يَا مَعْشَرَ النّاسِ! هَلْ لي | ممَّـا لقيتُ مجيرُ ؟ |
أصابَ غرَّة َ قلبي | هَذَا الغَزَالُ الغَرِيرُ |
فَعُمْرُ لَيْلي طَوِيلٌ، | وَعُمْرُ نَوْمِي قَصِيرُ |
أسرتَ مني فؤادي ، | يَفْدِيكَ ذَاكَ الأسِيرُ |
قصيدة أبو فراس الحمداني
قصيدة الشاعر أبو فراس الحمداني قصيدة رائعة للشاعر الكبير أبو فراس الحمداني.
سَبَقَ النّاسَ، في الهَوَى ، مَنْصُورُ
سَبَقَ النّاسَ، في الهَوَى ، مَنْصُورُ | فسواهُ مكلَّفٌ ، مغرورُ |
لحقَ العودَ ، ناعماً ، فثناهُ | و هوَ صعبٌ ، على سواهُ ، عسيرُ |
إنّ حُبّ الصِّبَا، وَإنْ طَالَ، لا يَقْـ | ـدَحُ فِيهِ، عَلى الدّهُور، دُثُورُ |
فهوَ في أضلعِ الصغيرِ صغيرٌ ، | و هوَ في أضلعِ الكبيرِ كبيرُ |
أيحلو لمن لا صبر ينجده صبر
أيحلو ، لمنْ لاَ صبرَ ينجدهُ ، صبرُ | إذا ما انقضى فكرٌ ألمَّ بهِ فكرُ |
أممعنة ً في العذلِ ، رفقاً بقلبهِ | أيحملُ ذا قلبٌ ، ولوْ أنهُ صخرُ |
عَذيرِي من اللاّئي يَلُمنَ على الهَوَى | أما في الهوى ، لو ذقنًَ طعمَ الهوى عذرُ |
أطَلْنَ عَلَيْهِ اللّوْمَ حَتى تَرَكْنَهُ | وَسَاعَتُهُ شَهْرٌ، وَلَيْلَتُهُ دَهْرُ |
و منكرة ٍ ما عاينتْ من شحوبهِ | وَلا عَجَبٌ، ما عَايَنَتهُ، وَلا نُكْرُ |
وَيُحمَدُ في العَضْبِ البِلى وهوَ قاطعٌ | ويحسنُ في الخيلِ المسمومة ِ، الضمرُ |
و قائلة ٍ : ماذا دهاكَ ـ تعجباً | فقلتُ لها : يا هذهِ أنتِ والدهرُ |
أبِالبَينِ؟ أمْ بالهَجرِ؟ أمْ بِكِلَيْهِمَا | تشاركَ ، فيما ساءني ، البينُ والهجرُ |
يُذَكّرُني نَجْداً حَبيبٌ، بأرْضِهَا، | أيا صاحبيْ نجوايَ ، هلْ ينفعُ الذكرُ |
نطاولت الكثبانُ ، بيني وبينهُ | وَبَاعَدَ، فيمَا بَيْنَنَا، البَلَدُ القَفْرُ |
مفاوزُ لا يعجزنَ صاحبَ همة ٍ | وإن عجزتْ ، عنها ، الغريرية ُ الصبرُ |
كَأنّ سَفِيناً، بينَ فَيْدٍ وَحَاجِرٍ | يحفُّ بهِ ، منْ آلِ قيعانهِ ، بحرُ |
عدانيَ عنهُ : ذودُ أعداءِ منهلٍ | كثيرٌ إلى ورادهُ النظرُ الشزرُ |
وَسُمرُ أعَادٍ، تَلمَعُ البِيضُ بَينَهمْ | وَبِيضُ أعَادٍ، في أكُفّهِمُ السُّمْرُ |
وَقَوْمٌ، مَتى مَا ألْقَهُمْ رَوِيَ القَنَا | و أرضٌ متى ما أغزها شبعَ النسرُ |
وَخَيلٌ يَلُوحُ الخَيرُ بَينَ عُيُونِهَا، | و نصلٌ ، متى ما شمتهُ نزلَ النصرُ |
إذَا مَا الفَتى أذْكَى مُغَاوَرَة َ العِدى | فكلُّ بلادٍ حلَّ ساحتها ُ ثغرُ |
