رَوِينَا يا ابنَ عَسْكَرٍ الهُمَامَا | ولم يَتْرُكْ نَداكَ لَنَا هُيَامَا |
وصارَ أحَبُّ ما تُهْدي إلَينَا | لغَيرِ قِلًى وَداعَكَ والسّلامَا |
ولم نَمْلَلْ تَفَقُّدَكَ المَوالي | ولم نَذْمُمْ أياديكَ الجِسامَا |
ولَكِنّ الغُيُوثَ إذا تَوالَتْ | بأرْضِ مُسافِرٍ كَرِهَ الغَمامَا |
قصائد العصر العباسي
مجموعة من أروع قصائد العصر العباسي شعراء العصر العباسي وقصائدهم الرائعة هنا.
أعن إذني تمر الريح رهوا
أعَنْ إذني تَمُرّ الرّيحُ رَهْواً | ويَسري كُلّما شِئتُ الغَمامُ |
ولَكِنّ الغَمَامَ لَهُ طِباعٌ | تَبَجُّسُهُ بها وَكَذا الكِرامُ |
فراق ومن فارقت غير مذمم
فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّمِ | وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ |
وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ | إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ |
سَجِيّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُليحَةً | منَ الضّيمِ مَرْمِيّاً بها كلّ مَخْرِمِ |
رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفانِ شَادِنٍ | عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَمِ |
وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُهُ | بأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَامِ المُصَمِّمِ |
فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّعٍ | عَذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ |
رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى | هوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي |
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ | وَصَدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ |
وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِهِ | وَأصْبَحَ في لَيلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ |
أُصَادِقُ نَفسَ المرْءِ من قبلِ جسمِهِ | وَأعْرِفُهَا في فِعْلِهِ وَالتّكَلّمِ |
وَأحْلُمُ عَنْ خِلّي وَأعْلَمُ أنّهُ | متى أجزِهِ حِلْماً على الجَهْلِ يَندَمِ |
وَإنْ بَذَلَ الإنْسانُ لي جودَ عابِسٍ | جَزَيْتُ بجُودِ التّارِكِ المُتَبَسِّمِ |
وَأهْوَى مِنَ الفِتيانِ كلّ سَمَيذَعٍ | نَجيبٍ كصَدْرِ السّمْهَريّ المُقَوَّمِ |
خطتْ تحتَهُ العيسُ الفلاةَ وَخالَطَتْ | بهِ الخَيلُ كَبّاتِ الخميسِ العرَمرَمِ |
وَلا عِفّةٌ في سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ | وَلَكِنّهَا في الكَفّ وَالطَّرْفِ وَالفَمِ |
