوساً بَينَهُنَّ تَسيلُ |
وَمَنزِلِ حَقٍّ لا مُعَرَّجَ دونَهُ | لِكُلِّ امرِئٍ يَوماً إِلَيهِ رَحيلُ |
أَرى عِلَلَ الدُنيا عَلَيَّ كَثيرَةً | وَصاحِبُها حَتّى المَماتِ عَليلُ |
إِذا انقَطَعَت عَنّي مِنَ العَيشِ مُدَّتي | فَإِنَّ غناءَ الباكِياتِ قَليلُ |
سَيُعرَضُ عَن ذِكري وَتُنسى مَوَدَّتي | وَيَحدُثُ بَعدي لِلخَليلِ خَليلُ |
وَفي الحَقِّ أَحياناً لَعَمري مَرارَةٌ | وَثِقلٌ عَلى بَعضِ الرِجالِ ثَقيلُ |
وَلَم أَرَ إِنساناً يَرى عَيبَ نَفسِهِ | وَإِن كانَ لا يَخفى عَلَيهِ جَميلُ |
وَمَن ذا الَّذي يَنجو مِنَ الناسِ سالِماً | وَلِلناسِ قالٌ بِالظُنونِ وَقيلُ |
أَجَلَّكَ قَومٌ حينَ صِرتَ إِلى الغِنى | وَكُلُّ غَنِيٍّ في العُيونِ جَليلُ |
وَلَيسَ الغِنى إِلّا غِناً زَيَّنَ الفَتى | عَشِيَّةَ يَقري أَو غَداةَ يُنيلُ |
وَلَم يَفتَقِر يَوماً وَإِن كانَ مُعدَماً | جَوادٌ وَلَم يَستَغنِ قَطُّ بَخيلُ |
إِذا مالَتِ الدُنيا إِلى المَرءِ رَغَّبَت | إِلَيهِ وَمالَ الناسُ حَيثُ يَميلُ |