أقضيه فى الأشواق إلا أقله | بطئ سرى أبدى إلى اللبث ميله |
و ليس اشتياقى عن غرام بشادن | و لكنه شوق امرئ فات أهله |
فيا لك من ليل أعرت نجومه | توقد أنفاسي و عانيت مثله |
و مل كلانا من أخيه و هكذا | إذا طال عهد المرء بالشئ مله |
سينية
اختلاف النهار والليل ينسي | اذكرا لي الصبا وأيام أنسي |
وصفا لي ملاوة من شباب | صورت من تصورات ومس |
عصفت كالصبا اللعوب ومرت | سنة حـلوة ولذة خلس |
وسلا مصر: هل سلا القلب عنها | أو أسا جرحه الزمان المؤسي |
كلما مرت الـليالـي عليه | رق، والعهد فـي الليالي تقسي |
مستطار إذا البواخر رنت | أول الليل، أو عوت بعد جرس |
راهب في الضلوع للسفن فطن | كلما ثرن شاعهن بنقس |
يا ابنة اليم، ما أبـوك بـخيل | ماله مولعاً بمنع وحبس |
أحرام على بلابـله الدوح | حلال للطير من كل جنس؟ |
كل دار أحق بالأهل إلا | في خبيث من المذاهب رجس |
نفسي مرجل، وقلبي شراع | بهما في الدموع سيري وأرسي |
واجعلي وجهك (الفنار) ومجراك | يـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس) |
وطـني لو شغلت بالخلد عنه | نازعتني إليه في الخلد نفسي |
وهـفا بالفؤاد في سلسبيل | ظمأ للسواد مـن (عين شمس) |
شهد الله لم يغب عن جـفوني | شخصه ساعة ولم يخل حسي |
يا فؤادي لكل أمر قرار | فيه يبدو وينجلي بعد لبس |
عقلت لجة الأمور عقولاً | طالت الحوت طول سبح وغس |
غرقت حيث لا يصاح بطاف | أو غريق، ولا يصاخ لحس |
فلـك يكسف الشموس نـهـاراً | ويسوم البدور ليلة وكس |
ومواقيت للأمور إذا ما | بلغتها الأمور صارت لعكس |
دول كالرجال مرتهنـات | بقيام من الجدود وتعس |
وليال من كل ذات سوار | لطمت كل رب (روم) و(فرس) |
سددت بالهلال قوساً وسلت | خنجراً ينفذان من كل ترس |
حكمت في القرون (خوفو) و(دارا) | وعفت (وائلاً) وألوت (بعبس) |
أين (مروان) في المشارق عرش | أموي وفي الـمغارب كرسي؟ |
سقمت شمسهم فرد عليها | نورها كل ثاقب الرأي نطس |
ثم غابت وكل شمس سوى هاتيك | تبلى، وتنطوي تحت رمس |
وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى) | شفتني القصور من (عبد شمس) |
رب ليل سريت والبرق طرفي | وبساط طويت والريح عنسي |
أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغرب | وأطوي البلاد حزنـاً لدهس |
في ديار من الخلائف درس | ومـنار من الطوائف طمس |
وربى كالجنان في كنف الزيتون | خضر، وفي ذرا الكرم طلس |
لم يرعـني سوى ثرى قرطبي | لمست فيه عبرة الدهر خمسي |
يا وقى الله ما أصبح منه | وسقى صفوت الحيا ما أمسي |
قرية لا تعد في الأرض كنت | تمسك الأرض أن تميد وترسي |
