قَد بَلَغْتَ الذي أرَدْتَ منَ البِرِّ | ومِنْ حَقِّ ذا الشّريفِ عَلَيكَا |
وإذا لمْ تَسِرْ إلى الدّارِ في وَقْـ | ـتِكَ ذا خِفْتُ أنْ تَسيرَ إلَيكَا |
قصائد العصر العباسي
مجموعة من أروع قصائد العصر العباسي شعراء العصر العباسي وقصائدهم الرائعة هنا.
لئن كان أحسن في وصفها
لَئِنْ كانَ أحْسَنَ في وَصفِها | لقد فاتَهُ الحسنُ في الوَصْفِ لكْ |
لأنّكَ بَحْرٌ وإنّ البِحارَ | لتأنَفُ مِنْ حالِ هذي البِرَكْ |
كأنّكَ سَيْفُكَ لا ما مَلَكْـ | ـتَ يَبْقَى لَدَيْكَ ولا ما مَلَكْ |
فأكْثَرُ من جَرْيها ما وَهَبْتَ | وأكْثَرُ مِنْ مائِها ما سَفَكْ |
أسأتَ وأحْسَنْتَ عَن قُدْرَةٍ | ودُرْتَ على النّاسِ دَوْرَ الفَلَكْ |
فدى لك من يقصر عن مداكا
فِدًى لكَ مَن يُقَصّرُ عَن مَداكا | فَلا مَلِكٌ إذَنْ إلاّ فَدَاكَا |
وَلَوْ قُلْنا فِدًى لكَ مَن يُساوي | دَعَوْنَا بالبَقَاءِ لِمَنْ قَلاكَا |
وَآمَنّا فِداءَكَ كُلَّ نَفْسٍ | وَلَوْ كانَتْ لمَمْلَكَةٍ مِلاكَا |
وَمَنْ يَظَّنُّ نَثْرَ الحَبّ جُوداً | وَيَنصِبُ تحتَ ما نَثَرَ الشِّباكَا |
وَمَنْ بَلَغَ الحَضِيضَ بهِ كَرَاهُ | وَإنْ بَلَغَتْ بهِ الحالُ السُّكاكَا |
فَلَوْ كانَتْ قُلُوبُهُمُ صَديقاً | لَقَدْ كانَتْ خَلائِقُهُمْ عِداكَا |
لأنّكَ مُبْغِضٌ حَسَباً نَحِيفاً | إذا أبْصَرْتَ دُنْيَاهُ ضِنَاكَا |
أرُوحُ وَقد خَتَمتَ على فُؤادي | بحُبّكَ أنْ يحِلّ بهِ سِوَاكَا |
وَقَد حَمّلْتَني شُكْراً طَوِيلاً | ثَقِيلاً لا أُطيقُ بِهِ حَرَاكَا |
أُحاذِرُ أن يَشُقّ عَلى المَطَايَا | فَلا تَمْشِي بِنَا إلاّ سِواكَا |
لَعَلّ الله يَجْعَلُهُ رَحِيلاً | يُعِينُ على الإقامَةِ في ذَرَاكَا |
فلوْ أنّي استَطَعتُ خفَضْتُ طرْفي | فَلَمْ أُبْصِرْ به حتى أرَاكَا |
وَكَيفَ الصّبرُ عَنكَ وَقد كَفَاني | نَداكَ المُسْتَفيضُ وَما كَفَاكَا |
أتَترُكُني وَعَينُ الشّمسِ نَعلي | فتَقْطَعَ مَشيَتي فيهَا الشِّرَاكَا |
أرَى أسَفي وَمَا سِرْنا شَديداً | فكَيفَ إذا غَدا السّيرُ ابترَاكَا |
وَهَذا الشّوْقُ قَبلَ البَينِ سَيفٌ | وَهَا أنا ما ضُرِبتُ وَقد أحَاكَا |
إذا التّوْديعُ أعرَضَ قالَ قَلبي | عليكَ الصّمتَ لا صاحَبتَ فاكَا |
وَلَوْلا أنّ أكْثَرَ مَا تَمَنّى | مُعاوَدَةٌ لَقُلتُ: وَلا مُنَاكَا |
