من الجاذر في زي الأعاريب

مَنِ الجآذِرُ في زِيّ الأعَارِيبِ حُمْرَ الحِلَى وَالمَطَايَا وَالجَلابيبِ
إنْ كُنتَ تَسألُ شَكّاً في مَعارِفِها فمَنْ بَلاكَ بتَسهيدٍ وَتَعذيبِ
لا تَجْزِني بضَنًى بي بَعْدَهَا بَقَرٌ تَجزي دُموعيَ مَسكوباً بمسكُوبِ
سَوَائِرٌ رُبّمَا سارَتْ هَوَادِجُهَا مَنيعَةً بَينَ مَطْعُونٍ وَمَضرُوبِ
وَرُبّمَا وَخَدَتْ أيْدي المَطيّ بهَا على نَجيعٍ مِنَ الفُرْسانِ مَصْبوبِ
كمْ زَوْرَةٍ لَكَ في الأعرابِ خافِيَةٍ أدهى وَقَد رَقَدوا مِن زَوْرَةِ الذيبِ
أزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللّيْلِ يَشفَعُ لي وَأنثَني وَبَيَاضُ الصّبحِ يُغري بي
قد وَافقوا الوَحشَ في سُكنى مَراتِعِها وَخالَفُوها بتَقْوِيضٍ وَتَطنيبِ
جِيرانُها وَهُمُ شَرُّ الجِوارِ لهَا وَصَحبُهَا وَهُمُ شَرُّ الأصاحيبِ
فُؤادُ كُلّ مُحِبٍّ في بُيُوتِهِمِ وَمَالُ كُلِّ أخيذِ المَالِ مَحرُوبِ
ما أوْجُهُ الحَضَرِ المُسْتَحسَناتُ بهِ كأوْجُهِ البَدَوِيّاتِ الرّعَابيبِ
حُسْنُ الحِضارَةِ مَجلُوبٌ بتَطْرِيَةٍ وَفي البِداوَةِ حُسنٌ غيرُ مَجلوبِ
أينَ المَعيزُ مِنَ الآرَامِ نَاظِرَةً وَغَيرَ ناظِرَةٍ في الحُسنِ وَالطّيبِ
أفدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا مَضْغَ الكلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ
وَلا بَرَزْنَ مِنَ الحَمّامِ مَاثِلَةً أوراكُهُنَّ صَقيلاتِ العَرَاقيبِ
وَمِنْ هَوَى كلّ مَن ليستْ مُمَوِّهَةً ترَكْتُ لَوْنَ مَشيبي غيرَ مَخضُوبِ
وَمِن هَوَى الصّدقِ في قَوْلي وَعادَتِهِ رَغِبْتُ عن شَعَرٍ في الرّأس مكذوبِ
لَيتَ الحَوَادِثَ باعَتني الذي أخذَتْ مني بحِلمي الذي أعطَتْ وَتَجرِيبي
فَمَا الحَداثَةُ من حِلْمٍ بمَانِعَةٍ قد يُوجَدُ الحِلمُ في الشبّانِ وَالشِّيبِ
تَرَعْرَعَ المَلِكُ الأستاذُ مُكْتَهِلاً قَبلَ اكتِهالٍ أديباً قَبلَ تأديبِ
مُجَرَّباً فَهَماً من قَبْلِ تَجْرِبَةٍ مُهَذَّباً كَرَماً مِنْ غيرِ تَهذيبِ
حتى أصَابَ منَ الدّنْيا نِهايَتَهَا وَهَمُّهُ في ابْتِداءاتٍ وَتَشبيبِ
يُدَبّرُ المُلْكَ منْ مِصرٍ إلى عَدَنٍ إلى العِراقِ فأرْضِ الرّومِ فالنُّوبِ
إذا أتَتْهَا الرّياحُ النُّكْبُ منْ بَلَدٍ فَمَا تَهُبُّ بِهَا إلاّ بتَرْتِيبِ
