لعَيْنَيْكِ ما يَلقَى الفُؤادُ وَمَا لَقي | وللحُبّ ما لم يَبقَ منّي وما بَقي |
وَما كنتُ ممّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قلبَه | وَلكِنّ مَن يُبصِرْ جفونَكِ يَعشَقِ |
وَبينَ الرّضَى وَالسُّخطِ وَالقُرْبِ وَالنَّوَى | مَجَالٌ لِدَمْعِ المُقْلَةِ المُتَرَقرِقِ |
وَأحلى الهَوَى ما شكّ في الوَصْلِ رَبُّهُ | وَفي الهجرِ فهوَ الدّهرَ يَرْجو وَيَتّقي |
وَغضْبَى من الإدلالِ سكرَى من الصّبى | شَفَعْتُ إلَيها مِنْ شَبَابي برَيِّقِ |
وَأشنَبَ مَعْسُولِ الثّنِيّاتِ وَاضِحٍ | سَتَرْتُ فَمي عَنهُ فَقَبّلَ مَفْرِقي |
وَأجيادِ غِزْلانٍ كجيدِكِ زُرْنَني | فَلَمْ أتَبَيّنْ عاطِلاً مِنْ مُطَوَّقِ |
وَما كلّ مَن يهوَى يَعِفّ إذا خَلا | عَفَافي وَيُرْضي الحِبّ وَالخَيلُ تلتقي |
سَقَى الله أيّامَ الصّبَى ما يَسُرّهَا | وَيَفْعَلُ فِعْلَ البَابِليّ المُعَتَّقِ |
إذا ما لَبِسْتَ الدّهْرَ مُستَمتِعاً بِهِ | تَخَرّقْتَ وَالمَلْبُوسُ لم يَتَخَرّقِ |
وَلم أرَ كالألحَاظِ يَوْمَ رَحِيلِهِمْ | بَعثنَ بكلّ القتل من كلّ مُشفِقِ |
أدَرْنَ عُيُوناً حائِراتٍ كأنّهَا | مُرَكَّبَةٌ أحْداقُهَا فَوْقَ زِئْبِقِ |
عَشِيّةَ يَعْدُونَا عَنِ النّظَرِ البُكَا | وَعن لذّةِ التّوْديعِ خوْفُ التّفَرّقِ |
نُوَدّعُهُمْ وَالبَيْنُ فينَا كأنّهُ | قَنَا ابنِ أبي الهَيْجاءِ في قلبِ فَيلَقِ |
قَوَاضٍ مَوَاضٍ نَسجُ داوُدَ عندَها | إذا وَقَعَتْ فيهِ كنَسْجِ الخدَرْنَقِ |
هَوَادٍ لأمْلاكِ الجُيُوشِ كأنّهَا | تَخَيَّرُ أرْوَاحَ الكُمَاةِ وتَنْتَقي |
تَقُدّ عَلَيْهِمْ كلَّ دِرْعٍ وَجَوْشنٍ | وَتَفري إليهِمْ كلَّ سورٍ وَخَندَقِ |
يُغِيرُ بهَا بَينَ اللُّقَانِ وَوَاسِطٍ | وَيَرْكُزُهَا بَينَ الفُراتِ وَجِلّقِ |
وَيَرْجِعُهَا حُمْراً كأنّ صَحيحَهَا | يُبَكّي دَماً مِنْ رَحمَةِ المُتَدَقِّقِ |
فَلا تُبْلِغَاهُ ما أقُولُ فإنّهُ | شُجاعٌ متى يُذكَرْ لهُ الطّعنُ يَشْتَقِ |
ضَرُوبٌ بأطرافِ السّيُوفِ بَنانُهُ | لَعُوبٌ بأطْرافِ الكَلامِ المُشَقَّقِ |
كسَائِلِهِ مَنْ يَسألُ الغَيثَ قَطرَةً | كعاذِلِهِ مَنْ قالَ للفَلَكِ ارْفُقِ |