إذا اسْتَشْفَيْتَ مِنْ داءٍ بِداءٍ | فأقتَلُ مَا أعَلّكَ ما شَفَاكَا |
فأستُرُ مِنكَ نَجْوَانَا وَأُخْفي | هُمُوماً قَد أطَلْتُ لَها العِرَاكَا |
إذا عاصَيْتُهَا كانَتْ شِداداً | وَإنْ طاوَعْتُها كانَتْ رِكَاكَا |
وَكمْ دونَ الثّوِيّةِ مِنْ حَزِينٍ | يَقُولُ لَهُ قُدومي ذا بِذاكَا |
وَمِنْ عَذْبِ الرُّضَابِ إذا أنَخْنَا | يُقَبّلُ رَحْلَ تُرْوَكَ وَالوِرَاكَا |
يُحَرِّمُ أنْ يَمَسّ الطّيبَ بَعدي | وَقد عَبِقَ العَبِيرُ بِهِ وَصَاكَا |
وَيَمْنَعُ ثَغْرَهُ مِنْ كلّ صَبٍّ | وَيَمْنَحُهُ البَشَامَةَ وَالأرَاكَا |
يُحَدّثُ مُقْلَتَيْهِ النّوْمُ عَنّي | فَلَيتَ النّوْمَ حَدّثَ عن نَداكَا |
وَأنّ البُخْتَ لا يُعْرِقْنَ إلاّ | وَقد أنضَى العُذافِرَةَ اللِّكَاكَا |
وَمَا أرْضَى لمُقْلَتِهِ بِحُلْمٍ | إذا انْتَبَهَتْ تَوَهَّمَهُ ابتِشاكَا |
وَلا إلاّ بأنْ يُصغي وَأحْكي | فَلَيْتَكَ لا يُتَيّمُهُ هَوَاكَا |
وكم طَرِبِ المَسامعِ ليس يَدري | أيَعْجَبُ مِنْ ثَنَائي أمْ عُلاكَا |
وَذاكَ النّشرُ عِرْضُكَ كانَ مِسكاً | وَهَذا الشّعْرُ فِهْرِي وَالمَداكَا |
فَلا تَحمَدْهُما وَاحْمَدْ هُماماً | إذا لم يُسْمِ حَامِدُهُ عَنَاكَا |
أغَرَّ لَهُ شَمَائِلُ مِنْ أبِيهِ | غَداً يَلْقَى بَنُوكَ بهَا أبَاكَا |
وَفي الأحبابِ مُخْتَصٌّ بوَجْدٍ | وَآخَرُ يَدّعي مَعَهُ اشْتِرَاكَا |
إذا اشْتَبَهَتْ دُموعٌ في خُدودٍ | تَبَيّنَ مَنْ بَكَى مِمّنْ تَباكَى |
أذَمّتْ مَكْرُماتُ أبي شُجاعٍ | لعَيْني مِنْ نَوَايَ عَلى أُلاكَا |
فَزُلْ يا بُعْدُ عَنْ أيدي رِكَابٍ | لهَا وَقْعُ الأسِنّةِ في حَشَاكَا |
وَأنّى شِئْتِ يا طُرُقي فَكُوني | أذَاةً أوْ نَجَاةً أوْ هَلاكَا |
فلَوْ سِرْنَا وَفي تِشرِينَ خَمْسٌ | رأوْني قَبلَ أنْ يَرَوُا السِّماكَا |
يُشَرِّدُ يُمْنُ فَنّاخُسْرَ عَنّي | قَنَا الأعْداءِ وَالطّعْنَ الدِّرَاكَا |
وَألْبَسُ مِنْ رِضَاهُ في طَريقي | سِلاحاً يَذعَرُ الأعْداءَ شَاكَا |
وَمَنْ أعتَاضُ منكَ إذا افْتَرَقْنَا | وَكلُّ النّاسِ زُورٌ ما خَلاكَا |
وَمَا أنَا غَيرُ سَهْمٍ في هَوَاءٍ | يَعُودُ وَلم يَجِدْ فِيهِ امتِساكَا |
حَيِيٌّ مِنْ إل?هي أنْ يَرَاني | وَقَد فارَقْتُ دارَكَ وَاصْطَفَاكَا |
رويدك أيها الملك الجليل