غشيت ساحل المحيط وغطت | لجة الروم من شراع وقلس |
ركب الدهر خاطري في ثراها | فأتى ذلك الحمى بــعد حدس |
فتجلت لي القصور ومن فيها | من العز في منازل قعس |
سنة من كرى وطيف أمـان | وصحا القلب مـن ضلال وهجس |
وإذا الدار ما بها من أنيس | وإذا القوم ما لهم من محس |
ورقيق من البيوت عتيق | جاوز الألف غير مذموم حرس |
أثر من (محمد) وتراث | صار (للروح) ذي الولاء الأمس |
بلغ النجم ذروة وتناهى | بين (ثهلان) في الأساس و(قدس) |
مرمر تسبح النواظر فيه | ويطول المدى عليها فترسي |
وسوار كأنها في استواء | ألفات الوزير في عرض طرس |
فترة الدهر قد كست سطريها | ما اكتسى الهدب من فتور ونعس |
ويحها! كم تزينت لعليم | واحد الدهر واستعدت لخمس |
وكأن الرفيف في مسرح العين | ملاء مدنرات الدمقس |
ومكان الكتاب يغريك رياً | ورده غائباً فتدنو للمس |
صنعة (الداخل) المبارك في | الغرب وآل له ميامين شمس |
من (لحمراء) جللت بغبار | الدهر كالجرح بين بـرء ونكس |
كسنا البرق لو محا الضوء لحظاً | لمحتها العيون من طول قبس |
حصن (غرناطة) ودار بني الأحمر | من غافل ويقظان ندس |
جلل الثلج دونها رأس (شيرى) | فبدا منه في عـصائب برس |
سرمد شيبه، ولم أر شيئاً | قبله يـرجى البقاء وينسي |
مشت الحادثات في غرف (الحمراء) | مشي النعي في دار عرس |
هتكت عزة الحجاب وفضت | سدة الباب من سمير وأنسي |
عرصات تخلت الخيل عنها | واستراحت من احتراس وعس |
ومغان على الليالي وضاء | لم تجد للعشي تكرار مس |
لا ترى غير وافدين على التاريخ | ساعين في خشوع ونكس |
نقلوا الطـرف في نضارة آس | من نقوش، وفي عصارة ورس |
وقباب من لازورد وتبر | كالربى الشم بين ظل وشمس |
وخطوط تكفلت للمعاني | ولألفاظها بأزيـن لبس |
وترى مجلس السباع خلاء | مقفر القاع من ظباء وخنس |
لا (الثريا) ولا جواري الثريا | يتنزلن فيه أقمار إنس |
مرمر قامت الأسود عليه | كلة الظفر لينات المجس |
تنثر الماء في الحياض جماناً | يـتنزى على ترائب ملس |
آخر العهد بالجزيرة كانت | بعد عرك من الزمان وضرس |
فتراها تقول: راية جيش | باد بالأمس بـين أسر وحـس |
ومفاتيحها مقاليد ملك | باعها الوارث المضـيع ببخس |
خرج القوم في كتائب صم | عن حفاظ كموكب الدفن خرس |
ركبوا بالبحار نعشاً وكانت | تحت آبائهم هي العرش أمس |
رب بان لهادم، وجموع | لمشت ومحسن لمخس |
إمرة الناس همة لا تأنى | لجبــان ولا تسنى لجبس |
يا دياراً نزلت كالخلد ظلاً | وجـنى دانياً وسلسال أنس |
محسنات الفصول لا نـاجر فيها | بقيظ ولا جمادى بـقرس |
