مَا العُمْرُ ما طالَتْ به الدّهُورُ، | العمرُ ما تمَّ بهِ السرورُ ! |
أيامُ عزي ، ونفاذِ أمري | هي التي أحسبها منْ عمري |
مَا أجْوَرَ الدّهْرَ عَلى بَنِيهِ! | وأغدرَ الدهرَ بمنْ يصفيهِ ! |
لوْ شئتُ مما قدْ قللنَ جدَّا | عَدَدْتُ أيّامَ السّرُورِ عَدّا |
أنعتُ يوماً ، مرَّ لي بـ ” الشامِ ” ، | ألذَّ ما مرَّ منَ الأيامِ |
دَعَوْتُ بِالصَّقّارِ، ذاتَ يَوْمِ، | عندَ انتباهي ، سحراً من نومي |
قلتُ لهُ : اخترْ سبعة ً كباراً | كُلٌّ نَجِيبٌ يَرِدُ الغُبَارَا |
يَكُونُ لِلأرْنَبِ مِنْهَا اثْنَانِ، | وخمسة ٌ تفردُ للغزلانِ |
وَاجْعَلْ كِلابَ الصّيْدِ نَوْبَتَينِ | ترسلُ منها اثنينِ بعدَ اثنين |
و لاَ تؤخرْ أكلبَ العراضِِ! | فَهُنّ حَتْفٌ لِلظِّبَاءِ قَاضِ |
ثم تقدمتُ إلى الفهادِ | وَالبَازيَارِينَ بِالاسْتِعْدَادِ |
وقلتُ : إنًَّ خمسة ً لتقنعُ | وَالزُّرّقَانِ: الفَرْخُ وَالمُلَمَّعُ |
و أنتَ ، يا طباخُ ، لا تباطا! | عجلْ لنا اللباتِ والأوساطا ! |
ويا شرابي البلقسياتِ | تَكُونُ بِالرّاحِ مُيَسَّرَاتِ |
بِالله لا تَسْتَصْحِبُوا ثَقِيلا! | واجتنبوا الكثرة َ والفضولا ! |
ردوا فلاناً ، وخذوا فلانا! | وَضَمّنُوني صَيْدَكُمْ ضَمَانَا! |
فاخترتُ ، لمَّـا وقفوا طويلا، | عشرينَ ، أو فويقها قليلا |
عِصَابَة ٌ، أكْرِمْ بِهَا عِصَابَهْ، | معروفة ٌ بالفضلِ والنجابه |
ثُمّ قَصَدْنَا صَيْدَ عَينِ قَاصِرِ | مَظِنّة َ الصّيْدِ لِكُلّ خَابِرِ |
جئناهُ والشمسُ ، قبيلَ المغربِ | تَختالُ في ثَوْبِ الأصِيلِ المُذهَب |
وَأخذَ الدُّرّاجُ في الصّيَاحِ، | مُكْتَنِفاً مِنْ سَائِرِ النّوَاحي |
في غَفْلَة ٍ عَنّا وَفي ضَلالِ، | ونحنُ قد ْ زرناهُ بالآجالِ |
يَطْرَبُ للصُّبْحِ، وَلَيسَ يَدرِي | أنَّ المنايا في طلوعِ الفجرِ |
حَتى إذَا أحْسَسْتُ بِالصّبَاحِ | ناديتهمْ : ” حيَّ على الفلاحِ ! “ |
نحنُ نصلي والبزاة ُ تخرجُ | مُجَرَّدَاتٍ، وَالخُيُولُ تُسْرَجُ |
فقلتُ للفهادِ : فامضِ وانفردْ | وَصِحْ بنا، إنْ عنّ ظبيٌ، وَاجتَهِدْ |
فلمْ يزلْ ، غيرَ بعيدٍ عنا ، | إليهِ يمضي ما يفرُّ منا |
وَسِرْتُ في صَفٍّ مِنَ الرّجالِ، | كَأنّمَا نَزْحَفُ لِلْقِتَالِ |
فما استوينا كلنا حتى وقفْ | لَمّا رَآنَا مَالَ بِالأعْنَاقِ |
ثمَّ أتاني عجلاً ، قالَ : ألسبقْ ! | فقُلتُ: إن كانَ العِيانُ قد صَدَقْ |
سِرْتُ إلَيْهِ فَأرَاني جَاثِمَهْ | ظَنَنْتُهَا يَقْظَى وكَانَتْ نائِمَهْ |
