قفْ حيِّ شبانَ الحمى | قبلَ الرحيلِ بقافِيَهْ |
عودتهمْ أمثالها | في الصالحاتِ الباقيه |
من كلِّ ذاتِ إشارة ٍ | ليستْ عليهم خافيه |
قلْ: يا شبابُ نصيحة | مما يُزَوَّدُ غاليه |
هل راعكم أن المدا | رسَ في الكنانة ِ خاوِيَه |
هجرتْ فكلٌّ خليَّة | من كلِّ شُهْدٍ خاليه |
وتعطَّلتْ هالاتُها | منكم، وكانت حاليه |
غَدَتِ السياسة ُ وَهْيَ آ | مرة عليها ناهيه |
فهجرتمو الوطنَ العز | يزَ إلى البلادِ القاصيه |
أنتمْ غداً في عالمٍ | هو والحضارة ُ ناحِيهْ |
واريتُ فيه شبيبتي | وقضيتُ فيه ثمانِيه |
ما كنتُ ذا القلبِ الغليـ | ـظِ، ولا الطباعِ الجافيه |
سيروا به تتعلموا | سرَّ الحياة ِ العاليه |
وتأملوا البنيانَ، وادَّ | كروا الجهودَ البانيه |
ذوقوا الثمارَ جنيَّة ً | وردوا المناهلَ صافيه |
واقضوا الشبابَ، فإنّ ساعته القصيرة فانيه | |
واللهِ لا حرجٌ عليـ | ـكم في حديثِ الغانيه |
أَو في اشتِهاءِ السِّحْرِ من | لَحْظِ العيونِ الساجيه |
أَو في المسارحِ فَهْيَ بالنّـ | ـفسِ اللطيقة ِ راقيه |
أحمد شوقي
أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك هو شاعر مصري أحد أعظم شعراء العصر الحديث ولقبه أمير الشعراء ولد و توفي في القاهرة.
بأرض الجيزة اجتاز الغمام
بأَرضِ الجيزة ِ اجتازَ الغَمامُ | وحلَّ سماءَها البدرُ التمام |
وزار رياضَ إسماعيلَ غيثٌ | كوالدِه له المِنَنُ الجِسام |
ثَنَى عِطْفَيْهِمَا الهرمانِ تِيهاً | وقال الثالثُ الأَدنى : سلام |
حلُمِّي مَنْفُ؛ هذا تاجُ خوفو | كقرصِ الشمسِ يعرفه الأنام |
نَمتْهُ من بني فِرعَوْنَ هامٌ | ومن خلفاء إسماعيلَ هام |
تألقَ في سمائكِ عبقرياً | عليه جلالة ٌ، وله وسام |
ترعرعَتِ الحضارة ُ في حلاهُ | وشبَّ على جواهرِه النظام |
ونال الفنُّ في أولى الليالي | وأخراهنَّ عزَّا لا يرام |
مشَى في جيزة الفُسطاط ظِلٌّ | كظلِّ النيلِ بلَّ به الأوام |
إذا ما مَسّ تُرْباً عاد مِسْكاً | ونافسَ تحته الذهبَ الرَّغام |
وإنْ هو حَلَّ أرضاً قام فيها | جِدارٌ للحضارة ِ أَو دِعام |
فمدرسة ٌ لحرب الجهل تبنى | ومستشفى يذادُ به السقام |
ودارٌ يُستَغاثُ بها فَيَمضي | إلى الإسعافِ أنجادٌ كرامُ |
أُساة ُ جِراحة ٍ حِيناً وحِيناً | مَيازيبٌ إذا انفجر الضِّرام |
وأحواضٌ يراضُ النيلُ فيها | وكلُّ نجيبة ٍ ولها لجام |
أبا الفاروقِ، أقبلنا صفوفاً | وأَنتَ من الصفوفِ هو الإمام |
طلعتَ على الصعيدِ فهشَّ حتى | علا شَفَتَيْ أَبي الهول ابتسام |
ركابٌ سارتِ الآمالُ فيه | وطافَ به التلفُّتُ والزحام |
فماذا في طريقك من كفور | أجلُّ من البيوتِ بها الرجام |