وَلا تُجاوِزُها شَمسٌ إذا شَرَقَتْ إلاّ وَمِنْهُ لهَا إذْنٌ بتَغْرِيبِ
يُصَرّفُ الأمْرَ فيها طِينُ خاتَمِهِ وَلَوْ تَطَلّسَ مِنهُ كلُّ مكتُوبِ
يَحُطّ كُلَّ طَوِيلِ الرّمْحِ حامِلُهُ من سرْجِ كلّ طَوِيلِ الباعِ يَعبوبِ
كَأنّ كُلّ سُؤالٍ في مَسَامِعِهِ قَميصُ يوسُفَ في أجفانِ يَعقوبِ
إذا غَزَتْهُ أعادِيهِ بِمَسْألَةٍ فقد غَزَتْهُ بجَيْشٍ غَيرِ مَغْلُوبِ
أوْ حارَبَتْهُ فَمَا تَنْجُو بتَقْدِمَةٍ ممّا أرَادَ وَلا تَنْجُو بتَجْبِيبِ
أضرَتْ شَجاعَتُهُ أقصَى كتائِبِهِ على الحِمَامِ فَمَا مَوْتٌ بمَرْهوبِ
قالُوا هَجَرْتَ إلَيْهِ الغَيثَ قلتُ لهمْ إلى غُيُوثِ يَدَيْهِ وَالشّآبِيبِ
إلى الذي تَهَبُ الدّوْلاتِ رَاحَتُهُ وَلا يَمُنُّ على آثَارِ مَوْهُوبِ
وَلا يَرُوعُ بمَغْدورٍ بِهِ أحَداً وَلا يُفَزِّعُ مَوْفُوراً بمَنْكُوبِ
بَلى يَرُوعُ بذي جَيْشٍ يُجَدّلُهُ ذا مِثْلِهِ في أحَمّ النّقْعِ غِرْبِيبِ
وَجَدْتُ أنْفَعَ مَالٍ كُنتُ أذخَرُهُ مَا في السّوَابِقِ مِنْ جَرْيٍ وَتَقرِيبِ
لمّا رَأينَ صُرُوفَ الدّهرِ تَغدُرُ بي وَفَينَ لي وَوَفَتْ صُمُّ الأنابيبِ
فُتْنَ المَهَالِكَ حتى قالَ قائِلُهَا ماذا لَقينَا منَ الجُرْدِ السّراحِيبِ
تَهْوِي بمُنْجَرِدٍ لَيسَتْ مَذاهِبُهُ لِلُبْسِ ثَوْبٍ وَمأكولٍ وَمَشرُوبِ
يَرَى النّجُومَ بعَيْنَيْ مَنْ يُحاوِلُها كأنّهَا سَلَبٌ في عَينِ مَسلُوبِ
حتى وَصَلْتُ إلى نَفْسٍ مُحَجَّبَةٍ تَلقَى النّفُوسَ بفَضْلٍ غيرِ محْجوبِ
في جِسْمِ أرْوَعَ صَافي العَقل تُضْحكُه خلائِقُ النّاسِ إضْحاكَ الأعاجيبِ
فَالحَمْدُ قَبْلُ لَهُ وَالحَمْدُ بَعدُ لها وَلِلقَنَا وَلإدْلاجي وَتأوِيبي
وَكَيْفَ أكْفُرُ يا كافُورُ نِعْمَتَهَا وَقَدْ بَلَغْنَكَ بي يا كُلّ مَطلُوبي
يا أيّهَا المَلِكُ الغَاني بتَسْمِيَةٍ في الشّرْقِ وَالغرْبِ عن وَصْفٍ وتلقيبِ
أنتَ الحَبيبُ وَلَكِنّي أعُوذُ بِهِ من أنْ أكُونَ مُحِبّاً غَيرَ محْبوبِب

أغالب فيك الشوق والشوق أغلب

أُغالِبُ فيكَ الشّوْقَ وَالشوْقُ أغلَبُ وَأعجبُ من ذا الهجرِ وَالوَصْلُ أعجبُ
أمَا تَغْلَطُ الأيّامُ فيّ بأنْ أرَى بَغيضاً تُنَائي أوْ حَبيباً تُقَرّبُ
وَلله سَيْرِي مَا أقَلّ تَئِيّةً عَشِيّةَ شَرْقيّ الحَدَالى وَغُرَّبُ
