أعْلى المَمالِكِ ما يُبْنى على الأسَلِ | والطّعْنُ عِندَ مُحِبّيهِنّ كالقُبَلِ |
وما تَقِرُّ سُيوفٌ في مَمالِكِها | حتى تُقَلْقَلَ دَهراً قبلُ في القُلَلِ |
مِثْلُ الأميرِ بَغَى أمراً فَقَرّبَهُ | طولُ الرّماحِ وأيدي الخيلِ والإبِلِ |
وعَزْمَةٌ بَعَثَتْهَا هِمّةٌ زُحَلٌ | من تَحتِها بمَكانِ التُّرْبِ من زُحَلِ |
على الفُراتِ أعاصِيرٌ وفي حَلَبٍ | تَوَحُّشٌ لمُلَقّى النصْرِ مُقْتَبَلِ |
تَتْلُو أسِنّتُهُ الكُتْبَ التي نَفَذَتْ | ويَجْعَلُ الخَيلَ أبدالاً مِنَ الرُّسُلِ |
يَلقى المُلوكَ فلا يَلقى سوَى جَزَرٍ | وما أعَدّوا فَلا يَلقَى سوَى نَفَلِ |
صانَ الخَليفَةُ بالأبطالِ مُهْجَتَهُ | صِيانَةَ الذَّكَرِ الهِنْدِيّ بالخِلَلِ |
الفاعِلُ الفِعْلَ لم يُفْعَلْ لِشدّتِهِ | والقائِلُ القَوْلَ لمْ يُترَكْ ولم يُقَلِ |
والباعِثُ الجَيشَ قد غالَتْ عَجاجَتُه | ضَوْءَ النّهارِ فصارَ الظُّهرُ كالطّفَلِ |
الجَوُّ أضيَقُ ما لاقاهُ ساطِعُها | ومُقْلَةُ الشّمسِ فيها أحيرُ المُقَلِ |
يَنالُ أبْعَدَ منها وهيَ ناظِرَةٌ | فَما تُقابِلُهُ إلاّ على وَجَلِ |
قد عرّضَ السّيفَ دونَ النّازِلاتِ بهِ | وظاهرَ الحزْمَ بينَ النّفسِ والغِيَلِ |
ووَكّلَ الظّنَّ بالأسرارِ فانكَشَفَتْ | لَهُ ضَمائِرُ أهلِ السّهلِ والجَبَلِ |
هُوَ الشّجاعُ يَعُدّ البُخلَ من جُبُنٍ | وهْوَ الجَوادُ يَعُدّ الجُبنَ من بَخَلِ |
يَعودُ مِنْ كلّ فَتْحٍ غيرَ مُفْتَخِرٍ | وقَدْ أغَذّ إلَيهِ غيرَ مُحْتَفِلِ |
ولا يُجيرُ عَلَيْهِ الدّهْرُ بُغْيَتَهُ | ولا تُحَصِّنُ دِرْعٌ مُهْجَةَ البَطَلِ |
إذا خَلَعْتُ على عِرْضٍ لهُ حُلَلاً | وجَدتُها مِنهُ في أبهَى منَ الحُلَلِ |
بذي الغَباوَةِ مِنْ إنْشادِها ضَرَرٌ | كمَا تُضِرّ رِياحُ الوَرْدِ بالجُعَلِ |
لَقد رَأتْ كلُّ عينٍ منكَ مالِئَها | وجَرّدَتْ خيرَ سَيفٍ خيرَةُ الدّوَلِ |
فَما تُكَشّفُكَ الأعداءُ عن مَلَلٍ | من الحُروبِ ولا الآراءُ عن زَلَلِ |
وكَمْ رِجالٍ بلا أرضٍ لكَثرَتِهِمْ | ترَكْتَ جَمْعَهُمُ أرْضاً بلا رَجُلِ |
ما زالَ طِرْفُكَ يَجري في دِمائِهِمِ | حتى مشَى بكَ مشْيَ الشّارِبِ الثَّمِلِ |
يا مَن يَسيرُ وحُكمُ النّاظرَينِ لَهُ | فيما يَراهُ وحكمُ القلبِ في الجَدَلِ |
إنّ السّعادَةَ فيما أنْتَ فاعِلُهُ | وُفّقْتَ مُرْتَحِلاً أوْ غَيرَ مُرْتَحِلِ |
أجْرِ الجِيادَ على ما كنتَ مُجرِيَها | وخُذْ بنَفْسِكَ في أخْلاقِكَ الأُولِ |
يَنْظُرْنَ مِنْ مُقَلٍ أدمَى أحِجّتَها | قَرْعُ الفَوارِسِ بالعَسّالَةِ الذُّبُلِ |
فَلا هَجَمْتَ بها إلاّ على ظَفَرٍ | وَلا وَصَلْتَ بها إلاّ إلى أمَلِ |
قصائد العصر العباسي
مجموعة من أروع قصائد العصر العباسي شعراء العصر العباسي وقصائدهم الرائعة هنا.
