لَيَاليّ بَعْدَ الظّاعِنِينَ شُكُولُ |
طِوالٌ وَلَيْلُ العاشِقينَ طَويلُ |
يُبِنَّ ليَ البَدْرَ الذي لا أُريدُهُ |
وَيُخْفِينَ بَدْراً مَا إلَيْهِ سَبيلُ |
وَمَا عِشْتُ مِنْ بَعدِ الأحِبّةِ سَلوَةً |
وَلَكِنّني للنّائِبَاتِ حَمُولُ |
وَإنّ رَحِيلاً وَاحِداً حَالَ بَيْنَنَا |
وَفي المَوْتِ مِنْ بَعدِ الرّحيلِ رَحيلُ |
إذا كانَ شَمُّ الرَّوحِ أدْنَى إلَيْكُمُ |
فَلا بَرِحَتْني رَوْضَةٌ وَقَبُولُ |
وَمَا شَرَقي بالمَاءِ إلاّ تَذكّراً |
لمَاءٍ بهِ أهْلُ الحَبيبِ نُزُولُ |
يُحَرّمُهُ لَمْعُ الأسِنّةِ فَوْقَهُ |
فَلَيْسَ لِظَمْآنٍ إلَيْهِ وُصُولُ |
أما في النّجوم السّائراتِ وغَيرِهَا |
لِعَيْني عَلى ضَوْءِ الصّباحِ دَليلُ |
ألمْ يَرَ هذا اللّيْلُ عَيْنَيْكِ رُؤيَتي |
فَتَظْهَرَ فيهِ رِقّةٌ وَنُحُولُ |
لَقيتُ بدَرْبِ القُلّةِ الفَجْرَ لَقْيَةً |
شَفَتْ كَبِدي وَاللّيْلُ فِيهِ قَتيلُ |
وَيَوْماً كأنّ الحُسْنَ فيهِ عَلامَةٌ |
بعَثْتِ بهَا والشّمسُ منكِ رَسُولُ |
وَما قَبلَ سَيفِ الدّوْلَةِ کثّارَ عاشِقٌ |
ولا طُلِبَتْ عندَ الظّلامِ ذُحُولُ |
وَلَكِنّهُ يَأتي بكُلّ غَريبَةٍ |
تَرُوقُ عَلى استِغْرابِها وَتَهُولُ |
رَمَى الدّرْبَ بالجُرْدِ الجيادِ إلى العِدى |
وَما عَلِمُوا أنّ السّهامَ خُيُولُ |
شَوَائِلَ تَشْوَالَ العَقَارِبِ بالقَنَا |
لهَا مَرَحٌ مِنْ تَحْتِهِ وَصَهيلُ |
وَما هيَ إلاّ خَطْرَةٌ عَرَضَتْ لَهُ |
بحَرّانَ لَبّتْهَا قَناً وَنُصُولُ |
هُمَامٌ إذا ما هَمّ أمضَى هُمُومَهُ |
بأرْعَنَ وَطْءُ المَوْتِ فيهِ ثَقيلُ |
وَخَيْلٍ بَرَاهَا الرّكضُ في كلّ بلدةٍ |
إذا عَرّسَتْ فيها فلَيسَ تَقِيلُ |
فَلَمّا تَجَلّى مِنْ دَلُوكٍ وَصَنْجةٍ |
عَلَتْ كلَّ طَوْدٍ رَايَةٌ وَرَعيلُ |
على طُرُقٍ فيها على الطُّرْقِ رِفْعَةٌ |
وَفي ذِكرِها عِندَ الأنيسِ خُمُولُ |
فَمَا شَعَرُوا حَتى رَأوْهَا مُغِيرَةً |
قِبَاحاً وَأمّا خَلْقُها فَجَميلُ |
سَحَائِبُ يَمْطُرْنَ الحَديدَ علَيهِمِ |
فكُلُّ مَكانٍ بالسّيوفِ غَسيلُ |