ثُمّ أخَذتُ نَبَلَة ً كانَتْ مَعي، | وَدُرْتُ دَوْرَيْنِ وَلَمْ أُوَسَعِ |
حتى تمكنتُ ، فلمْ أخطِ الطلبْ ، | لكلِّ حتفٍ سببٌ منَ السببْ |
وَضَجّتِ الكِلابُ في المَقَاوِد، | تَطْلُبُهَا وَهْيَ بِجُهْدٍ جَاهِدِ |
وَصِحْتُ بِالأسْوَدِ كَالخُطّافِ | ليسَ بأبيضٍ ولا غطرافِ |
ثمَّ دعوتُ القومَ : هذا بازي ! | فأيكم ْ ينشطُ للبرازِ ؟ |
فقالَ منهمْ رشأٌ : ” أنا ، أنا! “ | وَلَوْ دَرَى مَا بِيَدي لأذْعَنَا! |
فَقُلْتُ: قَابِلْني وَرَاءَ النّهْرِ، | أنْتَ لِشَطْرٍ وَأنَا لِشَطْرِ! |
طارتْ لهُ دراجة ٌ فأرسلا | أحْسَنَ فِيهَا بَازُهُ وَأجمَلا |
عَلَّقَهَا فَعَطْعَطُوا، وَصَاحُوا، | و الصيدُ منْ آلتهِ الصياحُ ! |
فقلتُ : ما هذا الصياحُ والقلقْ ؟ | أكُلُّ هذا فَرَحٌ بِذا الطَّلَقْ؟ |
فقالَ : إنَّ الكلبَ يشوي البازا | قَد حَرَزَ الكَلْبُ، فَجُزْ، وَجَازَا |
فلمْ يزلْ يزعقُ : يا مولائي ! | وَهْوَ كَمِثْلِ النّارِ في الحَلْفَاءِ |
طارتْ ، فأرسلتُ فكانتْ سلوى | حَلّتْ بِهَا قَبْلَ العُلُوّ البَلْوَى |
فَمَا رَفَعْتُ البَازَ حَتى طَارَا | آخَرُ عَوْداً يُحْسِنُ الفِرَارَا |
أسودُ ، صياحٌ ، كريمٌ ، كرَّزُ ، | مُطرَّزٌ، مُكَحَّلٌ، مُلَزَّزُ |
عليهِ ألوانُ منَ الثيابِ | مِنْ حُلَلِ الدّيبَاجِ وَالعُنّابي |
فلمْ يزلْ يعلو وبازي يسفلُ | يحرزُ فضلَ السبقِ ليسَ يغفلُ |
يَرْقُبُهُ مِنْ تَحْتِهِ بِعَيْنِهِ، | وَإنّمَا يَرْقُبُهُ لِحيْنِه |
حتى إذا قاربَ ، فيما يحسبُ ، | معقلهُ ؛ والموتُ منهُ أقربُ |
أرْخَى لَهُ بِنَبْجِهِ رِجْلَيْهِ، | والموتُ قدْ سابقهُ إليهِ |
صِحْتُ وَصَاحَ القَوْمُ بالتّكْبيرِ، | وغيرنا يضمرُ في الصدورِ |
ثمّ تَصَايَحْنَا فَطَارَتْ وَاحِدَهْ | شيطانة ٌ منْ الطيورِ ماردهْ |
من قربٍ فأرسلوا إليها | وَلَمْ تَزَلْ أعْيُنُهُمْ عَلَيْهَا |
فَلَمْ يُعَلِّقْ بَازُهُ وَأدّى | مِنْ بَعْدِ مَا قَارَبَهَا وَشَدّا |
صحتُ : أهذا البازُ أمْ دجاجهْ ؟ | ليتَ جناحيهِ على دراجهْ |
فاحمرتِ الأوجهُ والعيونُ | وَقَالَ: هَذا مَوْضِعٌ مَلْعُونُ |
إنْ لزَّها البازُ أصابتْ نبجا | أوْ سقطتْ لمْ تلقَ إلاَّ مدرجا |
اعدلْ بنا للنبجِ الخفيفِ | وَالمَوْضِعِ المُنْفَرِدِ المَكْشُوفِ |
فقثلتُ : هذي حجة ٌ ضعيفة ْ | وغرَّة ٌ ظاهرة ٌ معروفهْ |
نحنُ جميعاً في مكانٍ واحدِ ، | فَلا تُعَلِّلْ بِالكَلامِ البَارِدِ! |
قصَّ جناحيهِ يكنْ في الدارِ | معَ الدباسي ، ومعَ القماري ! |
