أُغالِبُ فيكَ الشّوْقَ وَالشوْقُ أغلَبُ | وَأعجبُ من ذا الهجرِ وَالوَصْلُ أعجبُ |
أمَا تَغْلَطُ الأيّامُ فيّ بأنْ أرَى | بَغيضاً تُنَائي أوْ حَبيباً تُقَرّبُ |
وَلله سَيْرِي مَا أقَلّ تَئِيّةً | عَشِيّةَ شَرْقيّ الحَدَالى وَغُرَّبُ |
عَشِيّةَ أحفَى النّاسِ بي مَن جفوْتُهُ | وَأهْدَى الطّرِيقَينِ التي أتَجَنّبُ |
وَكَمْ لظَلامِ اللّيْلِ عِندَكَ من يَدٍ | تُخَبِّرُ أنّ المَانَوِيّةَ تَكْذِبُ |
وَقَاكَ رَدَى الأعداءِ تَسْري إلَيْهِمُ | وَزَارَكَ فيهِ ذو الدّلالِ المُحَجَّبُ |
وَيَوْمٍ كَلَيْلِ العَاشِقِينَ كمَنْتُهُ | أُرَاقِبُ فيهِ الشّمسَ أيّانَ تَغرُبُ |
وَعَيْني إلى أُذْنَيْ أغَرَّ كَأنّهُ | منَ اللّيْلِ باقٍ بَينَ عَيْنَيْهِ كوْكبُ |
لَهُ فَضْلَةٌ عَنْ جِسْمِهِ في إهَابِهِ | تَجيءُ على صَدْرٍ رَحيبٍ وَتذهَبُ |
شَقَقْتُ بهِ الظّلْماءَ أُدْني عِنَانَهُ | فيَطْغَى وَأُرْخيهِ مراراً فيَلْعَبُ |
وَأصرَعُ أيّ الوَحشِ قفّيْتُهُ بِهِ | وَأنْزِلُ عنْهُ مِثْلَهُ حينَ أرْكَبُ |
وَما الخَيلُ إلاّ كالصّديقِ قَليلَةٌ | وَإنْ كَثُرَتْ في عَينِ مَن لا يجرّبُ |
إذا لم تُشاهِدْ غَيرَ حُسنِ شِياتِهَا | وَأعْضَائِهَا فالحُسْنُ عَنكَ مُغَيَّبُ |
لحَى الله ذي الدّنْيا مُناخاً لراكبٍ | فكُلُّ بَعيدِ الهَمّ فيهَا مُعَذَّبُ |
ألا لَيْتَ شعري هَلْ أقولُ قَصِيدَةً | فَلا أشْتَكي فيها وَلا أتَعَتّبُ |
وَبي ما يَذودُ الشّعرَ عني أقَلُّهُ | وَلَكِنّ قَلبي يا ابنَةَ القَوْمِ قُلَّبُ |
وَأخْلاقُ كافُورٍ إذا شِئْتُ مَدْحَهُ | وَإنْ لم أشأْ تُملي عَليّ وَأكْتُبُ |
إذا تَرَكَ الإنْسَانُ أهْلاً وَرَاءَهُ | وَيَمّمَ كافُوراً فَمَا يَتَغَرّبُ |
فَتًى يَمْلأ الأفْعالَ رَأياً وحِكْمَةً | وَنَادِرَةً أحْيَانَ يَرْضَى وَيَغْضَبُ |
إذا ضرَبتْ في الحرْبِ بالسّيفِ كَفُّهُ | تَبَيَّنْتَ أنّ السّيفَ بالكَفّ يَضرِبُ |
تَزيدُ عَطَاياهُ على اللّبْثِ كَثرَةً | وَتَلْبَثُ أمْوَاهُ السّحابِ فَتَنضُبُ |
أبا المِسْكِ هل في الكأسِ فَضْلٌ أنالُه | فإنّي أُغَنّي منذُ حينٍ وَتَشرَبُ |
وَهَبْتَ على مِقدارِ كَفّيْ زَمَانِنَا | وَنَفسِي على مِقدارِ كَفّيكَ تطلُبُ |
إذا لم تَنُطْ بي ضَيْعَةً أوْ وِلايَةً | فَجُودُكَ يَكسُوني وَشُغلُكَ يسلبُ |
