| أُسْكُتي يا جرَاحْ | وأسكني يا شجونْ |
| ماتَ عهد النُّواحْ | وَزَمانُ الجُنُونْ |
| وَأَطَلَّ الصَّبَاحْ | مِنْ وراءِ القُرُونْ |
| في فِجاجِ الرّدى | قد دفنتُ الألَمْ |
| ونثرتُ الدُّموعْ | لرياحِ العَدَمْ |
| واتّخذتُ الحياة | مِعزفاً للنّغمْ |
| أتغنَّى عليه | في رحابِ الزّمانْ |
| وأذبتُ الأسَى | في جمال الوجودْ |
| ودحوتُ الفؤادْ | واحة ً للنّشيدْ |
| والضِّيا والظِّلالْ | والشَّذَى والورودْ |
| والهوى والشَّبابَّ | والمنى والحَنانْ |
| اسكُني يا جراحْ | وأسكُتي يا شجونْ |
| ماتَ عهدُ النّواحْ | وزَمانُ الجنونْ |
| وَأَطَلَ الصَّباحْ | مِنْ وراءِ القُرونْ |
| في فؤادي الرحيبْ | مَعْبِدٌ للجَمَالْ |
| شيَّدتْه الحياة ْ | بالرّؤى ، والخيال |
| فَتَلَوتُ الصَّلاة | في خشوع الظّلالْ… |
| وَحَرقْتُ البخور… | وأضأتُ الشُّموع |
| إن سِحْرَ الحياة ْ | خالدٌ لا يزولْ |
| فَعَلامَ الشَّكَاة ْ | مِنْ ظَلامٍ يَحُولْ |
| ثمَ يأتي الصبَّاح | وتمُرُّ الفصولْ..؟ |
| سوف يأتي رَبِيعْ | إن تقضَّى رَبِيعْ |
| کسكُنِي يا جراحْ | وأسكتي يا شجونْ |
| ماتَ عهدُ النّواح | وَزَمانُ الجنونْ |
| وأطلَّ الصَّباحْ | مِن وراءِ القُروُنْ |
| من وراءِ الظَّلامْ | وهديرِ المياهْ |
| قد دعاني الصَّباحْ | وَرَبيعُ الحَيَاهْ |
| يا لهُ مِنْ دُعاءُ | هزّ قلبي صَداهْ |
| لَمْ يَعُد لي بَقاء | فوق هذي البقاعْ |
| الودَاعَ! الودَاعَ! | يا جبالَ الهمومْ |
| يا هضَبابَ الأسى ! | يا فِجَاجَ الجحيمْ |
| قد جرى زوْرَقِي | في الخضمِّ العظيمْ… |
| ونشرتُ الشراعْ… | فالوَداعَ! الوَداعْ |
ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ
| ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ | حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ |
| سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ | وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ |
| وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ | وتبذرُ شوكَ الأسى في رُباهُ |
| رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ | وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ |
| ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام | وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ |
| حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ | ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ |
| تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ | رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ |
| ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ | وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ |
| سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء | ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ |
أَزَنْبَقَة َ السفْح! مالي أراكِ
| أَزَنْبَقَة َ السفْح! مالي أراكِ | تَعَانِقُكِ اللَّوْعة ُ القَاسِيه؟ |
| أفي قَلْبكِ الغضِّ صوتُ اللهيب، | يرتِّل أُنْشُودَة َ الهاويهْ؟ |