وَاعْمِدْ إلى جُلْجُلِهِ البَدِيعِ، | فاجعلهُ في عنزٍ منَ القطيعِ! |
حتى إذا أبْصَرْتُهُ، وَقد خَجِلْ، | قُلتُ: أرَاهُ، فارِهاً، على الحَجَلْ |
دعهُ ، وهذا البازُ فاطردْ بهِ | تَفَادِياً مِنْ غَمّهِ وَعَتْبِهِ! |
وقلتُ للخيلِ ، التي حولينا : | تَشَاهَدُوا كُلُّكُمُ عَلَيْنَا! |
بِأنّهُ عَارِيَة ٌ مَضْمُونَه، | يُقِيمُ فِيهَا جَاهَهُ وَدِينَهْ |
جئتُ ببازٍ حسنٍ مبهرجِ | دُونَ العُقَابِ وَفُوَيقَ الزُّمَّجِ |
زينٍِ لرائيهِ ، وفوقَ الزينِ ، | يَنْظُرُ مِنْ نَارَيْنِ في غَارَيْنِ |
كأنَّ فوقَ صدرهِ والهادي | آثَارَ مَشْيِ الذَّرّ في الرّمَادِ |
ذِي مِنْسَرٍ فَخْمٍ وَعَيْنٍ غائِرَهْ، | وفخذٍ ملءَ اليمينِ وافرهْ |
ضَخْمٍ، قَرِيبِ الدَّسْتَبَانِ جِدّا | يَلْقَى الّذِي يَحمِلُ مِنهُ كَدّا |
وَرَاحة ٍ تَغْمُرُ كَفّي سَبْطَهْ | زَادَ عَلى قَدْرِ البُزَاة ِ بَسْطَهْ |
سُرّ، وَقالَ: هاتِ! قلتُ: مَهْلا! | احلفْ على الردِّ!”فقالَ:كلاَ! |
أما يميني ، فهي عندي غاليهْ | وكلمتي مثلً يميني وافيه |
قُلْتُ: فَخُذْهُ هِبَة ً بِقُبْلَة ! | فَصَدّ عَني، وَعَلَتْهُ خَجْلَهْ |
فلمْ أزلْ أمسحهُ حتى انبسطْ | وَهَشّ للصّيدِ قَلِيلاً، وَنَشَطْ |
صحتُ بهِ :اركبْ ! فاستقلَّ عنْ يدِ | مُبادِراً أسرَعَ مِنْ قَوْلِ: قَدِ! |
وَضَمّ ساقَيهِ وَقَالَ: قَدْ حَصَلْ! | قلتُ لهُ:”الغدرة ُ منْ شرِّ العملْ !” |
سرتُ ، وسارَ الغادرُ العيارُ | ليسَ لطيرٍ معنا مطارُ |
ثمَّ عدلنا نحونهرِ الوادي ، | وَالطّيْرُ فِيهِ عَدَدُ الجَرَادِ |
أدَرْتُ شَاهِينَيْنِ في مَكَانِ | لكثرة ِ الصيدِ معَ الإمكانِ |
دارا علينا دورة ً وحلقا ، | كِلاهُمَا، حَتى إذَا تَعَلّقَا |
تَوَازَيَا، وَاطّرَدَا اطّرَادا، | كالفارسينِ التقيا أو كادا |
ثَمّتَ شَدَّا فَأصَابَا أرْبَعَا | ثَلاثَة ً خُضْراً، وَطَيْراً أبْقَعَا |
ثمَّ ذبحناها ، وخلصناهما | وَأمْكَنَ الصّيْدُ فَأرْسَلْنَاهُمَا |
فَجَدّلا خَمْساً مِنَ الطّيُورِ، | فَزَادَني الرّحْمَنُ في سُرُورِي |
أربعة ً منها أنيسيانِ | وَطَائِراً يُعْرَفُ بالِبَيْضَاني |
خَيْلٌ نُنَاجِيهِنّ كَيْفَ شِينَا | طيعة ٌ ، ولجمها أيدينا |
وهيَ إذا ما استصعبَ القيادهْ | صَرّفَهَا الجُوعُ عَلى الإرَادَهْ |
تَسَاقَطَتْ مَا بَيْنَنَا مِنَ الفَرَقْ | |
حتى أخذنا ما أردنا منها | ثُمّ انْصَرَفْنَا رَاغِبِينَ عَنْهَا |
إلى كراكيَّ بقربِ النهرِ | عشراً نراها ، أو فويقَ العشرْ |