يُضاحِكُ في ذا العِيدِ كُلٌّ حَبيبَهُ | حِذائي وَأبكي مَنْ أُحِبّ وَأنْدُبُ |
أحِنُّ إلى أهْلي وَأهْوَى لِقَاءَهُمْ | وَأينَ مِنَ المُشْتَاقِ عَنقاءُ مُغرِبُ |
فإنْ لم يكُنْ إلاّ أبُو المِسكِ أوْ هُمُ | فإنّكَ أحلى في فُؤادي وَأعْذَبُ |
وكلُّ امرىءٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ | وَكُلُّ مَكانٍ يُنْبِتُ العِزَّ طَيّبُ |
يُريدُ بكَ الحُسّادُ ما الله دافِعٌ | وَسُمْرُ العَوَالي وَالحَديدُ المُذرَّبُ |
وَدونَ الذي يَبْغُونَ ما لوْ تخَلّصُوا | إلى المَوْتِ منه عشتَ وَالطّفلُ أشيبُ |
إذا طَلَبوا جَدواكَ أُعطوا وَحُكِّموا | وَإن طلَبوا الفضْلَ الذي فيك خُيِّبوا |
وَلَوْ جازَ أن يحوُوا عُلاكَ وَهَبْتَهَا | وَلكِنْ منَ الأشياءِ ما ليسَ يوهَبُ |
وَأظلَمُ أهلِ الظّلمِ مَن باتَ حاسِداً | لمَنْ بَاتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلّبُ |
وَأنتَ الذي رَبّيْتَ ذا المُلْكِ مُرْضَعاً | وَلَيسَ لَهُ أُمٌّ سِواكَ وَلا أبُ |
وَكنتَ لَهُ لَيْثَ العَرِينِ لشِبْلِهِ | وَمَا لكَ إلاّ الهِنْدُوَانيّ مِخْلَبُ |
لَقِيتَ القَنَا عَنْهُ بنَفْسٍ كريمَةٍ | إلى الموْتِ في الهَيجا من العارِ تهرُبُ |
وَقد يترُكُ النّفسَ التي لا تَهابُهُ | وَيَخْتَرِمُ النّفسَ التي تَتَهَيّبُ |
وَمَا عَدِمَ اللاقُوكَ بَأساً وَشِدّةً | وَلَكِنّ مَنْ لاقَوْا أشَدُّ وَأنجَبُ |
ثنَاهم وَبَرْقُ البِيضِ في البَيض صَادقٌ | عليهم وَبَرْقُ البَيض في البِيض خُلَّبُ |
سَلَلْتَ سُيوفاً عَلّمتْ كلَّ خاطِبٍ | على كلّ عُودٍ كيفَ يدعو وَيخطُبُ |
وَيُغنيكَ عَمّا يَنسُبُ النّاسُ أنّهُ | إلَيكَ تَنَاهَى المَكرُماتُ وَتُنسَبُ |
وَأيُّ قَبيلٍ يَسْتَحِقّكَ قَدْرُهُ | مَعَدُّ بنُ عَدنانٍ فِداكَ وَيَعرُبُ |
وَمَا طَرَبي لمّا رَأيْتُكَ بِدْعَةً | لقد كنتُ أرْجُو أنْ أرَاكَ فأطرَبُ |
وَتَعْذُلُني فيكَ القَوَافي وَهِمّتي | كأنّي بمَدْحٍ قَبلَ مَدْحِكَ مُذنِبُ |
وَلَكِنّهُ طالَ الطّريقُ وَلم أزَلْ | أُفَتّش عَن هَذا الكَلامِ وَيُنْهَبُ |
فشَرّقَ حتى ليسَ للشّرْقِ مَشرِقٌ | وَغَرّبَ حتى ليسَ للغرْبِ مَغْرِبُ |
إذا قُلْتُهُ لم يَمْتَنِعْ مِن وُصُولِهِ | جِدارٌ مُعَلًّى أوْ خِبَاءٌ مُطَنَّبُ |
قصائد المتنبي
مجموعة مختارة من قصائد الشاعر أبو الطيب المتنبي في هذه الصفحة.
