| فِدًى لكَ مَن يُقَصّرُ عَن مَداكا | فَلا مَلِكٌ إذَنْ إلاّ فَدَاكَا |
| وَلَوْ قُلْنا فِدًى لكَ مَن يُساوي | دَعَوْنَا بالبَقَاءِ لِمَنْ قَلاكَا |
| وَآمَنّا فِداءَكَ كُلَّ نَفْسٍ | وَلَوْ كانَتْ لمَمْلَكَةٍ مِلاكَا |
| وَمَنْ يَظَّنُّ نَثْرَ الحَبّ جُوداً | وَيَنصِبُ تحتَ ما نَثَرَ الشِّباكَا |
| وَمَنْ بَلَغَ الحَضِيضَ بهِ كَرَاهُ | وَإنْ بَلَغَتْ بهِ الحالُ السُّكاكَا |
| فَلَوْ كانَتْ قُلُوبُهُمُ صَديقاً | لَقَدْ كانَتْ خَلائِقُهُمْ عِداكَا |
| لأنّكَ مُبْغِضٌ حَسَباً نَحِيفاً | إذا أبْصَرْتَ دُنْيَاهُ ضِنَاكَا |
| أرُوحُ وَقد خَتَمتَ على فُؤادي | بحُبّكَ أنْ يحِلّ بهِ سِوَاكَا |
| وَقَد حَمّلْتَني شُكْراً طَوِيلاً | ثَقِيلاً لا أُطيقُ بِهِ حَرَاكَا |
| أُحاذِرُ أن يَشُقّ عَلى المَطَايَا | فَلا تَمْشِي بِنَا إلاّ سِواكَا |
| لَعَلّ الله يَجْعَلُهُ رَحِيلاً | يُعِينُ على الإقامَةِ في ذَرَاكَا |
| فلوْ أنّي استَطَعتُ خفَضْتُ طرْفي | فَلَمْ أُبْصِرْ به حتى أرَاكَا |
| وَكَيفَ الصّبرُ عَنكَ وَقد كَفَاني | نَداكَ المُسْتَفيضُ وَما كَفَاكَا |
| أتَترُكُني وَعَينُ الشّمسِ نَعلي | فتَقْطَعَ مَشيَتي فيهَا الشِّرَاكَا |
| أرَى أسَفي وَمَا سِرْنا شَديداً | فكَيفَ إذا غَدا السّيرُ ابترَاكَا |
| وَهَذا الشّوْقُ قَبلَ البَينِ سَيفٌ | وَهَا أنا ما ضُرِبتُ وَقد أحَاكَا |
| إذا التّوْديعُ أعرَضَ قالَ قَلبي | عليكَ الصّمتَ لا صاحَبتَ فاكَا |
| وَلَوْلا أنّ أكْثَرَ مَا تَمَنّى | مُعاوَدَةٌ لَقُلتُ: وَلا مُنَاكَا |
| إذا اسْتَشْفَيْتَ مِنْ داءٍ بِداءٍ | فأقتَلُ مَا أعَلّكَ ما شَفَاكَا |
| فأستُرُ مِنكَ نَجْوَانَا وَأُخْفي | هُمُوماً قَد أطَلْتُ لَها العِرَاكَا |
| إذا عاصَيْتُهَا كانَتْ شِداداً | وَإنْ طاوَعْتُها كانَتْ رِكَاكَا |
| وَكمْ دونَ الثّوِيّةِ مِنْ حَزِينٍ | يَقُولُ لَهُ قُدومي ذا بِذاكَا |
| وَمِنْ عَذْبِ الرُّضَابِ إذا أنَخْنَا | يُقَبّلُ رَحْلَ تُرْوَكَ وَالوِرَاكَا |