لقد جُدْتَ حتى جُدْتَ في كلّ مِلّةٍ | وحتى أتاكَ الحَمدُ من كلّ مَنطِقِ |
رَأى مَلِكُ الرّومِ ارْتياحَكَ للنّدَى | فَقامَ مَقَامَ المُجْتَدي المُتَمَلِّقِ |
وخَلّى الرّماحَ السّمْهَرِيّةَ صاغِراً | لأدْرَبَ منهُ بالطّعانِ وَأحْذَقِ |
وكاتَبَ مِن أرْضٍ بَعيدٍ مَرامُهَا | قَريبٍ على خَيْلٍ حَوَالَيكَ سُبّقِ |
وَقَد سارَ في مَسراكَ مِنها رَسُولُهُ | فَمَا سارَ إلاّ فَوْقَ هامٍ مُفَلَّقِ |
فَلَمّا دَنَا أخْفَى عَلَيْهِ مَكانَهُ | شُعَاعُ الحَديدِ البارِقِ المُتَألّقِ |
وَأقْبَلَ يَمشِي في البِساطِ فَما درَى | إلى البَحرِ يَسعى أمْ إلى البَدْرِ يرْتَقي |
ولَمْ يَثْنِكَ الأعْداءُ عَنْ مُهَجاتِهمْ | بمِثْلِ خُضُوعٍ في كَلامٍ مُنَمَّقِ |
وَكُنْتَ إذا كاتَبْتَهُ قَبْلَ هذِهِ | كَتَبْتَ إليْهِ في قَذالِ الدّمُسْتُقِ |
فإنْ تُعْطِهِ مِنْكَ الأمانَ فَسائِلٌ | وَإنْ تُعْطِهِ حَدّ الحُسامِ فأخلِقِ |
وَهَلْ تَرَكَ البِيضُ الصّوارِمُ منهُمُ | حَبِيساً لِفَادٍ أوْ رَقيقاً لمُعْتِقِ |
لَقَد وَرَدوا وِرْدَ القَطَا شَفَرَاتِهَا | وَمَرّوا عَلَيْها رَزْدَقاً بعدَ رَزْدَقِ |
بَلَغْتُ بسَيْفِ الدّوْلَةِ النّورِ رُتْبَةً | أنَرْتُ بها مَا بَينَ غَرْبٍ وَمَشرِقِ |
إذا شاءَ أنْ يَلْهُو بلِحيَةِ أحْمَقٍ | أراهُ غُبَاري ثمّ قالَ لَهُ الحَقِ |
وَما كمَدُ الحُسّادِ شيءٌ قَصَدْتُهُ | وَلكِنّهُ مَن يَزْحَمِ البَحرَ يَغرَقِ |
وَيَمْتَحِنُ النّاسَ الأميرُ برَأيِهِ | وَيُغضِي على عِلْمٍ بكُلّ مُمَخْرِقِ |
وَإطراقُ طَرْفِ العَينِ لَيسَ بنافعٍ | إذا كانَ طَرْفُ القلبِ ليسَ بمطرِقِ |
فيا أيّها المَطلوبُ جاوِرْهُ تَمْتَنِعْ | وَيا أيّهَا المَحْرُومُ يَمِّمْهُ تُرْزَقِ |
وَيا أجبنَ الفُرْسانِ صاحِبْهُ تجترىءْ | ويا أشجَعَ الشجعانِ فارِقْهُ تَفْرَقِ |
إذا سَعَتِ الأعْداءُ في كَيْدِ مجْدِهِ | سعى جَدُّهُ في كيدهم سعيَ مُحْنَقِ |
وَما ينصُرُ الفضْلُ المُبينُ على العدَى | إذا لم يكُنْ فضْلَ السّعيدِ المُوَفَّقِ |
شعر المتنبي
أبيات شعر و قصائد الشاعر ابو الطيب المتنبي أجمل القصائد الشعرية للمتنبي هنا.