لَمّا رآها البَازُ، من بُعْدٍ، لَصَقْ | وَحَدّدَ الطّرْفَ إلَيْهَا وَذَرَقْ |
فَقُلْتُ: قد صَادَ، وَرَبِّ الكَعبهْ، | |
فدارَ حتى أمكنتْ ثمَّ نزلْ | فَحَطّ مِنْهَا أفْرَعاً مِثلَ الجَمَلْ |
ما انحطَّ إلاَّ وأنا إليهِ | ممكناً رجليَّ منْ رجليهِ |
جلستُ كيْ أشبعهُ إذا هيهْ | قد سَقطَتْ من عَن يَمينِ الرَابِيَهْ |
فَشلْتُهُ أرْغَبُ في الزّيَادَة ، | وَتِلْكَ للطّرَادِ شَرُّ عَادَة |
لَمْ أَجْزِهِ بِأحْسَنِ البَلاءِ، | أطَعتُ حِرْصِي، وَعَصَيْتُ دَائي |
فلمْ أزلْ أختلها وتختتلْ ، | وإنما نختلها إلى أجلْ |
عمدتُ منها لكبيرٍ مفردِ | يمشي بعنقٍ كالرشاءِ المحصدِ |
طارَ ، وما طارَ ليأتيهِ القدرْ ، | وهلْ لما قدْ حانَ سمعٌ أوْ بصرْ ! ؟ |
حتى إذا جدلهُ كالعندلِ ، | أيقنتُ أنَّ العظمَ غيرُ الفصلِ |
ذَاكَ، عَلى مَا نِلْتُ مِنهُ، أمْرُ | عثرتُ فيهِ وأقالَ الدهرُ ! |
خيرٌ منَ النجاحِ للإنسانِ | |
صحتُ إلى الطباخِ : ماذا تنتظر؟ | انزِلْ عنِ المهرِ، وَهَاتِ ما حَضَرْ |
جَاءَ بِأوْسَاطٍ، وَجُرْدِ تَاجِ، | منْ حجلِ الصيدِ ومنْ دراجِ |
فما تنازلنا عنِ الخيولِ، | يمنعنا الحرصُ عنِ النزولِ |
وَجِيءَ بِالكَأسِ وَبالشّرَابِ، | فَقُلتُ: وَفّرْهَا على أصْحابي! |
أشْبَعَني اليَوْمَ وَرَوّاني الفَرَحْ، | فقدْ كفاني بعضُ وسطٍ وقدحْ |
ثمَّ عدلنا نطلبُ الصحراءَ ، | نَلْتَمِسُ الوُحُوشَ وَالظّبَاءَ |
عَنّ لَنَا سِرْبٌ بِبَطْنِ الوَادِي | |
قَدْ صَدَرَتْ عَنْ مَنهَلٍ رَوِيِّ، | منْ غبرِ الوسميِّ والوليِّ |
ليسَ بمطروقٍ ولا بكيِّ، | ومرتعٍ مقتبلٍ جنيّ |
رعينَ فيهِ ، غيرَ مذعوراتِ ، | |
مرَّ عليهِ غدقُ السحابِ | بواكفٍ ، متصلِ الربابِ |
مازالَ في خفضٍ ، وحسنِ حالِ | حَتى أصَابَتْهُ بِنَا اللّيَالي |
سِرْبٌ حَمَاهُ الدّهْرُ مَا حَمَاهُ | لَمّا رَآنَا ارْتَدّ مَا أعْطَاهُ |
بادرتُ بالصقارِ والفهادِ | حَتى سَبَقْنَاهُ إلى المِيعَادِ |
فَجَدَّلَ الفَهْدُ الكَبِيرَ الأقْرَنَا، | شدَّ على مذبحهِ واستبطنا |
وجدَّلَ الآخرُ عنزاً حائلاً | رَعَتْ حمى الغَوْرَينِ حَوْلاً كاملا |
ثُمّ رَمَيْنَاهُنّ بِالصّقُورِ | فَجِئْنَهَا بِالقَدَرِ المَقْدُورِ |
أفْرَدْنَ مِنها في القَرَاحِ وَاحِدَة | قدْ ثقلتْ بالخصرِ وهيَ جاهدهْ |
مَرّتْ بِنَا، وَالصّقْرُ في قَذالِهَا | يُؤذِنُهَا بِسيِّءٍ مِنْ حَالِهَا |
ثمَّ ثناها وأتاها الكلبُ | هما ، عليها ، والزمانُ إلبُ |
فَلَمْ نَزَلْ نَصِيدُهَا وَنَصْرَعُ | حَتى تَبَقّى في القطِيعِ أرْبَعُ |
