| إذا صَغُرَتْ نفسُ الفتى كان شوقُهُ | صغيراً، فلم يتعبْ، ولم يتجشَّم |
| ومَنْ كان جبَّارَ المطامِعِ لم يَزلْ | يلاقي من الدّنيا ضراوة َ قشعمِ |
ترجو السعادة يا قلبي ولو وجدت
| تَرجُو السَّعادة َ يا قلبي ولو وُجِدَتْ | في الكون لم يشتعلْ حُزنٌ ولا أَلَمُ |
| ولا استحالت حياة ُ الناس أجمعها | وزُلزلتْ هاتِهِ الأكوانُ والنُّظمُ |
| فما السَّعادة في الدُّنيا سوى حُلُمٍ | ناءٍ تُضَحِّي له أيَّامَهَا الأُمَمُ |
| ناجت به النّاسَ أوهامٌ معربدة ٌ | لمَّا تغَشَّتْهُمُ الأَحْلاَمُ والظُّلَمُ |
| فَهَبَّ كلٌ يُناديهِ وينْشُدُهُ | كأنّما النَّاسُ ما ناموا ولا حلُمُوا |
| خُذِ الحياة َ كما جاءتكَ مبتسماً | في كفِّها الغارُ، أو في كفِّها العدمُ |
| وارقصْ على الوَرِد والأشواكِ متَّئِداً | غنَّتْ لكَ الطَّيرُ، أو غنَّت لكَ الرُّجُمُ |
| وأعمى كما تأمرُ الدنيّا بلا مضضٍ | والجم شعورك فيها، إنها صنمُ |
| فمن تآلّم لن ترحم مضاضتهُ | وَمَنْ تجلّدَ لم تَهْزأ به القمَمُ |
| هذي سعادة ُ دنيانا، فكن رجلاً | ـ إن شئْتَها ـ أَبَدَ الآباد يَبْتَسِمُ! |
| وإن أردت قضاء العيشِ في دعَة ٍ | شعريّة ٍ لا يغشّي صفوها ندمُ |
| فاتركْ إلى النّاس دنياهمْ وضجَّتهُمْ | وما بنوا لِنِظامِ العيشِ أو رَسَموا |
| واجعلْ حياتكَ دوحاً مُزْهراً نَضِراً | في عُزْلَة ِ الغابِ ينمو ثُمّ ينعدمُ |
| واجعل لياليك أحلاماً مُغَرِّدة ً | إنَّ الحياة َ وما تدوي به حُلُمُ |
يقولون صوت المستذلين خافت
| يَقُولونَ: «صَوْتُ المُسْتَذِلِّين خَافِتٌ | وسمعَ طغاة الأرض “أطرشُ” أضخم |
| وفي صَيْحَة ِ الشَّعْبِ المُسَخَّر زَعْزَعٌ | تَخُرُّ لَهَا شُمُّ العُرُوشِ، وَتُهْدَمُ |
| ولعلة ُ الحقّ الغضوضِ لها صدى ً | وَدَمْدَمَة ُ الحَربِ الضَّروسِ لَهَا فمُ |
| إذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ فَإنّهُ | يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِمُ |
| لَكَ الوَيْلُ يَا صَرْحَ المَظَالمِ مِنْ غَدٍ | إذا نهضَ المستضعفونَ، وصمّموا! |
| إذا حَطَّمَ المُسْتَعبِدُونَ قيودَهُمْ | وصبُّوا حميمَ السُّخط أيَّان تعلمُ..! |
| أغَرّك أنَّ الشَّعْبَ مُغْضٍ عَلَى قَذًى | وأنّ الفضاءَ الرَّحبَ وسنانُ، مُظلمُ؟ |
| ألاّ إنَّ أحلام البلادِ دفينة ٌ | تُجَمْجِمُ فِي أعْماقِهَا مَا تُجَمْجِمُ |
| ولكن سيأتي بعد لأي نشورها | وينبث اليومُ الذي يترنَّمُ |
| هُوَ الحقُّ يَغْفَى .. ثُمَّ يَنْهَضُ سَاخِطاً | فيهدمُ ما شادَ الظلاّمُ، ويحطمُ |