لا تحش العيون فوق ربــاها | غير حور حو المراشف لعس |
كسيت أفرخي بظلك ريشاً | وربا في رباك واشتد غرسي |
هم بنو مصر لا الجميل لديهم | بمضاع ولا الصنيع بمنسي |
من لسان على ثنائك وقف | وجنان على ولائك حبس |
حسبهم هذه الطلول عظات | من جديد على الدهور ودرس |
وإذا فاتك التفات إلى الماضي | فقد غاب عنك وجه التأسي |
شيعت أحلامي بقلب باك
شَيَّعتُ أَحلامي بِقَلبٍ باكِ | وَلَمَمتُ مِن طُرُقِ المِلاحِ شِباكي |
وَرَجَعتُ أَدراجَ الشَبابِ وَوَردِهِ | أَمشي مَكانَهُما عَلى الأَشواكِ |
وَبِجانِبي واهٍ كَأنَّ خُفوقَهُ | لَمّا تَلَفَّتَ جَهشَةُ المُتَباكي |
شاكي السِلاحِ إِذا خَلا بِضُلوعِهِ | فَإِذا أُهيبَ بِهِ فَلَيسَ بِشاكِ |
قَد راعَهُ أَنّي طَوَيتُ حَبائِلي | مِن بَعدِ طولِ تَناوُلٍ وَفِكاكِ |
وَيحَ اِبنِ جَنبي كُلُّ غايَةِ لَذَّةٍ | بَعدَ الشَبابِ عَزيزَةُ الإِدراكِ |
لَم تُبقِ مِنّا يا فُؤادُ بَقِيَّةً | لِفُتُوَّةٍ أَو فَضلَةٌ لِعِراكِ |
كُنّا إِذا صَفَّقتَ نَستَبِقُ الهَوى | وَنَشُدُّ شَدَّ العُصبَةِ الفُتّاكِ |
وَاليَومَ تَبعَثُ فِيَّ حينَ تَهَزُّني | ما يَبعَثُ الناقوسُ في النُسّاكِ |
يا جارَةَ الوادي طَرِبتُ وَعادَني | ما يُشبِهُ الأَحلامَ مِن ذِكراكِ |
مَثَّلتُ في الذِكرى هَواكِ وَفي الكَرى | وَالذِكرَياتُ صَدى السِنينِ الحاكي |
وَلَقَد مَرَرتُ عَلى الرِياضِ بِرَبوَةٍ | غَنّاءَ كُنتُ حِيالَها أَلقاكِ |
ضَحِكَت إِلَيَّ وُجوهُها وَعُيونُها | وَوَجَدتُ في أَنفاسِها رَيّاكِ |
فَذَهبتُ في الأَيّامِ أَذكُرُ رَفرَفاً | بَينَ الجَداوِلِ وَالعُيونِ حَواكِ |
أَذَكَرتِ هَروَلَةَ الصَبابَةِ وَالهَوى | لَمّا خَطَرتِ يُقَبِّلانِ خُطاكِ |
لَم أَدرِ ماطيبُ العِناقِ عَلى الهَوى | حَتّى تَرَفَّقَ ساعِدي فَطواكِ |
وَتَأَوَّدَت أَعطافُ بانِكِ في يَدي | وَاِحمَرَّ مِن خَفرَيهِما خَدّاكِ |
وَدَخَلتُ في لَيلَينِ فَرعِكِ وَالدُجى | وَلَثَمتُ كَالصُبحِ المُنَوِّرِ فاكِ |
وَوَجدتُ في كُنهِ الجَوانِحِ نَشوَةً | مِن طيبِ فيكِ وَمِن سُلافِ لَماكِ |
وَتَعَطَّلَت لُغَةُ الكَلامِ وَخاطَبَت | عَينَيَّ في لُغَةِ الهَوى عَيناكِ |
وَمَحَوتُ كُلَّ لُبانَةٍ مِن خاطِري | وَنَسيتُ كُلَّ تَعاتُبٍ وَتَشاكي |
لا أَمسَ مِن عُمرِ الزَمانِ وَلا غَدٌ | جُمِعَ الزَمانُ فَكانَ يَومَ رِضاكِ |
لُبنانُ رَدَّتني إِلَيكَ مِنَ النَوى | أَقدارُ سَيرٍ لِلحَياةِ دَراكِ |
جَمَعَت نَزيلَي ظَهرِها مِن فُرقَةٍ | كُرَةٌ وَراءَ صَوالِجِ الأَفلاكِ |
