أما يردعُ الموتُ أهلَ النهى | وَيَمْنَعُ عَنْ غَيّهِ مَنْ غَوَى |
أمَا عَالِمٌ عَارِفٌ بالزّمانِ | يروحُ ويغدو قصيرَ الخطا |
فَيَا لاهِياً، آمِناً، وَالحِمَامُ | إليهِ سريعٌ ، قريبُ المدى |
يُسَرّ بِشَيْءٍ كَأَنْ قَدْ مَضَى | و يأمنُ شيئاً كأنْ قد أتى |
إذا مَا مَرَرْتَ بِأهْلِ القُبُورِ | تيقنتَ أنكَ منهمْ غدا |
و أنَّ العزيزَ بها والذليلَ | سَوَاءٌ إذا أُسْلِمَا لِلْبِلَى |
غَرِيبَيْنِ، مَا لَهُمَا مُؤنِسٌ | وَحِيدَيْنِ، تَحْتَ طِبَاقِ الثّرَى |
فلا أملٌ غيرُ عفوِ الإلهِ | وَلا عَمَلٌ غَيْرُ مَا قَدْ مَضَى |
فَإنْ كَانَ خَيْراً فَخَيْراً تَنَالُ | و إنْ كانَ شراً فشراً يرى |
أبو فراس الحمداني
أبو فراس الحمداني و إسمه الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الربعي هو شاعر من العصر العباسي ولد في الموصل وتوفي في حمص.
كأنما تساقط الثلج
كأنما تساقطُ الـــ | ثلج بِعَيْنَيْ مَنْ رَأى |
أوراقُ وردٍ أبيضٍ | وَالنّاسُ في شَاذكُلَى |
أتزعم أنك خدن الوفاء
أتَزْعُمُ أنّكَ خِدْنُ الوَفَاءِ | وَقد حجبَ التُّرْبُ من قد حَجَبْ |
فإنْ كنتَ تصدقُ فيما تقولُ | فمتُ قبلَ موتكَ معْ منْ تحبْ |
وَإلاّ فَقَدْ صَدَقَ القَائِلُونَ | ما بينَ حيٍّ وميتٍ نسبْ |
عقيلتيَ استُلبتْ منْ يدي | و لمـَّا أبعها ولمَّـا أهبْ |
وَكُنْتُ أقِيكِ، إلى أنْ رَمَتْكِ | يَدُ الدّهرِ مِن حَيثُ لم أحتَسِبْ |
فَمَا نَفَعَتْني تُقَاتي عَلَيْكِ | وَلا صرَفتْ عَنكِ صرْفَ النُّوَبْ |
فلا سلمتْ مقلة ٌ لمْ تسحَّ | وَلا بَقِيَتْ لِمّة ٌ لَمْ تَشِبْ |
يعزُّونَ عنكِ وأينَ العزاءُ | و لكنها سنة ٌ تُستحبْ |
وَلَوْ رُدّ بِالرّزْءِ مَا تَستَحِقّ | لَمَا كَانَ لي في حَيَاة ٍ أرَبْ |
أسيف الهدى وقريع العرب
أَسَيْفُ الهُدَى ، وَقَرِيعَ العَرَبْ | علامَ الجفاءُ وفيمَ الغضب |
وَمَا بَالُ كُتْبِكَ قد أصْبَحَتْ | تنكبني معَ هذي النكبْ |
وَأنْتَ الكَرِيمُ، وَأنْتَ الحَلِيمُ | وأنْتَ العَطُوفُ، وأنْتَ الحَدِبْ |
و مازلتَ تسبقني بالجميلِ | و تنزلني بالجنابِ الخصبْ |
وَتَدْفَعُ عَن حَوْزَتيّ الخُطُوبَ، | وَتَكْشِفُ عَنْ نَاظِرَيّ الكُرَبْ |
و إنكَ للجبلُ المشمخـر | لي بَلْ لِقَوْمِكَ بَل للعَرَبْ |