تَذَكّرْتُ ما بَينَ العُذَيبِ وَبَارِقِ
تَذَكّرْتُ ما بَينَ العُذَيبِ وَبَارِقِ | مَجَرَّ عَوَالينَا وَمَجْرَى السّوَابِقِ |
وَصُحْبَةَ قَوْمٍ يَذبَحُونَ قَنيصَهُمْ | بفَضْلَةِ ما قد كَسّرُوا في المَفارِقِ |
وَلَيْلاً تَوَسَّدْنَا الثَّوِيّةَ تَحْتَهُ | كأنّ ثَرَاهَا عَنْبَرٌ في المَرَافِقِ |
بِلادٌ إذا زارَ الحِسانَ بغَيرِهَا | حَصَى تُرْبِهَا ثَقّبْنَهُ للمَخانِقِ |
سَقَتْني بهَا القُطْرُبُّليَّ مَليحَةٌ | على كاذِبٍ منْ وَعدِها ضَوْءُ صَادقِ |
سُهادٌ لأجفانٍ وَشَمْسٌ لِنَاظِرٍ | وَسُقْمٌ لأبدانٍ وَمِسْكٌ لِناشِقِ |
وَأغْيَدُ يَهْوَى نَفْسَهُ كلُّ عاقِلٍ | عَفيفٍ وَيَهوَى جسمَهُ كلُّ فاسِقِ |
أدِيبٌ إذا ما جَسّ أوْتَارَ مِزْهَرٍ | بلا كُلَّ سَمْعٍ عن سِواها بعائِقِ |
يُحَدِّثُ عَمّا بَينَ عادٍ وَبَيْنَهُ | وَصُدْغاهُ في خَدّيْ غُلامٍ مُراهِقِ |
وَمَا الحُسْنُ في وَجْهِ الفتى شَرَفاً لَهُ | إذا لم يكُنْ في فِعْلِهِ وَالخَلائِقِ |
وَمَا بَلَدُ الإنْسانِ غَيرُ المُوافِقِ | وَلا أهْلُهُ الأدْنَوْنَ غَيرُ الأصادِقِ |
وَجائِزَةٌ دَعْوَى المَحَبّةِ وَالهَوَى | وَإنْ كانَ لا يخفَى كَلامُ المُنافِقِ |
برَأيِ مَنِ انْقادَتْ عُقيلٌ إلى الرّدَى | وَإشماتِ مَخلُوقٍ وَإسخاطِ خالِقِ |
أرَادوا عَلِيّاً بالذي يُعجِزُ الوَرَى | وَيُوسِعُ قَتلَ الجحفَلِ المُتَضايِقِ |
فَمَا بَسَطُوا كَفّاً إلى غَيرِ قَاطِعٍ | وَلا حَمَلُوا رَأساً إلى غَيرِ فَالِقِ |
لَقَد أقدَمُوا لَوْ صادَفُوا غيرَ آخِذٍ | وَقد هرَبوا لوْ صَادَفوا غيرَ لاحِقِ |
وَلَمَّا كَسَا كَعْباً ثِياباً طَغَوْا بِهَا | رَمَى كلَّ ثَوْبٍ مِنْ سِنانٍ بخارِقِ |
وَلمّا سَقَى الغَيْثَ الذي كَفَرُوا بِهِ | سَقَى غَيرَهُ في غَيرِ تلكَ البَوَارِقِ |
وَما يُوجعُ الحِرْمانُ من كَفّ حارِمٍ | كمَا يُوجعُ الحِرْمانُ من كَفّ رازِقِ |
أتَاهُمْ بهَا حَشْوَ العَجَاجَةِ وَالقَنَا | سَنَابِكُهَا تحشُو بُطُونَ الحَمالِقِ |
عَوَابِسَ حَلّى يَابِسُ الماءِ حُزْمَها | فَهُنّ على أوْساطِها كالمَنَاطِقِ |
فَلَيْتَ أبَا الهَيْجا يرَى خَلْفَ تَدْمُرٍ | طِوَالَ العَوالي في طِوال السَّمالِقِ |
وَسَوْقَ عَليٍّ مِنْ مَعَدٍّ وَغَيرِها | قَبَائِلَ لا تُعْطي القُفِيَّ لِسَائِقِ |
قُشَيرٌ وَبَلْعَجْلانِ فيها خَفِيّةٌ | كَرَاءَينِ في ألْفاظِ ألثَغَ نَاطِقِ |
تُخَلّيهِمِ النّسْوانُ غَيرَ فَوَارِكٍ | وَهُمْ خَلّوُا النّسْوانَ غَيرَ طَوَالِقِ |
يُفَرِّقُ ما بَينَ الكُماةِ وَبَيْنَهَا | بطَعْنٍ يُسَلّي حَرُّهُ كلَّ عاشِقِ |