كأن الراقدين بكل قاعٍ | همُ الأيقاظُ، واليقظى النِّيام |
لقد أَزَمَ الزمانُ الناسَ، فانظُرْ | فعندكَ تفرجُ الإزمُ العظام |
وبعدَ غدٍ يفارقُ عامُ بؤسٍ | ويَخلُفه من النَّعماءِ عام |
يَدورُ بمصرَ حالاً بعدَ حالٍ | زمانٌ ما لحاليهِ دوام |
ومصرُ بناءُ جدَّكَ لم يتممْ | أليس على يديكَ له تمام؟ |
فلسنا أمة ً قعدتْ بشمسٍ | ولا بلداً بضاعتُه الكلام |
ولكنْ هِمَّة ٌ في كلِّ حينٍ | يَشُدُّ بِناءَها المَلِكُ الهُمام |
نرومُ الغاية َ القصوى ، فنمضي | وأنت على الطريقِ هو الزمام |
ونقصر خطوة ً، ونمدُّ أخرى | وتلجئنا المسافة والمرام |
ونَصبرُ للشدائدِ في مقامٍ | ويغلبنا على صبر مقام |
فقوِّ حضارة َ الماضي بأخرى | لها زَهْوٌ بِعصرِكَ واتّسامُ |
ترفُّ صحائفُ البرديِّ فيها | وينطقُ في هياكلها الرُّخام |
رَعَتك ووادياً ترعاه عنَّا | من الرحمنِ عينٌ لا تنام |
فإن يك تاجُ مصرَ لها قواماً | فمصرُ لتاجها العالي قوام |
لِتهنأ مصرُ، ولْيَهْنأ بَنوها | فبينَ الرأْسِ والجِسمِ التئام |
فتحية دنيا تدوم وصحة
فتْحِيَّة ٌ دنيا تدومُ وصِحة ٌ | تَبقى وبهجَة ُ أُمَّة ٍ وحياة |
مولايّ إنّ الشمسَ في عليائها | أنثى وكلُّ الطيبات بناتُ |
يد الملك العلوي الكريم
يَدُ الملكِ العلَويّ الكريم | على العلم هزَّت أخاه الأدبْ |
لسانُ الكنانة ِ في شكرها | وما هو إلا لسانُ العرب |
قضَتْ مِصرُ حاجتَها يا عَليُّ | ونالت ونال بنوها الأرب |
وهنَّأتُ بالرُّتبِ العبقريَّ | وهنَّأتُ بالعبقري الرُّتب |
عليُّ ، لقد لقَّبتكَ البلادُ | بآسِي الجِراحِ، ونِعْمَ اللَّقَب |
سِلاحُك من أَدواتِ الحياة ِ | وكلُّ سلاحٍ أَداة ُ العَطَب |
ولفظُكَ بِنْجٌ، ولكنَّهُ | لطيفُ الصَّبا في جفون العصب |
أَنامِلُ مِثلُ بَنانِ المسيح | أواسي الجراحِ ، مواحي النُّدب |
تعالجُ كفَّاكَ بؤسَ الحياة ِ | فكفٌّ تداوي ، وكفٌّ تهب |
ويستمسك الدَّمُ في راحَتَيْكَ | وفوقهما لا يقرُّ الذَّهب |
كأَنك للموتِ مَوْتٌ أتيح | فلم ير وجهكَ إلا هرب |
شرفاً نصيرُ ، ارفعْ جبينكَ عالياً
شرفاً نصيرُ ، ارفعْ جبينكَ عالياً | وتَلقَّ من أوطانك الإكليلا |
يَهنِيكَ ما أُعطِيتَ من إكرامِها | ومُنِحْتَ مِن عطف ابنِ إسماعيلا |
اليومَ يَومُ السَّابِقين، فكنْ فتًى | لم يبغِ من قصبِ الرِّهانِ بديلا |
وإذا جَرَيْتَ مع السوابق فاقتحِمْ | غرراً تسيل إلى المدى وحجولا |
حتى يراكَ الجمعُ أوَّلَ طالعٍ | ويَرَوْا على أَعرافِك المِنْديلا |
هذا زمانٌ لا توسُّط عنده | يَبْغِي المُغامِرُ عالياً وجليلا |
كنْ سابقاً فيه، أَو کبْقَ بِمَعْزِلٍ | ليس التوسُّطُ للنُبوغِ سبيلا |