نَمشي عَلَيها فَوقَ كُلِّ فُجاءَةٍ | كَالطَيرِ فَوقَ مَكامِنِ الأَشراكِ |
وَلَو أَنَّ بِالشَوقُ المَزارُ وَجَدتَني | مُلقى الرِحالِ عَلى ثَراكِ الذاكي |
بِنتَ البِقاعِ وَأُمَّ بَردونِيَّها | طيبي كَجِلَّقَ وَاِسكُبي بَرداكِ |
وَدِمَشقُ جَنّاتُ النَعيمِ وَإِنَّما | أَلفَيتُ سُدَّةَ عَدنِهِنَّ رُباكِ |
قَسَماً لَوِ اِنتَمَتِ الجَداوِلُ وَالرُبا | لَتَهَلَّلَ الفِردَوسُ ثُمَّ نَماكِ |
مَرآكِ مَرآهُ وَعَينُكِ عَينُهُ | لِم يا زُحَيلَةُ لا يَكونُ أَباكِ |
تِلكَ الكُرومُ بَقِيَّةٌ مِن بابِلٍ | هَيهاتَ نَسيَ البابِلِيِّ جَناكِ |
تُبدي كَوَشيِ الفُرسِ أَفتَنَ صِبغَةٍ | لِلناظِرينَ إِلى أَلَذِّ حِياكِ |
خَرَزاتِ مِسكٍ أَو عُقودَ الكَهرَبا | أودِعنَ كافوراً مِنَ الأَسلاكِ |
فَكَّرتُ في لَبَنِ الجِنانِ وَخَمرِها | لَمّا رَأَيتُ الماءَ مَسَّ طِلاكِ |
لَم أَنسَ مِن هِبَةِ الزَمانِ عَشِيَّةً | سَلَفَت بِظِلِّكِ وَاِنقَضَت بِذَراكِ |
كُنتِ العَروسَ عَلى مَنَصَّةِ جِنحِها | لُبنانُ في الوَشيِ الكَريمِ جَلاكِ |
يَمشي إِلَيكِ اللَحظُ في الديباجِ أَو | في العاجِ مِن أَيِّ الشِعابِ أَتاكِ |
ضَمَّت ذِراعَيها الطَبيعَةُ رِقَّةً | صِنّينَ وَالحَرَمونَ فَاِحتَضَناكِ |
وَالبَدرُ في ثَبَجِ السَماءِ مُنَوِّرٌ | سالَت حُلاهُ عَلى الثَرى وَحُلاكِ |
وَالنَيِّراتُ مِنَ السَحابِ مُطِلَّةٌ | كَالغيدِ مِن سِترٍ وَمِن شُبّاكِ |
وَكَأَنَّ كُلَّ ذُؤابَةٍ مِن شاهِقٍ | رُكنُ المَجرَّةِ أَو جِدارُ سِماكِ |
سَكَنَت نَواحي اللَيلِ إِلّا أَنَّةً | في الأَيكِ أَو وَتَراً شَجِيَ حِراكِ |
شَرَفاً عَروسَ الأَرزِ كُلُّ خَريدَةٍ | تَحتَ السَماءِ مِنَ البِلادِ فِداكِ |
رَكَزَ البَيانُ عَلى ذَراكِ لِوائَهُ | وَمَشى مُلوكُ الشِعرِ في مَغناكِ |
أُدَباؤُكِ الزُهرُ الشُموسُ وَلا أَرى | أَرضاً تَمَخَّضُ بِالشُموسِ سِواكِ |
مِن كُلِّ أَروَعَ عِلمُهُ في شِعرِهِ | وَيَراعُهُ مِن خُلقِهِ بِمَلاكِ |
جَمعَ القَصائِدَ مِن رُباكِ وَرُبَّما | سَرَقَ الشَمائِلَ مِن نَسيمِ صَباكِ |
موسى بِبابِكِ في المَكارِمِ وَالعُلا | وَعَصاهُ في سِحرِ البَيانِ عَصاكِ |
أَحلَلتِ شِعري مِنكِ في عُليا الذُرا | وَجَمَعتِهِ بِرِوايَةِ الأَملاكِ |
إِن تُكرِمي يا زَحلُ شِعري إِنَّني | أَنكَرتُ كُلَّ قَصيدَةٍ إِلّاكِ |
أَنتِ الخَيالُ بَديعُهُ وَغَريبُهُ | اللَهُ صاغَكِ وَالزَمانُ رَواكِ |
ذكر الصبي ومراتع الآرام
ذِكَرُ الصّبَي وَمَرَاتِعِ الآرَامِ | جَلَبَتْ حِمامي قَبلَ وَقْتِ حِمامي |