عَشِيّةَ أحفَى النّاسِ بي مَن جفوْتُهُ وَأهْدَى الطّرِيقَينِ التي أتَجَنّبُ
وَكَمْ لظَلامِ اللّيْلِ عِندَكَ من يَدٍ تُخَبِّرُ أنّ المَانَوِيّةَ تَكْذِبُ
وَقَاكَ رَدَى الأعداءِ تَسْري إلَيْهِمُ وَزَارَكَ فيهِ ذو الدّلالِ المُحَجَّبُ
وَيَوْمٍ كَلَيْلِ العَاشِقِينَ كمَنْتُهُ أُرَاقِبُ فيهِ الشّمسَ أيّانَ تَغرُبُ
وَعَيْني إلى أُذْنَيْ أغَرَّ كَأنّهُ منَ اللّيْلِ باقٍ بَينَ عَيْنَيْهِ كوْكبُ
لَهُ فَضْلَةٌ عَنْ جِسْمِهِ في إهَابِهِ تَجيءُ على صَدْرٍ رَحيبٍ وَتذهَبُ
شَقَقْتُ بهِ الظّلْماءَ أُدْني عِنَانَهُ فيَطْغَى وَأُرْخيهِ مراراً فيَلْعَبُ
وَأصرَعُ أيّ الوَحشِ قفّيْتُهُ بِهِ وَأنْزِلُ عنْهُ مِثْلَهُ حينَ أرْكَبُ
وَما الخَيلُ إلاّ كالصّديقِ قَليلَةٌ وَإنْ كَثُرَتْ في عَينِ مَن لا يجرّبُ
إذا لم تُشاهِدْ غَيرَ حُسنِ شِياتِهَا وَأعْضَائِهَا فالحُسْنُ عَنكَ مُغَيَّبُ
لحَى الله ذي الدّنْيا مُناخاً لراكبٍ فكُلُّ بَعيدِ الهَمّ فيهَا مُعَذَّبُ
ألا لَيْتَ شعري هَلْ أقولُ قَصِيدَةً فَلا أشْتَكي فيها وَلا أتَعَتّبُ
وَبي ما يَذودُ الشّعرَ عني أقَلُّهُ وَلَكِنّ قَلبي يا ابنَةَ القَوْمِ قُلَّبُ
وَأخْلاقُ كافُورٍ إذا شِئْتُ مَدْحَهُ وَإنْ لم أشأْ تُملي عَليّ وَأكْتُبُ
إذا تَرَكَ الإنْسَانُ أهْلاً وَرَاءَهُ وَيَمّمَ كافُوراً فَمَا يَتَغَرّبُ
فَتًى يَمْلأ الأفْعالَ رَأياً وحِكْمَةً وَنَادِرَةً أحْيَانَ يَرْضَى وَيَغْضَبُ
إذا ضرَبتْ في الحرْبِ بالسّيفِ كَفُّهُ تَبَيَّنْتَ أنّ السّيفَ بالكَفّ يَضرِبُ
تَزيدُ عَطَاياهُ على اللّبْثِ كَثرَةً وَتَلْبَثُ أمْوَاهُ السّحابِ فَتَنضُبُ
أبا المِسْكِ هل في الكأسِ فَضْلٌ أنالُه فإنّي أُغَنّي منذُ حينٍ وَتَشرَبُ
وَهَبْتَ على مِقدارِ كَفّيْ زَمَانِنَا وَنَفسِي على مِقدارِ كَفّيكَ تطلُبُ
إذا لم تَنُطْ بي ضَيْعَةً أوْ وِلايَةً فَجُودُكَ يَكسُوني وَشُغلُكَ يسلبُ
يُضاحِكُ في ذا العِيدِ كُلٌّ حَبيبَهُ حِذائي وَأبكي مَنْ أُحِبّ وَأنْدُبُ
أحِنُّ إلى أهْلي وَأهْوَى لِقَاءَهُمْ وَأينَ مِنَ المُشْتَاقِ عَنقاءُ مُغرِبُ
فإنْ لم يكُنْ إلاّ أبُو المِسكِ أوْ هُمُ فإنّكَ أحلى في فُؤادي وَأعْذَبُ
