أبكيك إسماعيل مصر وفي البكا

أَبكيكَ إسماعيلَ مِصرَ، وفي البُكا بعدَ التَّذَكُّرِ راحة ُ المسْتَعبِر
ومن القيام ببعض حقِّك أنني أَرْقى لِعِزِّكَ والنعيم المدبِرِ
هذي بيوتُ الرُّومِ، كيف سكنتها بعد القصورِ المزريااتِ بقيصر؟
ومن العجائبِ أَن نفسَك أَقصَرَتْ والدهرُ في إحراجها لم يقصر
ما زالَ يُخلي منكَ كلَّ مَحِلَّة ٍ حتى دُفِعْتَ إلى المكانِ الأَقفَرِ
نظرَ الزمان إلى دياركَ كلِّها نظرَ الرشيدِ إلى منازلِ جعفر

الله يحكم في المداين والقرى

الله يحكمُ في المداينِ والقُرى يا مِيتَ غَمْرَ خُذِي القضاءَ كما جرى
ما جَلَّ خَطْبٌ ثم قِيسَ بغيْرِه إلا وهوَّنه القياسُ وصغَّرا
فسَلي عمورَة َ أَو سدُون تأَسِّياً أَو مرْتنيقَ غداة وورِيَتِ الثرى
مُدنٌ لقِينَ من القضاءِ ونارِه شَرراً بجَنب نَصيبِها مُستَصْغَرا
هذي طلولكِ أنفساً وحجارة ً هل كنتِ رُكناً من جَهَنَّمَ مُسْعَرا؟!
قد جئتُ أبكيها وآخذُ عبرة ً فوقفتُ معتبراً بها مستعبرا
أجدُ الحياة َ حياة َ دهرٍ ساعة ً وأرى النعيمَ نعيمَ عمرٍ مقصرا
وأَعُدُّ من حَزْمِ الأُمورِ وعزمها للنفس أَن ترضَى ، وأَلاَّ تَضْجَرا
ما زلتُ أسمعُ بالشَّقاءِ رواية ً حتى رأيتُ بكِ الشَّقاءَ مصوَّرا
فعل الزمانُ بشمْلِ أَهلِك فِعْلَهُ ببني أميَّة َ ، أو قرابة ِ جعفرا
بالأمسِ قد سكنوا الديارَ ، فأصبحوا لا يُنظَرون، ولا مساكنُهم تُرَى
فإذا لقِيت لقيت حيّاً بائساً وإذا رأيت رأيت مَيْتاً مُنْكرا
والأُمهاتُ بغير صبرٍ: هذه تبكي الصغيرَ ، وتلك تبكي الأصغرا‍
من كلِّ مُودِعَة ِ الطُّلولِ دموعَها من أَجْلِ طفلٍ في الطلولِ استأْخرا
كانت تؤمِّل أن تطولَ حياته واليومَ تسألُ أن يعودَ فيقبرا
طلعتْ عليكِ النارُ شؤمها فمحتكِ آساساً ، وغيرتِ الذرا
مَلَكَتْ جهاتِكَ ليلة ً ونهارَها حمراءَ يبدو الموتُ منها أحمرا
لا ترهبُ الوفانَ في طغيانها لو قابَلَتْه، ولا تهابُ الأَبْحُرا
لو أن نيرون الجمادَ فؤاده يُدْعَى ليَنْظُرَها لعاف المنظرا
أوأنه ابتلى َ الخليلُ بمثلها ـ أَستغفِرُ الرحمنَ ـ ولَّى مُدْبِرا
أو أن سيلاً عاصمٌ من شرها عصمَ الديارَ من المامع مال جرى
أَمْسَى بها كلُّ البيوتِ مُبَوَّباً ومطنَّباً ، ومسيَّجاً ، ومسوَّرا
أسرتهمو ، وتملَّكتْ طرقاتهم مَنْ فرَّ لم يجدِ الطريقَ مُيَسَّرا
خفَّتْ عليهم يومَ ذلك مورداً وأَضلَّهُمْ قدَرٌ، فضَلُّوا المَصْدَرا
حيثُ التفتَّ ترى الطريقَ كأنها ساحاتُ حاتمِ غبَّ نيرانِ القرى
وترى الدعائمَ في السوادِ كهيكلٍ خمدَتْ به نارُ المجوسِ، وأَقْفَرا
وتَشَمُّ رائحة َ الرُّفاتِ كريهة ً وتشمُّ منها الثاكلاتُ العَنْبَرا
كثرتْ عليها الطيرُ في حوماتها يا طيرُ، «كلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرا»
هل تأمنين طوارقَ الأحداثِ أن تغشى عليكِ الوكرَ في سنة ِ الكرى
والناسُ مِنْ داني القُرى وبعيدِها تأْتي لتمشِيَ في الطُّلولِ وتَخْبُرا
يتساءلون عن الحريقِ وهوله وأرى الفرائسَ بالتساؤلِ أجدرا
يا رَبِّ، قد خَمَدَتْ، وليس سواكَ مَنْ يُطفِي القلوبَ المُشْعَلاتِ تَحسُّرا
فتحوا اكتتاباً للإغانة فاكتتبْ بالصبر فهوَ بمالِهم لا يُشترى
إن لم تكن للبائسين فمن لهم؟ أَو لم تكن للاجئين فمَنْ ترى ؟!
فتولَّ جَمْعاً في اليَبَاب مُشتَّتاً وارحم رميما في التراب مبعثرا
فعلتَ بمصرَ النارُ ما لم تأتهِ آياتكَ السبعُ القديمة ُ في الورى
أوَ ما تراها في البلاد كقاهرٍ في كلِّ ناحية يُسيِّر عَسْكرا؟!
فادفعْ قضاءَك، أَو فصيِّرْ نارَه برداً، وخذْ باللأُّطفِ فيما قدِّرا
مُدُّوا الأَكفَّ سَخِيَّة ً، واستغفِري يا أُمَّة ً قد آن أَن تَستغفرا
أولى بعهطفِ الموسرين وبرِّهم مَنْ كان مِثلَهُمُ فأَصبَح مُعْسِرا
يا أيُّها السُّجناءُ في أموالهم أأمنتموا الأيامَ أن تتغيَّرا؟
لا يملكُ الإنسانُ من أحواله ما تملك الأَقدارُ، مهما قَدَّرا
لا يُبْطِرنَّكَ من حرير مَوْطِىء ٌ فلرُبَّ ماشٍ في الحريرِ تَعثَّرَا
وإذا الزمانُ تنكرتْ أحداثه لأخيكَ، فاذكره عسى أن تذكرا

