أهْوِنْ بطولِ الثَّواءِ والتّلَفِ

أهْوِنْ بطولِ الثَّواءِ والتّلَفِ والسّجنِ والقَيْدِ يا أبا دُلَفِ
غَيرَ اخْتِيارٍ قَبِلْتُ بِرَّكَ لي والجُوعُ يُرْضي الأسودَ بالجِيفِ
كُنْ أيّها السّجنُ كيفَ شئتَ فقد وَطّنْتُ للمَوْتِ نَفْسَ مُعترِفِ
لوْ كانَ سُكنايَ فيكَ مَنقَصَةً لم يَكُنِ الدُّرُّ ساكِنَ الصَّدَفِ

لجِنّيّةٍ أمْ غادَةٍ رُفِعَ السَّجْفُ

لجِنّيّةٍ أمْ غادَةٍ رُفِعَ السَّجْفُ لوَحْشِيّةٍ لا ما لوَحشيّةٍ شَنْفُ
نَفُورٌ عَرَتْها نَفرَةٌ فتَجاذَبَتْ سَوالِفُها والحَليُ والخَصرُ والرِّدْفُ
وخَيّلَ منها مِرْطُها فكأنّما تَثَنّى لَنا خُوطٌ ولاحَظنَا خِشفُ
زِيادَةُ شَيْبٍ وهيَ نَقصُ زِيادَتي وقُوّةُ عِشقٍ وهيَ من قُوّتي ضُعْفُ
أراقَتْ دَمي مَن بي منَ الوَجدِ ما بها من الوَجدِ بي والشوْقُ لي ولها حِلْفُ
أكَيداً لَنا يا بَينُ واصَلْتَ وَصْلَنَا فلا دارُنا تَدنُو ولا عيَشُنا يَصفُو
أُرَدّدُ وَيْلي لوْ قَضَى الوَيْلُ حاجَةً وأُكْثِرُ لَهفي لوْ شفى غُلّةً لَهْفُ
ضَنًى في الهَوى كالسّمّ في الشّهدِ كامناً لَذِذْتُ به جَهْلاً وفي اللّذّةِ الحتفُ
فأفْنى وما أفنَتْهُ نَفْسِي كأنّمَا أبو الفَرَجِ القاضي له دونَها كَهفُ
قَليلُ الكَرَى لوْ كانتِ البِيضُ والقَنَا كآرائِهِ ما أغنَتِ البَيضُ والزَّغْفُ
يَقُومُ مَقامَ الجَيشِ تَقطيبُ وَجهه ويَستَغرِقُ الألفاظَ من لَفظِهِ حرْفُ
وإنْ فَقَدَ الإعطاءَ حَنّتْ يَمينُهُ إلَيْهِ حَنينَ الإلْفِ فارَقَهُ الإلْفُ
أديبٌ رَسَتْ للعِلْمِ في أرضِ صَدْرِهِ جِبالٌ جِبالُ الأرضِ في جنبها قُفُّ
جَوادٌ سَمَتْ في الخَيرِ والشرّ كَفُّهُ سُمُوّاً أوَدَّ الدّهرَ أنّ کسمَهُ كَفُّ
وأضْحَى وبَينَ النّاسِ في كلّ سَيّدٍ منَ النّاسِ إلاّ في سيادَتِهِ خُلفُ
يُفَدّونَهُ حتى كأنّ دِماءَهُمْ لجاري هَواهُ في عُروقِهمِ تَقفُو
وُقُوفَينِ في وَقْفَينِ شُكْرٍ ونَائِلٍ فنائِلُهُ وَقْفٌ وشُكرُهُمُ وَقْفُ
ولمّا فَقَدْنَا مِثْلَهُ دامَ كَشْفُنَا عليهِ فدامَ الفقدُ وانكشفَ الكَشْفُ
وما حارَتِ الأوْهامُ في عُظْمِ شأنِهِ بأكثرَ ممّا حارَ في حُسْنِهِ الطّرْفُ
ولا نالَ مِنْ حُسّادِهِ الغَيظُ والأذَى بأعظَمَ ممّا نالَ من وَفرِهِ العُرْفُ
تَفَكّرُهُ عِلْمٌ ومَنْطِقُهُ حُكْمٌ وباطِنُهُ دينٌ وظاهِرُهُ ظَرْفُ
أماتَ رِياحَ اللّؤمِ وهْيَ عَواصِفٌ ومَغنى العُلى يودي ورَسْمُ الندى يَعفُو
فلَمْ نَرَ قَبلَ ابنِ الحُسَينِ أصابِعاً إذا ما هطَلنَ استحيتِ الدِّيَمُ الوُطفُ
ولا ساعِياً في قُلّةِ المَجْدِ مُدْرِكاً بأفعالِهِ ما لَيسَ يُدرِكُهُ الوَصْفُ
ولم نَرَ شَيئاً يَحمِلُ العِبْءَ حَملَهُ ويَستَصغِرُ الدّنْيا ويَحمِلُه طِرْفُ
ولا جَلَسَ البَحرُ المُحيطُ لِقاصِدٍ ومن تَحتِه فَرْشٌ ومن فوْقه سقفُ
فَوا عَجَبا مني أُحاوِلُ نَعْتَهُ وقد فنيَتْ فيه القراطيسُ والصُّحْفُ
ومن كَثرَةِ الأخبارِ عَن مَكْرُماتِهِ يَمُرّ لَهُ صِنْفٌ ويأتي لهُ صِنْفُ
وتَفْتَرُّ منهُ عَنْ خِصالٍ كأنّها ثَنَايا حَبيبٍ لا يُمَلّ لَهَا رَشْفُ
قصَدْتُكَ والرّاجونَ قَصدي إلَيهِمِ كثيرٌ ولكن ليسَ كالذّنَبِ الأنْفُ
ولا الفِضّةُ البَيضاءُ والتّبرُ واحداً نَفوعانِ للمُكدي وبَيْنَهُما صَرْفُ
ولَستَ بدونٍ يُرْتَجَى الغَيثُ دونَهُ ولا مُنتَهَى الجودِ الذي خلفَهُ خَلْفُ
ولا واحداً في ذا الورى من جَمَاعَةٍ ولا البَعضَ من كلٍّ ولكنّك الضِّعْفُ
ولا الضِّعْفَ حتى يَتبَعَ الضِّعفَ ضِعفُه ولا ضِعفَ ضِعفِ الضِّعفِ بل مثله ألْفُ
أقاضِيَنَا هذا الذي أنْتَ أهْلُهُ غَلِطْتُ ولا الثُّلثانِ هذا ولا النّصْفُ
وذَنْبيَ تَقْصِيري وما جِئتُ مَادِحاً بذَنبي ولكنْ جئتُ أسألُ أن تَعفُو