وكلُّ امرىءٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ وَكُلُّ مَكانٍ يُنْبِتُ العِزَّ طَيّبُ
يُريدُ بكَ الحُسّادُ ما الله دافِعٌ وَسُمْرُ العَوَالي وَالحَديدُ المُذرَّبُ
وَدونَ الذي يَبْغُونَ ما لوْ تخَلّصُوا إلى المَوْتِ منه عشتَ وَالطّفلُ أشيبُ
إذا طَلَبوا جَدواكَ أُعطوا وَحُكِّموا وَإن طلَبوا الفضْلَ الذي فيك خُيِّبوا
وَلَوْ جازَ أن يحوُوا عُلاكَ وَهَبْتَهَا وَلكِنْ منَ الأشياءِ ما ليسَ يوهَبُ
وَأظلَمُ أهلِ الظّلمِ مَن باتَ حاسِداً لمَنْ بَاتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلّبُ
وَأنتَ الذي رَبّيْتَ ذا المُلْكِ مُرْضَعاً وَلَيسَ لَهُ أُمٌّ سِواكَ وَلا أبُ
وَكنتَ لَهُ لَيْثَ العَرِينِ لشِبْلِهِ وَمَا لكَ إلاّ الهِنْدُوَانيّ مِخْلَبُ
لَقِيتَ القَنَا عَنْهُ بنَفْسٍ كريمَةٍ إلى الموْتِ في الهَيجا من العارِ تهرُبُ
وَقد يترُكُ النّفسَ التي لا تَهابُهُ وَيَخْتَرِمُ النّفسَ التي تَتَهَيّبُ
وَمَا عَدِمَ اللاقُوكَ بَأساً وَشِدّةً وَلَكِنّ مَنْ لاقَوْا أشَدُّ وَأنجَبُ
ثنَاهم وَبَرْقُ البِيضِ في البَيض صَادقٌ عليهم وَبَرْقُ البَيض في البِيض خُلَّبُ
سَلَلْتَ سُيوفاً عَلّمتْ كلَّ خاطِبٍ على كلّ عُودٍ كيفَ يدعو وَيخطُبُ
وَيُغنيكَ عَمّا يَنسُبُ النّاسُ أنّهُ إلَيكَ تَنَاهَى المَكرُماتُ وَتُنسَبُ
وَأيُّ قَبيلٍ يَسْتَحِقّكَ قَدْرُهُ مَعَدُّ بنُ عَدنانٍ فِداكَ وَيَعرُبُ
وَمَا طَرَبي لمّا رَأيْتُكَ بِدْعَةً لقد كنتُ أرْجُو أنْ أرَاكَ فأطرَبُ
وَتَعْذُلُني فيكَ القَوَافي وَهِمّتي كأنّي بمَدْحٍ قَبلَ مَدْحِكَ مُذنِبُ
وَلَكِنّهُ طالَ الطّريقُ وَلم أزَلْ أُفَتّش عَن هَذا الكَلامِ وَيُنْهَبُ
فشَرّقَ حتى ليسَ للشّرْقِ مَشرِقٌ وَغَرّبَ حتى ليسَ للغرْبِ مَغْرِبُ
إذا قُلْتُهُ لم يَمْتَنِعْ مِن وُصُولِهِ جِدارٌ مُعَلًّى أوْ خِبَاءٌ مُطَنَّبُ

منى كن لي أن البياض خضاب

مُنًى كُنّ لي أنّ البَياضَ خِضابُ فيَخفَى بتَبييضِ القُرونِ شَبَابُ
لَيَاليَ عندَ البِيضِ فَوْدايَ فِتْنَةٌ وَفَخْرٌ وَذاكَ الفَخْرُ عنديَ عابُ
فكَيْفَ أذُمُّ اليَوْمَ ما كنتُ أشتَهي وَأدْعُو بِمَا أشْكُوهُ حينَ أُجَابُ
جلا اللّوْنُ عن لوْنٍ هدى كلَّ مسلكٍ كمَا انجابَ عن ضَوْءِ النّهارِ ضَبابُ