رُوَيْدَكَ أيّها المَلِكُ الجَليلُ | تَأنّ وعُدَّهُ ممّا تُنيلُ |
وجُودَكَ بالمُقامِ ولَوْ قَليلاً | فَما فيما تَجُودُ بهِ قَليلُ |
لأِكْبُتَ حاسِداً وأرَى عَدُوّاً | كأنّهُما وَداعُكَ والرّحيلُ |
ويَهْدَأ ذا السّحابُ فقد شكَكنا | أتَغلِبُ أمْ حَياهُ لَكُم قَبيلُ |
وكنتُ أعيبُ عَذْلاً في سَماحٍ | فَها أنَا في السّماحِ لَهُ عَذولُ |
وما أخشَى نُبُوّكَ عَنْ طَريقٍ | وسَيفُ الدّوْلَةِ الماضي الصّقيلُ |
وكلُّ شَواةِ غِطْريفٍ تَمَنّى | لسَيرِكَ أنّ مَفرِقَها السّبيلُ |
ومِثْلِ العَمْقِ مَمْلُوءٍ دِماءً | جَرَتْ بكَ في مجاريهِ الخُيُولُ |
إذا اعتادَ الفَتى خوْضَ المَنايا | فأهْوَنُ ما يَمُرّ بهِ الوُحُولُ |
ومَن أمَرَ الحُصُونَ فَما عَصَتْه | أطاعَتْهُ الحُزُونَةُ والسّهُولُ |
أتَخْفِرُ كُلَّ مَنْ رَمَتِ اللّيالي | وتُنشرُ كلَّ مَن دَفنَ الخُمولُ |
ونَدعوكَ الحُسامَ وهَلْ حُسامٌ | يَعيشُ بهِ مِنَ المَوْتِ القَتيلُ |
وما للسّيفِ إلاّ القَطْعَ فِعْلٌ | وأنْتَ القاطعُ البَرُّ الوَصُولُ |
وأنْتَ الفارِسُ القَوّالُ صَبْراً | وقَد فَنيَ التكلّمُ والصّهيلُ |
يَحيدُ الرّمحُ عنكَ وفيهِ قَصْدٌ | ويَقصُرُ أنْ يَنالَ وفيهِ طُولُ |
فلَوْ قَدَرَ السّنانُ على لِسانٍ | لَقالَ لكَ السّنانُ كما أقولُ |
ولوْ جازَ الخُلودُ خَلَدتَ فَرْداً | ولكِنْ ليسَ للدّنْيا خَليلُ |
نعد المشرفية والعوالي
نُعِدّ المَشرَفيّةَ والعَوالي | وتَقْتُلُنا المَنُونُ بِلا قِتالِ |
ونَرْتَبِطُ السّوابِقَ مُقرَباتٍ | وما يُنْجينَ مِنْ خبَبِ اللّيالي |
ومَنْ لم يَعشَقِ الدّنيا قَديماً | ولكِنْ لا سَبيلَ إلى الوِصالِ |
نَصيبُكَ في حَياتِكَ من حَبيبٍ | نَصيبُكَ في مَنامِكَ من خيَالِ |
رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى | فُؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ |
فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهامٌ | تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ |
وهانَ فَما أُبالي بالرّزايا | لأنّي ما انْتَفَعتُ بأنْ أُبالي |
وهَذا أوّلُ النّاعينَ طُرّاً | لأوّلِ مَيْتَةٍ في ذا الجَلالِ |
كأنّ المَوْتَ لم يَفْجَعْ بنَفْسٍ | ولم يَخْطُرْ لمَخلُوقٍ بِبالِ |