ثمَّ عدلنا عدلة ً إلى الجبلْ | إلى الأراوي ، والكباشِ والحجلْ |
فَلَمْ نَزَلْ بِالخَيْلِ وَالكِلابِ | نحوزها حوزاً ، إلى الغيابِ |
ثمَّ انصرفنا ، والبغالُ موقرهْ ، | في لَيلَة ٍ، مثلِ الصّبَاحِ، مُسفِرَهْ |
حتى أتينا رحلنا بليلِ ، | وَقَدْ سُبِقْنَا بِجِيَادِ الخَيْلِ |
حتى عددنا مئة ً وزيدا | |
فلمْ نَزَلْ نَقلي، وَنشِوي، وَنصُبْ، | حَتى طَلَبْنَا صَاحِياً فَلَمْ نُصِبْ |
شُرْباً، كمَا عَنّ، مِنَ الزِّقَاقِ | بغيرِ ترتيبٍ ، وغيرِ ساقِ |
فَلَمْ نَزَلْ سَبْعَ لَيَالٍ عَدَدا | أسعدَ مَن رَاحَ، وَأحظَى مَن غَدا |
ياشعر
ياشعر أنت فم الشعور ، وصرخة الروح الكئيب | |
ياشعر أنت صدى نحيب القلب ، والصب الغريب | |
ياشعر أنت مدامع علقت بأهداب الحياة | |
ياشعر أنت دم ، تفجر من كلوم الكائنات | |
ياشعر ! قلبي ـ مثلما تدري ـ شقي ، مظلم | |
فيه الجراح ، النجل ، يقطر من مغاورها الدم | |
جمدت على شفتيه أزراء الحياة العابسه | |
فهو التعيس ، يذيبه نوح القلوب البائسه | |
ابدا ينوح بحرقة ، بين الأماني الهاويه | |
كالبلبل الغريد مابين الزهور الذاويه | |
كم قد نصحت له بأن يسلو ، وكم عزيته | |
فأبى وماأصغى إلى قولي ، فما أجديته | |
كم قلت : صبرا يافؤاد ! ألا تكف عن النحيب ؟ | |
فإذا تجلدت الحياة تبددت شعل اللهيب | |
ياقلب ! لاتجزع أمام تصلب الدهر الهصور | |
فإذا صرخت توجعا هزأت بصرختك الدهور | |
ياقلب ! لاتسخط على الأيام ، فالزهر البديع | |
يصغي لضجات العواصف قبل أنغام الربيع | |
ياقلب ! لاتقنع بشوك اليأس من بين الزهور | |
فوراء أوجاع الحياة عذوبة الأمل الجسور | |
ياقلب ! لاتسكب دموعك بالفضاء فتندم | |
فعلى ابتسامات الفضاء قساوة المتهكم | |
لكن قلبي وهم ـ مخضل الجوانب بالدموع ـ | |
جاشت به الأحزان ، ّا طفحت بها تلك الصدوع | |
يبكي على الحلم البعيد بلوعة ، لاتنجلي | |
غردا ، كصداح الهواتف في الفلا ، ويقول لي : | |
طهر كلومك بالدموع ، وخلّها وسبيلها | |
إن المدامع لاتضيع حقيرها وجليلها | |
فمن المدامع ماتدفع جارفا حسك الحياه | |
يرمي لهاوية الوجود بكل مايبني الطغاه | |
ومن المدامع ماتألق في الغياهب كالنجوم | |
ومن المدامع ماأراح النفس من عبء الهموم | |
فارحم تعاسته ، ونح معه على أحلامه | |
فقد قضى الحلم البديع على لظى آلامه . |
أقضيه فى الأشواق إلا أقله
أقضيه فى الأشواق إلا أقله | بطئ سرى أبدى إلى اللبث ميله |
و ليس اشتياقى عن غرام بشادن | و لكنه شوق امرئ فات أهله |
