| حاشَى الرّقيبَ فَخانَتْهُ ضَمائِرُهُ | وَغَيّضَ الدّمْعَ فانهَلّتْ بَوادِرُهُ |
| وكاتمُ الحُبّ يَوْمَ البَينِ مُنهَتِكٌ | وصاحبُ الدّمعِ لا تَخفَى سرائرُهُ |
| لَوْلا ظِباءُ عَدِيّ ما شُغِفْتُ بهِمْ | وَلا برَبْرَبِهِمْ لَوْلا جَآذِرُهُ |
| من كلّ أحوَرَ في أنْيابِهِ شَنَبٌ | خَمْرٌ يُخَامِرُها مِسكٌ تُخامِرُهُ |
| نُعْجٌ مَحاجِرُهُ دُعْجٌ نَواظِرُهُ | حُمْرٌ غَفائِرُهُ سُودٌ غَدائرُهُ |
| أعَارَني سُقْمَ عَينَيْهِ وَحَمّلَني | منَ الهَوَى ثِقْلَ ما تَحوي مآزِرُهُ |
| يا مَنْ تَحَكّمَ في نَفسي فعَذّبَني | وَمَنْ فُؤادي على قَتلي يُضافِرُهُ |
| بعَوْدَةِ الدّوْلَةِ الغَرّاءِ ثَانِيَةً | سَلَوْتُ عَنكَ ونامَ اللّيلَ ساهرُهُ |
| منْ بَعدِ ما كانَ لَيلي لا صَباحَ لَهُ | كأنّ أوَّلَ يَوْمِ الحَشْرِ آخِرُهُ |
| غابَ الأميرُ فَغابَ الخيرُ عَنْ بَلَدٍ | كادَتْ لفَقْدِ اسمِهِ تَبكي مَنابِرُهُ |
| قدِ اشتَكَتْ وَحشَةَ الأحياءِ أرْبُعُهُ | وَخَبّرَتْ عَن أسَى المَوْتَى مَقابرُهُ |
| حتى إذا عُقِدَتْ فيه القِبابُ لَهُ | أهَلّ لله بادِيهِ وحاضِرُهُ |
| وَجَدّدَتْ فَرَحاً لا الغَمُّ يَطْرُدُهُ | وَلا الصّبابةُ في قَلْبٍ تُجاوِرُهُ |
| إذا خَلَتْ منكَ حمصٌ لا خلتْ أبداً | فَلا سَقَاها مِنَ الوَسميّ باكِرُهُ |
| دَخَلْتَها وشُعاعُ الشّمسِ مُتّقِدٌ | ونُورُ وَجْهِكَ بينَ الخلْقِ باهرُهُ |
| في فَيْلَقٍ مِنْ حَديدٍ لوْ قَذَفتَ بهِ | صرْفَ الزّمانِ لمَا دارَتْ دَوائِرُهُ |
| تَمضِي المَواكبُ والأبصارُ شاخصَةٌ | منها إلى المَلِكِ المَيْمُونِ طائِرُهُ |
| قَدْ حِرْنَ في بَشَرٍ في تاجِهِ قَمَرٌ | في دِرْعِهِ أسَدٌ تَدْمَى أظافِرُهُ |
| حُلْوٍ خَلائِقُهُ شُوسٍ حَقائِقُهُ | تُحصَى الحَصَى قَبلَ أنْ تُحصَى مآثرُهُ |
| تَضيقُ عن جَيشه الدّنيا ولوْ رَحُبتْ | كصَدْرِهِ لم تَبِنْ فيها عَساكِرُهُ |
| إذا تَغَلْغَلَ فكرُ المرءِ في طَرَفٍ | من مَجْدِهِ غَرِقَتْ فيه خَواطِرُهُ |
| تَحْمَى السّيوفُ على أعدائِهِ مَعَهُ | كأنّهُنّ بَنُوهُ أوْ عَشائِرُهُ |
| إذا انْتَضَاها لحرْبٍ لمْ تَدَعْ جَسَداً | إلاّ وباطِنُهُ للعَينِ ظاهِرُهُ |