ياقاهرَ الغربِ العتيدِ ، ملأته | بثناءِ مِصْرَ على الشفاهِ جَميلا |
قلَّبتَ فيه يداً تكاد لشدَّة ٍ | في البأْسِ ترفع في الفَضاءِ الفِيلا! |
إن الذي خلق الحديدَ وبأسه | جعل الحديد لساعديكَ ذليلا |
زَحْزَحْتَه، فتخاذلتْ أَجلادُه | وطَرحْتَه أَرضاً، فصَلَّ صَليلا |
لِمَ لا يَلِينُ لك الحديدُ ولم تزَلْ | تتلو عليه وتقرأُ التَّنزِيلا؟ |
الأَزْمَة اشْتَدَّتْ ورانَ بلاؤُها | فاصدمْ بركنك ركنها ليميلا |
شمشونُ أَنت، وقد رَستْ أَركانُها | فتَمشَّ في أَركانِها لِتَزولا |
قلْ لي نصيرُ وأنت برٌّ صادقٌ | أحملتَ إنساناً عليك ثقيلا ؟ |
أحملتَ ديناً في حياتك مرَّة ً ؟ | أحملتَ يوماً في الضُّلوعِ غليلا ؟ |
أحملتَ ظلماً من قريبٍ غادرٍ | أو كاشحٍ بالأَمسِ كان خَليلا؟ |
أحملتَ منًّا من قريبٍ مكرَّراً | والليلِ، مِنْ مُسْدٍ إليك جَميلا؟ |
أحملتَ طغيانَ اللثيمِ إذا اغتنى | أَو نال مِنْ جاهِ الأُمورِ قليلا؟ |
أحملتَ في النادي الغبيَّ إذا التقى | من سامعيه الحمدَ والتّبجيلا ؟ |
تلك الحياة ُ، وهذه أَثقالُها | وزن الحديدُ بها فعاد ضئيلا ! |
ياابنَ زيدونَ ، مرحبا
ياابنَ زيدونَ ، مرحبا | قد أطلتَ التغيُّبا |
إن ديوانَكَ الذي | ظلَّ سرًّ محجبَّا ، |
يشتكي اليتيم درُّه | ويقاسي التَّغرُّبا. . . |
. . . صار في كل بلدة ٍ | للأَلِبَّاءِ مَطْلبا |
جاءنا كاملٌ به | عربيًّا مهذَّبا |
تجدُ النَّصَّ معجبا | وترى الشَّرح أعجبا |
أنتَ في القول كلِّه | أَجْملُ الناسِ مَذهبا |
بأبي أنتَ هيكلاً | مِن فنونٍ مُركَّبا |
شاعِراً أَم مُصَوِّراً | كنتَ ، أم كنتَ مطربا ؟ |
ترسل اللحنَ كلَّه | مبدعاً فيه ، مربا |
أحسنَ الناس هاتفاً | بالغواني مشبِّبا |
ونزيلَ المتوَّج | ـينَ، النديمَ المُقرَّبا |
كم سقاهم بشعره | مِدْحَة ً أَو تَعَتُّبا |
ومن المدحِ ما جزى | وأَذاعَ المناقِبا |
وإذا الهجرُ هاجهُ | لمُعَاناته أبى |
ورآه رذيلهً | لا تماشي التأدُّبا |
ما رأَى الناسُ شاعِراً | فاضل الخُلْقِ طيِّبا |
دَسَّ للناشقين في | زَنبَقِ الشعرِ عَقربا |
جُلتَ في الخُلد جوْلة ً | هل عن الخلد مِنْ نَبا؟ |
صف لنا ما وراءه | من عيونٍ، ومن رُبَى |
ونعيمٍ ونَضرة ٍ | وظلالٍ من الصِّبا |
وصِفِ الحور موجزاً | |
قم ترى الأرضَ مثلما | كنتمو أمسِ ملعبا |
وترى العيشَ لم يزلْ | لبني الموتِ مأربا |
وترى ذَاكَ بالذي | عند هذا مُعَذَّبا |
إنَّ مروانَ عصبة ٌ | يَصنعونَ العجائبَا |
طوَّفوا الأَرض مَشرِقاً | بالأيادي ومغربا |
هالة ٌ أَطلعتْكَ في | ذِروة المجدِ كوكبا |
أَنت للفتحِ تنتمي | وكفى الفتحُ منصبا |
لستُ أَرْضَى بغيره | لك جدًّا ولا أبا |