| غدا الرّوعِ، إن هبَّ الضعيف ببأسه، | ستعلم من منّا سيجرفه الدمُّ |
| إلى حيث تجنى كفَّهُ بذرَ أمسهِ | وَمُزْدَرعُ الأَوْجَاع لا بُدَّ يَنْدَمُ |
| ستجرعُ أوصابَ الحياة ، وتنتشي | فَتُصْغِي إلى الحَقِّ الذي يَتَكَلَّمُ |
| إذا ما سقاك الدهرُ من كأسِهِ التي | قُرَارَتُها صَابٌ مَرِيرٌ، وَعَلْقَمُ |
| إذا صعق الجبّارُ تحتَ قيوده | يُصِيخُ لأوجاعِ الحَياة ِ وَيَفْهَمُ!! |
يا قلب كم فيك من دنيا محجبة
| يا قلبُ كم فيكَ من دُنْيا محجَّبة ٍ | كأنَّها حين يبدو فجرُها إرَمُ |
| يا قلبُ كم فيكَ من كونٍ، قد اتقدَتْ | فيه الشُّموسُ وعاشتْ فَوقُه الأممُ |
| يا قلبُ كمْ فيكَ من أفقٍ تُنَمِّقْهُ | كواكبٌ تتجلَّى ثُمَّ تَنعِدمُ |
| يا قلبُ كمْ فيكَ من قبرٍ، قد انطفَأَتْ | فيهالحياة ُ وضجَّت تحتُه الرِّمَمُ |
| يا قلبُ كمْ فيكَ من كهفٍ قد انبَجَسَتْ | منه الجداولُ تجري مالها لُجُمُ |
| تمشي فتحملُ غُصناً مُزْهِراً نَضِراً | أو وَرْدَة ً لمْ تشَوِّهْ حُسنَها قَدَمُ |
| أو نَحْلة ً جرَّها التَّيارُ مُندَفِعاً | إلى البحارِ تُغنّي فوقها الدِّيَمُ |
| أو طائراً ساحراً مَيتْاً قد انفجرتْ | في مُقْلَتَيْهِ جِراحٌ جَمَّة ٌ وَدَمُ |
| يا قلبُ إنَّك كونٌ، مُدهِشٌ عَجَبٌ | إنْ يُسألِ الناسُ عن آفاقه يَجِمُوا |
| كأنَّكَ الأبدُ المجهولُ قد عَجَزَتْ | عنكَ النُّهَى ، واكْفَهَرَّتْ حَوْلَكَ الظُّلَمُ |
| يا قلبُ كمْ من مسرَّاتٍ وأخْيِلة ِ | ولذَّة ٍ، يَتَحَامَى ظِلَّها الألمُ |
| غَنَّتْ لفجرِكَ صوتاً حالماً، فَرِحاً | نَشْوَانَ ثم توارتْ، وانقضَى النَّغمْ |
| وكم رأي لَيْلُك الأشباحَ هائمة ً | مذعورة ً تتهاوى حولها الرُّجُمُ |
| ورَفْرَفَ الألمُ الدَّامِي، بأجنحة ٍ | مِنَ اللَّهيبِ، وأنَّ الحُزْنُ والنَّدَمُ |
| وكمْ مُشَتْ فوقكَ الدُّنيا بأجمعها | حتَّى توارتْ، وسار الموتُ والعدمُ |
| وشيَّدتْ حولك الأيامُ أبنية ً | مِنَ الأناشيدِ تُبْنَى ، ثُمّ تَنْهدمُ |
| تمضي الحياة ُ بما ضيها،وحاضِرها | وتذْهَبُ الشمسُ والشُّطآنُ والقممُ |
| وأنتَ، أنتَ الخِضمُّ الرَّحْبُ، لا فَرَحٌ | يَبْقَى على سطحكَ الطَّاغي، ولا ألمُ |
| يا قلبُ كم قد تملَّيتَ الحياة َ، وككمْ | رقَّيتَها مَرَحاً، ما مَسَّك السَأمُ |
| وكمْ توشَّحتَ منليلٍ، ومن شَفَقٍ | ومن صباحٍ تُوَشِّي ذَيْلَهُ السُّدُمُ |
| وكم نسجْتَ من الأحلام أردية ً | قد مزَّقّتْها الليالي، وهيَ تَبْتَسِمُ |
| وكم ضَفَرتَ أكاليلاً مُوَرَّدة ً | طارتْ بها زَعْزَعٌ تدوي وتَحْتَدِمُ |
| وَكَمْ رسمتَ رسوماً، لا تُشابِهُهَا | هذي العَوَالمُ، والأحلامُ، والنُّظُمُ |