بنا منك فوق الرمل ما بك في الرمل
بنا منكَ فوْقَ الرّملِ ما بك في الرّملِ | وهذا الذي يُضْني كذاكَ الذي يُبلي |
كأنّكَ أبصرْتَ الذي بي وخِفْتَهُ | إذا عشتَ فاخترتَ الحِمامَ على الثُّكلِ |
تركتَ خُدودَ الغانِياتِ وفَوْقَها | دموعٌ تُذيبُ الحسن في الأعينِ النُّجلِ |
تَبُلّ الثّرَى سوداً منَ المِسكِ وحدَه | وقد قطرَتْ حُمراً على الشّعَرِ الجَثلِ |
فإنْ تَكُ في قَبرٍ فإنّكَ في الحَشَا | وإنْ تَكُ طفلاً فالأسَى ليسَ بالطفلِ |
ومِثْلُكَ لا يُبكَى على قَدْرِ سِنّهِ | ولكِنْ على قدرِ المخيلَةِ والأصْلِ |
ألَستَ منَ القَوْمِ الأُلى مِنْ رِماحِهمْ | نَداهُم ومِن قتلاهُمُ مُهجةُ البخلِ |
بمَوْلودِهِمْ صَمْتُ اللّسانِ كغَيرِهِ | ولكِنّ في أعْطافِهِ مَنطِقَ الفضْلِ |
تُسَلّيهِمِ عَلْياؤهُمْ عَن مُصابِهِمْ | ويَشغَلُهُمْ كسبُ الثّناءِ عن الشغلِ |
أقَلُّ بَلاءً بالرّزايَا مِنَ القَنَا | وأقْدَمُ بَينَ الجَحْفَلينِ من النَّبْلِ |
عَزاءَكَ سَيفَ الدّولَةِ المُقْتَدَى به | فإنّكَ نَصْلٌ والشّدائدُ للنّصلِ |
مُقيمٌ مِنَ الهَيجاءِ في كلّ مَنزِلٍ | كأنّكَ من كلّ الصّوارِمِ في أهلِ |
ولم أرَ أعصَى منكَ للحُزْنِ عَبرَةً | وأثْبَتَ عَقْلاً والقُلُوبُ بلا عَقلِ |
تَخُونُ المَنايا عَهْدَهُ في سَليلِهِ | وتَنصُرُهُ بَينَ الفَوارِسِ والرَّجْلِ |
ويَبقَى على مَرّ الحَوادِثِ صَبرُهُ | ويَبدو كمَا يَبدو الفِرِنْدُ على الصّقلِ |
ومَنْ كانَ ذا نَفسٍ كنَفسِكَ حرّةٍ | فَفيهِ لها مُغْنٍ وفيها لَهُ مُسلِ |
وما الموْتُ إلاّ سارِقٌ دَقّ شَخْصُهُ | يَصولُ بلا كَفٍّ ويَسعى بلا رِجْلِ |
يَرُدُّ أبو الشّبلِ الخَميسَ عنِ ابنِهِ | ويُسْلِمُهُ عِندَ الوِلادَةِ للنّملِ |
بنَفسي وَليدٌ عادَ مِن بَعدِ حَمْلِهِ | إلى بَطنِ أُمٍّ لا تُطرقُ بالحَمْلِ |
بَدَا ولَهُ وَعْدُ السّحابَةِ بالرِّوَى | وصَدَّ وفينا غُلّةُ البَلَدِ المَحْلِ |
وقد مَدّتِ الخَيلُ العِتاقُ عُيونَها | إلى وَقتِ تَبديلِ الرّكابِ من النّعلِ |
ورِيعَ لَهُ جَيشُ العَدوّ وما مشَى | وجاشتْ له الحرْبُ الضَّروسُ وما تغلي |
أيَفْطِمُهُ التَّوْرابُ قَبلَ فِطامِهِ | ويأكُلُهُ قبلَ البُلُوغِ إلى الأكلِ |
وقبلَ يرَى من جودِهِ ما رأيتَهُ | ويَسمَعُ فيهِ ما سمعتَ من العذلِ |
