شعري نُفَاثة صدري | إنْ جَاشَ فِيه شُعوري |
لولاه ما أنجاب عنّي | غَيْمُ الحياة ِ الخطيرِ |
ولا وجدتَ أكتئابي | ولا وجدت سروري |
بِهِ تَراني حزيناً | أبكي بدمعٍ غزيرِ |
به تراني طروباً | أجرّ ذيلَ خُبوري |
لا أنظمُ الشعرَ أرجو | به رضاءَ الأمير |
بِمِدْحَة ٍ أو رثاءٍ | تُهْدَى لربّ السريرِ |
حسْبي إذا قلتُ شعراً | أن يرتضيهِ ضَميري |
مالشعرُ إلا فضاءٌ | يَرفُّ فيه مَقالي |
فيما يَسُرُّ بلادي | وما يسرُّ المعالي |
وما يُثِيرُ شُعوري | من خافقاتِ خيالي |
لا أقرضُ الشعرَ أبغي | به اقتناصَ نَوال |
الشِّعرُ إنْ لمْ يكنْ في | جمالِهِ ذَا جَلالِ |
فإنَّما هُوَ طيفٌ | يَسْعَى بوادي الظِّلال |
يقضي الحياة َ طريداً | في ذِلّة ، واعتزال |
يا شعرُ! أنت مِلاكي | وطارِفِي، وتِلادي |
أنا إليكَ مُرادٌ | وأنتَ نِعْمَ مُرادي |
قِف، لا تَدَعْني وحيداً | ولا أدعك تنادي |
فَهَلْ وجدتَ حُساماً | يُناط دون نجادِ |
كَمْ حَطَّمَ الدَّهْرُ | ذا هِمَّة ٍ كثيرَ الرّمادِ |
ألقاه تَحْتَ نعالٍ | من ذِلَّة وحِدادِ |
رِفقاً بأَهْلِ بلادي! | يا منجنون العَوادي! |
أبو القاسم الشابي
الشاعر أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي الملقب بشاعر الخضراء, شاعر مميز من شعراء العصر الحديث, من تونس.
إن الحياة صراع
إنَّ الحياة َ صِراعٌ | فيها الضّعيفُ يُداسْ |
ما فَازَ في ماضِغيها | إلا شديدُ المراسْ |
للخِبِّ فيها شجونٌ | فَكُنْ فتى الإحتراسْ |
الكونُ كونُ شفاءٍ | الكونُ كونُ التباسْ |
الكونُ كونُ اختلاقٍ | وضجّة ٌ واختلاسْ |
السرور | والابتئاسْ |
بين النوائبِ بونٌ | للنّاس فيه مزايا |
البعضُ لم يدرِ إلا | البِلى ينادي البلايا |
والبعضُ مَا ذَاقَ منها | سوى حقيرِ الرزايا |
إنَّ الحياة َ سُبَاتٌ | سينقضي بالمنايا |
وما الرُّؤى فيهِ إلاَّ | آمالُنَا، والخَطايا |
فإن تيقّظَ كانتْ | بين الجفون بقايا |
كلُّ البلايا…جميعاً | تفْنى ويحْيا السلامْ |
والذلُّ سبُّهُ عارٍ | لا يرتضيهِ الكِرامْ |
الفجر يسطع بعد الدّ | ُجى ، ويأتي الضِّياءْ |
ويرقُدُ اللَّيْلُ قَسْراً | على مِهَادِ العَفَاءْ |
وللشّعوب حياة ٌ | حِينا وحِينا فَنَاءْ |
واليأْسُ موتٌ ولكنْ | موتٌ يثيرُ الشّقاءْ |
والجِدُّ للشَّعْبِ روحٌ | تُوحِي إليهِ الهَناءْ |
فإن تولَّتْ تصدَّت | حَيَاتُهُ لِلبَلاءْ |
قد سكرنا بحبنا واكتفَيْنا
قد سكرنا بحبنا واكتفَيْنا | يا مديرَ الكؤوس فاصرفْ كؤوسَكْ |
واسكبِ الخمرَ للعَصَافيرِ والنَّحْلِ | وَخَلِّ الثَّرى يَضُمُّ عروسَكْ |
مالنا والكؤوس، نطلبُ منها | نشوة ً والغَرامُ سِحْرٌ وسُكْرُ! |