صَلاةُ الله خالِقِنا حَنُوطٌ | على الوَجْهِ المُكَفَّنِ بالجَمَالِ |
على المَدْفونِ قَبلَ التُّرْبِ صَوْناً | وقَبلَ اللّحدِ في كَرَمِ الخِلالِ |
فإنّ لهُ ببَطْنِ الأرْضِ شَخْصاً | جَديداً ذِكْرُناهُ وهْوَ بَالِ |
أطابَ النّفسَ أنّكِ مُتِّ مَوْتاً | تَمَنّتْهُ البَوَاقي والخَوَالي |
وزُلْتِ ولم تَرَيْ يَوْماً كَريهاً | تُسَرّ النّفسُ فيهِ بالزّوالِ |
رِواقُ العِزّ فَوْقَكِ مُسْبَطِرٌّ | ومُلْكُ عَليٍّ ابنِكِ في كمَالِ |
سَقَى مَثْواكِ غادٍ في الغَوادي | نَظيرُ نَوَالِ كَفّكِ في النّوالِ |
لِساحبهِ على الأجداثِ حَفْشٌ | كأيدي الخَيلِ أبصَرتِ المَخالي |
أُسائِلُ عَنكِ بعدَكِ كلّ مَجدٍ | وما عَهدي بمَجدٍ عَنكِ خالِ |
يَمُرّ بقَبرِكِ العافي فيَبكي | ويَشغَلُهُ البُكاءُ عَنِ السّؤالِ |
وما أهداكِ لِلْجَدْوَى عَلَيْهِ | لَوَ انّكِ تَقدِرينَ على فَعَالِ |
بعَيشِكِ هلْ سَلَوْتِ فإنّ قَلبي | وإنْ جانَبْتُ أرْضَكِ غيرُ سالِ |
نَزَلْتِ على الكَراهَةِ في مَكانٍ | بَعُدْتِ عنِ النُّعامى والشَّمالِ |
تُحَجّبُ عنكِ رائحَةُ الخُزامَى | وتُمْنَعُ منكِ أنْداءُ الطِّلالِ |
بدارٍ كلّ ساكِنِها غَريبٌ | بَعيدُ الدّارِ مُنْبَتُّ الحِبالِ |
حَصانٌ مثلُ ماءِ المُزْنِ فيهِ | كَتُومُ السّرّ صادِقَةُ المَقالِ |
يُعَلّلُها نِطاسِيُّ الشّكايَا | وواحِدُها نِطاسِيُّ المَعَالي |
إذا وَصَفُوا لهُ داءً بثَغْرٍ | سَقاهُ أسِنّةَ الأسَلِ الطِّوالِ |
ولَيسَتْ كالإناثِ ولا اللّواتي | تُعَدّ لها القُبورُ منَ الحِجالِ |
ولا مَنْ في جَنازَتِها تِجارٌ | يكونُ وَداعُها نَفضَ النّعالِ |
مَشَى الأمَراءُ حَوْلَيها حُفاةً | كأنّ المَرْوَ من زِفِّ الرّئَالِ |
وأبْرَزَتِ الخُدورُ مُخَبّآتٍ | يَضَعْنَ النِّقْسَ أمكِنَةَ الغَوالي |
أتَتْهُنّ المُصيبَةُ غافِلاتٍ | فدَمْعُ الحُزْنِ في دَمعِ الدّلالِ |
ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا | لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ |
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ | ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ |
وأفجَعُ مَنْ فَقَدْنا مَن وَجَدْنا | قُبَيلَ الفَقْدِ مَفْقُودَ المِثالِ |
يُدَفِّنُ بَعْضُنا بَعضاً وتَمْشِي | أواخِرُنا على هامِ الأوالي |