ويَلقَى كمَا تَلقَى من السّلمِ والوَغَى | ويُمسِي كمَا تُمسِي مَليكاً بلا مِثلِ |
تُوَلّيهِ أوساطَ البِلادِ رِماحُهُ | وتَمْنَعُهُ أطرافُهُنّ منَ العَزْلِ |
أنَبْكي لمَوتانا على غَيرِ رَغْبَةٍ | تَفُوتُ مِنَ الدّنْيا ولا مَوْهبٍ جَزْلِ |
إذا ما تأمّلتَ الزّمانَ وصَرْفَهُ | تيَقّنْتَ أنّ الموْتَ ضرْبٌ من القتلِ |
وما الدّهرُ أهلٌ أنْ تُؤمَّلَ عِندَهُ | حَياةٌ وأنْ يُشتاقَ فيهِ إلى النّسلِ |
لا الحلم جاد به ولا بمثاله
لا الحُلْمُ جادَ بِهِ وَلا بمِثالِهِ | لَوْلا اذّكارُ وَدَاعِهِ وزِيَالِهِ |
إنّ المُعِيدَ لَنَا المَنَامُ خَيَالَهُ | كانَتْ إعادَتُهُ خَيَالَ خَيَالِهِ |
بِتْنَا يُناوِلُنَا المُدامَ بكَفّهِ | مَنْ لَيسَ يخطُرُ أنْ نَراهُ ببالِهِ |
نجني الكَواكِبَ من قَلائِدِ جيدِهِ | ونَنالُ عينَ الشمس من خَلخالِهِ |
بِنْتُم عَنِ العَينِ القَريحَةِ فيكُمُ | وَسَكَنْتُمُ طَيَّ الفُؤادِ الوَالِهِ |
فَدَنَوْتُمُ ودُنُوّكُمْ من عِنْدِهِ | وَسَمَحتُمُ وسمَاحُكمْ من مالِهِ |
إنّي لأُبغِضُ طَيفَ من أحْبَبْتُهُ | إذْ كانَ يَهجُرُنا زَمانَ وِصَالِهِ |
مِثْلُ الصّبابَةِ والكآبَةِ وَالأسَى | فارَقْتُهُ فَحَدَثْنَ من تَرْحالِهِ |
وقَدِ استَقدتُ من الهوَى وأذَقْتُهُ | من عِفّتي ما ذُقتُ مِنْ بَلبالِهِ |
وَلقد ذَخرْتُ لكُلّ أرْضٍ ساعَةً | تَستَجفِلُ الضّرْغامَ عن أشبالِهِ |
تَلقَى الوُجوهُ بها الوُجوهَ وبَيْنَها | ضَرْبٌ يَجولُ الموْتُ في أجْوَالِهِ |
ولقد خَبأتُ مِنَ الكَلامِ سُلافَهُ | وسَقيتُ مَنْ نادَمتُ من جِرْيالِهِ |
وإذا تَعَثّرَتِ الجِيادُ بسَهْلِهِ | بَرّزْتُ غَيرَ مُعَثَّرٍ بِحبَالِهِ |
وحَكَمتُ في البَلدِ العَرَاءِ بناعجٍ | مُعتادِهِ مُجْتابِهِ مُغتالِهِ |
يَمشي كَما عَدَتِ المَطيّ وَرَاءَهُ | ويَزيدُ وَقْتَ جَمَامِها وكَلالِهِ |
وتُراعُ غَيرَ مُعَقَّلاتٍ حَوْلَهُ | فَيَفُوتُهَا مُتَجَفّلاً بعِقالِهِ |
فَغَدا النّجاحُ وراحَ في أخفَافِهِ | وَغَدَا المِراحُ وراحَ في إرْقالِهِ |
وَشرِكْتُ دوْلَةَ هاشِمٍ في سَيفِها | وشققتُ خِيس المُلكِ عن رِئبالِهِ |
عن ذا الذي حُرِمَ اللّيوثُ كَمالَه | يُنسِي الفريسَةَ خَوْفَهُ بجمالِهِ |
وَتَواضَعُ الأمَراءُ حَوْلَ سَريرِهِ | وتُري المَحَبّةَ وَهيَ من آكالِهِ |