وَمَا كُلّ هَاوٍ للجَميلِ بفاعِلٍ | وَلا كُلّ فَعّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ |
فِدىً لأبي المِسْكِ الكِرامُ فإنّهَا | سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدينَ بأدْهَمِ |
أغَرَّ بمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ | إلى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ |
إذا مَنَعَتْ منكَ السّياسةُ نَفْسَها | فَقِفْ وَقْفَةً قُدّامَهُ تَتَعَلّمِ |
يَضِيقُ على مَن راءَهُ العُذْرُ أن يُرَى | ضَعيفَ المَساعي أوْ قَليلَ التّكَرّمِ |
وَمَن مثلُ كافورٍ إذا الخيلُ أحجَمَتْ | وَكانَ قَليلاً مَنْ يَقُولُ لها اقدِمِي |
شَديدُ ثَباتِ الطِّرْفِ والنقعُ وَاصِلٌ | إلى لهَوَاتِ الفَارِسِ المُتَلَثِّمِ |
أبا المسكِ أرْجو منك نصراً على العِدى | وآمُلُ عِزّاً يخضِبُ البِيضَ بالدّمِ |
وَيَوْماً يَغيظُ الحاسِدينَ وَحَالَةً | أُقيمُ الشّقَا فِيها مَقامَ التّنَعّمِ |
وَلم أرْجُ إلاّ أهْلَ ذاكَ وَمَنْ يُرِدْ | مَوَاطِرَ من غَيرِ السّحائِبِ يَظلِمِ |
فَلَوْ لم تكنْ في مصرَ ما سرْتُ نحوَها | بقَلْبِ المَشُوقِ المُستَهامِ المُتَيَّمِ |
وَلا نَبَحَتْ خَيلي كِلابُ قَبَائِلٍ | كأنّ بها في اللّيلِ حَمْلاتِ دَيْلَمِ |
وَلا اتّبَعَتْ آثَارَنَا عَينُ قَائِفٍ | فَلَمْ تَرَ إلاّ حافِراً فَوْقَ مَنْسِمِ |
وَسَمْنَا بها البَيْدَاءَ حتى تَغَمّرَتْ | من النّيلِ وَاستَذرَتْ بظلّ المُقَطَّمِ |
وَأبْلَجَ يَعصِي باختِصاصي مُشِيرَهُ | عَصَيْتُ بقَصْدِيهِ مُشيرِي وَلُوَّمي |
فَسَاقَ إليّ العُرْفَ غَيرَ مُكَدَّرٍ | وَسُقْتُ إلَيْهِ الشكرَ غيرَ مُجَمجَمِ |
قدِ اخترْتُكَ الأملاكَ فاخترْ لهمْ بنا | حَديثاً وَقد حكّمتُ رَأيَكَ فاحكُمِ |
فأحْسَنُ وَجهٍ في الوَرَى وَجهُ مُحْسِنٍ | وَأيْمَنُ كَفٍّ فيهِمِ كَفُّ مُنعِمِ |
وَأشرَفُهُمْ مَن كانَ أشرَفَ هِمّةً | وَأكثرَ إقداماً على كلّ مُعْظَمِ |
لمَنْ تَطْلُبُ الدّنْيا إذا لم تُرِدْ بها | سُرُورَ مُحِبٍّ أوْ مَساءَةَ مُجرِمِ |
وَقَدْ وَصَلَ المُهْرُ الذي فوْقَ فَخْذِهِ | منِ اسمِكَ ما في كلّ عنقٍ وَمِعصَمِ |
لكَ الحَيَوَانُ الرّاكبُ الخَيلَ كلُّهُ | وَإنْ كانَ بالنّيرانِ غيرَ موَسَّمِ |
وَلَوْ كنتُ أدرِي كم حَياتي قَسَمتُها | وَصَيّرْتُ ثُلثَيها انتِظارَكَ فاعْلَمِ |
وَلَكِنّ ما يَمضِي منَ الدّهرِ فائِتٌ | فَجُدْ لي بخَطّ البادِرِ المُتَغَنِّمِ |
رَضِيتُ بمَا تَرْضَى بهِ لي مَحَبّةً | وَقُدْتُ إلَيكَ النّفسَ قَوْدَ المُسَلِّمِ |
وَمِثْلُكَ مَن كانَ الوَسيطَ فُؤادُهُ | فَكَلّمَهُ عَنّي وَلَمْ أتَكَلّمِ |
الرأي قبل شجاعة الشجعان
الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ | هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني |
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ | بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ |
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ | بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ |
لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ | أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ |
وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْ | أيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ |
لَوْلا سَميُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُ | لمّا سُلِلْنَ لَكُنّ كالأجْفانِ |
خاضَ الحِمَامَ بهنّ حتى ما دُرَى | أمِنِ احتِقارٍ ذاكَ أمْ نِسْيَانِ |
وَسَعَى فَقَصّرَ عن مَداهُ في العُلى | أهْلُ الزّمانِ وَأهْلُ كلّ زَمَانِ |
تَخِذُوا المَجالِسَ في البُيُوتِ وَعندَه | أنّ السّرُوجَ مَجالِسُ الفِتيانِ |
وَتَوَهّموا اللعِبَ الوَغى والطعنُ في الـ | ـهَيجاءِ غَيرُ الطّعْنِ في الميدانِ |
قادَ الجِيَادَ إلى الطّعانِ وَلم يَقُدْ | إلاّ إلى العاداتِ وَالأوْطانِ |
كُلَّ ابنِ سَابقَةٍ يُغيرُ بحُسْنِهِ | في قَلْبِ صاحِبِهِ عَلى الأحزانِ |
إنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بآدابِ الوَغَى | فدُعاؤها يُغني عنِ الأرْسانِ |
في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيُونَ غبارُهُ | فكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذانِ |
يَرْمي بهَا البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ | كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَرِيبٌ دانِ |
فكأنّ أرْجُلَهَا بتُرْبَةِ مَنْبِجٍ | يَطرَحنَ أيديَها بحِصْنِ الرّانِ |
حتى عَبرْنَ بأرْسَنَاسَ سَوَابحاً | يَنْشُرْنَ فيهِ عَمَائِمَ الفُرْسانِ |
يَقْمُصْنَ في مثلِ المُدَى من بارِدٍ | يَذَرُ الفُحُولَ وَهنّ كالخصْيانِ |
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ | تَتَفَرّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ |
رَكَضَ الأميرُ وَكاللُّجَينِ حَبَابُهُ | وَثَنى الأعِنّةَ وَهْوَ كالعِقيانِ |
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فوْقَهُ | وَبَنى السّفينَ لَهُ منَ الصّلْبانِ |
وَحَشاهُ عادِيَةً بغَيرِ قَوَائِمٍ | عُقُمَ البطونِ حَوَالِكَ الألوَانِ |
تأتي بما سَبَتِ الخُيُولُ كأنّهَا | تحتَ الحِسانِ مَرَابضُ الغِزْلانِ |