وَفي الجسْمِ نَفسٌ لا تَشيبُ بشَيْبِهِ وَلَوْ أنّ مَا في الوَجْهِ منهُ حِرَابُ
لهَا ظُفُرٌ إنْ كَلّ ظُفْرٌ أُعِدُّهُ وَنَابٌ إذا لم يَبْقَ في الفَمِ نَابُ
يُغَيِّرُ مني الدّهرُ ما شَاءَ غَيرَهَا وَأبْلُغُ أقصَى العُمرِ وَهيَ كَعابُ
وَإنّي لنَجْمٌ تَهْتَدي صُحبَتي بِهِ إذا حالَ مِنْ دونِ النّجومِ سَحَابُ
غَنيٌّ عَنِ الأوْطانِ لا يَستَخِفُّني إلى بَلَدٍ سَافَرْتُ عنهُ إيَابُ
وَعَنْ ذَمَلانِ العِيسِ إنْ سامَحتْ بهِ وَإلاّ فَفي أكْوَارِهِنّ عُقَابُ
وَأصْدَى فلا أُبْدي إلى الماءِ حاجَةً وَللشّمسِ فوقَ اليَعمَلاتِ لُعابُ
وَللسرّ مني مَوْضِعٌ لا يَنَالُهُ نَديمٌ وَلا يُفْضِي إلَيْهِ شَرَابُ
وَللخَوْدِ منّي ساعَةٌ ثمّ بَيْنَنَا فَلاةٌ إلى غَيرِ اللّقَاءِ تُجَابُ
وَمَا العِشْقُ إلاّ غِرّةٌ وَطَمَاعَةٌ يُعَرّضُ قَلْبٌ نَفْسَهُ فَيُصَابُ
وَغَيرُ فُؤادي للغَوَاني رَمِيّةٌ وَغَيرُ بَنَاني للزّجَاجِ رِكَابُ
تَرَكْنَا لأطْرَافِ القَنَا كُلَّ شَهْوَةٍ فَلَيْسَ لَنَا إلاّ بهِنّ لِعَابُ
نُصَرّفُهُ للطّعْنِ فَوْقَ حَوَادِرٍ قَدِ انْقَصَفَتْ فيهِنّ منهُ كِعَابُ
أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ
وَبَحْرُ أبي المِسْكِ الخِضَمُّ الذي لَهُ عَلى كُلّ بَحْرٍ زَخْرَةٌ وَعُبابُ
تَجَاوَزَ قَدْرَ المَدْحِ حتى كأنّهُ بأحْسَنِ مَا يُثْنى عَلَيْهِ يُعَابُ
وَغالَبَهُ الأعْداءُ ثُمّ عَنَوْا لَهُ كمَا غَالَبَتْ بيضَ السّيوفِ رِقابُ
وَأكْثرُ مَا تَلْقَى أبَا المِسْكِ بِذْلَةً إذا لم تَصُنْ إلاّ الحَديدَ ثِيَابُ
وَأوْسَعُ ما تَلقاهُ صَدْراً وَخَلْفَهُ رِمَاءٌ وَطَعْنٌ وَالأمَامَ ضِرَابُ
وَأنْفَذُ ما تَلْقَاهُ حُكْماً إذا قَضَى قَضَاءً مُلُوكُ الأرْضِ مِنه غِضَابُ
يَقُودُ إلَيْهِ طاعَةَ النّاسِ فَضْلُهُ وَلَوْ لم يَقُدْهَا نَائِلٌ وَعِقَابُ
أيَا أسَداً في جِسْمِهِ رُوحُ ضَيغَمٍ وَكَمْ أُسُدٍ أرْوَاحُهُنّ كِلابُ
وَيَا آخِذاً من دَهْرِهِ حَقَّ نَفْسِهِ وَمِثْلُكَ يُعْطَى حَقَّهُ وَيُهابُ
لَنَا عِنْدَ هذا الدّهْرِ حَقٌّ يَلُطّهُ وَقَدْ قَلّ إعْتابٌ وَطَالَ عِتَابُ
وَقَد تُحدِثُ الأيّامُ عِندَكَ شيمَةً وَتَنْعَمِرُ الأوْقاتُ وَهيَ يَبَابُ