فيا لك من ليل أعرت نجومه | توقد أنفاسي و عانيت مثله |
و مل كلانا من أخيه و هكذا | إذا طال عهد المرء بالشئ مله |
سينية
اختلاف النهار والليل ينسي | اذكرا لي الصبا وأيام أنسي |
وصفا لي ملاوة من شباب | صورت من تصورات ومس |
عصفت كالصبا اللعوب ومرت | سنة حـلوة ولذة خلس |
وسلا مصر: هل سلا القلب عنها | أو أسا جرحه الزمان المؤسي |
كلما مرت الـليالـي عليه | رق، والعهد فـي الليالي تقسي |
مستطار إذا البواخر رنت | أول الليل، أو عوت بعد جرس |
راهب في الضلوع للسفن فطن | كلما ثرن شاعهن بنقس |
يا ابنة اليم، ما أبـوك بـخيل | ماله مولعاً بمنع وحبس |
أحرام على بلابـله الدوح | حلال للطير من كل جنس؟ |
كل دار أحق بالأهل إلا | في خبيث من المذاهب رجس |
نفسي مرجل، وقلبي شراع | بهما في الدموع سيري وأرسي |
واجعلي وجهك (الفنار) ومجراك | يـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس) |
وطـني لو شغلت بالخلد عنه | نازعتني إليه في الخلد نفسي |
وهـفا بالفؤاد في سلسبيل | ظمأ للسواد مـن (عين شمس) |
شهد الله لم يغب عن جـفوني | شخصه ساعة ولم يخل حسي |
يا فؤادي لكل أمر قرار | فيه يبدو وينجلي بعد لبس |
عقلت لجة الأمور عقولاً | طالت الحوت طول سبح وغس |
غرقت حيث لا يصاح بطاف | أو غريق، ولا يصاخ لحس |
فلـك يكسف الشموس نـهـاراً | ويسوم البدور ليلة وكس |
ومواقيت للأمور إذا ما | بلغتها الأمور صارت لعكس |
دول كالرجال مرتهنـات | بقيام من الجدود وتعس |
وليال من كل ذات سوار | لطمت كل رب (روم) و(فرس) |
سددت بالهلال قوساً وسلت | خنجراً ينفذان من كل ترس |
حكمت في القرون (خوفو) و(دارا) | وعفت (وائلاً) وألوت (بعبس) |
أين (مروان) في المشارق عرش | أموي وفي الـمغارب كرسي؟ |
سقمت شمسهم فرد عليها | نورها كل ثاقب الرأي نطس |
ثم غابت وكل شمس سوى هاتيك | تبلى، وتنطوي تحت رمس |
وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى) | شفتني القصور من (عبد شمس) |
رب ليل سريت والبرق طرفي | وبساط طويت والريح عنسي |
أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغرب | وأطوي البلاد حزنـاً لدهس |
في ديار من الخلائف درس | ومـنار من الطوائف طمس |
وربى كالجنان في كنف الزيتون | خضر، وفي ذرا الكرم طلس |
لم يرعـني سوى ثرى قرطبي | لمست فيه عبرة الدهر خمسي |
يا وقى الله ما أصبح منه | وسقى صفوت الحيا ما أمسي |
قرية لا تعد في الأرض كنت | تمسك الأرض أن تميد وترسي |