| فَقَدْ تَيَقّنّ أنّ الحَقّ في يَدِهِ | وَقَدْ وَثِقْنَ بأنّ الله نَاصِرُهُ |
| تَرَكْنَ هَامَ بَني عَوْفٍ وثَعْلَبَةٍ | على رُؤوسٍ بلا ناسٍ مَغَافِرُهُ |
| فخاضَ بالسّيفِ بحرَ المَوْتِ خَلفَهُمُ | وكانَ منهُ إلى الكَعْبَينِ زاخِرُهُ |
| حتى انتهَى الفرَسُ الجاري وما وَقعَتْ | في الأرضِ من جِيَفِ القتلى حوافرُهُ |
| كَمْ مِنْ دَمٍ رَوِيَتْ منهُ أسِنّتُهُ | وَمُهْجَةٍ وَلَغَتْ فيها بَواتِرُهُ |
| وحائِنٍ لَعِبَتْ شُمُّ الرّماحِ بهِ | فالعَيشُ هاجِرُهُ والنّسرُ زائِرُهُ |
| مَنْ قالَ لَسْتَ بخَيرِ النّاسِ كلِّهِمِ | فجَهْلُهُ بكَ عندَ النّاسِ عاذرُهُ |
| أوْ شَكّ أنّكَ فَرْدٌ في زَمانِهِمِ | بلا نَظِيرٍ فَفي روحي أُخاطِرُهُ |
| يا مَنْ ألُوذُ بِهِ فيمَا أُؤمّلُهُ | وَمَنْ أعُوذُ بهِ مِمّا أُحاذِرُهُ |
| وَمَنْ تَوَهّمْتُ أنّ البَحرَ راحَتُهُ | جُوداً وأنّ عَطاياها جَواهِرُهُ |
| لا يَجْبُرُ النّاسُ عَظْماً أنْتَ كاسِرُهُ | وَلا يَهيضُونَ عَظْماً أنتَ جابِرُهُ |
قصائد العصر العباسي
مجموعة من أروع قصائد العصر العباسي شعراء العصر العباسي وقصائدهم الرائعة هنا.
أريقُكِ أمْ ماءُ الغَمامةِ أمْ خَمْرُ
| أريقُكِ أمْ ماءُ الغَمامةِ أمْ خَمْرُ | بفيّ بَرُودٌ وهْوَ في كَبدي جَمْرُ |
| أذا الغُصْنُ أم ذا الدِّعصُ أم أنتِ فتنةٌ | وذَيّا الذي قَبّلتُهُ البَرْقُ أمْ ثَغرُ |
| رَأتْ وجهَ مَنْ أهوَى بلَيلٍ عَواذلي | فقُلْنَ نَرى شَمساً وما طَلَعَ الفَجرُ |
| رَأينَ التي للسّحرِ في لحَظاتِها | سُيُوفٌ ظُباها من دَمي أبداً حُمرُ |
| تَناهَى سُكونُ الحُسنِ من حرَكاتِها | فليسَ لرائي وجهِها لم يَمُتْ عُذْرُ |
| إلَيكَ ابنَ يحيَى بنِ الوَليدِ تجاوَزَتْ | بيَ البيدَ عِيسٌ لحمُها والدّمُ الشِّعرُ |
| نَضَحْتُ بذكراكُمْ حَرارةَ قَلبِها | فسارَتْ وطولُ الأرض في عينها شبرُ |
| إلى لَيثِ حَرْبٍ يُلحِمُ اللّيثَ سيفَهُ | وبَحْرِ نَدًى في موجهِ يغرَقُ البحرُ |
| وإنْ كانَ يُبقي جُودُهُ من تَلِيدِهِ | شَبيهاً بما يُبقي منَ العاشِقِ الهَجْرُ |
| فَتًى كلَّ يَوْمٍ تحتَوي نَفْسَ مالِهِ | رِمَاحُ المَعالي لا الرُّدَيْنِيّةُ السُّمْرُ |
| تَباعَدَ ما بَينَ السّحابِ وبَيْنَهُ | فَنائِلُها قَطْرٌ ونائِلُهُ غَمْرُ |
