وعصابة ٍ بالخيرِ ألِّف شملهم | والخيرُ أفضلُ عصبة ً ورفاقا |
جعلوا التَّعاونَ والبناية َ هَمَّهم | واستنهضوا الآدابَ والأَخلاقا |
ولقد يُداوُون الجِراح بِبرِّهم | ويقاتلون البؤسَ والإملاقا |
يسمونَ بالأدب الجديدِ ، وتارة ً | يَبْنُون للأَدبِ القديمِ رِواقا |
عَرَضَ القُعودُ فكان دون نُبوغِهِ | قَيداً، ودونَ خُطَى الشباب وِثاقا |
البلبلُ الغردُ الذي هزَّ الرُّبى | وشجى الغصونَ ، وحرَّكَ الأوراقا |
خَلَفَ البَهاءَ على القريض وكأْسِهِ | فسَقَى بعَذبِ نسيبِه العُشَّاقا |
في القيد مُمتنِعُ الخُطى ، وخياله | يَطوِي البلادَ ويَنشُر الآفاقا |
سبَّاقُ غاياتِ البيانِ جَرى بلا | ساقٍ ، فكيف إذا استرادَّ الساقا ؟ ! |
لو يطعمُ الطِّبُّ الصناعُ بيانه | أو لو يسسغُ لما يقولُ مذاقا . . . |
. . . غالي بقيمته ، فلم يصنعُ له | إلا الجَناحَ مُحلِّقاً خفَّاقا! |
أحمد شوقي
أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك هو شاعر مصري أحد أعظم شعراء العصر الحديث ولقبه أمير الشعراء ولد و توفي في القاهرة.
لبنانُ ، مجدكَ في المشارق أوَّلُ
لبنانُ ، مجدكَ في المشارق أوَّلُ | والأَرضُ رابية ٌ وأَنتَ سَنامُ |
وبنوك أَلطفُ مِن نسيمِكَ ظلُّهُمْ | وأَشمُّ مِن هَضَبَاتِك الأَحلام |
أَخرجتَهم للعالمين جَحاجِحاً | عرباً ، وأبناءُ الكريم كرامُ |
بين الرياض وبين أفقٍ زاهرٍ | طلع المسيحُ عليه والإسلام |
هذا أديبك يحتفى بوسامهِ | وبيانُه للمَشْرقَيْنِ وِسامُ |
ويُجَلُّ قدْرُ قِلادة ٍ في صدره | وله القلائدُ سمطها الإلهام |
صدرٌ حَوالَيْه الجلالُ، ومِلؤهُ | كرمٌ ، وخشية ُ مومنٍ ، وذمام |
حلاَّهُ لإحسانُ الخديو ، وطالما | حلاَّه فضلُ اللهِ والإنعام |
لِعُلاك يا مُطرانُ، أَم لنهاك، أَم | لخلالك التّشرفُ والإكرام ؟ ! |
أَم للمواقف لم يَقِفْها ضَيْغَمٌ | لولاك لا ضطربت له الأهرام ؟ ! |
هذا مقامُ القولِ فيك ، ولم يزلْ | لك في الضمائر محفلٌ ومقام |
غالي بقيمتك الأمير محمد | وسعى إليك يحفه الإعظام |
في مجمعٍ هزّ البيانُ لواءه | بك فيه، واعتزَّتْ بك الأَقلامُ |
ابنُ الملوكِ تلا الثناءَ مخلَّداً | هيهات يذهبُ للملوكِ كلام |
فمنِ البشِير لبعْلَبَكَّ وبينَها | نسبٌ تضيءُ بنوره الأيام ؟ |
يبْلَى المكينُ الفخْمُ من آثارها | يوماً ، وآثارُ الخليل قيام ! |
بني مصرَ ، ارفعوا الغار
بني مصرَ ، ارفعوا الغار | وحيُّوا بطلَ الهندِ |