وَلا مُلْكَ إلاّ أنتَ وَالمُلْكُ فَضْلَةٌ كأنّكَ سَيفٌ فيهِ وَهْوَ قِرَابُ
أرَى لي بقُرْبي منكَ عَيْناً قَريرَةً وَإنْ كانَ قُرْباً بالبِعَادِ يُشَابُ
وَهَل نافِعي أنْ تُرْفَعَ الحُجبُ بَيْنَنا وَدونَ الذي أمّلْتُ مِنْكَ حِجابُ
أُقِلُّ سَلامي حُبَّ ما خَفّ عَنكُمُ وَأسكُتُ كَيمَا لا يَكونَ جَوَابُ
وَفي النّفسِ حاجاتٌ وَفيكَ فَطَانَةٌ سُكُوتي بَيَانٌ عِنْدَها وَخِطابُ
وَمَا أنَا بالباغي على الحُبّ رِشْوَةً ضَعِيفُ هَوًى يُبْغَى عَلَيْهِ ثَوَابُ
وَمَا شِئْتُ إلاّ أنْ أدُلّ عَوَاذِلي عَلى أنّ رَأيي في هَوَاكَ صَوَابُ
وَأُعْلِمَ قَوْماً خَالَفُوني فشَرّقُوا وَغَرّبْتُ أنّي قَدْ ظَفِرْتُ وَخَابُوا
جَرَى الخُلْفُ إلاّ فيكَ أنّكَ وَاحدٌ وَأنّكَ لَيْثٌ وَالمُلُوكُ ذِئَابُ
وَأنّكَ إنْ قُويِسْتَ صَحّفَ قارِىءٌ ذِئَاباً وَلم يُخطىءْ فَقالَ ذُبَابُ
وَإنّ مَديحَ النّاسِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ وَمَدْحُكَ حَقٌّ لَيسَ فيهِ كِذابُ
إذا نِلْتُ مِنكَ الوُدّ فالمَالُ هَيّنٌ وَكُلُّ الذي فَوْقَ التّرَابِ تُرَابُ
وَمَا كُنْتُ لَوْلا أنتَ إلاّ مُهاجِراً لَهُ كُلَّ يَوْمٍ بَلْدَةٌ وَصِحَابُ
وَلَكِنّكَ الدّنْيَا إليّ حَبيبَةً فَمَا عَنْكَ لي إلاّ إلَيْكَ ذَهَابُ

ما أنصف القوم ضبة

ما أنصف القوم ضبة وأمه الطرطبة
رموا برأس أبيه وباكوا الأم غلبة
فلا بمن مات فخر ولا بمن نيك رغبة
وإنما قلت ما قلـ ـت رحمة لا محبة
وحيلة لك حتى عذرت لو كنت تأبه
وما عليك من القتـ ـل إنما هي ضربة
وما عليك من الغد ر إنما هو سبة
وما عليك من العا ر أن أمك قحبة
وما يشق على الكلـ ـب أن يكون ابن كلبة
ما ضرها من أتاها وإنما ضر صلبه
ولم ينكها ولكن عجانها ناك زبه
يلوم ضبة قوم ولا يلومون قلبه
وقلبه يتشهى ويلزم الجسم ذنبه
لو أبصر الجذع شيئا أحب في الجذع صلبه
يا أطيب الناس نفسا وألين الناس ركبة
وأخبث الناس أصلا في أخبث الأرض تربة
وأرخص الناس أما تبيع ألفا بحبة
كل الفعول سهام لمريم وهي جعبة
وما على من به الدا ء من لقاء الأطبة
وليس بين هلوك وحرة غير خطبة
يا قاتلا كل ضيف غناه ضيح وعلبة
وخوف كل رفيق أباتك الليل جنبه
كذا خلقت ومن ذا الـ ـذي يغالب ربه
ومن يبالي بذم إذا تعود كسبه
أما ترى الخيل في النخـ ـل سربة بعد سربة
