فُؤادٌ ما تُسَلّيهِ المُدامُ | وعُمْرٌ مثلُ ما تَهَبُ اللِّئامُ |
ودَهْرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ | وإنْ كانتْ لهمْ جُثَثٌ ضِخامُ |
وما أنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهم | ولكنْ مَعدِنُ الذّهَبِ الرَّغامُ |
أرانِبُ غَيرَ أنّهُمُ مُلُوكٌ | مُفَتَّحَةٌ عُيُونُهُمُ نِيَامُ |
بأجْسامٍ يَحَرّ القَتْلُ فيها | وما أقْرانُها إلاّ الطّعامُ |
وخَيْلٍ ما يَخِرّ لها طَعِينٌ | كأنّ قَنَا فَوارِسِها ثُمَامُ |
خَليلُكَ أنتَ لا مَن قُلتَ خِلّي | وإنْ كَثُرَ التّجَمّلُ والكَلامُ |
ولو حِيزَ الحِفاظُ بغَيرِ عَقْلٍ | تَجَنّبَ عُنقَ صَيقَلِهِ الحُسامُ |
وشِبْهُ الشيءِ مُنجَذِبٌ إلَيْهِ | وأشْبَهُنَا بدُنْيانا الطَّغامُ |
ولَوْ لم يَعْلُ إلاّ ذو مَحَلٍّ | تَعالى الجَيْشُ وانحَطّ القَتَامُ |
ولَوْ لم يَرْعَ إلاّ مُسْتَحِقٌّ | لرُتْبَتِهِ أسامَهُمُ المُسَامُ |
ومَنْ خَبِرَ الغَواني فالغَواني | ضِياءٌ في بَواطِنِهِ ظَلامُ |
إذا كانَ الشّبابُ السُّكرَ والشّيْـ | ـبُ هَمّاً فالحَياةُ هيَ الحِمامُ |
وما كُلٌّ بمَعذورٍ بِبُخْلٍ | ولا كُلٌّ على بُخْلٍ يُلامُ |
ولم أرَ مِثْلَ جيراني ومِثْلي | لمِثْلي عِندَ مِثْلِهِمُ مُقامُ |
بأرْضٍ ما اشْتَهَيْتَ رأيتَ فيها | فلَيسَ يَفُوتُها إلاّ الكِرامُ |
فهَلاّ كانَ نَقْصُ الأهْلِ فيها | وكانَ لأهْلِها مِنها التّمامُ |
بها الجَبَلانِ مِنْ صَخْرٍ وفَخْرٍ | أنَافَا ذا المُغيثُ وذا اللُّكامُ |
ولَيْسَتْ مِنْ مَواطِنِهِ ولكِنْ | يَمُرّ بها كَما مَرّ الغَمامُ |
سَقَى الله ابنَ مُنْجِيةٍ سَقَاني | بدَرٍّ ما لراضِعِهِ فِطامُ |
ومَنْ إحْدى فَوائِدِهِ العَطَايا | ومَن إحدى عَطاياهُ الذّمامُ |
وقد خَفيَ الزّمانُ بهِ عَلَينَا | كسِلْكِ الدُّرّ يُخْفيهِ النّظامُ |
تَلَذّ لهُ المُروءَةُ وهيَ تُؤذي | ومَنْ يَعشَقْ يَلَذّ لهُ الغَرامُ |
تَعَلّقَها هَوَى قَيسٍ للَيْلى | وواصَلَها فَلَيسَ بهِ سَقَامُ |
يَروعُ رَكانَةً ويَذوبُ ظَرْفاً | فَما يُدرَى أشَيْخٌ أمْ غُلامُ |
وتَمْلِكُهُ المَسائِلُ في نَداهُ | وأمّا في الجِدالِ فلا يُرامُ |
وقَبضُ نَوالِهِ شَرَفٌ وعِزٌّ | وقبضُ نَوالِ بعضِ القومِ ذامُ |
أقامتْ في الرّقابِ لَهُ أيَادٍ | هيَ الأطواقُ والنّاسُ الحَمامُ |
إذا عُدّ الكِرامُ فتِلْكَ عِجْلٌ | كمَا الأنْواءُ حينَ تُعَدّ عامُ |
تَقي جَبَهاتُهُمْ ما في ذَرَاهُمْ | إذا بشِفارِها حَمِيَ اللِّطامُ |
ولو يَمّمْتَهُمْ في الحَشْرِ تجدو | لأعطَوْكَ الذي صَلّوا وصامُوا |
فإنْ حَلُمُوا فإنّ الخَيلَ فيهِمْ | خِفافٌ والرّماحَ بها عُرامُ |
وعِندَهُمُ الجِفانُ مُكَلَّلاتٌ | وشَزْرُ الطّعْنِ والضّرْبُ التُّؤامُ |
نُصَرّعُهُمْ بأعْيُنِنا حَيَاءً | وتَنْبُو عَن وُجوهِهِمُ السّهامُ |