| يُحَرِّمُ أنْ يَمَسّ الطّيبَ بَعدي | وَقد عَبِقَ العَبِيرُ بِهِ وَصَاكَا |
| وَيَمْنَعُ ثَغْرَهُ مِنْ كلّ صَبٍّ | وَيَمْنَحُهُ البَشَامَةَ وَالأرَاكَا |
| يُحَدّثُ مُقْلَتَيْهِ النّوْمُ عَنّي | فَلَيتَ النّوْمَ حَدّثَ عن نَداكَا |
| وَأنّ البُخْتَ لا يُعْرِقْنَ إلاّ | وَقد أنضَى العُذافِرَةَ اللِّكَاكَا |
| وَمَا أرْضَى لمُقْلَتِهِ بِحُلْمٍ | إذا انْتَبَهَتْ تَوَهَّمَهُ ابتِشاكَا |
| وَلا إلاّ بأنْ يُصغي وَأحْكي | فَلَيْتَكَ لا يُتَيّمُهُ هَوَاكَا |
| وكم طَرِبِ المَسامعِ ليس يَدري | أيَعْجَبُ مِنْ ثَنَائي أمْ عُلاكَا |
| وَذاكَ النّشرُ عِرْضُكَ كانَ مِسكاً | وَهَذا الشّعْرُ فِهْرِي وَالمَداكَا |
| فَلا تَحمَدْهُما وَاحْمَدْ هُماماً | إذا لم يُسْمِ حَامِدُهُ عَنَاكَا |
| أغَرَّ لَهُ شَمَائِلُ مِنْ أبِيهِ | غَداً يَلْقَى بَنُوكَ بهَا أبَاكَا |
| وَفي الأحبابِ مُخْتَصٌّ بوَجْدٍ | وَآخَرُ يَدّعي مَعَهُ اشْتِرَاكَا |
| إذا اشْتَبَهَتْ دُموعٌ في خُدودٍ | تَبَيّنَ مَنْ بَكَى مِمّنْ تَباكَى |
| أذَمّتْ مَكْرُماتُ أبي شُجاعٍ | لعَيْني مِنْ نَوَايَ عَلى أُلاكَا |
| فَزُلْ يا بُعْدُ عَنْ أيدي رِكَابٍ | لهَا وَقْعُ الأسِنّةِ في حَشَاكَا |
| وَأنّى شِئْتِ يا طُرُقي فَكُوني | أذَاةً أوْ نَجَاةً أوْ هَلاكَا |
| فلَوْ سِرْنَا وَفي تِشرِينَ خَمْسٌ | رأوْني قَبلَ أنْ يَرَوُا السِّماكَا |
| يُشَرِّدُ يُمْنُ فَنّاخُسْرَ عَنّي | قَنَا الأعْداءِ وَالطّعْنَ الدِّرَاكَا |
| وَألْبَسُ مِنْ رِضَاهُ في طَريقي | سِلاحاً يَذعَرُ الأعْداءَ شَاكَا |
| وَمَنْ أعتَاضُ منكَ إذا افْتَرَقْنَا | وَكلُّ النّاسِ زُورٌ ما خَلاكَا |
| وَمَا أنَا غَيرُ سَهْمٍ في هَوَاءٍ | يَعُودُ وَلم يَجِدْ فِيهِ امتِساكَا |
| حَيِيٌّ مِنْ إل?هي أنْ يَرَاني | وَقَد فارَقْتُ دارَكَ وَاصْطَفَاكَا |
قصائد المتنبي
مجموعة مختارة من قصائد الشاعر أبو الطيب المتنبي في هذه الصفحة.