| ولَوْ تَنزِلُ الدّنْيا على حُكْمِ كَفّهِ | لأصْبَحَتِ الدّنْيا وأكثرُها نَزْرُ |
| أراهُ صَغيراً قَدْرَها عُظْمُ قَدْرِهِ | فَما لعَظيمٍ قَدْرُهُ عِندَهُ قَدْرُ |
| مَتى ما يُشِرْ نحوَ السّماءِ بوَجهِهِ | تَخِرّ لهُ الشِّعرَى ويَنخسِفِ البَدْرُ |
| تَرَى القَمَرَ الأرْضِيَّ والمَلِكَ الذي | لهُ المُلْكُ بعدَ الله والمَجدُ والذّكرُ |
| كَثيرُ سُهادِ العَينِ من غيرِ عِلّةٍ | يُؤرّقُهُ في ما يُشَرّفُهُ الفِكْرُ |
| لَهُ مِنَنٌ تُفْني الثّنَاءَ كأنّما | بهِ أقسَمَتْ أن لا يؤدَّى لها شُكْرُ |
| أبا أحْمَدٍ ما الفَخْرُ إلاّ لأهْلِهِ | وما لامرىءٍ لم يُمسِ من بُحترٍ فخرُ |
| هُمُ النّاسُ إلاّ أنّهُمْ من مكارِمٍ | يُغَنّي بهِمْ حَضْرٌ ويحدو بهم سَفْرُ |
| بمَنْ أضرِبُ الأمثالَ أمْ من أقيسُهُ | إليكَ وأهلُ الدّهرِ دونَكَ والدّهرُ |
إني لأعلم واللبيب خبير
| إنّي لأعْلَمُ واللّبيبُ خَبِيرُ | أنْ الحَياةَ وَإنْ حَرَصْتُ غُرُورُ |
| ورَأيْتُ كُلاًّ ما يُعَلّلُ نَفْسَهُ | بِتَعِلّةٍ وإلى الفَنَاءِ يَصِيرُ |
| أمُجاوِرَ الدَّيْمَاسِ رَهْنَ قَرَارَةٍ | فيها الضّياءُ بوَجْهِهِ والنّورُ |
| ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى | أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ |
| ما كنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أن أرَى | رَضْوَى على أيدي الرّجالِ تَسيرُ |
| خَرَجُوا بهِ ولكُلّ باكٍ خَلْفَهُ | صَعَقاتُ مُوسَى يَوْمَ دُكّ الطُّورُ |
| والشّمسُ في كَبِدِ السّماءِ مريضَةٌ | والأرْضُ واجفَةٌ تَكادُ تَمُورُ |
| وحَفيفُ أجنِحَةِ المَلائِكِ حَوْلَهُ | وعُيُونُ أهلِ اللاّذقِيّةِ صُورُ |
| حتى أتَوْا جَدَثاً كَأنّ ضَرِيحَهُ | في قَلْبِ كُلّ مُوَحِّدٍ مَحْفُورُ |
| بمُزَوَّدٍ كَفَنَ البِلَى مِن مُلْكِهِ | مُغْفٍ وإثْمِدُ عَيْنِهِ الكافُورُ |
| فيهِ السّماحةُ والفَصاحةُ والتّقَى | والبأسُ أجْمَعُ والحِجَى والخِيرُ |
| كَفَلَ الثّنَاءُ لَهُ بِرَدّ حَيَاتِهِ | لمّا انْطَوَى فكأنّهُ مَنْشُورُ |
| وكأنّما عيسَى بنُ مَرْيَمَ ذِكْرُهُ | وكأنّ عازَرَ شَخْصُهُ المَقْبُورُ |