| كأنها ظُلَلُ الفِردَوْسِ، حافِلة ً | بالحورِ، ثم تلاشَتْ، واختفى الحُلُمُ |
| تبلُو الحياة َ فتبلِيها وتخلَعُها | وتستجدُّ حياة ً، ما لها قِدمُ |
| وأنت أنتَ: شبابٌ خالدٌ، نضِرٌ | مِثلُ الطَّبيعة ِ لا شَيْبٌ ولا هرَمُ |
هَهُنا في خمائل الغابِ، تَحْت الزَّا
| هَهُنا في خمائل الغابِ، تَحْت الزَّا | ن والسِّنديانِ، والزْيتونِ |
| أنتِ أْشهى منَ الحياة ِ وأبْهى | من جمالِ الطَّبيعة ِ الميمونِ |
| ما أرقَّ الشّبابَ، في جسمكِ الغضِّ | وفي جيدكِ البَديعِ، الثَّمينِ! |
| وأدقّ الجمالَ في طرفِك السَّاهي، | وفي ثغرِكِ الجميلِ، الحَزين! |
| وألذَّ الحياة َ حينَ تغنّيـ | ـن فَأُصْغِي لصوتِكِ المحزُونِ |
| وأرى رُوحَكِ الجميلة َ عِطْراً | ضايعاً في حلاوة التَّلحينِ! |
| قَدْ تَغَنَّيْتِ منذُ حينِ بصوتٍ | ناعمٍ، حالمٍ، شجيٍّ حنونِ |
| نَغَماً كالحَياة ِ عذباً عميقاً | في حنانٍ، ورقة ٍ وحنينِ |
| فإذا الكون قطعة ٌ من نشيد | علويِّ، منغّمٍ موزونِ |
| فَلِمَنْ كنتِ تُنشدين؟ فقالتْ: | «للضياءِ البَنفسجيِّ الحزينِ» |
| «للضّباب المورّد، المتلاشي | كخيالات حالمٍ، مفتونِ |
| «للمساءِ المطلِّ لشَّفَق السّا | لسحْر الأسى ، وسحْر السكونِ |
| للعبير الذي يرفرف في الأفقِ | ويفنى ، مثلَ المنى ، في سكونِ» |
| للأَغاني التي يُردِّدُها الرّا | عي بمزماره الصّغيرِ، الأمينِ |
| وبنى اللَّيلُ والرّبيعُ حواليـ | نا حَيَاة َ الهوى ، وروحَ الحنينِ |
| ويوشِّي الوجودَ بالسحر، والأحلام | والزهر، والشَّذى ، واللُّحونِ |
| للحياة ِ التي تغنّي حوالَيَّ، | على السَّهْلِ، والرُّبى والحُزُونِ |
| للينابيعِ، للعصافير، للظلّ | لهذا الثّرى ، لتلكَ الغصونِ |
| «للنَّسيمِ الذي يضمِّخُ أحلا | مي بعطر الأقاح والليمونِ |
| «للجَمال الذي يفيضُ على | لأشواق قلبيَ المَشحونِ |
| للزّمان الذي يوشِّح أيّامي | بِضَوءِ المنى وظلِّ الشُّجونِ |
| للشباب السكران، للأملِ المعبودِ، | لليأسِ، للأسى ، للمُنونِ |
| فَتَنهَّدْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: «وقلبي | مَنْ يغنّيه؟ مَنْ يُبيد شُجوني؟ |
| قالت:الحُبُّ ثم غنّتْ لقلبي | قُبَلاً عبقرية َ التلحينِ |
| قبلاً، علَّمتْ فؤادي الأغاني، | وأنارتْ لهُ ظَلامَ السنينِ |
| قبلاً، تَرقصُ السعادة ُ والحبُّ | على لحنِها العَميقِ الرّصينِ |
| ..وأفقنا، فقلتُ كالحالم المسحور: | قولي، تَكَلَّمي، خَبِّريني |
| أيُّ دنيا مسحورة ، أي رؤيا | طالَعَتْني في ضوء هذي العُيونِ:» |