رويدك أيها الملك الجليل
| رُوَيْدَكَ أيّها المَلِكُ الجَليلُ | تَأنّ وعُدَّهُ ممّا تُنيلُ |
| وجُودَكَ بالمُقامِ ولَوْ قَليلاً | فَما فيما تَجُودُ بهِ قَليلُ |
| لأِكْبُتَ حاسِداً وأرَى عَدُوّاً | كأنّهُما وَداعُكَ والرّحيلُ |
| ويَهْدَأ ذا السّحابُ فقد شكَكنا | أتَغلِبُ أمْ حَياهُ لَكُم قَبيلُ |
| وكنتُ أعيبُ عَذْلاً في سَماحٍ | فَها أنَا في السّماحِ لَهُ عَذولُ |
| وما أخشَى نُبُوّكَ عَنْ طَريقٍ | وسَيفُ الدّوْلَةِ الماضي الصّقيلُ |
| وكلُّ شَواةِ غِطْريفٍ تَمَنّى | لسَيرِكَ أنّ مَفرِقَها السّبيلُ |
| ومِثْلِ العَمْقِ مَمْلُوءٍ دِماءً | جَرَتْ بكَ في مجاريهِ الخُيُولُ |
| إذا اعتادَ الفَتى خوْضَ المَنايا | فأهْوَنُ ما يَمُرّ بهِ الوُحُولُ |
| ومَن أمَرَ الحُصُونَ فَما عَصَتْه | أطاعَتْهُ الحُزُونَةُ والسّهُولُ |
| أتَخْفِرُ كُلَّ مَنْ رَمَتِ اللّيالي | وتُنشرُ كلَّ مَن دَفنَ الخُمولُ |
| ونَدعوكَ الحُسامَ وهَلْ حُسامٌ | يَعيشُ بهِ مِنَ المَوْتِ القَتيلُ |
| وما للسّيفِ إلاّ القَطْعَ فِعْلٌ | وأنْتَ القاطعُ البَرُّ الوَصُولُ |
| وأنْتَ الفارِسُ القَوّالُ صَبْراً | وقَد فَنيَ التكلّمُ والصّهيلُ |
| يَحيدُ الرّمحُ عنكَ وفيهِ قَصْدٌ | ويَقصُرُ أنْ يَنالَ وفيهِ طُولُ |
| فلَوْ قَدَرَ السّنانُ على لِسانٍ | لَقالَ لكَ السّنانُ كما أقولُ |
| ولوْ جازَ الخُلودُ خَلَدتَ فَرْداً | ولكِنْ ليسَ للدّنْيا خَليلُ |
نعد المشرفية والعوالي
| نُعِدّ المَشرَفيّةَ والعَوالي | وتَقْتُلُنا المَنُونُ بِلا قِتالِ |
| ونَرْتَبِطُ السّوابِقَ مُقرَباتٍ | وما يُنْجينَ مِنْ خبَبِ اللّيالي |
| ومَنْ لم يَعشَقِ الدّنيا قَديماً | ولكِنْ لا سَبيلَ إلى الوِصالِ |
| نَصيبُكَ في حَياتِكَ من حَبيبٍ | نَصيبُكَ في مَنامِكَ من خيَالِ |
| رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى | فُؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ |
| فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهامٌ | تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ |
| وهانَ فَما أُبالي بالرّزايا | لأنّي ما انْتَفَعتُ بأنْ أُبالي |
| وهَذا أوّلُ النّاعينَ طُرّاً | لأوّلِ مَيْتَةٍ في ذا الجَلالِ |
| كأنّ المَوْتَ لم يَفْجَعْ بنَفْسٍ | ولم يَخْطُرْ لمَخلُوقٍ بِبالِ |
| صَلاةُ الله خالِقِنا حَنُوطٌ | على الوَجْهِ المُكَفَّنِ بالجَمَالِ |
| على المَدْفونِ قَبلَ التُّرْبِ صَوْناً | وقَبلَ اللّحدِ في كَرَمِ الخِلالِ |