وأدُّوا واجباً ، واقضوا | حقوقَ العلمِ الفرد |
أخوكم في المقاساة ِ | وعركِ الموقفِ النكدِ |
وفي التَّضْحِية ِ الكبرى | وفي المَطلبِ، والجُهد |
وفي الجرح، وفي الدمع | وفي النَّفْي من المهدِ |
وفي الرحلة للحقِّ | وفي مرحَلة ِ الوفد |
قِفوا حيُّوه من قرْبٍ | على الفلْكِ، ومن بُعد |
وغَطُّوا البَرَّ بالآس | وغَطُّوا البحرَ بالورد |
على إفريزِ راجيوتا | نَ تمثالٌ من المجد |
نبيٌّ مثلُ كونفشيو | س ، أو من ذلك العهد |
قريبُ القوْلِ والفعلِ | من المنتظَرِ المهدي |
شبيه الرسْل في الذَّوْدِ | عن الحقِّ ، وفي الزهد |
لقد عَلَّم بالحقِّ | وبالصبر ، وبالقصد |
ونادي المشرقَ الأقصى | فلبَّاه من اللحد |
وجاءَ الأَنفسَ المرْضَى | فداوَاها من الحِقد |
دعا الهندوسَ والإسلا | م للألفة ِ والوردِّ |
سحرٍ من قوى الروحِ | حَوَى السَّيْفَيْنِ في غِمد |
وسلطانٍ من النفسِ | يُقوِّي رائِض الأُسْدِ |
وتوفيقٍ منَ الله | وتيسيرٍ من السَّعد |
وحظٍّ ليس يُعطاهُ | سِوَى المخلوقِ للخلدِ |
ولا يُؤخَذ بالحَوْل | ولا الصَّولِ ، ولا الجند |
ولا بالنسل والمالِ | ولا بالكدحِ والكدِّ |
ولكن هِبة ُ المولى | – تعالى الله – للعبد |
سلامُ النيل يا غنْدِي | وهذا الزهرُ من عندي |
وإجلالٌ من الأهرا | مِ، والكرْنكِ، والبَرْدِي |
ومن مشيخة ِ الوادي | ومن أشبالهِ المردِ |
سلامٌ حالِبَ الشَّاة ِ | سلامٌ غازلَ البردِ |
ومن صدَّ عن الملح | ولم يقبل على الشُّهد |
ومَنْ يَرْكبُ ساقيْه | من الهندِ إلى السِّندِ |
سلامٌ كلَّما صلَّي | تَ عرياناً ، وفي اللِّبد |
وفي زاوية ِ السجن | وفي سلسلة ِ القيدِ |
من المائدة ِ الخضرا | ءِ خُذْ حِذْرَكَ يا غنْدِي |
ولاحظْ وَرَقَ السِّيرِ | وما في ورق اللوردِ |
وكنْ أَبرَعَ مَن يَلعَـ | ـبُ بالشَّطْرَنْجِ والنّرْد |
ولاقي العبقريِّينَ | لِقاءَ النّدِّ للنِّدّ |
وقل : هاتوا أفاعيكم | أتى الحاوي من الهند ! |
وعُدْ لم تحفِل الذَّامَ | ولم تغترَّ بالحمد |
فهذا النجمُ لا ترقى | إليه هِمَّة ُ النقدِ |
وردَّ الهندَ للأم | ـة ِ من حدٍّ إلى حَدِّ |
أَبولُّو، مَرحَباً بك يا أَبولُّو
أَبولُّو، مَرحَباً بك يا أَبولُّو | فإنك من عكاظِ الشعرِ ظل |
عكاظُ وأنتِ للبلغاءِ سوقٌ | على جَنَباتِها رحَلوا وحلُّوا |
وبنبوعٌ من الإنشادِ صافِ | صدى المتأَدِّبين به يُقَلُّ |
ومضمارٌ يسوقُ إلى القوافي | سوابقها إذا الشعراءُ قلُّوا |