يا رب ما حكمك ماذا ترى

يا ربِّ، ما حكمكَ؟ ماذا ترى في ذلك الحلمِ العريضِ الطويلْ؟
قد قام غليومٌ خطيباً، فما أعطاكَ من ملككَ إلا القليل!
شيَّد في جنبكَ ملكاً له ملككَ إن قيسَ إليهِ الضَّئيل
قد وَرَّثَ العالَم حيّاً، فما غادرَ من فجٍّ، ولا من سبيل
فالنصفُ للجرمانِ في زعمه والنصفُ للرومان فيما يقول
يا رَبِّ، قلْ: سيْفُكَ أَم سَيْفُه؟ أيُّهما – ياربِّ – ماضِ ثقيل؟!
إن صدقتْ – يا ربِّ – أحلامه فإنَّ خطْبَ المسلمين الجليل
لا نحنُ جرمانُ لنا حصَّة ٌ ولا برومانَ فتعطى فتيل
يا رَبِّ، لا تنسَ رعاياك في يومٍ رعاياك الفريقُ الذليل
جناية ُ الجهلِ على أهله قديمة ٌ، والجهلُ بئسَ الدليل
يا ليتَ لم نمددْ بشرٍّ يداً وليتَ ظلَّ السلمِ باقٍ ظليل!
جنى علينا عصبة ٌ جازفوا فحسبنا الله، ونعمَ الوكيل!

بني القبط إخوان الدهور رويدكم

بني القبطِ إخوانُ الدُّهورِ ، رويدكم هبوه يسوعاً في البريّة ِ ثانيا
حملتمِ لحكمِ اللهِ صلبَ ابنِ مريمٍ وهذا قضاءُ الله قد غالَ غاليا
سديدُ المرامِي قد رماه مُسَدِّدٌ وداهية ُ السُوَّاسِ لاقى الدَّوَاهيا
وواللهِ ، لو لم يطلقِ النارَ مطلقٌ عليه، لأَوْدَى فجأَة ً، أَو تَداوِيا
قضاءٌ، ومِقدارٌ، وآجالُ أَنفُسٍ إذا هي حانت لم تُؤخَّرْ ثوانيا
نبيدُ كما بادت قبائلُ قبلنا ويبقى الأنامُ اثنينِ : ميتاً ، وناعياً 
تعالوا عسى نطوي الجفاءَ وعهده وننبذُ أسبابَ الشِّقاقِ نواحيا
أَلم تكُ مصرٌ مهدَنا ثم لَحْدَنا وبينهما كانت لكلِّ مغانيا 
ألم نكُ من قبل المسيحِ ابن مريمٍ و موسى وطه نعبُدُ النيلَ جاريا
فَهلاَّ تساقيْنا على حبِّه الهَوَى وهلاَّ فديْناه ضِفافاً ووادِيا
وما زال منكم أَهلُ وُدٍّ ورحمة ٍ وفي المسلمين الخيرُ ما زالَ باقيا
فلا يثنِكم عن ذمَّة قتلُ بُطرُسٍ فقِدْماً عرفنا القتلَ في الناس فاشيا