| فإنّ لهُ ببَطْنِ الأرْضِ شَخْصاً | جَديداً ذِكْرُناهُ وهْوَ بَالِ |
| أطابَ النّفسَ أنّكِ مُتِّ مَوْتاً | تَمَنّتْهُ البَوَاقي والخَوَالي |
| وزُلْتِ ولم تَرَيْ يَوْماً كَريهاً | تُسَرّ النّفسُ فيهِ بالزّوالِ |
| رِواقُ العِزّ فَوْقَكِ مُسْبَطِرٌّ | ومُلْكُ عَليٍّ ابنِكِ في كمَالِ |
| سَقَى مَثْواكِ غادٍ في الغَوادي | نَظيرُ نَوَالِ كَفّكِ في النّوالِ |
| لِساحبهِ على الأجداثِ حَفْشٌ | كأيدي الخَيلِ أبصَرتِ المَخالي |
| أُسائِلُ عَنكِ بعدَكِ كلّ مَجدٍ | وما عَهدي بمَجدٍ عَنكِ خالِ |
| يَمُرّ بقَبرِكِ العافي فيَبكي | ويَشغَلُهُ البُكاءُ عَنِ السّؤالِ |
| وما أهداكِ لِلْجَدْوَى عَلَيْهِ | لَوَ انّكِ تَقدِرينَ على فَعَالِ |
| بعَيشِكِ هلْ سَلَوْتِ فإنّ قَلبي | وإنْ جانَبْتُ أرْضَكِ غيرُ سالِ |
| نَزَلْتِ على الكَراهَةِ في مَكانٍ | بَعُدْتِ عنِ النُّعامى والشَّمالِ |
| تُحَجّبُ عنكِ رائحَةُ الخُزامَى | وتُمْنَعُ منكِ أنْداءُ الطِّلالِ |
| بدارٍ كلّ ساكِنِها غَريبٌ | بَعيدُ الدّارِ مُنْبَتُّ الحِبالِ |
| حَصانٌ مثلُ ماءِ المُزْنِ فيهِ | كَتُومُ السّرّ صادِقَةُ المَقالِ |
| يُعَلّلُها نِطاسِيُّ الشّكايَا | وواحِدُها نِطاسِيُّ المَعَالي |
| إذا وَصَفُوا لهُ داءً بثَغْرٍ | سَقاهُ أسِنّةَ الأسَلِ الطِّوالِ |
| ولَيسَتْ كالإناثِ ولا اللّواتي | تُعَدّ لها القُبورُ منَ الحِجالِ |
| ولا مَنْ في جَنازَتِها تِجارٌ | يكونُ وَداعُها نَفضَ النّعالِ |
| مَشَى الأمَراءُ حَوْلَيها حُفاةً | كأنّ المَرْوَ من زِفِّ الرّئَالِ |
| وأبْرَزَتِ الخُدورُ مُخَبّآتٍ | يَضَعْنَ النِّقْسَ أمكِنَةَ الغَوالي |
| أتَتْهُنّ المُصيبَةُ غافِلاتٍ | فدَمْعُ الحُزْنِ في دَمعِ الدّلالِ |
| ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا | لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ |
| وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ | ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ |
| وأفجَعُ مَنْ فَقَدْنا مَن وَجَدْنا | قُبَيلَ الفَقْدِ مَفْقُودَ المِثالِ |
| يُدَفِّنُ بَعْضُنا بَعضاً وتَمْشِي | أواخِرُنا على هامِ الأوالي |
| وكَمْ عَيْنٍ مُقَبّلَةِ النّواحي | كَحيلٌ بالجَنادِلِ والرّمالِ |
| ومُغْضٍ كانَ لا يُغْضِي لخَطبٍ | وبالٍ كانَ يَفكُرُ في الهُزالِ |
| أسَيْفَ الدّوْلَةِ اسْتَنجِدْ بصَبرٍ | وكيفَ بمِثْلِ صَبرِكَ للجِبالِ |