دِمَنٌ تَكاثَرَتِ الهُمُومُ عَليّ في | عَرَصَاتِها كَتَكاثُرِ اللُّوّامِ |
وَكَأنّ كُلّ سَحَابَةٍ وَقَفَتْ بهَا | تَبكي بعَيْنيْ عُرْوَةَ بنِ حِزَامِ |
وَلَطَالَمَا أفْنَيْتُ رِيقَ كَعَابِهَا | فِيهَا وَأفْنَتْ بالعِتابِ كَلامي |
قَد كُنْتَ تَهْزَأُ بالفِراقِ مَجَانَةً | وَتَجُرّ ذَيْلَيْ شِرّةٍ وَعُرَامِ |
لَيسَ القِبابُ على الرّكَابِ وَإنّمَا | هُنّ الحَيَاةُ تَرَحّلَتْ بسَلامِ |
ليتَ الذي فَلَقَ النّوَى جعَل الحَصَى | لخِفافِهِنّ مَفَاصِلي وَعِظامي |
مُتَلاحِظَينِ نَسُحُّ مَاءَ شُؤونِنَا | حَذَراً مِنَ الرُّقَبَاءِ في الأكْمَامِ |
أرْوَاحُنَا انهَمَلَتْ وَعِشْنَا بَعدَهَا | من بَعدِ ما قَطَرَتْ على الأقدامِ |
لَوْ كُنّ يَوْمَ جرَينَ كُنّ كصَبرِنَا | عندَ الرّحيلِ لَكُنّ غَيرَ سِجَامِ |
لم يَتْرُكُوا لي صاحِباً إلاّ الأسَى | وَذَمِيلَ ذِعْلِبَةٍ كَفَحْلِ نَعَامِ |
وَتَعَذُّرُ الأحْرارِ صَيّرَ ظَهْرَهَا | إلاّ إلَيْكَ عَليَّ ظَهْرَ حَرَامِ |
أنتَ الغَريبَةُ في زَمَانٍ أهْلُهُ | وُلِدَتْ مَكارِمُهُمْ لغَيرِ تَمَامِ |
أكْثَرْتَ من بَذْلِ النّوَالِ وَلم تزَلْ | عَلَماً على الإفْضالِ وَالإنْعَامِ |
صَغّرْتَ كلّ كَبيرَةٍ وَكَبُرْتَ عَنْ | لَكَأنّهُ وَعَدَدْتَ سِنّ غُلامِ |
وَرَفَلْتَ في حُلَلِ الثّنَاءِ وَإنّمَا | عَدَمُ الثّنَاءِ نِهَايَةُ الإعْدامِ |
عَيْبٌ عَلَيكَ تُرَى بسَيفٍ في الوَغى | مَا يَصْنَعُ الصّمْصَامُ بالصّمصَامِ |
إنْ كانَ مِثْلُكَ كانَ أوْ هُوَ كائِنٌ | فَبَرِئْتُ حِينَئِذٍ مِنَ الإسْلامِ |
مَلِكٌ زُهَتْ بِمَكَانِهِ أيّامُهُ | حتى افتَخَرْنَ بهِ على الأيّامِ |
وَتَخالُهُ سَلَبَ الوَرَى مِن حِلْمِهِ | أحْلامَهُمْ فَهُمُ بِلا أحْلامِ |
وَإذا امتَحَنْتَ تَكَشّفَتْ عَزَمَاتُهُ | عَن أوْحَدِيّ النّقْضِ وَالإبْرامِ |
وَإذا سَألْتَ بَنَانَهُ عَنْ نَيْلِهِ | لم يَرْضَ بالدّنْيَا قَضاءَ ذِمَامِ |
مَهْلاً ألا لِلّهِ ما صَنَعَ القَنَا | في عَمْرِو حَابِ وَضَبّةَ الأغْتَامِ |
لمّا تَحَكّمَتِ الأسِنّةُ فِيهِمِ | جَارَتْ وَهُنّ يَجُرْنَ في الأحكامِ |
فَتَرَكْتَهُمْ خَلَلَ البُيُوتِ كأنّما | غَضِبَتْ رُؤوسُهُمُ على الأجْسامِ |
أحجارُ ناسٍ فَوْقَ أرْضٍ مِنْ دَمٍ | وَنُجُومُ بَيْضٍ في سَمَاءِ قَتَامِ |
وَذِراعُ كُلّ أبي فُلانٍ كُنْيَةً | حَالَتْ فَصَاحِبُها أبُو الأيْتَامِ |
عَهْدي بمَعْرَكَةِ الأميرِ وَخَيْلُهُ | في النّقْعِ مُحْجِمَةٌ عنِ الإحجامِ |
صَلّى الإل?هُ عَلَيْكَ غَيرَ مُوَدَّعٍ | وَسَقَى ثَرَى أبَوَيْكَ صَوْبَ غَمَامِ |