أتَى الظُّعْنَ حتى ما تَطيرُ رَشاشَةٌ | منَ الخَيلِ إلاّ في نُحُورِ العَوَاتِقِ |
بكُلّ فَلاةٍ تُنكِرُ الإنْسَ أرْضُهَا | ظعائنُ حُمْرُ الحَليِ حمرُ الأيانِقِ |
وَمَلْمُومَةٌ سَيْفِيّةٌ رَبَعِيّةٌ | تَصيحُ الحَصَى فيها صِياحَ اللّقالِقِ |
بَعيدَةُ أطْرَافِ القَنا مِنْ أُصُولِهِ | قَريبَةُ بَينَ البَيضِ غُبرُ اليَلامِقِ |
نَهَاهَا وَأغْنَاهَا عَنِ النّهْبِ جُودُه | فَمَا تَبْتَغي إلاّ حُماةَ الحَقائِقِ |
تَوَهّمَهَا الأعرابُ سَوْرَةَ مُترَفٍ | تُذَكّرُهُ البَيْداءُ ظِلَّ السُّرادِقِ |
فَذَكّرْتَهُمْ بالمَاءِ ساعَةَ غَبّرَتْ | سَماوَةُ كَلبٍ في أُنوفِ الحَزَائِقِ |
وكانُوا يَرُوعونَ المُلُوكَ بأنْ بدَوْا | وَأنْ نَبَتَتْ في المَاءِ نَبْتَ الغَلافِقِ |
فهاجُوكَ أهْدَى في الفَلا من نُجُومه | وَأبْدَى بُيُوتاً من أداحي النّقانِقِ |
وَأصْبَرَ عَن أمْوَاهِهِ من ضِبابِهِ | وَآلَفَ منْها مُقْلَةً للوَدائِقِ |
وَكانَ هَديراً مِنْ فُحُولٍ تَرَكتَها | مُهَلَّبَةَ الأذنابِ خُرْسَ الشّقاشِقِ |
فَما حَرَمُوا بالرّكضِ خَيلَكَ رَاحةً | وَلَكِنْ كَفَاهَا البَرُّ قَطعَ الشّوَاهقِ |
وَلا شَغَلُوا صُمّ القَنَا بِقُلُوبِهِم | عنِ الرَّكْزِ لكِنْ عن قلوبِ الدماسقِ |
ألمْ يحذَروا مَسْخَ الذي يَمسَخُ العِدى | ويجعَلُ أيدي الأُسدِ أيدي الخرانِقِ |
وَقد عايَنُوه في سِواهُمْ وَرُبّمَا | أرَى مارِقاً في الحَرْبِ مصرَعَ مارِقِ |
تَعَوّدَ أنْ لا تَقْضَمَ الحَبَّ خَيْلُهُ | إذا الهَامُ لم تَرْفَعْ جُنُوبَ العَلائِقِ |
وَلا تَرِدَ الغُدْرانَ إلاّ وَمَاؤهَا | منَ الدّمِ كالرّيحَانِ فَوْقَ الشّقائقِ |
لَوَفْدُ نُمَيرٍ كانَ أرْشَدَ منْهُمُ | وقد طَرَدوا الأظْعانَ طَرْدَ الوَسائقِ |
أعَدّوا رِماحاً مِنْ خُضُوعٍ فطاعَنُوا | بهَا الجَيشَ حتى رَدّ غَرْبَ الفَيالِقِ |
فَلَمْ أرَ أرْمَى منهُ غَيرَ مُخاتِلٍ | وَأسرَى إلى الأعداءِ غَيرَ مُسارِقِ |
تُصِيبُ المَجانيقُ العِظامُ بكَفّهِ | دَقائِقَ قد أعْيَتْ قِسِيَّ البَنَادِقِ |
أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ
أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ | وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ |
جُهْدُ الصّبابَةِ أنْ تكونَ كما أُرَى | عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ |
مَا لاحَ بَرْقٌ أوْ تَرَنّمَ طائِرٌ | إلاّ انْثَنَيْتُ وَلي فُؤادٌ شَيّقُ |
جَرّبْتُ مِنْ نَارِ الهَوَى ما تَنطَفي | نَارُ الغَضَا وَتَكِلُّ عَمّا يُحْرِقُ |
وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ | فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ |
وَعَذَرْتُهُمْ وعَرَفْتُ ذَنْبي أنّني | عَيّرْتُهُمْ فَلَقيتُ منهُمْ ما لَقُوا |
أبَني أبِينَا نَحْنُ أهْلُ مَنَازِلٍ | أبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنْعَقُ |
نَبْكي على الدّنْيا وَمَا مِنْ مَعْشَرٍ | جَمَعَتْهُمُ الدّنْيا فَلَمْ يَتَفَرّقُوا |
أينَ الأكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى | كَنَزُوا الكُنُوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا |
من كلّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بجيْشِهِ | حتى ثَوَى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيّقُ |
خُرْسٌ إذا نُودوا كأنْ لم يَعْلَمُوا | أنّ الكَلامَ لَهُمْ حَلالٌ مُطلَقُ |
فَالمَوْتُ آتٍ وَالنُّفُوسُ نَفائِسٌ | وَالمُسْتَعِزُّ بِمَا لَدَيْهِ الأحْمَقُ |
وَالمَرْءُ يأمُلُ وَالحَيَاةُ شَهِيّةٌ | وَالشّيْبُ أوْقَرُ وَالشّبيبَةُ أنْزَقُ |
وَلَقَدْ بَكَيْتُ على الشَّبابِ وَلمّتي | مُسْوَدّةٌ وَلِمَاءِ وَجْهي رَوْنَقُ |
حَذَراً عَلَيْهِ قَبلَ يَوْمِ فِراقِهِ | حتى لَكِدْتُ بمَاءِ جَفني أشرَقُ |
أمّا بَنُو أوْسِ بنِ مَعْنِ بنِ الرّضَى | فأعزُّ مَنْ تُحْدَى إليهِ الأيْنُقُ |
كَبّرْتُ حَوْلَ دِيارِهِمْ لمّا بَدَتْ | منها الشُّموسُ وَليسَ فيها المَشرِقُ |
وعَجِبتُ من أرْضٍ سَحابُ أكفّهمْ | من فَوْقِها وَصُخورِها لا تُورِقُ |
وَتَفُوحُ من طِيبِ الثّنَاءِ رَوَائِحٌ | لَهُمُ بكُلّ مكانَةٍ تُسْتَنشَقُ |
مِسْكِيّةُ النّفَحاتِ إلاّ أنّهَا | وَحْشِيّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعْبَقُ |
أمُريدَ مِثْلِ مُحَمّدٍ في عَصْرِنَا | لا تَبْلُنَا بِطِلابِ ما لا يُلْحَقُ |
لم يَخْلُقِ الرّحْم?نُ مثلَ مُحَمّدٍ | أحَداً وَظَنّي أنّهُ لا يَخْلُقُ |
يا ذا الذي يَهَبُ الكَثيرَ وَعِنْدَهُ | أنّي عَلَيْهِ بأخْذِهِ أتَصَدّقُ |
أمْطِرْ عَليّ سَحَابَ جُودِكَ ثَرّةً | وَانظُرْ إليّ برَحْمَةٍ لا أغْرَقُ |
كَذَبَ ابنُ فاعِلَةٍ يَقُولُ بجَهْلِهِ | ماتَ الكِرامُ وَأنْتَ حَيٌّ تُرْزَقُ |
أيَّ مَحَلٍّ أرْتَقي
أيَّ مَحَلٍّ أرْتَقي | أيَّ عَظيمٍ أتّقي |
وَكُلّ مَا قَدْ خَلَقَ اللّـ | ـهُ وَما لَمْ يُخْلَقِ |
مُحْتَقَرٌ في هِمّتي | كَشَعْرَةٍ في مَفْرِقي |
هُوَ البَينُ حتى ما تَأنّى الحَزائِقُ
هُوَ البَينُ حتى ما تَأنّى الحَزائِقُ | ويا قَلْبُ حتى أنْتَ مِمّن أُفارِقُ |
وَقَفْنا ومِمّا زادَ بَثّاً وُقُوفُنَا | فَرِيقَيْ هَوًى منّا مَشُوقٌ وشائِقُ |