| وأنتَ تُعَلّمُ النّاسَ التّعَزّي | وخوْضَ الموْتِ في الحرْبِ السِّجالِ |
| وحالاتُ الزّمانِ عَلَيكَ شتى | وحالُكَ واحدٌ في كلّ حالِ |
| فلا غِيضَتْ بحارُكَ يا جَمُوماً | على عَلَلِ الغَرائبِ والدِّخالِ |
| رأيتُكَ في الّذينَ أرَى مُلُوكاً | كأنّكَ مُسْتَقيمٌ في مُحالِ |
| فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنْتَ مِنهُمْ | فإنّ المسكَ بَعضُ دَمِ الغزالِ |
إلام طماعية العاذل
| إلامَ طَماعِيَةُ العاذِلِ | ولا رأيَ في الحُبّ للعاقِلِ |
| يُرادُ مِنَ القَلْبِ نِسْيانُكُمْ | وتأبَى الطّباعُ على النّاقِلِ |
| وإنّي لأعْشَقُ مِنْ أجْلِكُمْ | نُحُولي وكلَّ امرىءٍ ناحِلِ |
| ولَوْ زُلْتُمُ ثُمّ لمْ أبْكِكُمْ | بكَيْتُ على حُبّيَ الزّائِلِ |
| أيُنكِرُ خَدّي دُموعي وقَدْ | جرَتْ منهُ في مَسلَكٍ سابِلِ |
| أأوّلُ دَمْعٍ جرَى فَوْقَهُ | وأوّلُ حُزْنٍ على راحِلِ |
| وهَبْتُ السّلُوّ لِمَنْ لامَني | وبِتُّ منَ الشّوْقِ في شاغِلِ |
| كأنّ الجُفُونَ على مُقلَتي | ثِيابٌ شُقِقْنَ على ثاكِلِ |
| ولوْ كنتُ في أسرِ غَيرِ الهَوَى | ضَمِنْتُ ضَمانَ أبي وائِلِ |
| فَدَى نَفسَهُ بضَمانِ النُّضارِ | وأعطَى صُدورَ القَنَا الذّابِلِ |
| ومَنّاهُمُ الخَيْلَ مَجْنُوبَةً | فَجِئْنَ بكُلّ فَتًى باسِلِ |
| كأنّ خَلاصَ أبي وائِلٍ | مُعاوَدَةُ القَمَرِ الآفِلِ |
| دَعا فسَمِعتَ وكمْ ساكِتٍ | على البُعدِ عِندَكَ كالقائِلِ |
| فَلَبّيْتَهُ بِكَ في جَحْفَلٍ | لَهُ ضامِنٍ وبِهِ كافِلِ |
| خَرَجنَ منَ النّقْعِ في عارِضٍ | ومنْ عرَقِ الرّكضِ في وابِلِ |
| فَلَمّا نَشِفْنَ لَقِينَ السِّياطَ | بمِثْلِ صَفَا البَلَدِ الماحِلِ |
| شَفَنَّ لخَمْسٍ إلى مَنْ طَلَبنَ | قُبَيْلَ الشُّفُونِ إلى نازِلِ |
| فَدانَتْ مَرافِقُهُنّ الثّرَى | على ثِقَةٍ بالدّمِ الغاسِلِ |
| وما بَينَ كاذَتَيِ المُسْتَغِيرِ | كمَا بَينَ كاذَتَيِ البائِلِ |
| فَلُقِّينَ كُلَّ رُدَيْنِيّةٍ | ومَصبُوحَةٍ لَبَنَ الشّائِلِ |
| وجَيشَ إمَامٍ على ناقَةٍ | صَحيحِ الإمامَةِ في الباطِلِ |
| فأقْبَلْنَ يَنْحَزْنَ قُدّامَهُ | نَوافِرَ كالنّحْلِ والعاسِلِ |
| فلَمّا بدَوْتَ لأصْحابِهِ | رَأت أُسْدُها آكِلَ الآكِلِ |
| بضَرْبٍ يَعُمّهُمُ جائِرٍ | لَهُ فيهِمِ قِسمَةُ العادِلِ |
| وطَعْنٍ يُجَمِّعُ شُذّانَهُمْ | كمَا اجتَمَعَتْ دِرّةُ الحافِلِ |
| إذا ما نَظَرْتَ إلى فارِسٍ | تَحَيّرَ عَنْ مَذْهَبِ الرّاجِلِ |
| فظَلّ يُخَضِّبُ مِنها اللّحَى | فَتًى لا يُعيدُ على النّاصِلِ |