منى كن لي أن البياض خضاب
مُنًى كُنّ لي أنّ البَياضَ خِضابُ | فيَخفَى بتَبييضِ القُرونِ شَبَابُ |
لَيَاليَ عندَ البِيضِ فَوْدايَ فِتْنَةٌ | وَفَخْرٌ وَذاكَ الفَخْرُ عنديَ عابُ |
فكَيْفَ أذُمُّ اليَوْمَ ما كنتُ أشتَهي | وَأدْعُو بِمَا أشْكُوهُ حينَ أُجَابُ |
جلا اللّوْنُ عن لوْنٍ هدى كلَّ مسلكٍ | كمَا انجابَ عن ضَوْءِ النّهارِ ضَبابُ |
وَفي الجسْمِ نَفسٌ لا تَشيبُ بشَيْبِهِ | وَلَوْ أنّ مَا في الوَجْهِ منهُ حِرَابُ |
لهَا ظُفُرٌ إنْ كَلّ ظُفْرٌ أُعِدُّهُ | وَنَابٌ إذا لم يَبْقَ في الفَمِ نَابُ |
يُغَيِّرُ مني الدّهرُ ما شَاءَ غَيرَهَا | وَأبْلُغُ أقصَى العُمرِ وَهيَ كَعابُ |
وَإنّي لنَجْمٌ تَهْتَدي صُحبَتي بِهِ | إذا حالَ مِنْ دونِ النّجومِ سَحَابُ |
غَنيٌّ عَنِ الأوْطانِ لا يَستَخِفُّني | إلى بَلَدٍ سَافَرْتُ عنهُ إيَابُ |
وَعَنْ ذَمَلانِ العِيسِ إنْ سامَحتْ بهِ | وَإلاّ فَفي أكْوَارِهِنّ عُقَابُ |
وَأصْدَى فلا أُبْدي إلى الماءِ حاجَةً | وَللشّمسِ فوقَ اليَعمَلاتِ لُعابُ |
وَللسرّ مني مَوْضِعٌ لا يَنَالُهُ | نَديمٌ وَلا يُفْضِي إلَيْهِ شَرَابُ |
وَللخَوْدِ منّي ساعَةٌ ثمّ بَيْنَنَا | فَلاةٌ إلى غَيرِ اللّقَاءِ تُجَابُ |
وَمَا العِشْقُ إلاّ غِرّةٌ وَطَمَاعَةٌ | يُعَرّضُ قَلْبٌ نَفْسَهُ فَيُصَابُ |
وَغَيرُ فُؤادي للغَوَاني رَمِيّةٌ | وَغَيرُ بَنَاني للزّجَاجِ رِكَابُ |
تَرَكْنَا لأطْرَافِ القَنَا كُلَّ شَهْوَةٍ | فَلَيْسَ لَنَا إلاّ بهِنّ لِعَابُ |
نُصَرّفُهُ للطّعْنِ فَوْقَ حَوَادِرٍ | قَدِ انْقَصَفَتْ فيهِنّ منهُ كِعَابُ |
أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ | وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ |
وَبَحْرُ أبي المِسْكِ الخِضَمُّ الذي لَهُ | عَلى كُلّ بَحْرٍ زَخْرَةٌ وَعُبابُ |
تَجَاوَزَ قَدْرَ المَدْحِ حتى كأنّهُ | بأحْسَنِ مَا يُثْنى عَلَيْهِ يُعَابُ |
وَغالَبَهُ الأعْداءُ ثُمّ عَنَوْا لَهُ | كمَا غَالَبَتْ بيضَ السّيوفِ رِقابُ |
وَأكْثرُ مَا تَلْقَى أبَا المِسْكِ بِذْلَةً | إذا لم تَصُنْ إلاّ الحَديدَ ثِيَابُ |
وَأوْسَعُ ما تَلقاهُ صَدْراً وَخَلْفَهُ | رِمَاءٌ وَطَعْنٌ وَالأمَامَ ضِرَابُ |
وَأنْفَذُ ما تَلْقَاهُ حُكْماً إذا قَضَى | قَضَاءً مُلُوكُ الأرْضِ مِنه غِضَابُ |