خَلِّنا منكَ، فَالرّبيعُ لنا ساقٍ | وهذا الفضاءُ كاسٌ وخمرُ! |
نحن نحيا كالطّيرِ، في الأفُق السَّاجي | وكالنَّحْلِ، فوق غضِّ الزُّهُورِ |
لا ترى غيرَ فتنة ِ العالم الحيِّ | وأحلامِ قلبها المسحورِ… |
نحن نلهو تحتَ الظلالِ، كطفلينِ | سعيدين، في غُرورِ الطُّفولة ْ |
وعلى الصخرة ِ الجميلة ِ في الوادي | وبين المخاوفِ المجْهولَهْ |
نحن نغدو بين المروج ونُمسى | ونغنِّي مع النسيم المعنِّي |
ونناجي روحَ الطبيعة ِ في الكون | ونُصغي لِقَلْبها المتغنّي |
نحنُ مثلُ الرَبيعِ: نمشي على أرضٍ | مِنَ الزَّهرِ، والرُّؤى ، والخَيالِ |
فوقَها يرقصُ الغرامُ، ويلهو | ويغنّي، في نشوة ٍ ودلالِ |
نحن نحيا في جَنَّة ٍ مِنْ جِنَانِ السِّحْرِ | في عالمٍ بعيدٍ…،بعيدِ…، |
نحنُ في عُشِّنا الموَرَّدِ، نتلو | سُوِرِ الحُبِّ للشَّبابِ السّعيدِ |
قد تركنا الوُجودَ للنَّاس، | ـضُوا عليه الحياة َ كيفَ أرادُوا |
وذهبنا بِلبِّه، وَهْوَ رُوحٌ | وَتَركنا القُشُورَ، وَهْيَ جَمادُ |
قد سِكْرنا بحبّنا، واكتَفْينا | طفَحَ الكأسُ، فاذهَبُوا يا سُقاة ُ |
نحن نحيا فلا نريدُ مزيداً | حَسْبُنا ما مَنَحْتِنَا يا حَياة ُ |
حَسْبُنا زهرُنَا الَّذي نَتَنَشَّى | حَسْبُنا كأسُنا التي نترشّفْ |
إنَّ في ثغرِنا رحيقاً سماويَّا | وفي قلبنا ربيعاً مُفَوَّفْ |
أيُّها الدَّهْرُ، أيُّها الزَّمَنُ الجاري | إلى غيرِ وُجهة ٍ وقرارِ! |
أيُّها الكونُ! أيّها القَدَرُ الأَعمى ! | قِفُوا حيثُ أنتُمُ! أو فسيرُوا |
وَدَعُونا هنا: تُغنِّي لنا الأحْلامُ | والحبُّ، والوجودُ، الكبيرُ |
وإذا ما أبَيْتُمُ، فاحْمِلُونا | ولهيبُ الغَرامِ في شَفَتْينا |
وزهورُ الحياة ، تعبقُ بالعطرِ | وبالسِّحْرِ، والصِّبا في يديْنَا |
في سكونِ الليل لما
في سكونِ الليل لما | عانقَ الكونَ الخشُوع |
وَاخْتَفَى صَوْتُ الأَمَانِي | خَلْفَ آفَاقِ الهُجُوعْ |
رَتَّلَ الرَّعْدُ نَشِيداً | رَدَّدَتْهُ الكَائِنَاتْ |
مِثْلَ صَوْتِ الحَقِّ إنْ صَا | حَ بأعماقِ الحيَاة |
يتهَادى بضَجيجٍ | في خلاَيا الأودَيهْ |
أَمْ هِيَ القُوَّة ُ تَسْعَى | بِاعْتِسَافٍ واصْطِخَابْ |
صَوْتِهَا رُوحُ العَذَابْ؟» | |
مِثْلَ جَبَّارِ بَنِي الجِنِّ بأَقْصَى الهَاوِيَة ْ |
يا صَميمَ الحياة ِ! إنّي وَحِيدٌ
يا صَميمَ الحياة ِ! إنّي وَحِيدٌ | مُدْبجٌ، تائهٌ. فأين شروقُكْ؟ |
ضَائعٌ، ظامىء ٌ، ف | َأَيْنَ رَحِيقُكْ؟ |
يا صميمَ الحياة ِ! قد وَجَمَ النَّايُ | وغام الفضا. فأين بروقُكْ؟ |
يا صميمَ الحياة ِ! إنّي فؤادٌ | فتحت النجومُ يُصغِي مَشوقُكْ |