ويُميتُ قَبلَ قِتالِهِ ويَبَشُّ قَبْـ | ـلَ نَوالِهِ ويُنيلُ قَبلَ سُؤالِهِ |
إنّ الرّياحَ إذا عَمَدْنَ لناظِرٍ | أغناهُ مُقبِلُها عَنِ اسْتِعجالِهِ |
أعطَى ومَنّ على المُلُوكِ بعَفْوِهِ | حتى تَسَاوَى النّاسُ في إفضالِهِ |
وإذا غَنُوا بعَطائِهِ عَنْ هَزّهِ | وَالَى فأغنَى أنْ يَقُولوا وَالِهِ |
وكأنّما جَدْواهُ مِنْ إكْثارِهِ | حَسَدٌ لسائِلِهِ على إقْلالِهِ |
غرَبَ النّجومُ فغُرْنَ دونَ همومه | وطَلَعنَ حينَ طَلَعنَ دونَ مَنالِهِ |
والله يُسْعِدُ كلّ يوْمٍ جَدَّهُ | ويزيدُ مِنْ أعدائِهِ في آلِهِ |
لَوْ لم تَكُنْ تَجري على أسيافِهِ | مُهَجاتُهُمْ لجَرَتْ على إقْبالِهِ |
لم يَتْرُكوا أثَراً عَلَيهِ من الوَغَى | إلاّ دِماءَهُمُ على سِرْبالِهِ |
فَلِمِثْلِهِ جَمَعَ العَرَمْرَمُ نَفْسَهُ | وبمثْلِهِ انفصَمَتْ عُرَى أقتالِهِ |
يا أيّها القَمَرُ المُباهي وَجهَهُ | لا تُكذَبَنّ فلستَ من أشكالِهِ |
وإذا طَمَى البحرُ المُحيطُ فقُلْ لَهُ | دَعْ ذا فإنّكَ عاجِزٌ عَنْ حالِهِ |
وَهبَ الذي وَرِثَ الجدودَ وما رَأى | أفعالَهُمْ لاِبنٍ بِلا أفْعَالِهِ |
حتى إذا فَنِيَ التُّرَاثُ سِوَى العُلى | قَصَدَ العُداةَ من القَنا بِطِوَالِهِ |
وَبأرْعَنٍ لَبسَ العَجاجَ إلَيهِمِ | فَوْقَ الحَديدِ وَجَرّ مِن أذيالِهِ |
فكَأنّمَا قَذِيَ النّهَارُ بنَقْعِهِ | أوْ غَضّ عَنهُ الطّرْفَ من إجلالِهِ |
الجَيشُ جيشُكَ غيرَ أنّكَ جيشهُ | في قَلْبِهِ وَيَمِينِهِ وشِمالِهِ |
تَرِدُ الطّعانَ المُرّ عَنْ فُرْسَانِهِ | وتُنازِلُ الأبطالَ عَن أبْطالِهِ |
كُلٌّ يُريدُ رِجالَهُ لحَيَاتِهِ | يا مَنْ يُريدُ حَيَاتَهُ لرِجَالِهِ |
دونَ الحَلاوَةِ في الزّمانِ مَرارَةٌ | لا تُخْتَطَى إلاّ على أهْوالِهِ |
فَلِذاكَ جاوَزَها عَليٌّ وَحْدَهُ | وَسَعَى بمُنْصُلِهِ إلى آمَالِهِ |
يؤمم ذا السيف آماله
يُؤمِّمُ ذا السّيفُ آمَالَهُ | وَلا يَفْعَلُ السّيفَ أفْعَالَهُ |
إذا سارَ في مَهْمَهٍ عَمَّهُ | وَإنْ سارَ في جَبَلٍ طَالَهُ |
وَأنْتَ بِمَا نُلْتَنَا مَالِكٌ | يُثَمرُ مِنْ مَالِهِ مَالَهُ |
كأنّكَ ما بَيْنَنَا ضَيْغَمٌ | يُرَشِّحُ للفَرْسِ أشْبَالَهُ |
أينفع في الخيمة العذل
أيَنفع في الخَيْمَةِ العُذّلُ | وَتَشْمَلُ مَن دَهرَها يَشمَلُ |
وَتَعْلُو الذي زُحَلٌ تَحْتَهُ | مُحالٌ لَعَمْرُكَ مَا تُسألُ |
