اسكني يا جراح

اسْكُني يا جِراحْ – واسْكُتي يا شجُونْ
ماتَ عَهْدُ النُّواحْ – وزَمَانُ الجُنُونْ
وأَطَلَّ الصَّبَاحْ – مِنْ وراءِ القُرُونْ
في فِجاجِ الرَّدى – قَدْ دفنتُ الأَلمْ
ونثرتُ الدُّموعْ – لرِيَاحِ العَدَمْ
واتَّخذتُ الحَيَاةْ – معزفاً للنَّغَمْ
أَتغنَّى عليهْ – في رِحابِ الزَّمانْ
وأَذبتُ الأَسَى – في جمالِ الوُجُودْ
ودَحَوْتُ الفؤادْ – واحةً للنَّشيدْ
والضِّيا والظِّلالْ – والشَّذَى والورودْ
والهوى والشَّبابْ – والمنى والحَنانْ
اسكُني يا جراحْ – واسكُتي يا شُجونْ
ماتَ عَهْدُ النُّواحْ – وزَمَانُ الجُنُونْ
وأَطَلَّ الصَّبَاحْ – مِنْ وراءِ القُرُونْ
في فؤادي الرَّحيبْ – مَعْبَدٌ للجَمَالْ
شيَّدتْهُ الحَيَاةْ – بالرُّؤى والخَيالْ
فَتَلَوْتُ الصَّلاةْ – في خشوعِ الظِّلالْ
وحَرَقْتُ البُخُورْ – وأَضَأْتُ الشُّمُوعْ
إنَّ سِحْرَ الحَيَاةْ – خَالدٌ لا يزولْ
فَعَلامَ الشَّكَاةْ – مِنْ ظَلامٍ يَحُولْ
ثمَّ يأتي الصَّباحْ – وتَمُرُّ الفُصُولْ
سوف يأتي رَبيعْ – إن تقضَّى رَبيعْ
اسكُني يا جراحْ – واسكُتي يا شُجونْ
ماتَ عَهْدُ النُّواحْ – وزَمَانُ الجُنُونْ
وأَطَلَّ الصَّبَاحْ – مِنْ وراءِ القُرُونْ
مِنْ وراءِ الظَّلامْ – وهديرِ المياهْ
قَدْ دعاني الصَّباحْ – ورَبيعُ الحَيَاهْ
يا لهُ مِنْ دُعاءْ – هزَّ قلبي صَداهْ
لمْ يَعُدْ لي بقاءْ – فَوْقَ هذي البقاعْ
الْوَداعَ الوَداعْ – يا جِبَالَ الهُمومْ
يا ضَبابَ الأَسى – يا فِجاجَ الجحيمْ
قَدْ جرى زَوْرَقي – في الخِضَّمِ العَظيمْ
ونشرتُ القلاعْ – فالوَداعْ الوداعْ
أشعار أبو القاسم الشابي