على نسائك تجلو فعولها منذ سنبة
وهن حولك ينظر ن والأحيراح رطبة
وكل غرمول بغل يرين يحسدن قنبه
فسل فؤادك يا ضبـ ـب أين خلف عجبه
وإن يخنك لعمري لطالما خان صحبه
وكيف ترغب فيه وقد تبينت رعبه
ما كنت إلا ذبابا نفتك عنا مذبه
وكنت تفخر تيها فصرت تضرط رهبة
وإن بعدنا قليلا حملت رمحا وحربة
وقلت ليت بكفي عنان جرداء شطبة
إن أوحشتك المعالي فإنها دار غربة
أو آنستك المخازي فإنها لك نسبة
وإن عرفت مرادي تكشفت عنك كربة
وإن جهلت مرادي فإنه بك أشبه

أقْصِرْ فَلَسْتَ بزائِدي وُدّا

أقْصِرْ فَلَسْتَ بزائِدي وُدّا بَلَغَ المَدَى وَتَجاوَزَ الحَدَّا
أرْسَلْتَها مَمْلُوءَةً كَرَماً فَرَدَدْتُها مَمْلُوءَةً حَمْدَا
جاءَتْكَ تَطْفَحُ وَهيَ فَارِغَةٌ مَثْنَى بهِ وَتَظُنّهَا فَرْدَا
تَأبَى خَلائِقُكَ التي شَرُفَتْ ألاّ تَحِنّ وَتَذْكُرَ العَهْدَا
لَوْ كُنْتَ عَصراً مُنْبِتاً زَهَراً كُنْتَ الرّبيعَ وكانَتِ الوَرْدَا

الْيَوْمَ عَهدُكُمُ فأينَ المَوْعِدُ؟

الْيَوْمَ عَهدُكُمُ فأينَ المَوْعِدُ؟ هَيهاتِ ليسَ ليَوْمِ عَهدِكُمُ غَدُ
ألمَوْتُ أقرَبُ مِخْلَباً من بَيْنِكُمْ وَالعَيشُ أبعَدُ منكُمُ لا تَبعُدُوا
إنّ التي سفَكَتْ دَمي بجُفُونِها لم تَدْرِ أنّ دَمي الذي تَتَقَلّدُ
قالَتْ وقَد رَأتِ اصْفِراري من بهِ وَتَنَهّدَتْ فأجَبْتُها المُتَنَهِّدُ
فَمَضَتْ وقد صَبَغَ الحَياءُ بَياضَهَا لَوْني كَما صَبَغَ اللُّجَينَ العَسجَدُ
فرَأيتُ قَرْنَ الشّمسِ في قمرِ الدّجى مُتَأوّداً غُصْنٌ بِهِ يَتَأوّدُ
عَدَوِيّةٌ بَدَوِيّةٌ مِنْ دُونِهَا سَلْبُ النّفُوسِ ونارُ حرْبٍ توقَدُ
وَهَواجِلٌ وصَواهِلٌ ومَنَاصِلٌ وذَوابِلٌ وتَوَعّدٌ وتَهَدُّدُ
أبْلَتْ مَوَدّتَها اللّيالي بَعْدَنَا ومَشَى عَلَيها الدّهرُ وهوَ مُقَيَّدُ
بَرّحْتَ يا مَرَضَ الجُفُونِ بِمُمرَضٍ مَرِضَ الطّبيبُ لهُ وَعِيدَ العُوّدُ
فَلَهُ بَنُو عَبْدِ العَزيزِ بنِ الرّضَى ولكُلّ رَكْبٍ عيسُهُمْ والفَدْفَدُ
مَن في الأنامِ مِنَ الكِرامِ ولا تَقُلْ مَن فيكِ شأمُ سوَى شجاعٍ يُقصَدُ
أعطى فقُلتُ: لجودِه ما يُقْتَنَى، وَسَطا فقلتُ: لسَيفِهِ ما يُولَدُ
وَتَحَيّرَتْ فيهِ الصّفاتُ لأنّهَا ألْفَتْ طَرائِقَهُ عَلَيها تَبْعُدُ