فَلِمْ لا تَلُومُ الذي لامَهَا | وَمَا فَصُّ خاتَمِهِ يَذْبُلُ |
تَضِيقُ بشَخْصِكَ أرجاؤهَا | وَيَركُض في الواحِدِ الجَحفَلُ |
وَتَقصُرُ ما كُنتَ في جَوفِهَا | وَيُركَزُ فيها القَنَا الذُّبَّلُ |
وَكَيفَ تَقُومُ على راحَةٍ | كَأنّ البِحارَ لَهَا أُنْمُلُ |
فَلَيْتَ وَقَارَكَ فَرّقْتَهُ | وَحَمّلْتَ أرضَكَ مَا تَحْمِلُ |
فَصارَ الأنَامُ بِهِ سَادَةً | وَسُدْتَهُمُ بالّذي يَفْضُلُ |
رَأت لَونَ نُورِكَ في لَونِهَا | كَلَونِ الغَزَالَةِ لا يُغْسَلُ |
وَأنّ لَهَا شَرَفاً بَاذِخاً | وَأنّ الخِيامَ بِها تَخجَلُ |
فَلا تُنْكِرَنّ لَها صَرعَةً | فَمِن فَرَحِ النّفسِ ما يَقتُلُ |
وَلَو بُلّغَ النّاسُ ما بُلّغَت | لخانَتْهُمُ حَولَكَ الأرجُلُ |
وَلمّا أمَرتَ بتَطْنيبِهَا | أُشيعَ بأنّكَ لا تَرحَلُ |
فَمَا اعْتَمَدَ الله تَقْويضَهَا | وَلَكِنْ أشارَ بِما تَفْعَلُ |
وَعَرّفَ أنّكَ مِن هَمّهِ | وَأنّكَ في نَصْرِهِ تَرفُلُ |
فَمَا العَانِدُونَ وَما أثّلُوا | وَمَا الحَاسِدُونَ وما قَوّلُوا |
هُمُ يَطْلُبُونَ فَمَا أدرَكُوا | وَهُمْ يَكْذِبُونَ فمَن يَقْبَلُ |
وَهُمْ يَتَمَنّوْنَ مَا يَشْتَهُونَ | وَمِن دونِهِ جَدُّكَ المُقْبِلُ |
وَمَلْمُومَةٌ زَرَدٌ ثَوبُهَا | وَلَكِنّهُ بالقَنَا مُخْمَلُ |
يُفاجىءُ جَيْشاً بِهَا حَيْنُهُ | وَيُنْذِرُ جَيْشاً بِهَا القَسطَلُ |
جَعَلْتُكَ في القَلْبِ لي عُدّةً | لأنّكَ في اليَدِ لا تُجْعَلُ |
لَقَد رَفَعَ الله مِن دَولَةٍ | لهَا مِنْكَ يا سَيفَها مُنصُلُ |
فإن طُبِعَت قَبلَكَ المُرهَفَاتُ | فإنّكَ مِن قَبْلِها المِقْصَلُ |
وَإن جادَ قَبْلَكَ قَومٌ مَضَوا | فإنّكَ في الكَرَمِ الأوّلُ |
وَكَيْفَ تُقَصّرُ عَن غايَةٍ | وَأُمّكَ مِن لَيْثِهَا مُشْبِلُ |
وَقَد وَلَدَتْكَ فَقَالَ الوَرَى | ألم تَكُنِ الشّمسُ لا تُنْجَلُ |
فَتَبّاً لِدِينِ عَبيدِ النّجومِ | وَمَن يَدّعي أنّهَا تَعْقِلُ |
وَقَد عَرَفَتْكَ فَمَا بَالُهَا | تَراكَ تَراهَا ولا تَنْزِلُ |
وَلَو بِتُّمَا عِنْدَ قَدْرَيْكُمَا | لَبِتَّ وأعْلاكُمَا الأسْفَلُ |
أنَلْتَ عِبادَكَ مَا أمّلَت | أنَالَكَ رَبُّكَ مَا تَأمُلُ |
أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل
أجابَ دَمعي وما الدّاعي سوَى طَلَلِ | دَعَا فَلَبّاهُ قَبلَ الرَّكبِ وَالإبِلِ |