بَحْرٌ تَعَوّدَ أنْ يُذِمّ لأهْلِهِ | من دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الحِدْثَانِ |
فتَرَكْتَهُ وَإذا أذَمّ مِنَ الوَرَى | رَاعَاكَ وَاستَثنى بَني حَمدانِ |
ألمُخْفِرِينَ بكُلّ أبيَضَ صَارِمٍ | ذِممَ الدّرُوعِ على ذوي التّيجانِ |
مُتَصَعْلِكينَ على كَثَافَةِ مُلكِهم | مُتَوَاضِعِينَ على عَظيمِ الشّانِ |
يَتَقَيّلُونَ ظِلالَ كُلّ مُطَهَّمٍ | أجَلِ الظّليمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحانِ |
خَضَعتْ لمُنصُلكَ المَناصِلُ عَنوَةً | وَأذَلّ دِينُكَ سَائِرَ الأدْيانِ |
وَعلى الدّروبِ وَفي الرّجوعِ غضَاضَةٌ | وَالسّيرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الإمْكانِ |
وَالطّرْقُ ضَيّقَةُ المَسَالِكِ بالقَنَا | وَالكُفْرُ مُجتَمعٌ على الإيمَانِ |
نَظَرُوا إلى زُبَرِ الحَديدِ كأنّمَا | يَصْعَدْنَ بَينَ مَناكِبِ العِقْبانِ |
وَفَوَارِسٍ يُحيي الحِمامُ نُفوسَها | فكأنّهَا لَيستْ مِنَ الحَيَوَانِ |
مَا زِلتَ تَضرِبهُم دِرَاكاً في الذُّرَى | ضَرْباً كأنّ السّيفَ فيهِ اثْنانِ |
خصّ الجَماجمَ وَالوُجوهَ كأنّمَا | جاءتْ إليكَ جُسُومُهمْ بأمانِ |
فرَمَوْا بما يَرْمونَ عَنْهُ وَأدْبَرُوا | يَطَأونَ كُلّ حَنِيّةٍ مِرْنَانِ |
يَغشاهُمُ مَطَرُ السّحاب مُفَصَّلاً | بمُهَنّدٍ وَمُثَقَّفٍ وَسِنَانِ |
حُرِموا الذي أمَلُوا وَأدرَكَ منهُمُ | آمَالَهُ مَنْ عادَ بالحِرْمانِ |
وَإذا الرّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ | شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الإخْوَانِ |
هَيهاتِ عاقَ عنِ العِوادِ قَوَاضِبٌ | كَثُرَ القَتيلُ بها وَقَلّ العَاني |
وَمُهَذَّبٌ أمَرَ المَنَايَا فِيهِمِ | فأطَعْنَهُ في طاعَةِ الرّحْمانِ |
قد سَوّدتْ شجرَ الجبالِ شُعُورُهم | فكأنّ فيهِ مُسِفّةَ الغِرْبانِ |
وَجَرَى على الوَرَقِ النّجيعُ القَاني | فكأنّهُ النّارَنْجُ في الأغصانِ |
إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْ | كقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ |
تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِ | مثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ |
رَفعتْ بكَ العرَبُ العِمادَ وَصَيّرَتْ | قِمَمَ المُلُوكِ مَوَاقِدَ النّيرانِ |
أنسابُ فَخرِهِمِ إلَيْكَ وَإنّمَا | أنْسَابُ أصْلِهِمِ إلى عَدْنَانِ |
يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرَادَ بسَيْفِهِ | أصْبَحتُ منْ قَتلاكَ بالإحْسانِ |
فإذا رَأيتُكَ حارَ دونَكَ نَاظرِي | وَإذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني |
أفاضل الناس أغراض لدى الزمن
أفاضِلُ النّاسِ أغراضٌ لَدى الزّمَنِ | يَخلُو مِنَ الهَمّ أخلاهم من الفِطَنِ |
وإنّما نَحْنُ في جيلٍ سَواسِيَةٍ | شَرٍّ على الحُرّ من سُقْمٍ على بدَنِ |
حَوْلي بكُلّ مكانٍ مِنهُمُ خِلَقٌ | تُخطي إذا جِئتَ في استِفهامِها بمَنِ |
لا أقْتَري بَلَداً إلاّ على غَرَرٍ | ولا أمُرّ بخَلْقٍ غيرِ مُضْطَغِنِ |
ولا أُعاشِرُ من أملاكِهِمْ مَلِكاً | إلاّ أحَقَّ بضَرْبِ الرّأسِ من وَثَنِ |
إنّي لأعْذِرُهُمْ مِمّا أُعَنّفُهُمْ | حتى أُعَنّفُ نَفْسِي فيهِمِ وأني |
فَقْرُ الجَهُولِ بِلا قَلْبٍ إلى أدَبٍ | فَقْرُ الحِمارِ بلا رَأسٍ إلى رَسَنِ |
ومُدْقِعِينَ بسُبْرُوتٍ صَحِبْتُهُمُ | عارِينَ من حُلَلٍ كاسينَ من دَرَنِ |
خُرّابِ بادِيَةٍ غَرْثَى بُطُونُهُمُ | مَكْنُ الضِّبابِ لهمْ زادٌ بلا ثَمَنِ |
يَسْتَخْبِرُون فَلا أُعْطيهِمِ خَبَري | وما يَطيشُ لَهُمْ سَهْمٌ منَ الظِّنَنِ |
وخَلّةٍ في جَليسٍ ألْتَقيهِ بهَا | كَيما يرَى أنّنا مِثْلانِ في الوَهَنِ |
وكِلْمَةٍ في طَريقٍ خِفْتُ أُعْرِبُها | فيُهْتَدَى لي فلَمْ أقدِرْ على اللَّحَنِ |
قد هَوّنَ الصّبرُ عِندي كلَّ نازِلَةٍ | ولَيّنَ العَزْمُ حَدَّ المَركَبِ الخشنِ |
كم مَخلَصٍ وعُلًى في خوضِ مَهْلَكَةٍ | وقَتْلَةٍ قُرِنَتْ بالذّمّ في الجُبُنِ |
لا يُعْجِبَنّ مَضيماً حُسْنُ بِزّتِهِ | وهَلْ تَرُوقُ دَفيناً جُودَةُ الكفَنِ |
لله حَالٌ أُرَجّيها وتُخْلِفُني | وأقْتَضِي كَوْنَها دَهْري ويَمطُلني |
مَدَحْتُ قَوْماً وإنْ عِشنا نَظَمتُ لهم | قَصائِداً مِنْ إناثِ الخَيلِ والحُصُنِ |
تَحْتَ العَجاجِ قَوافيها مُضَمَّرَةٌ | إذا تُنُوشِدْنَ لم يَدْخُلْنَ في أُذُنِ |
فلا أُحارِبُ مَدْفُوعاً إلى جُدُرٍ | ولا أُصالِحُ مَغروراً على دَخَنِ |
مُخَيِّمُ الجَمْعِ بالبَيداءِ يَصْهَرُهُ | حَرُّ الهَواجِرِ في صُمٍّ من الفِتَنِ |
ألقَى الكِرامُ الأُلى بادوا مكارِمَهُمْ | على الخَصيبيّ عندَ الفَرْضِ والسُّننِ |
فَهُنّ في الحَجْرِ منهُ كلّما عرَضَتْ | لَهُ اليَتَامَى بَدا بالمَجْدِ والمِنَنِ |
قاضٍ إذا التَبَسَ الأمرانِ عَنّ لَهُ | رأيٌ يُخَلِّصُ بَينَ الماءِ واللّبَنِ |
غَضُّ الشّبابِ بَعيدٌ فَجْرُ لَيْلَتِهِ | مُجانِبُ العَينِ للفَحْشاءِ والوَسَنِ |
شَرابُهُ النَّشْحُ لا للرّيّ يَطْلُبُهُ | وطُعْمُهُ لِقَوامِ الجِسْمِ لا السِّمَنِ |
ألقائِلُ الصّدْقَ فيهِ ما يُضِرّ بهِ | والواحِدُ الحالَتَينِ السّرِّ والعَلَنِ |
ألفاصِلُ الحُكْمَ عَيَّ الأوَّلونَ بهِ | والمُظْهِرُ الحَقَّ للسّاهي على الذَّهِنِ |