كُنْتُ في فجركَ، الموشَّحِ بالأحلامِ، عِطْراً، يَرِفُّ فَوْقَ وُرودِكْ | |
حالماً، ينهل الضياءَ، ويُصغي | لكَ، في نشوة ٍ بوحي نَشِيدِكْ |
ثمَّ جاءَ الدّجى ..، فَأمسيتُ أوراقاً، بداداً، من ذابلاتِ الورودِ | |
بين هولِ الدُّجى وصمتِ الوُجودِ | |
كنتُ في فجرك المغلَّف بالسِّحرِ، | فضاءَ من النّشيد الهادي |
وسحاباً من الرَّؤى ، يتهادى | في ضميرِ الآزال والآبادِ |
يا صميمَ الحياة ! كم أنا في الدُّنيا غَريبٌ أشقى بغُرْبَة ِ نفسي | |
بين قومٍ، لا يفهمونَ أناشيدَ فؤادي، ولا معاني بؤسي | |
فاحتضِنِّي، وضُمَّني لك- كالماضي- فهذا الوجودُ علَّة ُ يأسي | |
وأمانيَّ، يُغرق الدمعُ أحلاها،ويُفنى يمُّ الزّمان صداها | |
وأناشيدَ، يأكُلُ اللَّهَبُ الدّامي مَسَرَّاتِها، ويُبْقِي أَساها | |
وَوُروداً، تموت في قبضة ِ الأشْواكِ ما هذه الحياة ُ المملَّة ْ؟ | |
سأَمٌ هذهِ الحياة ِ مُعَادٌ | وصباحٌ، يكرُّ في إثرِ ليلِ |
ليتني لم أزل- كما كنت- ضوءاً، شائعاً في الوجود، غيرَ سجين! | |
سأَمٌ هذهِ الحياة ِ مُعَادٌ | وصباحٌ، يكرُّ في إثرِ ليلِ |
ليتني لم أزل- كما كنت- ضوءاً، شائعاً في الوجود، غيرَ سجين! |
أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ
أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ | ويملأُ نَفسي صَبَاحُ الأملْ |
وتنمو بصدرِي ورُودٌ، عِذابٌ | وتحنو على قلبيَ المشتعِلْ |
ويفْتِنُني فيكِ فيضُ الحياة ِ | وذاك الشّبابُ، الوديعُ، الثَّمِلْ |
ويفتنُني سِحْرُ تلك الشِّفاهِ | ترفرفُ منْ حولهنّ القُبَلْ |
فأعبُدُ فيكِ جمالَ السّماء، | ورقَة َ وَرْدِ الرَّبيعِ، الخضِلْ |
وطُهْرَ الثلوج، وسِحْرَ المروج | مُوَشَّحَة ً بشعاعِ الطَّفَلْ |
أراكِ، فأُخْلَقُ خلْقاً جديداً | كأنّيَ لم أَبْلُ حربَ الوجودْ |
ولم أحتمِلْ فيه عِبثاً، ثقيلاً | من الذِّكْريَاتِ التي لا تَبيدْ |
وأضغاثِ أيّاميَ، الغابراتِ | وفيها الشَّقيُّ، وفيها السَّعيدْ |
ويْغْمُرُ روحِي ضياءٌ، رفيقٌ | تُكَلّلهُ رَائعاتُ الورودْ |
وتُسْمُعُني هَاتِهِ الكَائِنَاتُ | رقيقَ الأغاني، وحُلْوَ النشيدْ |
وترقصُ حولِي أمانٍ، طِرابٌ | وأفراحُ عُمْرِ خَلِيٍّ، سَعيدْ |
كأنِّيَ أصبَحْتُ فوقَ البَشَرْ | وتهتزُّ مثْلَ اهتزازِ الوتَرْ |
أناملَ، لُدْناً، كرَطْب الزَّهَرْ | |
فتخطو أناشيدُ قلبيَ، سكْرَى | تغرِّدُ، تَحْتَ ظِلالِ القَمَرْ |
وتملأَني نَشْوة ٌ، لا تُحَدُّ | |
أوَدُّ بروحي عناقَ الوجودِ | بما فيه من أنفسٍ، أو شجرْ |
وليلٍ يفرُّ، وفجرٍ يكرُّ | وغَيْمٍ، يُوَشِّي رداءَ السحرْ |