ظَلِلْتُ بَينَ أُصَيْحابي أُكَفْكِفُهُ | وَظَلّ يَسفَحُ بَينَ العُذْرِ وَالعَذَلِ |
أشكُو النّوَى ولهُمْ من عَبرَتي عجبٌ | كذاكَ كنتُ وما أشكو سوَى الكِلَلِ |
وَمَا صَبابَةُ مُشْتاقٍ على أمَلٍ | مِنَ اللّقَاءِ كمُشْتَاقٍ بلا أمَلِ |
متى تَزُرْ قَوْمَ مَنْ تَهْوَى زِيارَتَهَا | لا يُتْحِفُوكَ بغَيرِ البِيضِ وَالأسَلِ |
وَالهَجْرُ أقْتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ | أنَا الغَريقُ فَما خَوْفي منَ البَلَلِ |
مَا بالُ كُلّ فُؤادٍ في عَشيرَتِهَا | بهِ الذي بي وَما بي غَيرُ مُنتَقِلِ |
مُطاعَةُ اللّحْظِ في الألحاظِ مالِكَةٌ | لمُقْلَتَيْها عَظيمُ المُلْكِ في المُقَلِ |
تَشَبَّهُ الخَفِراتُ الآنِسَاتُ بهَا | في مَشيِهَا فيَنَلنَ الحُسنَ بالحِيَلِ |
قَدْ ذُقْتُ شِدّةَ أيّامي وَلَذّتَهَا | فَمَا حَصَلتُ على صابٍ وَلا عَسَلِ |
وَقَد أراني الشبابُ الرّوحَ في بَدَني | وَقد أراني المَشيبُ الرّوحَ في بَدَلي |
وَقَدْ طَرَقْتُ فَتَاةَ الحَيّ مُرْتَدِياً | بصاحِبٍ غَيرِ عِزْهاةٍ وَلا غَزِلِ |
فَبَاتَ بَينَ تَراقِينَا نُدَفّعُهُ | ولَيسَ يَعلَمُ بالشّكوَى وَلا القُبَلِ |
ثمّ اغْتَدَى وَبِهِ مِنْ دِرْعِهَا أثَرٌ | على ذُؤابَتِهِ وَالجَفْنِ وَالخِلَلِ |
لا أكْسِبُ الذّكرَ إلاّ مِنْ مَضارِبه | أوْ مِنْ سِنانِ أصَمِّ الكَعْبِ مُعتَدِلِ |
جادَ الأميرُ بهِ لي في مَوَاهِبِهِ | فَزانَهَا وَكَسَاني الدّرْعَ في الحُلَلِ |
وَمِنْ عَليّ بنِ عَبْدِالله مَعْرِفَتي | بحَمْلِهِ، مَنْ كَعَبدِ الله أوْ كَعَلي |
مُعطي الكواعبِ وَالجُرْدِ السّلاهبِ وَالـ | ـبيضِ القَواضِبِ وَالعَسّالَةِ الذُّبُلِ |
ضاقَ الزّمانُ وَوَجهُ الأرْض عن ملِكٍ | مِلءِ الزّمانِ ومِلءِ السّهْلِ وَالجبَلِ |
فنَحنُ في جَذَلٍ والرّومُ في وَجَلٍ | وَالبَرّ في شُغُلٍ والبَحرُ في خَجَلِ |
من تَغلِبَ الغالِبينَ النّاسَ مَنصِبُهُ | وَمِن عَديٍّ أعادي الجُبنِ وَالبَخَلِ |
وَالمَدْحُ لابنِ أبي الهَيْجاءِ تُنجِدُهُ | بالجاهِلِيّةِ عَينُ العِيّ وَالخَطَلِ |
لَيْتَ المَدائحَ تَسْتَوْفي مَنَاقِبَهُ | فَما كُلَيْبٌ وَأهْلُ الأعصُرِ الأُوَلِ |
خُذْ ما تَراهُ وَدَعْ شَيْئاً سَمِعْتَ بهِ | في طَلعَةِ البَدرِ ما يُغنيكَ عن زُحَلِ |