| أَأَسْمَعَكِ اللَّيلُ نَدْبَ القُلوبِ | أأرشفكِ الفجرُ كأسَ الأسى ؟ |
| أَصَبَّ عليكِ شُعَاعُ الغروبِ | نجيعَ الحياة ، ودمعَ المسا؟ |
| أأوقفكَ الدهرُ حيث يُفجِّـ | ـرُ نوحُ الحياة صُدوعَ الصدور؟ |
| وَيَنبَثِقُ الليل طيفاً، كئيباً | رهيباً، ويخفقُ حُزْنُ الدهورْ؟ |
| إذا أضرتكِ أغاني الظلامِ | فقد عذَّبَتْني أغاني الوجومْ |
| وإن هجرتكِ بناتُ الغيوم | فقد عانَقَتْني بناتُ الجَحيمْ |
| وإنْ سَكَبَ الدَّهْرُ في مِسمِعيْكِ | نَحِيبَ الدُّجَى ، وأنينَ الأملْ |
| فقد أجّجَ الدهرُ في مُهْجتي | شُواظاً من الحَزَن المشتعل |
| وإن أرشفتْكِ شفاهُ الحياة | رُضابَ الأسى ، ورحيقَ الألم |
| فإنِّي تجرّعتُ من كفِّها | كُؤوساً، مؤجَّجة ً، تَضْطَرِمْ |
| أصيخي! فما بين أعشار قلبي | يرِفّ صدى نوحِكِ الخافت |
| معيداً على مهجتي بحفيف | جَنَاحَيْهِ صَوْتَ الأسى المائتِ |
| وقد أترع الليلُ بالحب كأسى | وشعشعها بلهيب الحياة |
| وجرّعني من ثُمالاتِه | مرارة َ حُزْنٍ، تُذيبُ الصَّفاة ْ |
| إليَّ! فقد وحّدت بيننا | قَسَاوة ُ هذا الزّمان الظَّلُومْ |
| فقد فَجَّرتْ فيَّ هذي الكُلومَ | كما فجّرت فيكِ تلك الكلوم |
| وإنْ جَرَفَتْنِي أكفُّ المنونِ | اللحْد، أو سحقتكِ الخُطوبْ |
| فَحُزْني وَحُزْنُكِ لا يَبْرَحَانِ | ألِيفيْنِ رغمَ الزّمان العَصيبْ |
| وتحت رواقِ الظَّلامِ الكَئيبِ | إذا شملَ الكونَ روحُ السحَرْ |
| سيُسمَع صوتٌ، كلحن شجيٍّ | تطايَرَ من خَفَقات الوترْ |
| يردِّدُه حُزنُنا في سكون | على قبرنا، الصّامتِ المطمئن |
| فَنَرقُد تَحْتَ التُّرابِ الأصمِّ | جميعاً على نَغَمَاتِ الحَزَنْ |
من حديث الشيوخ
| من حديث الشيوخ | |
| وتطهرَ أروحنا في الحياة ِ | بنارِ الأسى … |
| اللَّيْلِ، فِي تِلْكَ النَّوَاحي | وتلك الأغاني، وذاك النشيدْ ؟ |
| بَعْدَ إضْرَامِ الكِفَاحِ | |
| يسمعُ الأحزانَ تبكي | وقال ليَ الغابُ في رقَّة ٍ |
| سَعْيَ غَيْدَاءَ، رَدَاحِ | |
| ألماً علمني كرهَ الحياة ْ | |
| وتربدُّ تلكَ الوجوهُ الصباحُ | فَرَنَتْ نَحْوَ جَلاَلِ الكَوْ |
| وضياءٍ، وظلالٍ، ودجى ، | |
| وهل ينطفي في النفوسِ الحنينُ | وانقِبَاضٍ، وانْشِرَاحِ |
| وفتنة َ هذا الوجودِ الأغَرْ» | والهمومْ |
| في دولة ِ الأَنْصَابِ والأَلقابِ» | |
| أيامَ كانتْ للحياة ِ حلاوة ُ الروضِ المطيرْ | |
| غُدُوٍ، وَرُوَاحِ | من الكون ـ وهو المقيم الأبيدْ ـ ؟ |
| أخرسَ العصفورَ عني، | |
| يَهْجَعُ الكَوْنُ، في طمأنينة ِ الْعُصْـ | |
| نِ، جَوْنَاءُ اللِّيَاحِ | نظامٌ، دقيقٌ، بديعٌ، فريدْ |
| ههنا، تمشي الأماني، والهوى ، | والأسى ، في موكبٍ فخمِ النشيدْ |
| ولولا شقاءُ الحياة ِ الأليمِ | |
| وبدرٌ يضيءُ ، وغيمٌ يجودْ ؟ | |
| ضمَّتِ الميْتَ تلكَ الحُفرْ» | وسلامهْ |
| «ظمئتُ إلى الكون! أين الوجودُ | |
| نَحْوَ رَبّاتِ الجَنَاحِ | كأنّ صدَاها زئيرُ الأسودْ |
| فَاحْتَسَتْ خَمْرَ نَدَى الدَّا | |
| لوعة ُ اليومِ، فتبكي وتئنُّ | لشقاها |
| إنَّمَا الدَّهْرُ وَمِيثَا | كما تنثرُ الوردَ ريحٌ شرودْ |
| ـسِ فِي العَرْشِ الفُسَاحِ | وعيشٍ، غضيرٍ، رخيٍّ، رغيدْ ؟ |
والضجر
| والضَّجَرْ | أيُّ طَيْر |