وَكَسَاكَ ثَوْبَ مَهَابَةٍ مِنْ عِنْدِهِ | وَأرَاكَ وَجهَ شَقيقِكَ القَمْقَامِ |
فَلَقَدْ رَمَى بَلَدَ العَدُوّ بنَفْسِهِ | في رَوْقِ أرْعَنَ كالغِطَمّ لُهَامِ |
قَوْمٌ تَفَرّسَتِ المَنَايَا فِيكُمُ | فرَأتْ لكُمْ في الحرْبِ صَبرَ كِرَامِ |
تَالله مَا عَلِمَ امرُؤٌ لَوْلاكُمُ | كَيفَ السّخاءُ وَكَيفَ ضرْبُ الهَامِ |
عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم
عُقْبَى اليَمينِ على عُقبَى الوَغَى ندمُ | ماذا يزيدُكَ في إقدامِكَ القَسَمُ |
وَفي اليَمينِ عَلى ما أنْتَ وَاعِدُهُ | مَا دَلّ أنّكَ في الميعادِ مُتّهَمُ |
آلى الفَتى ابنُ شُمُشْقيقٍ فأحنَثَهُ | فتًى منَ الضّرْبِ تُنسَى عندَه الكَلِمُ |
وَفاعِلٌ ما اشتَهَى يُغنيهِ عن حَلِفٍ | على الفِعْلِ حُضُورُ الفعل وَالكَرَمُ |
كلُّ السّيوفِ إذا طالَ الضّرَابُ بهَا | يَمَسُّهَا غَيرَ سَيفِ الدّوْلَةِ السّأمُ |
لَوْ كَلّتِ الخَيْلُ حتى لا تَحَمَّلُهُ | تَحَمّلَتْهُ إلى أعْدائِهِ الهِمَمُ |
أينَ البَطارِيقُ وَالحَلْفُ الذي حَلَفوا | بمَفرِقِ المَلْكِ وَالزّعمُ الذي زَعَموا |
وَلّى صَوَارِمَهُ إكْذابَ قَوْلِهِمِ | فَهُنّ ألْسِنَةٌ أفْوَاهُها القِمَمُ |
نَوَاطِقٌ مُخْبِرَاتٌ في جَمَاجِمِهِمْ | عَنهُ بما جَهِلُوا مِنْهُ وَما عَلِمُوا |
ألرّاجعُ الخَيلَ مُحْفَاةً مُقَوَّدَةً | من كُلّ مثلِ وَبَارٍ أهْلُهَا إرَمُ |
كَتَلّ بِطْرِيقٍ المَغرُورِ سَاكِنُهَا | بأنّ دَارَكَ قِنِّسْرِينُ وَالأجَمُ |
وَظَنّهِمْ أنّكَ المِصْباحُ في حَلَبٍ | إذا قَصَدْتَ سِوَاها عادَها الظُّلَمُ |
وَالشّمسَ يَعنُونَ إلاّ أنّهم جَهِلُوا | وَالمَوْتَ يَدْعُونَ إلاّ أنّهُم وَهَموا |
فَلَمْ تُتِمّ سَرُوجٌ فَتحَ نَاظِرِهَا | إلاّ وَجَيشُكَ في جَفْنَيْهِ مُزْدَحِمُ |
وَالنّقْعُ يأخُذُ حَرّاناً وَبَقْعتَهَا | وَالشّمسُ تَسفِرُ أحياناً وَتَلْتَثِمُ |
سُحْبٌ تَمُرّ بحصْنِ الرّانِ مُمسِكةً | وَمَا بها البُخلُ لَوْلا أنّها نِقَمُ |
جَيْشٌ كأنّكَ في أرْضٍ تُطاوِلُهُ | فالأرْضُ لا أَمَمٌ وَالجَيشُ لا أمَمُ |
إذا مَضَى عَلَمٌ منها بَدا عَلَمٌ | وَإنْ مَضَى عَلَمٌ مِنْهُ بَدَا عَلَمُ |
وَشُزَّبٌ أحمَتِ الشّعرَى شكائِمَهَا | وَوَسّمَتْها على آنَافِها الحَكَمُ |
حتى وَرَدْنَ بِسِمْنِينٍ بُحَيرَتَهَا | تَنِشُّ بالمَاءِ في أشْداقِهَا اللُّجُمُ |
وَأصْبَحَتْ بقُرَى هِنريطَ جَائِلَةً | تَرْعَى الظُّبَى في خصِيبٍ نَبتُه |
فَمَا تَرَكنَ بها خُلْداً لَهُ بَصَرٌ | تَحْتَ التّرَابِ وَلا بازاً لَهُ قَدَمُ |