و يوم ٍ، كأنَّ الأرضَ شابتْ لهولهِ | قطعتُ بخيلٍ حشوُ فرسانها صبرُ |
تَسِيرُ عَلى مِثْلِ المُلاءِ مُنَشَّراً، | وَآثَارُهَا طَرْزٌ لأطْرَافِهَا حُمْرُ |
أُشَيّعُهُ وَالدّمْعُ مِنْ شِدّة ِ الأسَى | على خدهِ نظمٌ ، وفي نحرهِ نثرُ |
وعدتُ ، وقلبي في سجافِ غبيطه ِ | ولي لفتاتٌ ، نحو هودجه، كثرُ |
و فيمنْ حوى ذاكَ الحجيجُ خريدة ٌ | لها دونَ عَطفِ السّترِ من صَوْنها سترُ |
و في الكم ِّكفٌّ يراها عديلها ، | و في الخدرِ وجهٌ ليسَ يعرفهُ الخدرُ |
فَهَلْ عَرَفاتٌ عَارِفاتٌ بِزَوْرِهَا | و هلْ شعرتْ تلكَ المشاعرُ والحجرُ |
أمَا اخضَرّ من بُطْنانِ مكّة َ ما ذَوَى | أما أعشبَ الوادي أما أنبتَ الصخرُ |
سَقَى الله قَوْماً، حَلّ رَحلُكِ فيهمُ | سحائبَ، لا قُلَّ جداها ، ولا نزرُ |
كَيْفَ السّبِيلُ إلى طَيْفٍ يُزَاوِرُهُ
كَيْفَ السّبِيلُ إلى طَيْفٍ يُزَاوِرُهُ | والنّوْمُ، في جُملَة ِ الأحبابِ، هاجرُهُ؟ |
الحبُّ آمرهُ ، والصونُ زاجرهُ ، | وَالصَّبْرُ أوّلُ مَا تَأتي أوَاخِرُهُ |
أنَا الّذي إنْ صَبَا أوْ شَفّهُ غَزَلٌ | فللعفافِ ، وللتقوى مآزرهُ |
وأشْرَفُ النّاسِ أهْلُ الحُبّ منزِلَة ً، | وَأشرَفُ الحُبّ مَا عَفّتْ سَرَائِرُهُ |
ما بالُ ليليَ لا تسري كواكبهُ ، | وَطَيْف عَزّة َ لا يَعْتَادُ زَائِرُهُ؟ |
منْ لا ينامُ ، فلا صبرٌ يؤازرهُ | و لا خيالٌ ، على شحطٍ ، يزاوره ُ |
يَا سَاهِراً، لَعِبَتْ أيْدِي الفِرَاقِ به | فالصبرُ خاذلهُ ، والدمعُ ناصرهُ |
إنَّ الحبيبَ الذي هامَ الفؤادُ بهِ ، | يَنَامُ عَن طُولِ لَيلٍ، أنتَ ساهرُهُ |
ما أنسَ لا أنسَ ، يومَ البينِ ، موقفنا | والشّوْقُ يَنهَى البُكَى عنّي وَيأمُرُهُ |
و قولها ، ودموعُ العينِ واكفة ٌ : | هَذَا الفِرَاقُ الّذِي كُنّا نُحَاذِرُهُ |
هلْ أنتِ ، يا رفقة َ العشاقِ ، مخبرتي | عنِ الخليطِ الذي زمتْ أباعرهُ ؟ |
وَهَلْ رَأيتِ، أمَامَ الحَيّ، جَارِيَة ً | كالجُؤذَرِ الفَرْدِ، تَقفُوهُ جآذِرُهُ؟ |
و أنتَ ، يا راكباً ، يزجي مطيتهُ | يَسْتَطْرِقُ الحَيَّ لَيْلاً، أوْ يَباكِرُهُ |
إذا وصلتَ فعرضْ بي وقلْ لهمُ : | هَلْ وَاعِدُ الوَعدِ يَوْمَ البَينِ ذاكِرُهُ؟ |
ما أعجبَ الحبَّ يمسي طوعَ جارية ً | في الحيِّ منْ عجزتْ عنهُ مساعرهُ |
وَيَتّقي الحَيَّ مِنْ جَاءٍ وَغَادِية ٍ | كيفَ الوصولِ إذا ما نامَ سامرهُ ؟ |