وَقد وَجدتَ مكانَ القَوْلِ ذا سَعَةٍ | فإنْ وَجَدْتَ لِساناً قائِلاً فَقُلِ |
إنّ الهُمَامَ الذي فَخْرُ الأنَامِ بِهِ | خيرُ السّيوفِ بكَفّيْ خيرَةِ الدّوَلِ |
تُمسِي الأمانيُّ صَرْعَى دونَ مَبْلَغه | فَمَا يَقُولُ لشيءٍ لَيتَ ذلكَ لي |
أُنْظُرْ إذا اجتَمَعَ السّيْفانِ في رَهَجٍ | إلى اختِلافِهِمَا في الخَلْقِ وَالعَمَلِ |
هذا المُعَدُّ لرَيْبِ الدّهْرِ مُنْصَلِتاً | أعَدّ هذا لرَأسِ الفارِسِ البَطَلِ |
فالعُرْبُ منهُ معَ الكُدْرِيّ طائرَةٌ | وَالرّومُ طائِرَةٌ منهُ مَعَ الحَجَلِ |
وَمَا الفِرارُ إلى الأجْبالِ مِنْ أسَدٍ | تَمشِي النّعَامُ به في معقِلِ الوَعِلِ |
جازَ الدّروبَ إلى ما خَلْفَ خَرْشَنَةٍ | وَزَالَ عَنْها وذاكَ الرّوْعُ لم يَزُلِ |
فكُلّما حَلَمَتْ عذراءُ عِندَهُمُ | فإنّمَا حَلَمَتْ بالسّبيِ وَالجَمَلِ |
إن كنتَ تَرْضَى بأنْ يعطوا الجِزَى بذلوا | منها رِضاكَ وَمَنْ للعُورِ بالحَوَلِ |
نادَيتُ مَجدَكَ في شعري وَقد صَدَرَا | يا غَيرَ مُنتَحَلٍ في غيرِ مُنتَحَلِ |
بالشّرْقِ وَالغَرْبِ أقْوامٌ نُحِبّهُمُ | فَطالِعاهُمْ وَكُونَا أبْلَغَ الرّسُلِ |
وَعَرّفَاهُمْ بأنّي في مَكارِمِهِ | أُقَلّبُ الطَّرْفَ بَينَ الخيلِ وَالخَوَلِ |
يا أيّها المُحسِنُ المَشكورُ من جهتي | وَالشكرُ من قِبَلِ الإحسانِ لا قِبَلي |
ما كانَ نَوْميَ إلاّ فَوْقَ مَعْرِفَتي | بأنّ رَأيَكَ لا يُؤتَى مِنَ الزَّلَلِ |
أقِلْ أنِلْ أقْطِعِ احملْ علِّ سلِّ أعدْ | زِدْ هشِّ بشِّ تفضّلْ أدنِ سُرَّ صِلِ |
لَعَلّ عَتْبَكَ مَحْمُودٌ عَوَاقِبُهُ | فرُبّمَا صَحّتِ الأجْسامُ بالعِلَلِ |
وَلاَ سَمِعْتُ وَلا غَيرِي بمُقْتَدِرٍ | أذَبَّ مِنكَ لزُورِ القَوْلِ عن رَجُلِ |
لأنّ حِلْمَكَ حِلْمٌ لا تَكَلَّفُهُ | ليسَ التكحّلُ في العَينَينِ كالكَحَلِ |
وَمَا ثَنَاكَ كَلامُ النّاسِ عَنْ كَرَمٍ | وَمَنْ يَسُدّ طَريقَ العارِضِ الهطِلِ |
أنتَ الجَوادُ بِلا مَنٍّ وَلا كَدَرٍ | وَلا مِطالٍ وَلا وَعْدٍ وَلا مَذَلِ |
أنتَ الشّجاعُ إذا ما لم يَطأ فَرَسٌ | غَيرَ السَّنَوّرِ وَالأشلاءِ وَالقُلَلِ |
وَرَدَّ بَعضُ القَنَا بَعضاً مُقارَعَةً | كأنّها مِنْ نُفُوسِ القَوْمِ في جَدَلِ |
لا زِلْتَ تضرِبُ من عاداكَ عن عُرُضٍ | بعاجِلِ النّصرِ في مُستأخِرِ الأجَلِ |