وَأمْسَى السّبَايَا يَنْتَحِبنَ بعِرْقَةٍ |
كأنّ جُيُوبَ الثّاكِلاتِ ذُيُولُ |
وَعادَتْ فَظَنّوهَا بمَوْزَارَ قُفّلاً |
وَلَيسَ لهَا إلاّ الدّخولَ قُفُولُ |
فَخاضَتْ نَجيعَ القَوْمِ خَوْضاً كأنّهُ |
بكُلِّ نَجيعٍ لمْ تَخُضْهُ كَفيلُ |
تُسايِرُها النّيرانُ في كلّ مَنزِلٍ |
بهِ القوْمُ صَرْعَى والدّيارُ طُلولُ |
وَكَرّتْ فمَرّتْ في دِماءِ مَلَطْيَةٍ |
مَلَطْيَةُ أُمٌّ للبَنِينَ ثَكُولُ |
وَأضْعَفْنَ ما كُلّفْنَهُ مِنْ قُباقِبٍ |
فأضْحَى كأنّ الماءَ فيهِ عَليلُ |
وَرُعْنَ بِنَا قَلْبَ الفُراتِ كأنّمَا |
تَخِرُّ عَلَيْهِ بالرّجالِ سُيُولُ |
يُطارِدُ فيهِ مَوْجَهُ كُلُّ سابحٍ |
سَواءٌ عَلَيْهِ غَمْرَةٌ وَمسيلُ |
تَراهُ كأنّ المَاءَ مَرّ بجِسْمِهِ |
وَأقْبَلَ رَأسٌ وَحْدَهُ وتَليلُ |
وَفي بَطْنِ هِنريطٍ وَسِمْنينَ للظُّبَى |
وَصُمِّ القَنَا مِمّنْ أبَدْنَ بَدِيلُ |
طَلَعْنَ عَلَيْهِمْ طَلْعَةً يَعْرِفُونَها |
لهَا غُرَرٌ مَا تَنْقَضِي وَحُجُولُ |
تَمَلُّ الحُصُونُ الشُّمُّ طُولَ نِزالِنَا |
فَتُلْقي إلَيْنَا أهْلَهَا وَتَزُولُ |
وَبِتْنَ بحصْنِ الرّانِ رَزْحَى منَ الوَجى |
وَكُلُّ عَزيزٍ للأمِيرِ ذَلِيلُ |
وَفي كُلِّ نَفْسٍ ما خَلاهُ مَلالَةٌ |
وَفي كُلِّ سَيفٍ ما خَلاهُ فُلُولُ |
وَدُونَ سُمَيْساطَ المَطامِيرُ وَالمَلا |
وَأوْدِيَةٌ مَجْهُولَةٌ وَهُجُولُ |
لَبِسْنَ الدّجَى فيها إلى أرْضِ مرْعَشٍ |
وَللرّومِ خَطْبٌ في البِلادِ جَليلُ |
فَلَمّا رَأوْهُ وَحْدَهُ قَبْلَ جَيْشِهِ |
دَرَوْا أنّ كلَّ العالَمِينَ فُضُولُ |
وَأنّ رِمَاحَ الخَطّ عَنْهُ قَصِيرَةٌ |
وَأنّ حَديدَ الهِنْدِ عَنهُ كَليلُ |
فأوْرَدَهُمْ صَدْرَ الحِصانِ وَسَيْفَهُ |
فَتًى بأسُهُ مِثْلُ العَطاءِ جَزيلُ |
جَوَادٌ عَلى العِلاّتِ بالمالِ كُلّهِ |
وَلَكِنّهُ بالدّارِعِينَ بَخيلُ |
فَوَدّعَ قَتْلاهُمْ وَشَيّعَ فَلَّهُمْ |
بضَرْبٍ حُزُونُ البَيضِ فيهِ سُهولُ |
على قَلْبِ قُسْطَنْطينَ مِنْهُ تَعَجّبٌ |
وَإنْ كانَ في ساقَيْهِ مِنْهُ كُبُولُ |