يقول الشِّعرَ قائلُهم رصيناً | ويُحسِنُ حين يُكثِرُ أَو يُقِلُّ |
ولولا المحسنونَ بكلِّ أرضِ | لما ساد الشُّعُوبُ ولا استقلُّوا |
عسى تأتيننا بمعلَّقاتً | نروحُ على القديمِ بها ندلُّ |
لعلَّ مواهباً خفيتْ وضاعت | تذاعُ على يديكِ وتستغلُّ |
صحائِفُكِ المدبَّجَة ُ الحواشي | ربى الوردِ المفتَّح أو أجلُّ |
رياحينُ الرِّياضِ يملُّ منها | وريحانُ القرائحِ لا يملُّ |
يمهِّدُ عبقريُّ الشِّعر فيها | لكلِّ ذخيرة ٍ فيها محلُّ |
وليس الحقُّ بالمنقوصِ فيها | ولا الأعراضُ فيها تستحلُّ |
وليستْ بالمجالِ لنقدِ باغٍ | وراءَ يَراعِهِ حَسَدٌ وغِلُّ |
بي مثلُ ما بكِ ياقمريَّة َ الوادي
بي مثلُ ما بكِ ياقمريَّة َ الوادي | ناديتُ ليلى ، فقومي في الدُّجى نادي |
وأرسلي الشَّجوَ أسجاعاً مفصَّلة ً | أَو رَدّدِي من وراءِ الأَيْكِ إنشادي |
لاتكتمي الوجدَ ، فالجرحانِ من شجنٍ | ولا الصببابة َ ، فالدمعان من وادِ |
تذكري : هل تلاقينا على ظمإٍ ؟ | وكيف بلَّ الصَّدى ذو الغلَّة ِ الصادي |
وأَنتِ في مجلِسِ الرَّيحان لاهية ٌ | ما سِرْتِ من سامرٍ إلا إلى نادي |
تذكري قبلة ً في الشَّعرِ حائرة ً | أضلَّها فمشتْ في فرقكِ الهادي |
وقُبلة ً فوقَ خدٍّ ناعمٍ عَطِرٍ | أَبهى من الوردِ في ظلِّ النّدَى الغادي |
تذكري منظرَ الوادي ، ومجلسنا | على الغديرِ، كعُصفورَيْنِ في الوادي |
والغُصنُ يحنو علينا رِقَّة ً وجَوى ً | والماءُ في قدمينا رائحٌ غادِ |
تذكري نعماتٍ ههنا وهنا | من لحنِ شادية ٍ في الدَّوحِ أَو شادي |
تذكري موعداً جادَ الزمان به | هل طِرتُ شوقاً؟ وهل سابقتُ مِيعادي؟ |
فنلتُ ما نلتُ من سؤلٍ ، ومن أملٍ | ورحتُ لم أحصِ أفراحي وأعيادي ؟ |
يا شراعاً وراءَ دجلة َ يجري
يا شراعاً وراءَ دجلة َ يجري | في دموعي تجنبَتكَ العَوادي |
سِر على الماءِ كالمسيحِ رُويداً | واجر في اليمِّ كالشعاع الهادي |
وأْتِ قاعاً كرفرَفِ الخلدِ طِيباً | أو كفردوسهِ بشاشة َ وادي |
قفْ ، تمهَّل ، وخذ أمانا لقلبي | من عيونِ المهَا وراءَ السَّوادِ |
والنُّواسِيُّ والنَّدامَى ؛ أَمِنْهُمُ | سامرلٌ يملأُ الدُّجى أو نادِ ؟ |
خطرتْ فوقه المهارة ُ تعدو | في غُبارِ الآباءِ والأَجداد |
أمَّة ٌ تنشىء الحياة َ ، وتبني | كبِناءِ الأُبوَّة ِ الأَمجاد |
تحتَ تاجٍ من القرابة والمُلـ | ـكِ على فَرْقِ أَرْيحيٍّ جواد |
ملك الشطِّ، والفراتيْنِ، والبطـ | ـحاءِ، أَعظِمْ بِفَيْصَلٍ والبلاد |