يا أيّها العاذِلُ الرّاجي إنَابَتَهُ، | و الحبُّ قدْ نشبتْ فيهِ أظافره ُ، |
لا تشغلنَّ ؛ فما تدري بحرقتهِ ، | أأنتَ عاذلهُ ؟ أمْ أنتَ عاذرهُ ؟ |
و راحلٍ أوحشَ الدنيا برحلتهِ ، | و إنْ غدا معهُ قلبي يسايرهُ |
هلْ أنتَ مبلغهُ عني بأنَّ لهُ | وداً ، تمكنَ في قلبي يجاورهُ ؟ |
و أنني منْ صفتْ منهُ سرائرهُ ، | وَصَحّ بَاطِنُهُ، مِنهُ، وَظَاهِرُهُ؟ |
وَمَا أخُوكَ الذي يَدْنُو بِهِ نَسَبٌ، | لكنْ أخوكَ الذي تصفو ضمائرهُ |
و أنني واصلٌ منْ أنتَ واصلهُ ، | و أنني هاجرٌ منْ أنتَ هاجرهُ |
و لستُ واجدَ شيءٍ أنتَ عادمهُ ، | وَلَسْتُ غَائِبَ شَيْءٍ أنْتَ حَاضِرُهُ |
وافى كتابكَ ، مطويا على نزهٍ ، | يَحَارُ سَامِعُهُ فِيهِ، وَنَاظِرُهُ |
فالعينُ ترتعُ فيما خطَّ كاتبهُ ، | و السمعُ ينعمُ فيما قالَ شاعرهُ |
فإنْ وقفتُ ، أمامَ الحيِّ أنشدهُ ، | ودَّ الخرائدُ لوْ تقنى جواهرهُ |
” أبا الحصينِ ” وخيرُ القولِ أصدقهُ ، | أنتَ الصديقُ الذي طابتْ مخابرهُ |
لَوْلا اعْتِذَارُ أخِلاّئي بِكَ انصَرَفوا | بِوَجْه خَزْيَانَ لمْ تُقْبَلْ مَعَاذِرُهُ |
أين الخَلِيلُ الذي يُرضِيكَ بَاطِنُهُ، | معَ الخطوبِ ، كما يرضيكَ ظاهرهُ ؟ |
أمّا الكِتَابُ، فَإني لَسْتُ أقْرَؤهُ | إلاّ تَبَادَرَ مِنْ دَمْعي بَوَادِرُهُ |
يجري الجمانُ ، كما يجري الجمانُ بهِ ، | وَيَنْشُرُ الدّرَّ، فَوْقَ الدّرّ، نَاثِرُهُ |
أنَا الذي لا يُصِيبُ الدّهرُ عِتْرَتَهُ، | ولا يبيتُ على خوفٍ مجاورهُ |
يُمْسِي وَكُلّ بِلادٍ حَلّهَا وَطَنٌ، | وكلُّ قومٍ ، غدا فيهمْ ، عشائرهُ |
و ما تمدُّ لهُ الأطنابُ في بلدٍ ، | إلاّ تَضَعْضَعَ بَادِيهِ وَحَاضِرُهُ |
ليَ التخيرُ ، مشتطاً ومنتصفاً ، | وللأفاضلِ ، بعدي ، ما أغادرهُ |
زاكي الأصولِ ، كريمُ النبعتينِ ؛ ومنْ | زَكَتْ أوَائِلُهُ طَابَتْ أوَاخِرُهُ |
فمنْ ” سعيدِ بنَ حمدانٍ ” ولادتهُ ، | و منْ ” عليِّ بنِ عبدِ اللهِ ” سائرهُ ! |
ألقَائِلُ، الفَاعِلُ، المَأمُونُ نَبوَتُهُ | والسيدُ الأيدُ ، الميمونُ طائرهُ |
بَنى لَنَا العِزَّ، مَرْفُوعا دَعَائِمُهُ، | وشَّيدَ المجدَ ، مشتدا ً مرائرهُ |
فَمَا فَضَائِلُنَا إلاّ فَضَائِلُهُ، | وَلا مَفَاخِرُنَا إلاّ مَفَاخِرُهُ |
لقدْ فقدتُ أبي ، طفلاً ، فكانَ أبي ، | منَ الرجالِ ، كريمُ العودِ ، ناضرهُ |