لَعَلّكَ يَوْماً يا دُمُسْتُقُ عَائِدٌ |
فَكَمْ هارِبٍ مِمّا إلَيْهِ يَؤولُ |
نَجَوْتَ بإحْدَى مُهْجَتَيْكَ جرِيحةً |
وَخَلّفتَ إحدى مُهجَتَيكَ تَسيلُ |
أتُسْلِمُ للخَطّيّةِ ابنَكَ هَارِباً |
وَيَسْكُنَ في الدّنْيا إلَيكَ خَليلُ |
بوَجْهِكَ ما أنْساكَهُ مِنْ مُرِشّةٍ |
نَصِيرُكَ منها رَنّةٌ وَعَوِيلُ |
أغَرّكُمُ طولُ الجُيوشِ وَعَرْضُهَا |
عَليٌّ شَرُوبٌ للجُيُوشِ أكُولُ |
إذا لم تَكُنْ للّيْثِ إلاّ فَريسَةً |
غَذاهُ وَلم يَنْفَعْكَ أنّكَ فِيلُ |
إذا الطّعْنُ لم تُدْخِلْكَ فيهِ شَجاعةٌ |
هيَ الطّعنُ لم يُدخِلْكَ فيهِ عَذولُ |
وَإنْ تَكُنِ الأيّامُ أبْصَرْنَ صَوْلَهُ |
فَقَدْ عَلّمَ الأيّامَ كَيفَ تَصُولُ |
فَدَتْكَ مُلُوكٌ لم تُسَمَّ مَوَاضِياً |
فإنّكَ ماضِي الشّفْرَتَينِ صَقيلُ |
إذا كانَ بَعضُ النّاسِ سَيفاً لدَوْلَةٍ |
فَفي النّاسِ بُوقاتٌ لهَا وطُبُولُ |
أنَا السّابِقُ الهادي إلى ما أقُولُهُ |
إذِ القَوْلُ قَبْلَ القائِلِينَ مَقُولُ |
وَما لكَلامِ النّاسِ فيمَا يُريبُني |
أُصُولٌ ولا للقائِليهِ أُصُولُ |
أُعَادَى على ما يُوجبُ الحُبَّ للفَتى |
وَأهْدَأُ وَالأفكارُ فيّ تَجُولُ |
سِوَى وَجَعِ الحُسّادِ داوِ فإنّهُ |
إذا حلّ في قَلْبٍ فَلَيسَ يحُولُ |
وَلا تَطْمَعَنْ من حاسِدٍ في مَوَدّةٍ |
وَإنْ كُنْتَ تُبْديهَا لَهُ وَتُنيلُ |
وَإنّا لَنَلْقَى الحادِثاتِ بأنْفُسٍ |
كَثيرُ الرّزايا عندَهنّ قَليلُ |
يَهُونُ عَلَيْنَا أنْ تُصابَ جُسُومُنَا |
وَتَسْلَمَ أعْراضٌ لَنَا وَعُقُولُ |
فَتيهاً وَفَخْراً تَغْلِبَ ابْنَةَ وَائِلٍ |
فَأنْتِ لخَيرِ الفاخِرِينَ قَبيلُ |
يَغُمُّ عَلِيّاً أنْ يَمُوتَ عَدُوُّهُ |
إذا لم تَغُلْهُ بالأسِنّةِ غُولُ |
شَريكُ المَنَايَا وَالنّفُوسُ غَنيمَةٌ |
فَكُلُّ مَمَاتٍ لم يُمِتْهُ غُلُولُ |
فإنْ تَكُنِ الدّوْلاتُ قِسْماً فإنّهَا |
لِمَنْ وَرَدَ المَوْتَ الزّؤامَ تَدُولُ |
لِمَنْ هَوّنَ الدّنْيا على النّفسِ ساعَةً |
وَللبِيضِ في هامِ الكُماةِ صَليلُ |