أفْعالُهُ نَسَبٌ لَوْ لم يَقُلْ مَعَها | جَدّي الخَصيبُ عرَفنا العِرْقَ بالغُصُنِ |
العارِضُ الهَتِنُ ابنُ العارِضِ الهتنِ ابـ | ـنِ العارِضِ الهَتنِ ابنِ العارِضِ الهتنِ |
قد صَيّرَتْ أوّلَ الدّنْيا وآخِرَها | آباؤهُ مِنْ مُغارِ العِلْمِ في قَرَنِ |
كأنّهُمْ وُلدوا مِنْ قبلِ أنْ وُلِدوا | أو كانَ فَهْمُهُمُ أيّامَ لم يَكُنِ |
الخاطِرِينَ على أعْدائِهِمْ أبداً | منَ المَحامِدِ في أوقَى من الجُنَنِ |
للنّاظِرِينَ إلى إقْبالِهِ فَرَحٌ | يُزيلُ ما بِجباهِ القَوْمِ مِنْ غَضَنِ |
كأنّ مالَ ابنِ عبدِالله مُغْتَرَفٌ | من راحَتَيْهِ بأرْضِ الرّومِ واليَمَنِ |
لم نَفْتَقِدْ بكَ من مُزْنٍ سوَى لَثَقٍ | ولا منَ البَحرِ غيرَ الرّيحِ والسُّفُنِ |
ولا مِنَ اللّيثِ إلاّ قُبحَ مَنْظَرِهِ | ومِنْ سِواهُ سوَى ما لَيسَ بالحَسَنِ |
مُنذُ احْتَبَيْتَ بإنْطاكِيّةَ اعتَدَلَتْ | حتى كأنّ ذَوي الأوْتارِ في هُدَنِ |
ومُذْ مَرَرْتَ على أطْوَادِها قُرِعَتْ | منَ السّجودِ فلا نَبْتٌ على القُنَنِ |
أخلَتْ مَواهبُكَ الأسواقَ من صَنَعٍ | أغنى نَداكَ عنِ الأعمالِ والمِهَنِ |
ذا جُودُ مَن لَيسَ مِنْ دَهرٍ على ثقةٍ | وزُهْدُ مَنْ ليسَ من دُنياهُ في وَطنِ |
وهَذِهِ هِمّةٌ لم يُؤتَهَا بَشَرٌ | وذا اقْتِدارُ لِسانٍ لَيسَ في المُنَنِ |
فمُرْ وأومىء تُطَعْ قُدّستَ من جبلٍ | تَبارَكَ الله مُجْرِي الرّوحِ في حَضَنِ |
قد علم البين منا البين أجفانا
قَدْ عَلّمَ البَينُ مِنّا البَينَ أجْفانَا | تَدْمَى وألّفَ في ذا القَلبِ أحزانَا |
أمّلْتُ ساعةَ ساروا كَشفَ مِعصَمِها | ليَلْبَثَ الحَيُّ دونَ السّيرِ حَيرانَا |
ولوْ بَدَتْ لأتاهَتْهُمْ فَحَجّبَهَا | صَوْنٌ عُقُولَهُمُ من لحظِها صانَا |
بالواخِداتِ وحاديها وبي قَمَرٌ | يَظَلُّ من وَخْدِها في الخِدرِ خَشيانَا |
أمّا الثّيابُ فَتَعْرَى مِنْ مَحاسِنِهِ | إذا نَضاها ويَكسَى الحُسنَ عُرْيانَا |
يَضُمّهُ المِسكُ ضَمَّ المُسْتَهامِ بهِ | حتى يَصيرَ على الأعكانِ أعكانَا |
قد كنتُ أُشفِقُ من دَمعي على بصري | فاليَوْمَ كلُّ عزيزٍ بَعدَكمْ هَانَا |
تُهدي البَوارِقُ أخلافَ المِياهِ لكُمْ | وللمُحِبّ مِنَ التّذكارِ نِيرانَا |
إذا قَدِمْتُ على الأهوالِ شَيّعَني | قَلْبٌ إذا شِئْتُ أنْ أسلاكمُ خانَا |
أبدو فيَسجُدُ مَنْ بالسّوءِ يذكُرُني | فَلا أُعاتِبُهُ صَفْحاً وإهْوَانَا |
وهكَذا كُنتُ في أهْلي وفي وَطَني | إنّ النّفِيسَ غَريبٌ حَيثُمَا كَانَا |
مُحَسَّدُ الفَضْلِ مكذوبٌ على أثَري | ألقَى الكَميَّ ويَلقاني إذا حَانَا |
لا أشرَئِبّ إلى ما لم يَفُتْ طَمَعاً | ولا أبيتُ على ما فاتَ حَسرَانَا |