عظيم الناس من يبكي العظاما

عظيمُ الناسِ من يبكي العظاماويَندُبُهُم ولو كانوا عِظاما
وأَكرَمُ من غمامٍ عندَ مَحْلٍفتى ً يُحيي بمدحتِهِ الكراما
وما عُذرُ المقصِّر عن جزاءٍوما يَجزِيهُمُ إلا كلاما
فهل من مُبلِغٍ غليومَ عنِّيمقالاً مُرْضِياً ذاك المقاما
رعاكَ الله من ملكٍ هُمامٍتعهَّدَ في الثَّرَى مَلِكاً هُماما
أَرى النِّسيانَ أَظمأَه، فلمَّاوقفتَ بقبرهِ كنتَ الغماما
تقرِّبُ عهدهُ للناسِ حتىتركتَ الجليلَ في التاريخِ عاما
أتدري أيَّ سلطانٍ تحيِّيوأَيَّ مُملَّكٍ تُهدي السَّلاما
دَعَوْتَ أَجَلَّ أَهلِ الأَرضِ حَرْباًوأَشرفَهم إذا سَكنوا سَلاما
وقفتَ به تذكّرهُ ملوكاًتعوَّدَ أن يلاقوهُ قياما 
وكم جَمَعَتْهُمُ حربٌ، فكانواحدائدها ، وكان هو الحسما
كلامٌ للبريّة دامياتٌوأَنتَ اليومَ مَنْ ضَمَدَ الكِلاما
فلما قلتَ ما قد قلتَ عنهوأَسمعتَ الممالكَ والأناما
تساءلتِ البريّة ُ وهيَ كلمىأَحُبّاً كان ذاكَ أَمِ انتقاما
وأَنتَ أَجلُّ أَن تُزرِي بِميْتٍوأَنْتَ أَبرُّ أَن تُؤذِي عظاما
فلو كان الدوامُ نصيبَ ملكٍلنالَ بحدِّ صارمهِ الدواما
أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي

سما يناغي الشهبا

سما يناغي الشهبا هل مسَّها فالتهبا 
كالدَّيدبانِ ألزموهُ  في البحار مرقبا
شيع منه مركبا وقام يلقي مركبا
بشر بالدار وبالأَهلِ  السُّراة الغُيَّبا
وخَطَّ بالنُّور على لوْحِ الظلام: مَرْحَبَا
كالبارق المُلِحِّ لم يولِّ إلا عقَّبا
يا رُبَّ ليلٍ لم تَذُقْ فيه الرقاد طربا
بتنا نراعيه كما يرعى السُّراة الكوكبا
سعادة ٌ يعرفها في الناس من كان أَبَا
مَشَى على الماءِ، وجاب  كالمسيح العببا
وقام في موضعه مُستشرِفاً مُنَقِّبا
يرمي إلى الظلام طرفاٌ حائراٌ مذبذبا
كمبصرٍ أدار عيناٌ في الدجى ، وقلِّبا
كبصر الأَعشى أَصاب  في الظلام ، ونبا
وكالسراج في يَدِ الــريح  أضاءَ، وخَبا
كلمحة ٍ من خاطرٍ ما جاء حتى ذهبا
مجتنبُ العالم في عُزلته مُجْتَنَبا
إلا شراعاً ضلَّ ، أو فُلْكاً يُقاسي العَطَبا
وكان حارس الفنارِ  رجُلاً مُهذَّبا
يهوى الحياة ، ويحبَّ العيش سهلاً طيِّبا
أتت عليه سنواتٌ مُبْعَداً مُغْتَرِبا
لم يَرَ فيها زَوْجَهُ ولا ابنَه المحبَّبا
وكان قد رعى الخطيبَ  ووعى ما خطَبا
فقال : يا حارسُ  خلٍّ السُّخط والتعتُّبا
من يُسعِفُ الناسَ إذا نُودِي كلٌّ فأَبى 
ما الناس إخوتي ولا آدمُ كان لي أبا
أنظر إليَّ ، كيف أقضي  لهم ما وجَبا 
قد عشتُ في خِدمتهم ولا تراني تعبا
كم من غريقٍ قمت عند رأسه مطبَّبا
وكان جسماَ هامداً حرّكتهُ فاضطربا
وكنت وطَّأت له مَناكبي، فرَكبا
حتى أتى الشطَّ ، فبشَّ  من به ورحَّبا
وطاردوني ، فانقلب تُ خاسراَ مخيٍّبا
ما نلت منهم فضة َ ولا منحت ذهبا
وما الجزاء ؟ لا تسل كان الجزاءُ عجبا!
ألقوا عليّ شبكا وقطَّعوني إربا
واتخذ الصٌّنَّاع من شَحميَ زَيْتا طيِّباً
ولم يَزَلْ إسعافُهم ليَ الحياة َ مذهبا
ولم يزل سَجِيَّتي وعملي المُحبَّبا
إذا سمعتُ صرخة ً طرتُ إليها طربا
لا أَجِدُ المُسْعِفَ إلا ملكاً مقرَّبا
والمسعفون في غدٍ يؤلفون مَوْكبا
يقول رِضوانُ لهم هيَّا أدخلوها مرحبا
مُذنِبُكم قد غَفَر اللهُ لهُ ما أذنبا