| زمرٌ من ملائكِ الملأِ الأعلى | يغنّون في حُنُوِّ حَنونِ |
| «وصبايا رواقصٌ، يتراشقْ | بزهر التُّفاحِ واليَاسمينِ |
| في فضاءٍ، مُوَرَّدٍ، حالمٍ سا | هٍ أطافتْ به عذارى الفُنونِ» |
| «وجحيمٍ تَؤُجُّ تَحْتَ فرادِيـ | كأحلامِ شاعرٍ مَجنونِ؟ |
| «أيُّ خمرٍ مؤجَّجٍ ولهيبٍ | مُسكرٍ؟ أيّ نشوة ، وجنونِ؟ |
| أي خمرٍ رشفتُ، بل أيّ نارٍ | في شفاهٍ، بديعة ِ التَّكْوينِ» |
| «واسمعي الغابَ، | فهو قيتارة ُ الكون……. |
| أي إثمٍ مقدَّسٍ، قد لبسنا | بُرْدَهُ في مسائنا الميمونِ؟» |
| فبَدَا طيفُ بسمة ٍ، ساحرٌ عذبٌ، | على ثَغرِها، قويُّ الفتونِ……… |
| وأجابتْ- وكلّها فتنة ٌ تُغوي، | وتُغري بالحبِّ، بلْ بالجنونِ ـ: |
| كلُّ زهرِ يَضُوعُ منه أريجٌ | من بخُورِ الرّبيعِ، جَمُّ الفُتونِ |
| ونجومُ السماء فيه شموعٌ | أَوْقَدَتْها للحُبِّ رُوحُ القرونِ |
| طهَّري يا شقيقة َ الروحِ ثَغْري | بلهيبِ الحياة ِ، بَلْ قبِّليني» |
| «قبِّليني، وَأَسْكِري ثغريَ الصَّا | مت وقلبي، وفِتنتي، وجنوني |
| علَّني أستطيعُ أَنْ أتغنّى | لجمال الدّجى بوَحي العُيونِ |
| «آه ما أجملَ الظَّلامَ! وأقوى | وحيه في فُؤادي المَفْتونِ! |
| أنظري الليلَ فهو في حلّة ظ | ـلام يمشي على الذُّرى والحُزُونِ» |
| واسمعي الغاب،فهو قيثارة ُ الكونِ | نِ تغنّي لحبنا الميمونِ» |
| إن سِحْرَ الضَّباب، واللّيلِ، والغَا | بِ، بعيدُ المدى ، قويُّ الفُتونِ |
| وجمالُ الظّلام يعبقُ بالأحلامِ | والحبّ… فابسمي، والثمينِ… |
| آه: ما أعذَبَ الغرامَ! وأحلى | رَنَّة َ اللَثمِ في خشوع السَكونِ! |
| .. وَسَكِرْنا هناك.. في عالم الأحـ | بة تحتَ السَّماء، تحتَ الغُصونِ… |
| وتوارى الوجودُ عنّا بما فيـ | وغبْنا في عالَم مَفْتونِ… |
| ونسينا الحياة ، والموتَ، والسُّكو | ن وما فيه مِنْ مُنّة ومَنونِ |
ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي
| ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي | ومشاعري عمياء بأحزانِ- |
| أني سأظمأُ للحياة ِ، وأحتسي | مِنْ نهْرها المتوهِّجِ النّشوانِ |
| وأعودُ للدُّنيا بقلبٍ خَافقٍ | للحبِّ، والأفراحِ، والألحانِ |
| ولكلِّ ما في الكونِ من صُوَرِ المنى | وغرائبِ الأهُواء والأشجانِ |
| حتى تحرّكتِ السّنون، وأقبلتْ | فتنُ الحياة ِ بسِحرِها الفنَّانِ |
| فإذا أنا ما زلتُ طفِْلاً، مُولَعاً | بتعقُّبِ الأضواءِ والألوانِ |
| وإذا التشأوُمُ بالحياة ِ ورفضُها | ضرْبٌ من الُبهتانِ والهذيانِ |
| إنَّ ابنَ آدمَ في قرارة ِ نفسِهِ | عبدُ الحياة ِ الصَّادقُ الإيمانَ |