به وبمثله شق الصفوف

بِهِ وبِمِثْلِهِ شُقّ الصّفُوفُوزَلّتْ عَن مُباشِرِها الحُتُوفُ
فَدَعْهُ لَقًى فإنّكَ مِنْ كِرامٍجَواشِنُها الأسِنّةُ والسّيوفُ
قصيدة أبو الطيب المتنبي

ومُنْتَسِبٍ عِندي إلى مَنْ أُحِبّهُ

ومُنْتَسِبٍ عِندي إلى مَنْ أُحِبّهُ وللنَّبْلِ حَوْلي مِن يَدَيهِ حَفيفُ
فَهَيّجَ مِنْ شَوْقي وما من مَذَلّةٍ حَنَنْتُ ولَكِنّ الكَريمَ ألُوفُ
وكلُّ وِدادٍ لا يَدومُ على الأذَى دَوامَ وِدادي للحُسَينِ ضَعيفُ
فإنْ يكُنِ الفِعْلُ الذي ساءَ واحِداً فأفْعالُهُ اللائي سَرَرْنَ أُلُوفُ
ونَفْسي لَهُ نَفْسي الفِداءُ لنَفْسِهِ ولكِنّ بَعضَ المالِكينَ عَنيفُ
فإنْ كانَ يَبغي قَتْلَها يَكُ قاتِلاً بكَفّيهِ فالقَتْلُ الشّريفُ شريفُ