في كلّ مُعْتَرَكٍ كُلًى مَفْرِيّةٌ يَذْمُمْنَ منهُ ما الأسِنّةُ تَحمَدُ
نِقَمٌ عَلى نِقَمِ الزّمانِ يَصُبّها نِعَمٌ على النّعَمِ التي لا تُجْحَدُ
في شَانِهِ ولِسانِهِ وبَنَانِهِ وَجَنانِهِ عَجَبٌ لمَنْ يَتَفَقّدُ
أسَدٌ دَمُ الأسَدِ الهِزَبْرِ خِضابُهُ مَوْتٌ فَريصُ المَوْتِ منهُ يُرْعَدُ
ما مَنْبِجٌ مُذْ غِبْتَ إلاّ مُقْلَةٌ سهدتْ وَوَجْهُكَ نوْمُها والإثمِدُ
فاللّيلُ حينَ قَدِمْتَ فيها أبْيَضٌ والصّبْحُ مُنذُ رَحَلْتَ عنها أسوَدُ
ما زِلْتَ تَدنو وهْيَ تَعْلُو عِزّةً حتى تَوَارَى في ثَراها الفَرْقَدُ
أرْضٌ لها شَرَفٌ سِواها مِثْلُهَا لوْ كانَ مثْلُكَ في سِواها يُوجَدُ
أبْدَى العُداةُ بكَ السّرورَ كأنّهُمْ فرِحوا وعِندَهُمُ المُقيمُ المُقْعِدُ
قَطّعْتَهُمْ حَسَداً أراهُمْ ما بهِمْ فَتَقَطّعُوا حَسَداً لمنْ لا يَحسُدُ
حتى انْثَنَوْا ولَوْ أنّ حرّ قُلوبهمْ في قَلْبِ هاجِرَةٍ لَذابَ الجَلْمَدُ
نَظَرَ العُلُوجُ فلَمْ يَروْا من حَوْلهم لمّا رَأوْكَ وقيلَ هذا السّيّدُ
بَقيَتْ جُمُوعُهُمُ كأنّكَ كُلّها وبَقيتَ بَينَهُمُ كأنّكَ مُفْرَدُ
لهفَانَ يَستوْبي بكَ الغَضَبَ الوَرَى لوْ لم يُنَهْنِهْكَ الحِجى والسّؤدُدُ
كنْ حيثُ شئتَ تَسِرْ إليكَ رِكابُنا فالأرْضُ واحِدَةٌ وأنتَ الأوْحَدُ
وَصُنِ الحُسامَ ولا تُذِلْهُ فإنّهُ يَشكُو يَمينَكَ والجَماجمُ تَشهَدُ
يَبِسَ النّجيعُ عَلَيْهِ وَهْوَ مُجَرَّدٌ مِنْ غِمْدِهِ وكأنّما هوَ مُغْمَدُ
رَيّانُ لَوْ قَذَفَ الذي أسْقَيْتَهُ لجَرَى منَ المُهَجاتِ بَحْرٌ مُزْبدُ
ما شارَكَتْهُ مَنِيّةٌ في مُهْجَةٍ إلاّ وشَفْرَتُهُ على يَدِها يَدُ
إنّ العَطايا والرّزايا والقَنا حُلَفاءُ طَيٍّ غَوّرُوا أوْ أنجَدُوا
صِحْ يا لَجُلْهُمَةٍ تُجِبْكَ وإنّما أشفَارُ عَينِكَ ذابِلٌ ومُهَنّدُ
من كلّ أكبَرَ مِنْ جِبالِ تِهامَةٍ قَلْباً ومِنْ جَوْدِ الغَوَادي أجوَدُ
يَلْقاكَ مُرْتَدِياً بأحْمَرَ مِنْ دَمٍ ذَهَبَتْ بخُضرَتِهِ الطُّلَى والأكْبُدُ
حتى يُشارَ إلَيكَ: ذا مَوْلاهُمُ وَهُمُ المَوَالي والخَليقَةُ أعْبُدُ
أنّى يَكُونُ أبَا البَرِيّةِ آدَمٌ وأبوكَ والثّقَلانِ أنْتَ مُحَمّدُ
يَفنى الكَلامُ ولا يُحيطُ بفَضْلِكُمْ أيُحيطُ ما يَفْنى بمَا لا يَنْفَدُ