| ولا يَسْتَغيثُ إلى ناصِرٍ | ولا يَتَضَعْضَعُ مِنْ خاذِلِ |
| ولا يَزَعُ الطِّرْفَ عَنْ مُقدَمٍ | ولا يرْجعُ الطَّرْفَ عنْ هائِلِ |
| إذا طَلَبَ التَّبْلَ لم يَشْأهُ | وإنْ كانَ دَيْناً على ماطِلِ |
| خُذُوا ما أتاكمْ بهِ واعذِرُوا | فإنّ الغَنيمَةَ في العاجِلِ |
| وإنْ كانَ أعجَبَكُم عامُكُمْ | فعُودوا إلى حِمْصَ في القابِلِ |
| فإنّ الحُسامَ الخَضيبَ الذي | قُتِلْتُمْ بهِ في يَدِ القاتِلِ |
| يَجودُ بمِثْلِ الذي رُمْتُمُ | فلَمْ تُدْرِكوهُ على السّائلِ |
| أمامَ الكَتيبَةِ تُزْهَى بِهِ | مَكانَ السّنانِ منَ العامِلِ |
| وإنّي لأعْجَبُ مِنْ آمِلٍ | قِتالاً بكُمٍّ على بازِلِ |
| أقالَ لَهُ الله لا تَلْقَهُمْ | بماضٍ على فَرَسٍ حائِلِ |
| إذا ما ضرَبْتَ بهِ هامَةً | بَراها وغَنّاكَ في الكاهِلِ |
| ولَيسَ بأوّلِ ذي هِمّةٍ | دَعَتْهُ لِمَا لَيسَ بالنّائِلِ |
| يُشَمّرُ لِلُّجِّ عَنْ ساقِهِ | ويَغْمُرُهُ المَوْجُ في السّاحِلِ |
| أمَا للخِلافَةِ مِنْ مُشْفِقٍ | على سَيفِ دَوْلَتِها الفاصِلِ |
| يَقُدّ عِداها بِلا ضارِبٍ | ويَسْري إلَيهِمْ بِلا حامِلِ |
| ترَكْتَ جَماجِمَهمْ في النَّقَا | وما يَتَحَصّلْنَ للنّاخِلِ |
| وأنْبَتَّ مِنْهُمْ رَبيعَ السّباعِ | فأثْنَتْ بإحسانِكَ الشّامِلِ |
| وعُدْتَ إلى حَلَبٍ ظافِراً | كَعَوْدِ الحُليّ إلى العاطِلِ |
| ومِثْلُ الذي دُسْتَهُ حافِياً | يُؤثّرُ في قَدَمِ النّاعِلِ |
| وكَمْ لَكَ مِنْ خَبَرٍ شائعٍ | لَهُ شِيَةُ الأبْلَقِ الجائِلِ |
| ويَوْمٍ شَرابُ بَنيهِ الرّدَى | بَغيضِ الحُضورِ إلى الواغِلِ |
| تَفُكّ العُناةَ وتُغْني العُفاةَ | وتَغفِرُ للمُذْنِبِ الجاهِلِ |
| فَهَنّأكَ النّصْرَ مُعْطيكَهُ | وأرْضاهُ سَعْيُكَ في الآجِلِ |
| فَذي الدّارُ أخونُ من مُومِسٍ | وأخدَعُ مِن كَفّةِ الحابِلِ |
| تَفَانَى الرّجالُ على حُبّها | وما يَحْصُلُونَ على طائِلِ |
أعلى الممالك ما يبنى على الأسل
| أعْلى المَمالِكِ ما يُبْنى على الأسَلِ | والطّعْنُ عِندَ مُحِبّيهِنّ كالقُبَلِ |
| وما تَقِرُّ سُيوفٌ في مَمالِكِها | حتى تُقَلْقَلَ دَهراً قبلُ في القُلَلِ |
| مِثْلُ الأميرِ بَغَى أمراً فَقَرّبَهُ | طولُ الرّماحِ وأيدي الخيلِ والإبِلِ |
| وعَزْمَةٌ بَعَثَتْهَا هِمّةٌ زُحَلٌ | من تَحتِها بمَكانِ التُّرْبِ من زُحَلِ |
| على الفُراتِ أعاصِيرٌ وفي حَلَبٍ | تَوَحُّشٌ لمُلَقّى النصْرِ مُقْتَبَلِ |