أعْدَدْتُ للغَادِرِينَ أسْيَافَا

أعْدَدْتُ للغَادِرِينَ أسْيَافَا أجْدَعُ مِنْهُمْ بِهِنّ آنَافَا
لا يَرْحَمُ الله أرْؤساً لَهُمُ أطَرْنَ عَن هامِهِنّ أقْحَافَا
ما يَنْقِمُ السّيفُ غَيرَ قِلّتِهمْ وَأنْ تَكُونَ المِئُونَ آلافَا
يا شَرّ لَحْمٍ فَجَعْتُهُ بدَمٍ وَزَارَ للخامِعَاتِ أجْوَافَا
قد كنتَ أُغنيتَ عن سؤالِكَ بي مَنْ زَجَرَ الطّيرَ لي وَمَنْ عَافَا
وَعَدْتُ ذا النّصْلَ مَن تعَرّضَهُ وَخِفْتُ لمّا اعترَضْتَ إخْلافَا
لا يُذكَرُ الخَيرُ إنْ ذُكِرْتَ وَلا تُتْبِعُكَ المُقْلَتَان تَوْكَافَا
إذا امْرُؤٌ راعَني بِغَدْرَتِهِ أوْرَدْتُهُ الغَايَةَ التي خَافَا

أيَدْري الرَّبْعُ أيَّ دَمٍ أراقَا

أيَدْري الرَّبْعُ أيَّ دَمٍ أراقَا وَأيَّ قُلُوبِ هذا الرّكْبِ شَاقَا
لَنَا ولأهْلِهِ أبَداً قُلُوبٌ تَلاقَى في جُسُومٍ ما تَلاقَى
ومَا عَفَتِ الرّياحُ لَهُ مَحَلاًّ عَفَاهُ مَنْ حَدَا بِهِمِ وَسَاقَا
فَلَيْتَ هوَى الأحبّةِ كانَ عَدلاً فَحَمّلَ كُلّ قَلبٍ ما أطَاقَا
نَظَرْتُ إلَيْهِمِ والعَينُ شَكْرَى فَصارَتْ كُلّهَا للدّمعِ مَاقَا
وَقَدْ أخَذَ التّمامَ البَدْرُ فيهِمْ وَأعْطاني مِنَ السّقَمِ المُحاقَا
وَبَينَ الفَرْعِ والقَدَمَينِ نُورٌ يَقُودُ بِلا أزِمّتِهَا النّياقَا
وَطَرْفٌ إنْ سَقَى العُشّاقَ كأساً بهَا نَقْصٌ سَقانِيهَا دِهَاقَا
وَخَصْرٌ تَثْبُتُ الأبْصارُ فِيهِ كأنّ عَلَيْهِ مِن حَدَقٍ نِطاقَا
سَلي عَنْ سِيرَتي فَرَسي ورُمحي وَسَيْفي والهَمَلَّعَةَ الدِّفَاقَا
تَرَكْنَا من وَرَاءِ العِيسِ نَجْداً وَنَكّبْنَا السّماوَةَ والعِراقَا
فَمَا زالَتْ تَرَى واللّيلُ داجٍ لِسَيفِ الدّوْلَةِ المَلِكِ ائتلافَا
أدِلّتُهَا رِياحُ المِسْكِ مِنْهُ إذا فَتَحَتْ مَناخِرَهَا انتِشاقَا
أبَاحَكِ أيّهَا الوَحْشُ الأعَادي فَلِمْ تَتَعَرّضِينَ لَهُ الرّفَاقَا
وَلَوْ تَبّعْتِ ما طَرَحَتْ قَنَاهُ لَكَفّكِ عَن رذَايَانَا وَعَاقَا
وَلَوْ سِرْنَا إلَيْهِ في طَرِيقٍ مِنَ النّيرانِ لمْ نَخَفِ احتِرَاقَا