يَقُودُ إلَيْهِ طاعَةَ النّاسِ فَضْلُهُ | وَلَوْ لم يَقُدْهَا نَائِلٌ وَعِقَابُ |
أيَا أسَداً في جِسْمِهِ رُوحُ ضَيغَمٍ | وَكَمْ أُسُدٍ أرْوَاحُهُنّ كِلابُ |
وَيَا آخِذاً من دَهْرِهِ حَقَّ نَفْسِهِ | وَمِثْلُكَ يُعْطَى حَقَّهُ وَيُهابُ |
لَنَا عِنْدَ هذا الدّهْرِ حَقٌّ يَلُطّهُ | وَقَدْ قَلّ إعْتابٌ وَطَالَ عِتَابُ |
وَقَد تُحدِثُ الأيّامُ عِندَكَ شيمَةً | وَتَنْعَمِرُ الأوْقاتُ وَهيَ يَبَابُ |
وَلا مُلْكَ إلاّ أنتَ وَالمُلْكُ فَضْلَةٌ | كأنّكَ سَيفٌ فيهِ وَهْوَ قِرَابُ |
أرَى لي بقُرْبي منكَ عَيْناً قَريرَةً | وَإنْ كانَ قُرْباً بالبِعَادِ يُشَابُ |
وَهَل نافِعي أنْ تُرْفَعَ الحُجبُ بَيْنَنا | وَدونَ الذي أمّلْتُ مِنْكَ حِجابُ |
أُقِلُّ سَلامي حُبَّ ما خَفّ عَنكُمُ | وَأسكُتُ كَيمَا لا يَكونَ جَوَابُ |
وَفي النّفسِ حاجاتٌ وَفيكَ فَطَانَةٌ | سُكُوتي بَيَانٌ عِنْدَها وَخِطابُ |
وَمَا أنَا بالباغي على الحُبّ رِشْوَةً | ضَعِيفُ هَوًى يُبْغَى عَلَيْهِ ثَوَابُ |
وَمَا شِئْتُ إلاّ أنْ أدُلّ عَوَاذِلي | عَلى أنّ رَأيي في هَوَاكَ صَوَابُ |
وَأُعْلِمَ قَوْماً خَالَفُوني فشَرّقُوا | وَغَرّبْتُ أنّي قَدْ ظَفِرْتُ وَخَابُوا |
جَرَى الخُلْفُ إلاّ فيكَ أنّكَ وَاحدٌ | وَأنّكَ لَيْثٌ وَالمُلُوكُ ذِئَابُ |
وَأنّكَ إنْ قُويِسْتَ صَحّفَ قارِىءٌ | ذِئَاباً وَلم يُخطىءْ فَقالَ ذُبَابُ |
وَإنّ مَديحَ النّاسِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ | وَمَدْحُكَ حَقٌّ لَيسَ فيهِ كِذابُ |
إذا نِلْتُ مِنكَ الوُدّ فالمَالُ هَيّنٌ | وَكُلُّ الذي فَوْقَ التّرَابِ تُرَابُ |
وَمَا كُنْتُ لَوْلا أنتَ إلاّ مُهاجِراً | لَهُ كُلَّ يَوْمٍ بَلْدَةٌ وَصِحَابُ |
وَلَكِنّكَ الدّنْيَا إليّ حَبيبَةً | فَمَا عَنْكَ لي إلاّ إلَيْكَ ذَهَابُ |
لقَدْ أصْبَحَ الجُرَذُ المُسْتَغِيرُ
لقَدْ أصْبَحَ الجُرَذُ المُسْتَغِيرُ | أسيرَ المنَايا صَريعَ العَطَبْ |
رَمَاهُ الكِنَانيُّ وَالعَامِرِيُّ | وَتَلاّهُ للوَجْهِ فِعْلَ العَرَبْ |
كِلا الرّجُلَينِ اتّلَى قَتْلَهُ | فَأيُّكُمَا غَلّ حُرَّ السَّلَبْ |
وَأيُّكُمَا كانَ مِنْ خَلْفِهِ | فإنّ بهِ عَضَّةٌ في الذّنَبْ |
ما أنصف القوم ضبة
ما أنصف القوم ضبة | وأمه الطرطبة |
رموا برأس أبيه | وباكوا الأم غلبة |
فلا بمن مات فخر | ولا بمن نيك رغبة |
وإنما قلت ما قلـ | ـت رحمة لا محبة |