فهوَ ابنُ عمي دنيا ، حينَ أنسبهُ | لَكِنّهُ ليَ مَوْلى ً لا أُنَاكِرُهُ |
ما زالَ لي نجوة ً، مما أحاذرهُ ، | لاَ زالَ ، في نجوة ٍ ، مما يحاذرهُ |
مِنْهُ، وَعُمّرَ للإسْلاَمِ عَامِرُهُ | |
وَقَد سَمَحتُ غَداة َ البَيْنِ، مُبتَدِئاً | مِنَ الجَوَابِ، بوَعدٍ أنتَ ذاكِرُهُ |
بقيتَ ، ماغردتْ ورقُ الحمامِ ، وما | استهلَّ منْ مونقِ الوسميِّ باكرهُ |
حَتى تُبَلَّغَ أقْصى مَا تُؤمّلُهُ، | من الأمُورِ، وَتُكفَى ما تُحاذِرُهُ |
بقيتَ ، ماغردتْ ورقُ الحمامِ ، وما | استهلَّ منْ مونقِ الوسميِّ باكرهُ |
حَتى تُبَلَّغَ أقْصى مَا تُؤمّلُهُ، | من الأمُورِ، وَتُكفَى ما تُحاذِرُهُ |
و ظبيٍ غريرٍ ، في فؤادي كناسهُ
و ظبيٍ غريرٍ ، في فؤادي كناسهُ ، | إذا اكْتَنَسَ العِينُ الفَلاة َ وَحُورُهَا |
تُقِرّ لَهُ بِيضُ الظّبَاءِ وَأُدْمُهَا | و يحكيهِ ، في بعضِ الأمورِ ، غريرها |
فَمِنْ خَلْقِهِ لَبّاتُهَا وَنُحُورُهَا، | وَمِنْ خُلْقِهِ عِصْيَانُهَا وَنُفُورُهَا |
ألا مَا لِمَنْ أمْسَى يَرَاكَ وَللبَدْرِ
ألا مَا لِمَنْ أمْسَى يَرَاكَ وَللبَدْرِ، | وَمَا لمَكَانٍ أنْتَ فِيهِ وَللقَطْرِ |
تجللتَ بالتقوى ، وأفردتَ بالعلاَ ، | وَأُهّلْتَ للجُلَّى ، وَحُلّيتَ بالفَخْرِ |
وَقَلّدْتَني، لمّا ابتَدَأتَ بمَدْحَتي، | يدأ لا أوفي شكرها ، أبد الدهرِ |
فإنْ أنا لمْ أمنحكَ صدقَ مودتي | فَمَا لي إلى المَجدِ المُؤثَّلِ من عُذْرِ |
أيا بنَ الكرامِ الصيدِ ، جاءتْ كريمة ً : | ” أيا بنَ الكرامِ الصيدِ والسادة ِ الغرِّ “ |
فضلتَ بها أهلَ القريضِ ، فأصبحتْ | تَحيّة َ أهلِ البَدْوِ، مُؤنِسة َ الحَضرِ |
وَمِثْلُكَ مَعدومُ النّظِيرِ من الوَرَى | و شعركَ معدومُ الشبيهِ من الشعرِ |
كأنَّ على ألفاظهِ ، ونظامهِ | بَدَائِعَ مَا حَاكَ الرّبيعُ منَ الزّهْرِ |
تَنَفّسَ فيه الرّوْضُ فاخضَلّ بالنّدى | و هبَّ نسيمُ الروضِ يُخبرُ بالفجرِ |
إلى الله أشكُو مِنْ فِرَاقِكَ لَوْعَة َ، | طويتُ لها ، مني الضلوعَ ، على جمرِِ |
و حسرة َ مرتاحٍ إذا اشتاقَ قلبهُ ، | تَعَلّلَ بالشّكْوَى وَعَادَ إلى الصّبرِ |
فعدْ يا زمانَ القربِ ، في خيرِ عيشة ٍ ، | و أنعمَ بالٍ ، ما بدا كوكبٌ دري، |
وعشْ “يابنَ نصرٍ” ما استهلتْ غمامة ٌ ، | تَروحُ إلى عِزٍّ وَتَغدُو عَلى نَصْرِ |