إمَامٌ للأئِمّةِ مِنْ قُرَيْشٍ إلى مَنْ يَتّقُونَ لَهُ شِقَاقَا
يَكونُ لهُمْ إذا غَضِبُوا حُساماً وَللهَيْجاءِ حينَ تَقُومُ سَاقَا
فَلا تَسْتَنْكِرَنّ لَهُ ابْتِساماً إذا فَهِقَ المَكَرُّ دَماً وَضَاقَا
فَقَدْ ضَمِنَتْ لَهُ المُهَجَ العَوَالي وَحَمّلَ هَمَّهُ الخَيْلَ العِتَاقَا
إذا أُنْعِلْنَ في آثَارِ قَوْمٍ وَإنْ بَعُدُوا جَعَلْنهُمُ طِرَاقَا
وَإنْ نَقَعَ الصّريخُ إلى مَكَانٍ نَصَبْنَ لَهُ مُؤلَّلَةً دِقَاقَا
فَكَانَ الطّعْنُ بَيْنَهُمَا جَوَاباً وَكانَ اللّبْثُ بَيْنَهُما فُوَاقَا
مُلاقِيَةً نَواصِيهَا المَنَايَا مُعاوِدَةً فَوَارِسُهَا العِنَاقَا
تَبِيتُ رِمَاحُهُ فَوْقَ الهَوَادي وَقَدْ ضَرَبَ العَجاجُ لَها رِوَاقَا
تَميلُ كأنّ في الأبْطالِ خَمْراً عُلِلْنَ بها اصْطِباحاً وَاغْتِبَاقَا
تَعَجّبَتِ المُدامُ وَقَدْ حَسَاهَا فَلَمْ يَسكَرْ وَجادَ فَما أفَاقَا
أقامَ الشِّعْرُ يَنْتَظِرُ العَطَايَا فَلَمّا فَاقَتِ الأمْطارَ فَاقَا
وَزَنّا قِيمَةَ الدّهْمَاءِ مِنْهُ وَوَفّيْنا القيَانَ بِهِ الصَّداقَا
وَحاشا لارْتِياحِكَ أنْ يُبارَى وَللكَرَمِ الذي لَكَ أنْ يُبَاقَى
وَلَكِنّا نُداعِبُ مِنْكَ قَرْماً تَرَاجَعَتِ القُرُومُ لَهُ حِقَاقَا
فَتًى لا تَسْلُبُ القَتْلَى يَداهُ ويَسْلُبُ عَفْوُهُ الأسرَى الوِثَاقَا
وَلم تَأتِ الجَميلَ إليّ سَهْواً وَلم أظْفَرْ بهِ مِنْكَ استِراقَا
فَأبْلِغْ حاسِدِيّ عَلَيْكَ أنّي كَبَا بَرْقٌ يُحاوِلُ بي لَحاقَا
وَهَلْ تُغْني الرّسائِلُ في عَدُوٍّ إذا ما لم يَكُنَّ ظُبًى رِقَاقَا
إذا ما النّاسُ جَرّبَهُمْ لَبِيبٌ فإنّي قَدْ أكَلْتُهُمُ وَذاقَا
فَلَمْ أرَ وُدّهُمْ إلاّ خِداعاً وَلم أرَ دينَهُمْ إلاّ نِفَاقَا
يُقَصّرُ عَن يَمينِكَ كُلُّ بحْرٍ وَعَمّا لم تُلِقْهُ مَا ألاقَا
وَلَوْلا قُدْرَةُ الخَلاّقِ قُلْنَا أعَمْداً كانَ خَلْقُكَ أمْ وِفَاقَا
فَلا حَطّتْ لَكَ الهَيْجَاءُ سَرْجاً وَلا ذاقَتْ لَكَ الدّنْيَا فِراقَا