وكَمْ عَيْنٍ مُقَبّلَةِ النّواحي | كَحيلٌ بالجَنادِلِ والرّمالِ |
ومُغْضٍ كانَ لا يُغْضِي لخَطبٍ | وبالٍ كانَ يَفكُرُ في الهُزالِ |
أسَيْفَ الدّوْلَةِ اسْتَنجِدْ بصَبرٍ | وكيفَ بمِثْلِ صَبرِكَ للجِبالِ |
وأنتَ تُعَلّمُ النّاسَ التّعَزّي | وخوْضَ الموْتِ في الحرْبِ السِّجالِ |
وحالاتُ الزّمانِ عَلَيكَ شتى | وحالُكَ واحدٌ في كلّ حالِ |
فلا غِيضَتْ بحارُكَ يا جَمُوماً | على عَلَلِ الغَرائبِ والدِّخالِ |
رأيتُكَ في الّذينَ أرَى مُلُوكاً | كأنّكَ مُسْتَقيمٌ في مُحالِ |
فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنْتَ مِنهُمْ | فإنّ المسكَ بَعضُ دَمِ الغزالِ |
إلام طماعية العاذل
إلامَ طَماعِيَةُ العاذِلِ | ولا رأيَ في الحُبّ للعاقِلِ |
يُرادُ مِنَ القَلْبِ نِسْيانُكُمْ | وتأبَى الطّباعُ على النّاقِلِ |
وإنّي لأعْشَقُ مِنْ أجْلِكُمْ | نُحُولي وكلَّ امرىءٍ ناحِلِ |
ولَوْ زُلْتُمُ ثُمّ لمْ أبْكِكُمْ | بكَيْتُ على حُبّيَ الزّائِلِ |
أيُنكِرُ خَدّي دُموعي وقَدْ | جرَتْ منهُ في مَسلَكٍ سابِلِ |
أأوّلُ دَمْعٍ جرَى فَوْقَهُ | وأوّلُ حُزْنٍ على راحِلِ |
وهَبْتُ السّلُوّ لِمَنْ لامَني | وبِتُّ منَ الشّوْقِ في شاغِلِ |
كأنّ الجُفُونَ على مُقلَتي | ثِيابٌ شُقِقْنَ على ثاكِلِ |
ولوْ كنتُ في أسرِ غَيرِ الهَوَى | ضَمِنْتُ ضَمانَ أبي وائِلِ |
فَدَى نَفسَهُ بضَمانِ النُّضارِ | وأعطَى صُدورَ القَنَا الذّابِلِ |
ومَنّاهُمُ الخَيْلَ مَجْنُوبَةً | فَجِئْنَ بكُلّ فَتًى باسِلِ |
كأنّ خَلاصَ أبي وائِلٍ | مُعاوَدَةُ القَمَرِ الآفِلِ |
دَعا فسَمِعتَ وكمْ ساكِتٍ | على البُعدِ عِندَكَ كالقائِلِ |
فَلَبّيْتَهُ بِكَ في جَحْفَلٍ | لَهُ ضامِنٍ وبِهِ كافِلِ |
خَرَجنَ منَ النّقْعِ في عارِضٍ | ومنْ عرَقِ الرّكضِ في وابِلِ |
فَلَمّا نَشِفْنَ لَقِينَ السِّياطَ | بمِثْلِ صَفَا البَلَدِ الماحِلِ |
شَفَنَّ لخَمْسٍ إلى مَنْ طَلَبنَ | قُبَيْلَ الشُّفُونِ إلى نازِلِ |
فَدانَتْ مَرافِقُهُنّ الثّرَى | على ثِقَةٍ بالدّمِ الغاسِلِ |
وما بَينَ كاذَتَيِ المُسْتَغِيرِ | كمَا بَينَ كاذَتَيِ البائِلِ |
فَلُقِّينَ كُلَّ رُدَيْنِيّةٍ | ومَصبُوحَةٍ لَبَنَ الشّائِلِ |
وجَيشَ إمَامٍ على ناقَةٍ | صَحيحِ الإمامَةِ في الباطِلِ |