قَبيلٌ يَحْمِلُونَ منَ المَعالي | كما حَمَلَتْ من الجسدالعِظامُ |
قَبيلٌ أنتَ أنتَ وأنتَ منهُمْ | وجَدُّكَ بِشْرٌ المَلِكُ الهُمَامُ |
لِمَنْ مالٌ تُمَزّقُهُ العَطَايا | ويُشْرَكُ في رَغائِبِهِ الأنامُ |
ولا نَدْعُوكَ صاحبَهُ فترْضَى | لأنّ بصُحبَةٍ يَجِبُ الذّمَامُ |
تُحايدُهُ كأنّكَ سامِرِيٌّ | تُصافِحُهُ يَدٌ فيها جُذامُ |
إذا ما العالِمُونَ عَرَوْكَ قالُوا | أفِدْنا أيّها الحِبْرُ الإمامُ |
إذا ما المُعْلِمُونَ رأوْكَ قالوا | بهَذا يُعْلَمُ الجيشُ اللُّهامُ |
لقد حَسُنتْ بكَ الأوقاتُ حتى | كأنّكَ في فَمِ الزّمَنِ ابتِسامُ |
وأُعطيتَ الذي لم يُعْطَ خَلْقٌ | عَلَيكَ صَلاةُ رَبّكَ والسلامُ |
شعر ابوالطيب المتنبي
أجمل قصائد شعر عربية للشاعر الكبير ابو الطيب المتنبي اشعار المتنبي الرائعة هنا.
ملومكما يجل عن الملام
مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ المَلامِ | وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوْقَ الكَلامِ |
ذَرَاني وَالفَلاةَ بِلا دَليلٍ | وَوَجْهي وَالهَجِيرَ بِلا لِثَامِ |
فإنّي أسْتَرِيحُ بذي وَهَذا | وَأتْعَبُ بالإنَاخَةِ وَالمُقَامِ |
عُيُونُ رَوَاحِلي إنْ حِرْتُ عَيني | وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغامي |
فَقَدْ أرِدُ المِيَاهَ بِغَيرِ هَادٍ | سِوَى عَدّي لهَا بَرْقَ الغَمَامِ |
يُذِمّ لِمُهْجَتي رَبّي وَسَيْفي | إذا احْتَاجَ الوَحيدُ إلى الذّمَامِ |
وَلا أُمْسِي لأهْلِ البُخْلِ ضَيْفاً | وَلَيسَ قِرًى سوَى مُخّ النّعامِ |
وَلمّا صَارَ وُدّ النّاسِ خِبّاً | جَزَيْتُ على ابْتِسامٍ بابْتِسَامِ |
وَصِرْتُ أشُكُّ فيمَنْ أصْطَفيهِ | لعِلْمي أنّهُ بَعْضُ الأنَامِ |
يُحِبّ العَاقِلُونَ على التّصَافي | وَحُبّ الجَاهِلِينَ على الوَسَامِ |
وَآنَفُ مِنْ أخي لأبي وَأُمّي | إذا مَا لم أجِدْهُ مِنَ الكِرامِ |
أرَى الأجْدادَ تَغْلِبُهَا كَثِيراً | على الأوْلادِ أخْلاقُ اللّئَامِ |
وَلَسْتُ بقانِعٍ مِن كلّ فَضْلٍ | بأنْ أُعْزَى إلى جَدٍّ هُمَامِ |
عَجِبْتُ لمَنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ | وَيَنْبُو نَبْوَةَ القَضِمِ الكَهَامِ |
وَمَنْ يَجِدُ الطّرِيقَ إلى المَعَالي | فَلا يَذَرُ المَطيَّ بِلا سَنَامِ |
وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً | كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ |
أقَمْتُ بأرْضِ مِصرَ فَلا وَرَائي | تَخُبُّ بيَ الرّكابُ وَلا أمَامي |
وَمَلّنيَ الفِرَاشُ وَكانَ جَنبي | يَمَلُّ لِقَاءَهُ في كُلّ عامِ |
قَليلٌ عَائِدي سَقِمٌ فُؤادي | كَثِيرٌ حَاسِدي صَعْبٌ مَرَامي |
عَليلُ الجِسْمِ مُمْتَنِعُ القِيَامِ | شَديدُ السُّكْرِ مِنْ غَيرِ المُدامِ |
وَزَائِرَتي كَأنّ بهَا حَيَاءً | فَلَيسَ تَزُورُ إلاّ في الظّلامِ |