| لَيْتَ شِعْري! | |
| يَسْمَعُ الأَحْزَانَ تَبْكِي | |
| وذا جنونٌ ، لعمري، كلهُ جزعٌ | حَاكُوا لَكُمْ ثَوْبَ عِزٍّ |
| فَأَرى صَوْتي فَرِيدْ! | يهيجُ فيها غبارا |
| تبقي الأديبَ حمارا | |
| قد كبلَ القدرُ الضاري فرائسهْ | فما استطاعوا له دفعاً، ولا حزروا |
| لا يعرفُ المرءُ منها | ليلاً رأى أمْ نهارا |
| يخالُ كلَّ خيالٍ | |
| ـنوى قلى ً، وصغارا | |
| لبستم الجهلَ ثوباً | تخذتموهُ شعارا |
| كَالكَسِيرْ؟ | قطنتمُ الجهلَ دارا ؟ |
| لَسْتُ أدري | |
| خلعتموهُ احتقارا | |
| يا ليتَ قومي أصاخوا | لما أقولُ جهارا |
| وَأَعْقَبَتْهُمْ خُمَارا | كالموتِ، لكنْ إليها الوردُ والصدرُ |
| يا شعرُ! أسمعتَ لكنْ | |
| فلا تبالِ إذا ما | أعطوا نداكَ ازورارا |
عش بالشعور وللشعور فإنما
| عِشْ بالشُّعورِ وللشُّعورِ فإنَّما – دُنْياكَ كونُ عواطفٍ وشعورِ |
| شِيدَتْ على العَطْفِ العميقِ وإنَّها – لَتَجِفُّ لو شِيدَتْ على التَّفْكيرِ |
| وتَظَلُّ جامِدَةَ الجمالِ كئيبةً – كالهيكلِ المتهدِّم المهجورِ |
| وتَظَلُّ قاسيَةَ الملامِحِ جهْمةً – كالموتِ مُقْفِرَةً بغيرِ سُرورِ |
| لا الحُبُّ يرقُصُ فوقها متغنِّياً – للنَّاس بَيْنَ جداولٍ وزُهورِ |
| مُتَوَرِّدَ الوجناتِ سَكرانَ الخطى – يهتزُّ من مَرَحٍ وفَرْطِ حُبورِ |
| متكلِّلاً بالورْدِ ينثرُ للورى – أَوراقَ وردِ اللَّذّةِ المنضُورِ |
| كلاّ ولا الفنُّ الجميلُ بظاهرٍ – في الكونِ تحتَ غَمامةٍ من نُورِ |
| متَوشِّحاً بالسِّحْرِ ينفُخُ نايَهُ – المشبوبَ بَيْنَ خمائلٍ وغديرِ |
| أَو يلمسُ العودَ المقدَّسَ واصفاً – للموت للأَيَّامِ للدَّيجورِ |
| مَا في الحَيَاةِ من المسرَّةِ والأَسى – والسِّحْر واللَّذّاتِ والتغريرِ |
| أَبداً ولا الأَملُ المجنَّحُ منْشِداً – فيها بصوتِ الحالمِ المَحْبُورِ |
| تِلْكَ الأَناشيدَ التي تَهَبُ الوَرَى – عزْمَ الشَّبابِ وغِبْطَةَ العُصفورِ |
| واجعل شُعورَكَ في الطَّبيعَةِ قائداً – فهوَ الخبيرُ بتيهِهَا المَسْحُورِ |
| صَحِبَ الحياةَ صغيرةً ومشى بها – بَيْنَ الجماجمِ والدَّمِ المَهْدورِ |
| وعَدَا بها فوقَ الشَّواهِقِ باسماً – متغنِّياً مِنْ أَعْصُرِ ودُهورِ |
| والعقلُ رغْمَ مشيبهِ ووقَارِهِ – مَا زالَ في الأَيَّامِ جِدّ صغيرِ |
| يمشي فَتَضْرَعُهُ الرِّياحُ فيَنْثَني – متَوَجِّعاً كالطَّائرِ المكسورِ |
| ويظلُّ يسأَلُ نفسه متفلسفاً – متَنَطِّساً في خفَّةٍ وغُرورِ |
| عمَّا تحجِّبُهُ الكَواكبُ خلفَها – مِنْ سِرِّ هذا العالَم المستورِ |
| وهو المهشَّمُ بالعواصفِ يا له – مِنْ ساذجٍ متفلسفٍ مغرور |
| وافتحْ فؤادكَ للوجودِ وخَلِّه – لليَمِّ للأَمواجِ للدَّيجور |
| للثَّلجِ تنثُرُهُ الزَّوابعُ للأسى – للهَوْلِ للآلامِ للمقدور |
| واتركْهُ يقتحِمُ العواصفَ هائماً – في أُفْقِها المتلبِّدِ المقرورِ |
| ويخوضُ أَحشاءَ الوُجُود مُغامِراً – في ليلها المتهيِّبِ المحذورِ |
| حتَّى تُعانِقَهُ الحَيَاةُ ويرتوي – من ثَغْرِها المتأجِّج المَسْجُورِ |
| فتعيشَ في الدُّنيا بقلبٍ زاخرٍ – يقظِ المشاعرِ حالمٍ مسحورِ |
| في نشوةٍ صوفيَّةٍ قُدُسيَّةٍ – هي خيرُ مَا في العالِمِ المنظورِ |