وقد صارَتِ الأجفانُ قَرْحى منَ البُكا | وصارَتْ بهاراً في الخدودِ الشّقائقُ |
على ذا مضَى النّاسُ اجتماعٌ وفُرْقَةٌ | ومَيْتٌ ومَوْلُودٌ وقالٍ ووامِقُ |
تَغَيّرَ حَالي واللّيالي بحالِها | وشِبْتُ وما شابَ الزّمانُ الغُرانِقُ |
سَلِ البِيدَ أينَ الجِنّ منّا بجَوْزِها | وعن ذي المَهاري أينَ منها النَّقانِقُ |
ولَيْلٍ دَجوجيٍّ كَأنّا جَلَتْ لَنا | مُحَيّاكَ فيهِ فاهْتَدَيْنا السَّمالِقُ |
فما زالَ لَوْلا نُورُ وَجهِكَ جِنحُهُ | ولا جابهَا الرُّكْبانُ لوْلا الأيانِقُ |
وهَزٌّ أطارَ النّوْمَ حتى كَأنّني | من السُّكرِ في الغَرْزَينِ ثوْبٌ شُبارِقُ |
شدَوْا بابنِ إسحقَ الحُسينِ فصافحتْ | ذَفارِيَها كِيرانُها والنَّمارِقُ |
بمَنْ تَقشَعرّ الأرْضُ خوفاً إذا مشَى | عليها وتَرْتَجّ الجبالُ الشّواهِقُ |
فتًى كالسّحابِ الجونِ يُخشَى ويُرْتَجى | يُرَجّى الحَيا منها وتُخشَى الصّواعقُ |
ولَكِنّها تَمْضِي وهذا مُخَيِّمٌ | وتَكذبُ أحياناً وذا الدّهرَ صادِقُ |
تَخَلّى منَ الدّنْيا ليُنْسَى فَما خلتْ | مَغارِبُها مِنْ ذِكْرِهِ وَالمَشارِقُ |
غَذا الهِنْدُوانيّاتِ بالهَامِ والطُّلَى | فَهُنّ مَدارِيها وهُنّ المَخانِقُ |
تَشَقَّقُ مِنهُنّ الجُيوبُ إذا غَزا | وتُخضَبُ منهنّ اللّحَى والمَفارِقُ |
يُجَنَّبُها مَنْ حَتْفُهُ عنهُ غافِلٌ | ويَصلى بها مَن نَفسُهُ منهُ طالِقُ |
يُحاجَى به ما ناطِقٌ وهْوَ ساكِتٌ | يُرَى ساكتاً والسّيفُ عن فيه ناطِقُ |
نَكِرْتُكَ حتى طالَ منكَ تَعَجّبي | ولا عَجَبٌ من حُسنِ ما الله خالِقُ |
كأنّكَ في الإعطاءِ للمَالِ مُبغِضٌ | وفي كلّ حَرْبٍ للمَنيّةِ عَاشِقُ |
ألا قَلّما تَبْقَى علَى ما بَدا لَهَا | وحَلّ بهَا مِنْكَ القَنَا والسّوابِقُ |
خَفِ الله وَاسْتُرْ ذا الجَمالَ ببُرْقعٍ | فإنْ لُحتَ ذابتْ في الخدورِ العواتقُ |
سَيُحيي بكَ السُّمّارُ ما لاحَ كوْكبٌ | ويَحدو بكَ السُّفّارُ ما ذرّ شارِقُ |
فَما تَرْزُقُ الأقدارُ من أنتَ حارِمٌ | ولا تَحْرِمُ الأقدارُ مَن أنتَ رازِقُ |
ولا تَفْتُقُ الأيّامُ ما أنْتَ راتِقٌ | ولا تَرْتُقُ الأيّامُ ما أنْتَ فاتِقُ |
لكَ الخَيرُ غَيري رامَ من غيرك الغنى | وغَيري بغَيرِ اللاذِقيّةِ لاحِقُ |
هيَ الغَرضُ الأقصَى ورُؤيَتُكَ المنى | ومَنزِلُكَ الدّنْيا وأنْتَ الخَلائِقُ |
وذاتِ غَدائِرٍ لا عَيْبَ فيها
وذاتِ غَدائِرٍ لا عَيْبَ فيها | سِوَى أنْ لَيسَ تَصْلُحُ للعِناقِ |
إذا هَجَرَتْ فَعَنْ غيرِ اختِيارٍ | وإنْ زارَتْ فَعَنْ غيرِ اشْتِياقِ |
أمَرْتَ بأنْ تُشالَ فَفارَقَتْنَا | وما ألِمَتْ لحادِثَةِ الفِراقِ |