بَذَلْتُ لهَا المَطَارِفَ وَالحَشَايَا | فَعَافَتْهَا وَبَاتَتْ في عِظامي |
يَضِيقُ الجِلْدُ عَنْ نَفَسي وَعَنها | فَتُوسِعُهُ بِأنْوَاعِ السّقَامِ |
إِذا ما فارَقَتني غَسَّلَتني | كَأَنّا عاكِفانِ عَلى حَرامِ |
كأنّ الصّبْحَ يَطرُدُها فتَجرِي | مَدامِعُهَا بأرْبَعَةٍ سِجَامِ |
أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيرِ شَوْقٍ | مُرَاقَبَةَ المَشُوقِ المُسْتَهَامِ |
وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصّدْقُ شرٌّ | إذا ألْقَاكَ في الكُرَبِ العِظامِ |
أبِنْتَ الدّهْرِ عِندي كُلُّ بِنْتٍ | فكَيفَ وَصَلْتِ أنتِ منَ الزّحامِ |
جَرَحْتِ مُجَرَّحاً لم يَبقَ فيهِ | مَكانٌ للسّيُوفِ وَلا السّهَامِ |
ألا يا لَيتَ شِعرَ يَدي أتُمْسِي | تَصَرَّفُ في عِنَانٍ أوْ زِمَامِ |
وَهَلْ أرْمي هَوَايَ بِرَاقِصَاتٍ | مُحَلاّةِ المَقَاوِدِ باللُّغَامِ |
فَرُبَّتمَا شَفَيْتُ غَليلَ صَدْرِي | بسَيرٍ أوْ قَنَاةٍ أوْ حُسَامِ |
وَضَاقَت خُطّةٌ فَخَلَصْتُ مِنها | خَلاصَ الخَمرِ من نَسجِ الفِدامِ |
وَفَارقْتُ الحَبيبَ بِلا وَداعٍ | وَوَدّعْتُ البِلادَ بِلا سَلامِ |
يَقُولُ ليَ الطّبيبُ أكَلْتَ شَيئاً | وَداؤكَ في شَرَابِكَ وَالطّعامِ |
وَمَا في طِبّهِ أنّي جَوَادٌ | أضَرَّ بجِسْمِهِ طُولُ الجَمَامِ |
تَعَوّدَ أنْ يُغَبِّرَ في السّرَايَا | وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ في قَتَامِ |
فأُمْسِكَ لا يُطالُ لَهُ فيَرْعَى | وَلا هُوَ في العَليقِ وَلا اللّجَامِ |
فإنْ أمرَضْ فما مرِضَ اصْطِباري | وَإنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعتزَامي |
وَإنْ أسْلَمْ فَمَا أبْقَى وَلَكِنْ | سَلِمْتُ مِنَ الحِمامِ إلى الحِمامِ |
تَمَتّعْ مِنْ سُهَادٍ أوْ رُقَادٍ | وَلا تَأمُلْ كرًى تحتَ الرِّجَامِ |
فإنّ لِثَالِثِ الحَالَينِ مَعْنًى | سِوَى مَعنَى انتِباهِكَ وَالمَنَامِ |
من أية الطرق يأتي مثلك الكرم
من أيّةِ الطُّرْقِ يأتي مثلَكَ الكَرَمُ | أينَ المَحاجِمُ يا كافُورُ وَالجَلَمُ |
جازَ الأُلى مَلكَتْ كَفّاكَ قَدْرَهُمُ | فعُرّفُوا بكَ أنّ الكَلْبَ فوْقَهُمُ |
ساداتُ كلّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ | وَسادَةُ المُسلِمينَ الأعْبُدُ القَزَمُ |
أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم | يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ |
ألا فَتًى يُورِدُ الهِنْدِيَّ هَامَتَهُ | كَيما تزولَ شكوكُ النّاسِ وَالتُّهمُ |
فإنّهُ حُجّةٌ يُؤذي القُلُوبَ بهَا | مَنْ دينُهُ الدّهرُ وَالتّعطيلُ وَالقِدمُ |
ما أقدَرَ الله أنْ يُخْزِي خَليقَتَهُ | وَلا يُصَدِّقَ قَوْماً في الذي زَعَمُوا |
الرأي قبل شجاعة الشجعان
الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ | هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني |
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ | بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ |
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ | بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ |
لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ | أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ |
وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْ | أيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ |
لَوْلا سَميُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُ | لمّا سُلِلْنَ لَكُنّ كالأجْفانِ |
خاضَ الحِمَامَ بهنّ حتى ما دُرَى | أمِنِ احتِقارٍ ذاكَ أمْ نِسْيَانِ |
وَسَعَى فَقَصّرَ عن مَداهُ في العُلى | أهْلُ الزّمانِ وَأهْلُ كلّ زَمَانِ |
تَخِذُوا المَجالِسَ في البُيُوتِ وَعندَه | أنّ السّرُوجَ مَجالِسُ الفِتيانِ |
وَتَوَهّموا اللعِبَ الوَغى والطعنُ في الـ | ـهَيجاءِ غَيرُ الطّعْنِ في الميدانِ |
قادَ الجِيَادَ إلى الطّعانِ وَلم يَقُدْ | إلاّ إلى العاداتِ وَالأوْطانِ |
كُلَّ ابنِ سَابقَةٍ يُغيرُ بحُسْنِهِ | في قَلْبِ صاحِبِهِ عَلى الأحزانِ |
إنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بآدابِ الوَغَى | فدُعاؤها يُغني عنِ الأرْسانِ |
في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيُونَ غبارُهُ | فكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذانِ |
يَرْمي بهَا البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ | كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَرِيبٌ دانِ |
فكأنّ أرْجُلَهَا بتُرْبَةِ مَنْبِجٍ | يَطرَحنَ أيديَها بحِصْنِ الرّانِ |
حتى عَبرْنَ بأرْسَنَاسَ سَوَابحاً | يَنْشُرْنَ فيهِ عَمَائِمَ الفُرْسانِ |
يَقْمُصْنَ في مثلِ المُدَى من بارِدٍ | يَذَرُ الفُحُولَ وَهنّ كالخصْيانِ |
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ | تَتَفَرّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ |
رَكَضَ الأميرُ وَكاللُّجَينِ حَبَابُهُ | وَثَنى الأعِنّةَ وَهْوَ كالعِقيانِ |
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فوْقَهُ | وَبَنى السّفينَ لَهُ منَ الصّلْبانِ |
وَحَشاهُ عادِيَةً بغَيرِ قَوَائِمٍ | عُقُمَ البطونِ حَوَالِكَ الألوَانِ |
تأتي بما سَبَتِ الخُيُولُ كأنّهَا | تحتَ الحِسانِ مَرَابضُ الغِزْلانِ |
بَحْرٌ تَعَوّدَ أنْ يُذِمّ لأهْلِهِ | من دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الحِدْثَانِ |
فتَرَكْتَهُ وَإذا أذَمّ مِنَ الوَرَى | رَاعَاكَ وَاستَثنى بَني حَمدانِ |
ألمُخْفِرِينَ بكُلّ أبيَضَ صَارِمٍ | ذِممَ الدّرُوعِ على ذوي التّيجانِ |
مُتَصَعْلِكينَ على كَثَافَةِ مُلكِهم | مُتَوَاضِعِينَ على عَظيمِ الشّانِ |