غاضَتْ أنَامِلُهُ وهُنّ بُحُورُ
| غاضَتْ أنَامِلُهُ وهُنّ بُحُورُ | وخَبَتْ مَكايِدُهُ وهُنّ سَعِيرُ |
| يُبْكَى عَلَيْهِ وما استَقَرّ قَرارُهُ | في اللّحْدِ حتى صافَحَتْهُ الحُورُ |
| صَبْراً بني إسْحَقَ عَنْهُ تَكَرّماً | إنّ العَظيمَ على العَظيمِ صَبُورُ |
| فلِكُلّ مَفجُوع سِواكُمْ مُشْبِهٌ | ولِكُلّ مَفْقُودٍ سِواهُ نَظِيرُ |
| أيّامَ قائِمُ سَيْفِهِ في كَفّهِ الـ | ـيُمْنى وَبَاعُ المَوْتِ عَنهُ قَصِيرُ |
| ولَطالَما انْهَمَلَتْ بمَاءٍ أحْمَرٍ | في شَفْرَتَيْهِ جَماجِمٌ ونُحورُ |
| فأُعيذُ إخوَتَهُ برَبّ مُحَمّدٍ | أنْ يَحْزَنُوا ومُحَمّدٌ مَسرُورُ |
| أوْ يَرْغَبُوا بقُصُورِهم عَنْ حُفْرَةٍ | حَيّاهُ فيها مُنْكَرٌ ونَكِيرُ |
| نَفَرٌ إذا غابَتْ غُمُودُ سُيُوفِهِمْ | عَنْها فآجَالُ العِبادِ حُضُورُ |
| وإذ لَقُوا جَيْشاً تَيَقّنَ أنّهُ | مِنْ بَطْنِ طَيرِ تَنُوفَةٍ مَحْشُورُ |
| لم تثْنَ في طَلَبٍ أعِنّةُ خَيْلِهِمْ | إلاّ وعُمْرُ طَريدِها مَبْتُورُ |
| يَمّمْتُ شَاسِعَ دارِهِمْ عَنْ نيّةٍ | إنّ المُحِبّ عَلى البِعادِ يَزُورُ |
| وقَنِعْتُ باللّقْيا وأوّلِ نَظْرَةٍ | إنّ القَليلَ مِنَ الحَبيبِ كَثيرُ |
ألآل إبْراهِيمَ بَعدَ مُحَمّدٍ
| ألآل إبْراهِيمَ بَعدَ مُحَمّدٍ | إلاّ حَنينٌ دائمٌ وزَفِيرُ |
| ما شَكّ خابِرُ أمْرِهمْ من بَعدِهِ | أنّ العَزاءَ عَلَيهِمِ مَحْظُورُ |
| تُدمي خدودَهمُ الدّموعُ وتَنقضِي | ساعاتُ لَيْلِهِمِ وهُنّ دُهُورُ |
| أبْناءُ عَمٍّ كُلُّ ذَنْبٍ لامرِىءٍ | إلاّ السّعايَةَ بَيْنَهُمْ مَغْفُورُ |
| طارَ الوُشاةُ على صَفاءِ وِدادِهِمْ | وكذا الذّبابُ على الطّعامِ يَطيرُ |
| ولَقَدْ مَنَحتُ أبا الحُسَينِ موَدّةً | جُودي بها لعَدُوّهِ تَبْذِيرُ |
| مَلِكٌ تَكَوّنَ كَيفَ شاء كأنّما | يَجْري بفَصْلِ قَضائِهِ المَقْدورُ |
مَرَتْكَ ابنَ إبراهيمَ صافِيَةُ الخَمْرِ
| مَرَتْكَ ابنَ إبراهيمَ صافِيَةُ الخَمْرِ | وهُنّئْتَها من شارِبٍ مُسكرِ السُّكرِ |
| رأيْتُ الحُمَيّا في الزّجاجِ بكَفّهِ | فشَبّهْتُها بالشمسِ في البدرِ في البحرِ |
| إذا ما ذكَرْنا جُودَهُ كانَ حاضِراً | نأى أوْ دَنا يسعى على قدمِ الخِضْرِ |