| تَتْلُو أسِنّتُهُ الكُتْبَ التي نَفَذَتْ | ويَجْعَلُ الخَيلَ أبدالاً مِنَ الرُّسُلِ |
| يَلقى المُلوكَ فلا يَلقى سوَى جَزَرٍ | وما أعَدّوا فَلا يَلقَى سوَى نَفَلِ |
| صانَ الخَليفَةُ بالأبطالِ مُهْجَتَهُ | صِيانَةَ الذَّكَرِ الهِنْدِيّ بالخِلَلِ |
| الفاعِلُ الفِعْلَ لم يُفْعَلْ لِشدّتِهِ | والقائِلُ القَوْلَ لمْ يُترَكْ ولم يُقَلِ |
| والباعِثُ الجَيشَ قد غالَتْ عَجاجَتُه | ضَوْءَ النّهارِ فصارَ الظُّهرُ كالطّفَلِ |
| الجَوُّ أضيَقُ ما لاقاهُ ساطِعُها | ومُقْلَةُ الشّمسِ فيها أحيرُ المُقَلِ |
| يَنالُ أبْعَدَ منها وهيَ ناظِرَةٌ | فَما تُقابِلُهُ إلاّ على وَجَلِ |
| قد عرّضَ السّيفَ دونَ النّازِلاتِ بهِ | وظاهرَ الحزْمَ بينَ النّفسِ والغِيَلِ |
| ووَكّلَ الظّنَّ بالأسرارِ فانكَشَفَتْ | لَهُ ضَمائِرُ أهلِ السّهلِ والجَبَلِ |
| هُوَ الشّجاعُ يَعُدّ البُخلَ من جُبُنٍ | وهْوَ الجَوادُ يَعُدّ الجُبنَ من بَخَلِ |
| يَعودُ مِنْ كلّ فَتْحٍ غيرَ مُفْتَخِرٍ | وقَدْ أغَذّ إلَيهِ غيرَ مُحْتَفِلِ |
| ولا يُجيرُ عَلَيْهِ الدّهْرُ بُغْيَتَهُ | ولا تُحَصِّنُ دِرْعٌ مُهْجَةَ البَطَلِ |
| إذا خَلَعْتُ على عِرْضٍ لهُ حُلَلاً | وجَدتُها مِنهُ في أبهَى منَ الحُلَلِ |
| بذي الغَباوَةِ مِنْ إنْشادِها ضَرَرٌ | كمَا تُضِرّ رِياحُ الوَرْدِ بالجُعَلِ |
| لَقد رَأتْ كلُّ عينٍ منكَ مالِئَها | وجَرّدَتْ خيرَ سَيفٍ خيرَةُ الدّوَلِ |
| فَما تُكَشّفُكَ الأعداءُ عن مَلَلٍ | من الحُروبِ ولا الآراءُ عن زَلَلِ |
| وكَمْ رِجالٍ بلا أرضٍ لكَثرَتِهِمْ | ترَكْتَ جَمْعَهُمُ أرْضاً بلا رَجُلِ |
| ما زالَ طِرْفُكَ يَجري في دِمائِهِمِ | حتى مشَى بكَ مشْيَ الشّارِبِ الثَّمِلِ |
| يا مَن يَسيرُ وحُكمُ النّاظرَينِ لَهُ | فيما يَراهُ وحكمُ القلبِ في الجَدَلِ |
| إنّ السّعادَةَ فيما أنْتَ فاعِلُهُ | وُفّقْتَ مُرْتَحِلاً أوْ غَيرَ مُرْتَحِلِ |
| أجْرِ الجِيادَ على ما كنتَ مُجرِيَها | وخُذْ بنَفْسِكَ في أخْلاقِكَ الأُولِ |
| يَنْظُرْنَ مِنْ مُقَلٍ أدمَى أحِجّتَها | قَرْعُ الفَوارِسِ بالعَسّالَةِ الذُّبُلِ |
| فَلا هَجَمْتَ بها إلاّ على ظَفَرٍ | وَلا وَصَلْتَ بها إلاّ إلى أمَلِ |
بنا منك فوق الرمل ما بك في الرمل
| بنا منكَ فوْقَ الرّملِ ما بك في الرّملِ | وهذا الذي يُضْني كذاكَ الذي يُبلي |
| كأنّكَ أبصرْتَ الذي بي وخِفْتَهُ | إذا عشتَ فاخترتَ الحِمامَ على الثُّكلِ |
| تركتَ خُدودَ الغانِياتِ وفَوْقَها | دموعٌ تُذيبُ الحسن في الأعينِ النُّجلِ |
