| تفَوّهَ دهرُكم عجَباً فأصغُوا | إلى ما ظلّ يخبر يا شهودُ |
| إذا افتكَرَ الذين لهم عقولٌ | رأوا نبأً يحقُّ له السُّهودُ |
| غدا أهلُ الشّرائعِ في اختلافٍ | تُقَضُّ به المَضاجعُ والمهود |
| فقد كذَبَتْ على عيسى النّصارى | كما كذَبتْ على موسى اليَهود |
| ولمْ تَستَحدِث الأيّامُ خُلقاً | ولا حالتْ من الزّمنِ العُهود |
أبو العلاء المعري
أبو العلاء المعري هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري, من شعراء العصر العباسي ولد وتوفي في معرة النعمان بسوريا.
أنا صائم طول الحياة وإنما
| أنا صائمٌ طولَ الحياةِ وإنّما | فِطري الحِمامُ ويومَ ذاك أُعيِّدُ |
| لونانِ من ليلٍ وصبحٍ لوّنا | شَعري وأضعفني الزّمانُ الأيّد |
| والنّاسُ كالأشعارِ ينطِقُ دهرُهم | بهمُ فمُطلِقُ معشرٍ ومقيِّد |
| قالوا فلانٌ جيّدٌ لصديقِه | لا يكذِبوا ما في البريّة جيّد |
| فأميرُهمْ نالَ الإمارةَ بالخَنى | وتَقيُّهُم بصلاتِه متصيِّد |
| كنْ مَن تشاءُ مُهجَّناً أو خالصاً | وإذا رُزِقتَ غنًى فأنتَ السيّد |
| واصمُتْ فما كثُرَ الكلام من امرىء | إلاّ وظُنّ بأنّه مُتَزَيِّد |
أكرم بياضك عن خطر يسوده
| أَكرِم بَياضَكَ عَن خِطرٍ يُسَوِّدُهُ | وَاِزجُر يَمينَكَ عَن شَيبٍ تُنَقّيهِ |
| لَقَيتَهُ بِجَلاءٍ عَن مَنازِلِهِ | وَلَيسَ يَحسُنُ هَذا مِن تَلَقّيهِ |
| أَلا تَفَكَّرتَ قَبلَ النَسلِ في زَمَنٍ | بِهِ حَلَلتَ فَتَدري أَينَ تُلقيهِ |
| تَرجو لَهُ مِن نَعيمِ الدَهرِ مُمتَنَعاً | وَما عَلِمتَ بِأَنَّ العَيشَ يُشقيهِ |
| شَكا الأَذى فَسَهِرتَ اللَيلَ وَاِبتَكَرَت | بِهِ الفَتاةُ إِلى شَمطاءَ تَرقيهِ |
| وَأُمُّهُ تَسأَلُ العَرّافَ قاضِيَةً | عَنهُ النُذورَ لَعَلَّ اللَهَ يُبقيهِ |
| وَأَنتَ أَرشَدُ مِنها حينَ تَحمِلُهُ | إِلى الطَبيبِ يُداويهِ وَيَسقيهِ |
| وَلَو رَقى الطِفلَ عيسى أَو أُعيدَ لَهُ | بُقراطُ ما كانَ مِن مَوتٍ يُوَقّيهِ |
| وَالحَيُّ في العُمرِ مِثلُ الغِرِّ يَرقَأَُ في | سورِ العِدى وَإِلى حَتفٍ تَرَقّيهِ |
| دَنَّستَ عِرضَكَ حَتّى ما تَرى دَنَساً | لَكِن قَميصُكَ لِلأَبصارِ تُنقيهِ |
يا أيها المغرور لب من الحجى
| يا أيها المغرورُ لَبَّ من الحِجى | وإذا دعاك إلى التقى داعٍ فَلبْ |
| إِنَّ الشُرورَ لَكَالسَحابَةِ أَثجَمَت | لاكِ السرورُ كأنّهُ برقٌ خَلَبْ |
| وأبرُّ من شُربِ المدامة صُفّنَتْ | في عسجدٍ، شُربُ الرثيئة في العُلَب |
| جاءَتكَ مثلَ دمِ الغزالِ بكأسها | مقتولةً قَتلتْكَ، فالهُ عن السّلب |
| حلَبِيّةٌ في النّسبتينِ لأنّهما | حلَبُ الكُرومِ وأنّ موطنها حلَب |
| والعقلُ أنفسُ ما حُبيتَ وإن يُضَعْ | يوماً، يَضعْ، فغْوى الشّراب وما حلب |
| والنّفسُ تعلمُ أنّها مطلوبةٌ | بالحادثات، فما تُراع من الطّلب |
| والدّهرُ أرقمُ بالصباح وبالدُّجى | كالصِّلّ يفتُكُ باللّديغِ إذا انقلب |
| وأرى الملوكَ ذوي المراتِب، غالبوا | أيامهم، فانظرْ بعيشكَ من غَلَب |
| سيّانِ عندي مادحٌ متحرضٌ | في قولهِ وأخو الهجاءِ إذا ثلَب |
إذا أقبل الإنسان في الدهر صدقت
| إذا أقبلَ الإنسانُ في الدهر صُدّقتْ | أحاديثُهُ عن نفسه وهو كاذبُ |
| أتوهِمُني بالمَكر أنّكَ نافعي | وما أنتَ إلا في حِبالكَ جاذِبُ |
| وتأكلُ لحم الخِلّ مُستعذبِاً له | وتَزعُمُ للأقوام أنّكَ عاذِب |
صحبت الحياة فطال العناء
| صحبتُ الحياةَ، فطالَ العَناءُ | ولا خيرَ في العيش مُستصحبَا |
| وقد كنتُ فيما مضى جامحاً | ومن راضَهُ دهرُهُ أصحَبا |
| متى ما شحَبْتَ لوجه المليكِ | كُسيتَ جمالاً بأنْ تَشحبا |
| حبا الشيخُ لا طامعاً في النهوض | نقيضَ الصّبيّ إذا ما حَبا |
| ولم يحبُني أحَدٌ نعمةً | ولكن مَوْلى المَوالي حبا |
| نصَحْتُكَ، فاعملْ له دائماً | وإن جاء موتٌ فقلْ مرحبا |