أرَكائِبَ الأحْبابِ إنّ الأدْمُعَا |
تَطِسُ الخُدودَ كما تَطِسْنَ اليرْمَعا |
فاعْرِفْنَ مَن حمَلَتْ عليكنّ النّوَى |
وامشَينَ هَوْناً في الأزِمّةِ خُضَّعَا |
قد كانَ يَمنَعني الحَياءُ منَ البُكَا |
فاليَوْمَ يَمْنَعُهُ البُكا أنْ يَمْنَعَا |
حتى كأنّ لكُلّ عَظْمٍ رَنّةً |
في جِلْدِهِ ولكُلّ عِرْقٍ مَدْمَعَا |
وكَفَى بمَن فَضَحَ الجَدايَةَ فاضِحاً |
لمُحبّهِ وبمَصْرَعي ذا مَصْرَعَا |
سَفَرَتْ وبَرْقَعَها الفِراقُ بصُفْرَةٍ |
سَتَرَتْ مَحاجرَها ولم تَكُ بُرْقُعَا |
فكأنّها والدّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها |
ذَهَبٌ بسِمْطَيْ لُؤلُؤٍ قد رُصّعَا |
نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها |
في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا |
واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها |
فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا |
رُدّي الوِصالَ سقَى طُلولَكِ عارِضٌ |
لوْ كانَ وَصْلُكِ مِثْلَهُ ما أقْشَعَا |
زَجِلٌ يُرِيكَ الجَوَّ ناراً والمَلا |
كالبَحْرِ والتّلَعاتِ رَوْضاً مُمْرِعَا |
كبَنَانِ عَبدِ الواحدِ الغَدِقِ الذي |
أرْوَى وأمّنَ مَن يَشاءُ وأجْزَعَا |
ألِفَ المُروءَةَ مُذْ نَشَا فَكَأنّهُ |
سُقِيَ اللِّبَانَ بهَا صَبِيّاً مُرْضَعَا |
نُظِمَتْ مَواهِبُهُ عَلَيْهِ تَمائِماً |
فاعْتادَها فإذا سَقَطْنَ تَفَزّعَا |
تَرَكَ الصّنائِعَ كالقَواطِعِ بارِقا |
تٍ والمَعاليَ كالعَوالي شُرَّعَا |
مُتَبَسّماً لعُفاتِهِ عَنْ واضِحٍ |
تَغْشَى لَوامِعُهُ البُروقَ اللُّمّعَا |
مُتَكَشّفاً لعُداتِهِ عَنْ سَطْوَةٍ |
لوْ حَكّ مَنكِبُها السّماءَ لزَعزَعَا |
الحَازِمَ اليَقِظَ الأغَرَّ العالِمَ الـ |
ـفَطِنَ الألَدّ الأرْيَحيّ الأرْوَعَا |
الكاتِبَ اللّبِقَ الخَطيبَ الواهِبَ الـ |
ـنّدُسَ اللّبيب الهِبْرِزِيّ المِصْقَعَا |
نَفْسٌ لها خُلْقُ الزّمانِ لأنّهُ |
مُفني النّفُوسِ مُفَرِّقٌ ما جَمّعَا |
ويَدٌ لهَا كَرَمُ الغَمَام لأنّهُ |
يَسقي العِمارَةَ والمكانَ البَلقَعَا |
أبَداً يُصَدّعُ شَعْبَ وَفْرٍ وافِرٍ |
ويَلُمُّ شَعْبَ مكارِمٍ مُتَصَدّعَا |
يَهْتَزّ للجَدْوَى اهْتِزازَ مُهَنّدٍ |
يَوْمَ الرّجاءِ هَزَزْتَهُ يومَ الوَغى |
يا مُغْنِياً أمَلَ الفَقيرِ لِقاؤهُ |
ودُعاؤهُ بَعْدَ الصّلاةِ إذا دَعَا |
أقْصِرْ ولَستَ بمُقْصِرٍ جُزْتَ المدى |
وبلغتَ حيثُ النّجمُ تحتكَ فارْبَعَا |
وحَلَلْتَ من شَرفِ الفَعالِ مَواضِعاً |
لم يَحْلُلِ الثّقَلانِ مِنْها مَوْضِعَا |
وحَوَيْتَ فَضْلَهُما وما طَمِعَ امرُؤٌ |
فيهِ ولا طَمِعَ امرُؤٌ أنْ يَطْمَعَا |
نَفَذَ القَضاءُ بمَا أرَدْتَ كأنّهُ |
لكَ كُلّما أزْمَعْتَ أمراً أزمَعَا |
وأطاعَكَ الدّهْرُ العَصِيُّ كأنّهُ |
عَبْدٌ إذا نادَيْتَ لَبّى مُسْرِعَا |
أكَلَتْ مَفاخِرُكَ المَفاخرَ وانْثَنَتْ |
عن شأوِهنّ مَطيُّ وَصْفي ظُلَّعَا |
وجَرَينَ جَرْيَ الشّمسِ في أفلاكِها |
فقَطَعْنَ مَغرِبَها وجُزْنَ المَطْلِعَا |
لوْ نِيطَتِ الدّنْيا بأُخْرَى مِثْلِها |
لَعَمَمْنَهَا وخَشينَ أنْ لا تَقْنَعَا |
فمَتى يُكَذَّبُ مُدّعٍ لكَ فَوْقَ ذا |
والله يَشْهَدُ أنّ حَقّاً ما ادّعَى |
ومتى يُؤدّي شَرْحَ حالِكَ ناطِقٌ |
حَفِظَ القَليلَ النّزْرَ مِمّا ضَيّعَا |
إنْ كانَ لا يُدْعَى الفَتى إلاّ كَذا |
رَجُلاً فَسَمِّ النّاسَ طُرّاً إصْبَعَا |
إنْ كانَ لا يَسْعَى لجُودٍ ماجِدٌ |
إلاّ كَذا فالغَيْثُ أبخَلُ مَن سَعَى |
قَدْ خَلّفَ العَبّاسُ غُرّتَكَ ابنَهُ |
مَرْأًى لَنا وإلى القِيامَةِ مَسْمَعَا |