يَتَقَيّلُونَ ظِلالَ كُلّ مُطَهَّمٍ | أجَلِ الظّليمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحانِ |
خَضَعتْ لمُنصُلكَ المَناصِلُ عَنوَةً | وَأذَلّ دِينُكَ سَائِرَ الأدْيانِ |
وَعلى الدّروبِ وَفي الرّجوعِ غضَاضَةٌ | وَالسّيرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الإمْكانِ |
وَالطّرْقُ ضَيّقَةُ المَسَالِكِ بالقَنَا | وَالكُفْرُ مُجتَمعٌ على الإيمَانِ |
نَظَرُوا إلى زُبَرِ الحَديدِ كأنّمَا | يَصْعَدْنَ بَينَ مَناكِبِ العِقْبانِ |
وَفَوَارِسٍ يُحيي الحِمامُ نُفوسَها | فكأنّهَا لَيستْ مِنَ الحَيَوَانِ |
مَا زِلتَ تَضرِبهُم دِرَاكاً في الذُّرَى | ضَرْباً كأنّ السّيفَ فيهِ اثْنانِ |
خصّ الجَماجمَ وَالوُجوهَ كأنّمَا | جاءتْ إليكَ جُسُومُهمْ بأمانِ |
فرَمَوْا بما يَرْمونَ عَنْهُ وَأدْبَرُوا | يَطَأونَ كُلّ حَنِيّةٍ مِرْنَانِ |
يَغشاهُمُ مَطَرُ السّحاب مُفَصَّلاً | بمُهَنّدٍ وَمُثَقَّفٍ وَسِنَانِ |
حُرِموا الذي أمَلُوا وَأدرَكَ منهُمُ | آمَالَهُ مَنْ عادَ بالحِرْمانِ |
وَإذا الرّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ | شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الإخْوَانِ |
هَيهاتِ عاقَ عنِ العِوادِ قَوَاضِبٌ | كَثُرَ القَتيلُ بها وَقَلّ العَاني |
وَمُهَذَّبٌ أمَرَ المَنَايَا فِيهِمِ | فأطَعْنَهُ في طاعَةِ الرّحْمانِ |
قد سَوّدتْ شجرَ الجبالِ شُعُورُهم | فكأنّ فيهِ مُسِفّةَ الغِرْبانِ |
وَجَرَى على الوَرَقِ النّجيعُ القَاني | فكأنّهُ النّارَنْجُ في الأغصانِ |
إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْ | كقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ |
تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِ | مثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ |
رَفعتْ بكَ العرَبُ العِمادَ وَصَيّرَتْ | قِمَمَ المُلُوكِ مَوَاقِدَ النّيرانِ |
أنسابُ فَخرِهِمِ إلَيْكَ وَإنّمَا | أنْسَابُ أصْلِهِمِ إلى عَدْنَانِ |
يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرَادَ بسَيْفِهِ | أصْبَحتُ منْ قَتلاكَ بالإحْسانِ |
فإذا رَأيتُكَ حارَ دونَكَ نَاظرِي | وَإذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني |
أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني
أبْلى الهَوَى أسَفاً يَوْمَ النّوَى بَدَني | وَفَرّقَ الهَجْرُ بَيْنَ الجَفنِ وَالوَسَنِ |
رُوحٌ تَرَدّدَ في مثلِ الخِلالِ إذا | أطَارَتِ الرّيحُ عنهُ الثّوْبَ لم يَبنِ |
كَفَى بجِسْمي نُحُولاً أنّني رَجلٌ | لَوْلا مُخاطَبَتي إيّاكَ لمْ تَرَني |
كتمت حبك حتى منك تكرمة
كَتَمْتُ حُبّكِ حتى منكِ تكرمَةً | ثمّ اسْتَوَى فيهِ إسراري وإعْلاني |
كأنّهُ زادَ حتى فَاضَ عَن جَسَدي | فصارَ سُقْمي بهِ في جِسْمِ كِتماني |