وحيلة لك حتى | عذرت لو كنت تأبه |
وما عليك من القتـ | ـل إنما هي ضربة |
وما عليك من الغد | ر إنما هو سبة |
وما عليك من العا | ر أن أمك قحبة |
وما يشق على الكلـ | ـب أن يكون ابن كلبة |
ما ضرها من أتاها | وإنما ضر صلبه |
ولم ينكها ولكن | عجانها ناك زبه |
يلوم ضبة قوم | ولا يلومون قلبه |
وقلبه يتشهى | ويلزم الجسم ذنبه |
لو أبصر الجذع شيئا | أحب في الجذع صلبه |
يا أطيب الناس نفسا | وألين الناس ركبة |
وأخبث الناس أصلا | في أخبث الأرض تربة |
وأرخص الناس أما | تبيع ألفا بحبة |
كل الفعول سهام | لمريم وهي جعبة |
وما على من به الدا | ء من لقاء الأطبة |
وليس بين هلوك | وحرة غير خطبة |
يا قاتلا كل ضيف | غناه ضيح وعلبة |
وخوف كل رفيق | أباتك الليل جنبه |
كذا خلقت ومن ذا الـ | ـذي يغالب ربه |
ومن يبالي بذم | إذا تعود كسبه |
أما ترى الخيل في النخـ | ـل سربة بعد سربة |
على نسائك تجلو | فعولها منذ سنبة |
وهن حولك ينظر | ن والأحيراح رطبة |
وكل غرمول بغل | يرين يحسدن قنبه |
فسل فؤادك يا ضبـ | ـب أين خلف عجبه |
وإن يخنك لعمري | لطالما خان صحبه |
وكيف ترغب فيه | وقد تبينت رعبه |
ما كنت إلا ذبابا | نفتك عنا مذبه |
وكنت تفخر تيها | فصرت تضرط رهبة |
وإن بعدنا قليلا | حملت رمحا وحربة |
وقلت ليت بكفي | عنان جرداء شطبة |
إن أوحشتك المعالي | فإنها دار غربة |
أو آنستك المخازي | فإنها لك نسبة |
وإن عرفت مرادي | تكشفت عنك كربة |
وإن جهلت مرادي | فإنه بك أشبه |
آخِرُ مَا المَلْكُ مُعَزّىً بِهِ
آخِرُ مَا المَلْكُ مُعَزّىً بِهِ | هذا الذي أثّرَ في قَلْبِهِ |
لا جَزَعاً بَلْ أنَفاً شابَهُ | أنْ يَقْدِرَ الدّهْرُ على غَصْبِهِ |
لَوْ دَرَتِ الدّنْيَا بمَا عِنْدَهُ | لاستَحيَتِ الأيّامُ من عَتبِهِ |
لَعَلّهَا تَحْسَبُ أنّ الذي | لَيسَ لَدَيهِ لَيسَ من حِزْبِهِ |
وَأنّ مَنْ بَغدادُ دارٌ لَهُ | لَيسَ مُقيماً في ذَرَا عَضْبِهِ |
وَأنّ جَدّ المَرْءِ أوْطانُهُ | مَن لَيسَ منها لَيسَ من صُلبِهِ |
أخَافُ أنْ تَفْطَنَ أعْداؤهُ | فيُجْفِلُوا خَوْفاً إلى قُرْبِهِ |
لا بُدّ للإنْسانِ من ضَجعَةٍ | لا تَقْلِبُ المُضْجَعَ عن جَنبِهِ |
يَنسى بها ما كانَ مِن عُجْبِهِ | وَمَا أذاقَ المَوْتُ من كَرْبِهِ |
نحنُ بَنُو المَوْتَى فَمَا بالُنَا | نَعَافُ مَا لا بُدّ من شُرْبِهِ |