عُلى ً تَسْتَفَادُ وَمَالٌ يُفَادُ، | وَعِزٌّ يُشَادُ، وَنُعْمَى تُرَبْ |
و ما غضَّ منيَ هذا الإسارُ | و لكنْ خلصتُ خلوصَ الذهبْ |
فَفِيمَ يُقَرّعُني بالخُمُولِ | مَوْلى ً به نِلتُ أعلى الرّتَبْ |
وَكانَ عَتِيداً لَدَيّ الجَوَابُ | وَلَكِنْ لِهَيْبَتِهِ لَمْ أُجِبْ |
فَأشْكَرُ ما كنتُ في ضَجْرَتي | و أني عتبتكَ فيمنْ عتبْ ! |
فَألاّ رَجَعْتَ فَأعْتَبْتَني | وَصَيّرْتَ لي وَلِقَوْلي الغَلَبْ! |
فلا تنسبنَّ إليَّ الخمولَ | أقمتُ عليكَ فلمْ أغتربْ |
وأصْبَحْتُ مِنكَ فإنْ كان فضْلٌ | وَبَيْني وَبَيْنَكَ فوق النّسَبْ! |
و ما شككتنيَ فيكَ الخطوبُ | و لا غيَّـرتني فيكَ النُّـوبْ |
و أسكنُ ما كنتُ في ضجرتي | وَأحْلَمُ مَا كُنْتُ عِنْدَ الغَضَبْ |
وَإنّ خُرَاسَانَ إنْ أنْكَرَتْ | علُايَ فقدْ عرفتها ” حلبْ “ |
وَمِنْ أينَ يُنْكِرُني الأبْعَدُونَ | أمنْ نقصِ جدٍ أمنْ نقصِ أب؟ |
ألَسْتُ وَإيّاكَ مِنْ أُسّرَة ٍ، | و بيني وبينكَ قربُ النسبْ! |
وَدادٌ تَنَاسَبُ فِيهِ الكِرَامُ، | و تربية ٍ ومحلٍ أشبْ! |
و نفسٍ تكبرُ إلا عليكَ | وَتَرْغَبُ إلاّكَ عَمّنْ رَغِبْ! |
فَلا تَعْدِلَنّ، فِدَاكَ ابنُ عَمّـــكَ | لا بلْ غلامكَ – عمَّـا يجبْ |
و أنصفْ فتاكَ فإنصافهُ | منَ الفضلِ والشرفِ المكتسبْ |
وَكُنْتَ الحَبِيبَ وَكُنْتَ القَرِيبَ | لياليَ أدعوكَ منْ عنْ كثبْ |
فلمَّـا بعدتُ بدتْ جفوة ٌ | و لاحَ منْ الأمرِ ما لا أحبْ |
فلوْ لمْ أكنْ بكَ ذا خبرة ٍ | لقلتُ : صديقكَ منْ لمْ يغبْ |
لله برد ما أشد
للهِ بردٌ مـا أشـــدَّ | ومنظرٌ ما كانَ أعجبْ |
جَاءَ الغُلامُ بِنَارِهِ | حمراءَ في جمرٍ تلهبْ |
فكأنما جُمعَ الحلـــيّ | فمُحرَقٌ مِنها وَمُذهَبْ |
ثمَّ انطفتْ فكأنها | مَا بَيْنَنَا نَدٌّ مُشَعَّبْ |
تقر دموعي بشوقي إليك
تُقِرّ دُمُوعي بِشَوْقي إلَيْكَ | و يشهدُ قلبي بطولِ الكربْ |
وإني لَمُجْتَهِدٌ في الجُحُودِ | وَلَكِنّ نَفْسِيَ تَأبَى الكَذِبْ |
وَإني عَلَيْكَ لجَارِي الدّمُوعِ | وَإني عَلَيْكَ لَصَبٌّ وَصِبْ |
و ما كنتُ أبقي على مهجتي | لَوَ أني انْتَهَيْتُ إلى مَا يَجِبْ |
و لكنْ سمحتُ لها بالبقاءِ | رَجَاءَ اللّقَاءِ عَلى مَا تُحِبْ |
و يبقي اللبيبُ لهُ عدة ً | لوقتِ الرضا في أوانِ الغضبْ |