فأقْبَلْنَ يَنْحَزْنَ قُدّامَهُ | نَوافِرَ كالنّحْلِ والعاسِلِ |
فلَمّا بدَوْتَ لأصْحابِهِ | رَأت أُسْدُها آكِلَ الآكِلِ |
بضَرْبٍ يَعُمّهُمُ جائِرٍ | لَهُ فيهِمِ قِسمَةُ العادِلِ |
وطَعْنٍ يُجَمِّعُ شُذّانَهُمْ | كمَا اجتَمَعَتْ دِرّةُ الحافِلِ |
إذا ما نَظَرْتَ إلى فارِسٍ | تَحَيّرَ عَنْ مَذْهَبِ الرّاجِلِ |
فظَلّ يُخَضِّبُ مِنها اللّحَى | فَتًى لا يُعيدُ على النّاصِلِ |
ولا يَسْتَغيثُ إلى ناصِرٍ | ولا يَتَضَعْضَعُ مِنْ خاذِلِ |
ولا يَزَعُ الطِّرْفَ عَنْ مُقدَمٍ | ولا يرْجعُ الطَّرْفَ عنْ هائِلِ |
إذا طَلَبَ التَّبْلَ لم يَشْأهُ | وإنْ كانَ دَيْناً على ماطِلِ |
خُذُوا ما أتاكمْ بهِ واعذِرُوا | فإنّ الغَنيمَةَ في العاجِلِ |
وإنْ كانَ أعجَبَكُم عامُكُمْ | فعُودوا إلى حِمْصَ في القابِلِ |
فإنّ الحُسامَ الخَضيبَ الذي | قُتِلْتُمْ بهِ في يَدِ القاتِلِ |
يَجودُ بمِثْلِ الذي رُمْتُمُ | فلَمْ تُدْرِكوهُ على السّائلِ |
أمامَ الكَتيبَةِ تُزْهَى بِهِ | مَكانَ السّنانِ منَ العامِلِ |
وإنّي لأعْجَبُ مِنْ آمِلٍ | قِتالاً بكُمٍّ على بازِلِ |
أقالَ لَهُ الله لا تَلْقَهُمْ | بماضٍ على فَرَسٍ حائِلِ |
إذا ما ضرَبْتَ بهِ هامَةً | بَراها وغَنّاكَ في الكاهِلِ |
ولَيسَ بأوّلِ ذي هِمّةٍ | دَعَتْهُ لِمَا لَيسَ بالنّائِلِ |
يُشَمّرُ لِلُّجِّ عَنْ ساقِهِ | ويَغْمُرُهُ المَوْجُ في السّاحِلِ |
أمَا للخِلافَةِ مِنْ مُشْفِقٍ | على سَيفِ دَوْلَتِها الفاصِلِ |
يَقُدّ عِداها بِلا ضارِبٍ | ويَسْري إلَيهِمْ بِلا حامِلِ |
ترَكْتَ جَماجِمَهمْ في النَّقَا | وما يَتَحَصّلْنَ للنّاخِلِ |
وأنْبَتَّ مِنْهُمْ رَبيعَ السّباعِ | فأثْنَتْ بإحسانِكَ الشّامِلِ |
وعُدْتَ إلى حَلَبٍ ظافِراً | كَعَوْدِ الحُليّ إلى العاطِلِ |
ومِثْلُ الذي دُسْتَهُ حافِياً | يُؤثّرُ في قَدَمِ النّاعِلِ |
وكَمْ لَكَ مِنْ خَبَرٍ شائعٍ | لَهُ شِيَةُ الأبْلَقِ الجائِلِ |
ويَوْمٍ شَرابُ بَنيهِ الرّدَى | بَغيضِ الحُضورِ إلى الواغِلِ |
تَفُكّ العُناةَ وتُغْني العُفاةَ | وتَغفِرُ للمُذْنِبِ الجاهِلِ |
فَهَنّأكَ النّصْرَ مُعْطيكَهُ | وأرْضاهُ سَعْيُكَ في الآجِلِ |
فَذي الدّارُ أخونُ من مُومِسٍ | وأخدَعُ مِن كَفّةِ الحابِلِ |
تَفَانَى الرّجالُ على حُبّها | وما يَحْصُلُونَ على طائِلِ |