تَبْخَلُ أيْدينَا بِأرْوَاحِنَا | على زَمَانٍ هيَ من كَسْبِهِ |
فَهَذِهِ الأرْوَاحُ منْ جَوّهِ | وَهَذِهِ الأجْسامُ مِنْ تُرْبِهِ |
لَوْ فكّرَ العاشِقُ في مُنْتَهَى | حُسنِ الذي يَسبيهِ لم يَسْبِهِ |
لم يُرَ قَرْنُ الشّمسِ في شَرْقِهِ | فشَكّتِ الأنْفُسُ في غَرْبِهِ |
يَمُوتُ رَاعي الضّأنِ في جَهْلِهِ | مِيتَةَ جَالِينُوسَ في طِبّهِ |
وَرُبّمَا زَادَ على عُمْرِهِ | وَزَادَ في الأمنِ على سِرْبِهِ |
وَغَايَةُ المُفْرِطِ في سِلْمِهِ | كَغَايَةِ المُفْرِطِ في حَرْبِهِ |
فَلا قَضَى حاجَتَهُ طالِبٌ | فُؤادُهُ يَخفِقُ مِنْ رُعْبِهِ |
أستَغْفِرُ الله لشَخْصٍ مضَى | كانَ نَداهُ مُنْتَهَى ذَنْبِهِ |
وَكانَ مَنْ عَدّدَ إحْسَانَهُ | كأنّمَا أفْرَطَ في سَبّهِ |
يُرِيدُ مِنْ حُبّ العُلَى عَيْشَهُ | وَلا يُريدُ العَيشَ من حُبّهِ |
يَحْسَبُهُ دافِنُهُ وَحْدَهُ | وَمَجدُهُ في القبرِ مِنْ صَحْبِهِ |
وَيُظْهَرُ التّذكيرُ في ذِكْرِهِ | وَيُسْتَرُ التأنيثُ في حُجْبِهِ |
أُخْتُ أبي خَيرِ أمِيرٍ دَعَا | فَقَالَ جَيشٌ للقَنَا: لَبّهِ |
يا عَضُدَ الدّوْلَةِ مَنْ رُكْنُها | أبُوهُ وَالقَلْبُ أبُو لُبّهِ |
وَمَنْ بَنُوهُ زَينُ آبَائِهِ | كأنّهَا النّوْرُ عَلى قُضْبِهِ |
فَخْراً لدَهْرٍ أنْتَ مِنْ أهْلِهِ | وَمُنْجِبٍ أصْبَحتَ منْ عَقْبِهِ |
إنّ الأسَى القِرْنُ فَلا تُحْيِهِ | وَسَيْفُكَ الصّبرُ فَلا تُنْبِهِ |
ما كانَ عندي أنّ بَدْرَ الدّجَى | يُوحِشُهُ المَفْقُودُ من شُهْبِهِ |
حاشاكَ أن تَضْعُفَ عن حَملِ ما | تَحَمّلَ السّائِرُ في كُتْبِهِ |
وَقَدْ حَمَلْتَ الثّقلَ من قَبْلِهِ | فأغنَتِ الشّدّةُ عَنْ سَحْبِهِ |
يَدْخُلُ صَبرُ المَرْءِ في مَدْحِهِ | وَيَدْخُلُ الإشْفَاقُ في ثَلْبِهِ |
مِثْلُكَ يَثْني الحُزْنَ عن صَوْبِهِ | وَيَستَرِدّ الدّمعَ عن غَرْبِهِ |
إيمَا لإبْقَاءٍ عَلى فَضْلِهِ؛ | إيمَا لتَسْليمٍ إلى رَبّهِ |
وَلم أقُلْ مِثْلُكَ أعْني بِهِ | سِواكَ يا فَرْداً بِلا مُشْبِهِ |
لمّا نُسِبْتَ فكُنْتَ ابْناً لِغَيرِ أبٍ
لمّا نُسِبْتَ فكُنْتَ ابْناً لِغَيرِ أبٍ | ثمّ اخْتُبِرْتَ فَلَمْ تَرْجعْ إلى أدَبِ |
سُمّيتَ بالذّهَبيّ اليَوْمَ تَسْمِيَةً | مُشتَقّةً من ذهابِ العقلِ لا الذّهَبِ |
مُلَقَّبٌ بكَ مَا لُقّبْتَ وَيْكَ بهِ | يا أيّها اللّقَبُ المُلقَى على اللّقَبِ |