| تَبُلّ الثّرَى سوداً منَ المِسكِ وحدَه | وقد قطرَتْ حُمراً على الشّعَرِ الجَثلِ |
| فإنْ تَكُ في قَبرٍ فإنّكَ في الحَشَا | وإنْ تَكُ طفلاً فالأسَى ليسَ بالطفلِ |
| ومِثْلُكَ لا يُبكَى على قَدْرِ سِنّهِ | ولكِنْ على قدرِ المخيلَةِ والأصْلِ |
| ألَستَ منَ القَوْمِ الأُلى مِنْ رِماحِهمْ | نَداهُم ومِن قتلاهُمُ مُهجةُ البخلِ |
| بمَوْلودِهِمْ صَمْتُ اللّسانِ كغَيرِهِ | ولكِنّ في أعْطافِهِ مَنطِقَ الفضْلِ |
| تُسَلّيهِمِ عَلْياؤهُمْ عَن مُصابِهِمْ | ويَشغَلُهُمْ كسبُ الثّناءِ عن الشغلِ |
| أقَلُّ بَلاءً بالرّزايَا مِنَ القَنَا | وأقْدَمُ بَينَ الجَحْفَلينِ من النَّبْلِ |
| عَزاءَكَ سَيفَ الدّولَةِ المُقْتَدَى به | فإنّكَ نَصْلٌ والشّدائدُ للنّصلِ |
| مُقيمٌ مِنَ الهَيجاءِ في كلّ مَنزِلٍ | كأنّكَ من كلّ الصّوارِمِ في أهلِ |
| ولم أرَ أعصَى منكَ للحُزْنِ عَبرَةً | وأثْبَتَ عَقْلاً والقُلُوبُ بلا عَقلِ |
| تَخُونُ المَنايا عَهْدَهُ في سَليلِهِ | وتَنصُرُهُ بَينَ الفَوارِسِ والرَّجْلِ |
| ويَبقَى على مَرّ الحَوادِثِ صَبرُهُ | ويَبدو كمَا يَبدو الفِرِنْدُ على الصّقلِ |
| ومَنْ كانَ ذا نَفسٍ كنَفسِكَ حرّةٍ | فَفيهِ لها مُغْنٍ وفيها لَهُ مُسلِ |
| وما الموْتُ إلاّ سارِقٌ دَقّ شَخْصُهُ | يَصولُ بلا كَفٍّ ويَسعى بلا رِجْلِ |
| يَرُدُّ أبو الشّبلِ الخَميسَ عنِ ابنِهِ | ويُسْلِمُهُ عِندَ الوِلادَةِ للنّملِ |
| بنَفسي وَليدٌ عادَ مِن بَعدِ حَمْلِهِ | إلى بَطنِ أُمٍّ لا تُطرقُ بالحَمْلِ |
| بَدَا ولَهُ وَعْدُ السّحابَةِ بالرِّوَى | وصَدَّ وفينا غُلّةُ البَلَدِ المَحْلِ |
| وقد مَدّتِ الخَيلُ العِتاقُ عُيونَها | إلى وَقتِ تَبديلِ الرّكابِ من النّعلِ |
| ورِيعَ لَهُ جَيشُ العَدوّ وما مشَى | وجاشتْ له الحرْبُ الضَّروسُ وما تغلي |
| أيَفْطِمُهُ التَّوْرابُ قَبلَ فِطامِهِ | ويأكُلُهُ قبلَ البُلُوغِ إلى الأكلِ |
| وقبلَ يرَى من جودِهِ ما رأيتَهُ | ويَسمَعُ فيهِ ما سمعتَ من العذلِ |
| ويَلقَى كمَا تَلقَى من السّلمِ والوَغَى | ويُمسِي كمَا تُمسِي مَليكاً بلا مِثلِ |
| تُوَلّيهِ أوساطَ البِلادِ رِماحُهُ | وتَمْنَعُهُ أطرافُهُنّ منَ العَزْلِ |
| أنَبْكي لمَوتانا على غَيرِ رَغْبَةٍ | تَفُوتُ مِنَ الدّنْيا ولا مَوْهبٍ جَزْلِ |
| إذا ما تأمّلتَ الزّمانَ وصَرْفَهُ | تيَقّنْتَ أنّ الموْتَ ضرْبٌ من القتلِ |
| وما الدّهرُ أهلٌ أنْ تُؤمَّلَ عِندَهُ | حَياةٌ وأنْ يُشتاقَ فيهِ إلى النّسلِ |