وَلا هِزَبْراً لَهُ مِنْ دِرْعِهِ لِبَد | وَلا مَهَاةً لهَا مِنْ شِبْهِهَا حَشَمُ |
تَرْمي على شَفَراتِ البَاتِراتِ بهِمْ | مكامنُ الأرْضِ وَالغيطانُ وَالأكَمُ |
وَجاوَزُوا أرْسَنَاساً مُعصِمِينَ بِهِ | وكيفَ يَعصِمُهُمْ ما ليسَ يَنعَصِمُ |
وَما يَصُدُّكَ عَنْ بَحرٍ لهمْ سَعَةٌ | وَمَا يَرُدُّكَ عن طَوْدٍ لهُمْ شَمَمُ |
ضرَبْتَهُ بصُدورِ الخَيْلِ حامِلَةً | قَوْماً إذا تَلِفوا قُدماً فقد سَلِمُوا |
تَجَفَّلُ المَوْجُ عن لَبّاتِ خَيلِهِمِ | كمَا تَجَفَّلُ تحتَ الغارَةِ النَّعَمُ |
عَبَرْتَ تَقْدُمُهُمْ فيهِ وَفي بَلَدٍ | سُكّانُهُ رِمَمٌ مَسكُونُها حُمَمُ |
وَفي أكُفّهِمِ النّارُ التي عُبِدَتْ | قبل المَجوس إلى ذا اليوْم تَضْطَرِمُ |
هِنْدِيّةٌ إنْ تُصَغّرْ مَعشَراً صَغُرُوا | بحَدّها أوْ تُعَظّمْ مَعشراً عَظُمُوا |
قَاسَمْتَها تَلّ بِطْرِيقٍ فكانَ لَهَا | أبطالُهَا وَلَكَ الأطْفالُ وَالحُرَمُ |
تَلْقَى بهِمْ زَبَدَ التّيّارِ مُقْرَبَةٌ | على جَحافِلِها من نَضْحِهِ رَثَمُ |
دُهْمٌ فَوَارِسُهَا رُكّابُ أبْطُنِها | مَكْدودَةٌ وَبِقَوْمٍ لا بها الألَمُ |
منَ الجِيادِ التي كِدْتَ العَدُوّ بهَا | وَمَا لهَا خِلَقٌ مِنها وَلا شِيَمُ |
نِتَاجُ رَأيِكَ في وَقْتٍ عَلى عَجَلٍ | كَلَفْظِ حَرْفٍ وَعَاهُ سامعٌ فَهِمُ |
وَقَدْ تَمَنّوْا غَداةَ الدّرْبِ في لجَبٍ | أنْ يُبصِرُوكَ فَلَمّا أبصرُوكَ عَمُوا |
صَدَمْتَهُمْ بخَميسٍ أنْتَ غُرّتُهُ | وَسَمْهَرِيّتُهُ في وَجْهِهِ غَمَمُ |
فكانَ أثْبَتُ ما فيهِمْ جُسُومَهُمُ | يَسقُطْنَ حَوْلَكَ وَالأرْواحُ تَنهَزِمُ |
وَالأعوَجيّةُ مِلءُ الطُّرْقِ خَلفَهُمُ | وَالمَشرَفِيّةُ مِلءُ اليوْمِ فَوْقَهُمُ |
إذا تَوَافَقَتِ الضّرْباتُ صَاعِدَةً | تَوَافَقَتْ قُلَلٌ في الجَوّ تَصْطدِمُ |
وَأسْلَمَ ابنُ شُمُشْقيقٍ ألِيّتَهُ | ألاّ انثنى فَهْوَ يَنْأى وَهيَ تَبتَسِمُ |
لا يأمُلُ النّفَسَ الأقصَى لمُهجَتِهِ | فيَسْرِقُ النّفَسَ الأدنَى وَيَغتَنِمُ |
تَرُدّ عَنْهُ قَنَا الفُرْسان سابِغَةٌ | صَوْبُ الأسِنّةِ في أثْنائِها دِيَمُ |
تَخُطّ فيها العَوَالي لَيسَ تَنفُذُهَا | كأنّ كلّ سِنَانٍ فَوْقَهَا قَلَمُ |
فَلا سَقَى الغَيثُ ما وَاراهُ من شجَرٍ | لَوْ زَلّ عَنهُ لوَارَتْ شخصَهُ الرّخَمُ |
ألهَى المَمَالِكَ عن فَخرٍ قَفَلْتَ بهِ | شُرْبُ المُدامةِ وَالأوْتارُ وَالنَّغَمُ |
مُقَلَّداً فَوْقَ شكرِ الله ذا شُطَبٍ | لا تُستَدامُ بأمضَى منهُما النِّعَمُ |
ألقَتْ إلَيكَ دِماءُ الرّومِ طاعَتَهَا | فَلَوْ دعَوْتَ بلا ضَرْبٍ أجابَ دَمُ |