ولا أُسَرّ بمَا غَيري الحَميدُ بهِ | ولَوْ حَمَلْتَ إليّ الدّهْرَ مَلآنَا |
لا يَجْذِبَنّ رِكَابي نَحْوَهُ أحَدٌ | ما دُمتُ حَيّاً وما قَلقَلنَ كِيرانَا |
لوِ استَطَعْتُ رَكبتُ النّاسَ كلّهمُ | إلى سَعيدِ بنِ عَبْدِالله بُعْرَانَا |
فالعِيسُ أعْقَلُ مِنْ قَوْمٍ رَأيْتُهُمُ | عَمّا يَراهُ منَ الإحسانِ عُمْيانَا |
ذاكَ الجَوادُ وإنْ قَلّ الجَوادُ لَهُ | ذاكَ الشّجاعُ وإنْ لم يرْضَ أقرانَا |
ذاكَ المُعِدّ الذي تَقْنُو يَداهُ لَنَا | فَلَوْ أُصِيبَ بشيءٍ منهُ عَزّانَا |
خَفّ الزّمانُ على أطْرافِ أُنْمُلِهِ | حتى تُوُهِّمنَ للأزْمانِ أزْمانَا |
يَلْقَى الوَغَى والقَنَا والنّازِلاتِ بهِ | والسّيفَ والضّيفَ رَحبَ البال جذلانَا |
تَخالُهُ من ذكاءِ القَلْبِ مُحْتَمِياً | ومن تَكَرّمِهِ والبِشْرِ نَشْوانَا |
وتَسْحَبُ الحِبَرَ القَيْناتُ رافِلَةً | من جُودِهِ وتَجُرّ الخَيلُ أرْسَانَا |
يُعْطي المُبَشِّرَ بالقُصّادِ قَبْلَهُمُ | كَمَنْ يُبَشّرُهُ بالمَاءِ عَطْشانَا |
جَزَتْ بني الحَسَنِ الحُسنى فإنّهُمُ | في قَوْمِهِمْ مثلُهُمْ في الغُرّ عَدْنانَا |
ما شَيّدَ الله مِنْ مَجْدٍ لسالِفِهِمْ | إلاّ ونَحْنُ نَراهُ فيهِمِ الآنَا |
إنْ كوتبوا أوْ لُقوا أو حورِبوا وُجدوا | في الخَطّ واللّفظِ والهَيجاءِ فُرْسانَا |
كأنّ ألسُنَهُمْ في النّطقِ قد جُعلَتْ | على رِماحِهِمِ في الطّعنِ خِرْصانَا |
كأنّهُمْ يَرِدونَ المَوْتَ مِنْ ظَمَإٍ | أو يَنْشَقُونَ منَ الخطّيّ رَيحَانَا |
الكائِنِينَ لِمَنْ أبْغي عَداوَتَهُ | أعدَى العِدى ولمن آخيتُ إخوانَا |
خَلائِقٌ لوْ حَواها الزِّنْجُ لانْقَلَبوا | ظُمْيَ الشّفاهِ جِعادَ الشَّعرِ غُرّانَا |
وأنْفُسٌ يَلْمَعِيّاتٌ تُحِبّهُمُ | لها اضطِراراً ولَوْ أقْصَوْكَ شَنآنَا |
ألواضِحينَ أُبُوّاتٍ وأجْبِنَةً | ووالداتٍ وألْباباً وأذْهانَا |
يا صائِدَ الجَحْفَلِ المَرْهوبِ جانِبُهُ | إنّ اللّيوثَ تَصيدُ النّاسَ أُحْدانَا |
وواهِباً، كلُّ وَقْتٍ وقْتُ نَائِلِهِ | وإنّما يَهَبُ الوُهّابُ أحْيَانَا |
أنتَ الذي سَبَكَ الأموالَ مَكْرُمَةً | ثمّ اتّخَذْتَ لها السُّؤَّالَ خُزّانَا |
عَلَيْكَ منكَ إذا أُخليتَ مُرْتَقِبٌ | لم تأتِ في السّرّ ما لم تأتِ إعْلانَا |
لا أسْتَزيدُكَ فيما فيكَ من كَرَمٍ | أنا الذي نامَ إنْ نَبّهْتُ يَقْظَانَا |
فإنّ مِثْلَكَ باهَيْتُ الكِرامَ بِهِ | ورَدّ سُخْطاً على الأيّامِ رِضْوانَا |
وأنْتَ أبعَدُهُمْ ذِكراً وأكْبَرُهُمْ | قَدْراً وأرْفَعُهُمْ في المَجدِ بُنْيَانَا |
قد شَرّفَ الله أرْضاً أنْتَ ساكِنُها | وشَرّفَ النّاسَ إذْ سَوّاكَ إنْسانَا |