يُسابِقُ القَتلُ فيهِمْ كلَّ حَادِثَةٍ | فَمَا يُصِيبُهُمُ مَوْتٌ وَلا هَرَمُ |
نَفَتْ رُقادَ عَليٍّ عَنْ مَحاجِرِهِ | نَفْسٌ يُفَرّحُ نَفساً غَيرَها الحُلُمُ |
ألقائِمُ المَلِكُ الهادي الذي شَهِدَتْ | قِيَامَهُ وَهُداهُ العُرْبُ وَالعَجَمُ |
ابنُ المُعَفِّرِ في نَجْدٍ فَوَارِسَهَا | بسَيْفِهِ وَلَهُ كُوفانُ وَالحَرَمُ |
لا تَطْلُبَنّ كَريماً بَعْدَ رُؤيَتِهِ | إنّ الكِرامَ بأسخاهُمْ يَداً خُتِمُوا |
وَلا تُبَالِ بِشِعْرٍ بَعْدَ شاعِرِهِ | قد أُفْسِدَ القوْلُ حتى أُحمِدَ الصّممُ |
فكفي أراني ويك لومك ألوما
فكُفّي! أرَاني، وَيْكِ، لَوْمَكِ ألوَما | هَمٌّ أقَامَ عَلى فُؤادٍ أنْجَمَا |
وَخيَالُ جِسْمٍ لم يُخَلّ له الهَوَى | لَحْماً فَيُنْحِلَهُ السّقامُ وَلا دَمَا |
وَخُفوقُ قَلْبٍ لَوْ رَأيتِ لَهِيبَهُ | يا جَنّتي لَظَنَنْتِ فيهِ جَهَنّمَا |
وَإذا سَحابَةُ صَدّ حِبٍّ أبْرَقَتْ | تَرَكَتْ حَلاوَةَ كُلّ حُبٍّ عَلقَمَا |
يَا وَجْهَ داهِيَةَ الّذي لَوْلاكَ مَا | أكلَ الضّنى جسدي وَرَضّ الأعظُمَا |
إنْ كَانَ أغْنَاهَا السُّلُوُّ فإنّني | أمْسَيتُ مِنْ كَبِدي وَمنها مُعْدِمَا |
غُصْنٌ عَلى نَقَوَيْ فَلاةٍ نَابِتٌ | شمسُ النّهارِ تُقِلُّ لَيلاً مُظْلِمَا |
لمْ تُجْمَعِ الأضدادُ في مُتَشَابِهٍ | إلاّ لتَجْعَلَني لغُرْمي مَغْنَمَا |
كَصِفاتِ أوْحَدِنَا أبي الفَضْلِ التي | بَهَرَتْ فأنْطَقَ وَاصِفِيهِ وَأفْحَمَا |
يُعْطيكَ مُبْتَدِراً فإنْ أعْجَلْتَهُ | أعطاكَ مُعْتَذِراً كَمَنْ قد أجرَمَا |
وَيَرَى التّعَظّمَ أن يُرَى مُتَواضِعاً | وَيَرَى التّواضُعَ أنْ يُرَى مُتَعَظِّمَا |
نَصَرَ الفَعالَ عَلى المِطالِ كأنّمَا | خَالَ السّؤالَ عَلى النّوالِ مُحَرَّمَا |
يا أيّهَا المَلَكُ المُصَفّى جَوْهَراً | من ذاتِ ذي المَلكوتِ أسمى من سَمَا |
نُورٌ تَظاهَرَ فِيكَ لاهُوتِيُّهُ | فتَكادُ تَعْلَمُ عِلْمَ ما لَنْ يُعْلَمَا |
وَيَهِمُّ فيكَ إذا نَطَقْتَ فَصاحَةً | من كُلّ عُضوٍ مِنكَ أنْ يَتَكَلّمَا |
أنَا مُبْصِرٌ وَأظُنّ أنّي نَائِمٌ | مَنْ كانَ يَحْلُمُ بالإلَهِ فأحْلُمَا |
كَبُرَ العِيَانُ عَليّ حتى إنّهُ | صارَ اليَقِينُ مِنَ العِيانِ تَوَهُّمَا |
يَا مَنْ لجُودِ يَدَيْهِ في أمْوالِهِ | نِقَمٌ تَعُودُ على اليَتَامَى أنْعُمَا |
حتى يَقُولُ النّاسُ مَا ذا عَاقِلاً | وَيَقولُ بَيْتُ المالِ مَا ذا مُسْلِمَا |
إذكارُ مِثْلِكَ تَرْكُ إذكاري لَهُ | إذْ لا تُرِيدُ لِمَا أُريدُ مُتَرْجِمَا |