غشيت ساحل المحيط وغطت | لجة الروم من شراع وقلس |
ركب الدهر خاطري في ثراها | فأتى ذلك الحمى بــعد حدس |
فتجلت لي القصور ومن فيها | من العز في منازل قعس |
سنة من كرى وطيف أمـان | وصحا القلب مـن ضلال وهجس |
وإذا الدار ما بها من أنيس | وإذا القوم ما لهم من محس |
ورقيق من البيوت عتيق | جاوز الألف غير مذموم حرس |
أثر من (محمد) وتراث | صار (للروح) ذي الولاء الأمس |
بلغ النجم ذروة وتناهى | بين (ثهلان) في الأساس و(قدس) |
مرمر تسبح النواظر فيه | ويطول المدى عليها فترسي |
وسوار كأنها في استواء | ألفات الوزير في عرض طرس |
فترة الدهر قد كست سطريها | ما اكتسى الهدب من فتور ونعس |
ويحها! كم تزينت لعليم | واحد الدهر واستعدت لخمس |
وكأن الرفيف في مسرح العين | ملاء مدنرات الدمقس |
ومكان الكتاب يغريك رياً | ورده غائباً فتدنو للمس |
صنعة (الداخل) المبارك في | الغرب وآل له ميامين شمس |
من (لحمراء) جللت بغبار | الدهر كالجرح بين بـرء ونكس |
كسنا البرق لو محا الضوء لحظاً | لمحتها العيون من طول قبس |
حصن (غرناطة) ودار بني الأحمر | من غافل ويقظان ندس |
جلل الثلج دونها رأس (شيرى) | فبدا منه في عـصائب برس |
سرمد شيبه، ولم أر شيئاً | قبله يـرجى البقاء وينسي |
مشت الحادثات في غرف (الحمراء) | مشي النعي في دار عرس |
هتكت عزة الحجاب وفضت | سدة الباب من سمير وأنسي |
عرصات تخلت الخيل عنها | واستراحت من احتراس وعس |
ومغان على الليالي وضاء | لم تجد للعشي تكرار مس |
لا ترى غير وافدين على التاريخ | ساعين في خشوع ونكس |
نقلوا الطـرف في نضارة آس | من نقوش، وفي عصارة ورس |
وقباب من لازورد وتبر | كالربى الشم بين ظل وشمس |
وخطوط تكفلت للمعاني | ولألفاظها بأزيـن لبس |
وترى مجلس السباع خلاء | مقفر القاع من ظباء وخنس |
لا (الثريا) ولا جواري الثريا | يتنزلن فيه أقمار إنس |
مرمر قامت الأسود عليه | كلة الظفر لينات المجس |
تنثر الماء في الحياض جماناً | يـتنزى على ترائب ملس |
آخر العهد بالجزيرة كانت | بعد عرك من الزمان وضرس |
فتراها تقول: راية جيش | باد بالأمس بـين أسر وحـس |
ومفاتيحها مقاليد ملك | باعها الوارث المضـيع ببخس |
خرج القوم في كتائب صم | عن حفاظ كموكب الدفن خرس |
ركبوا بالبحار نعشاً وكانت | تحت آبائهم هي العرش أمس |
رب بان لهادم، وجموع | لمشت ومحسن لمخس |
إمرة الناس همة لا تأنى | لجبــان ولا تسنى لجبس |
يا دياراً نزلت كالخلد ظلاً | وجـنى دانياً وسلسال أنس |
محسنات الفصول لا نـاجر فيها | بقيظ ولا جمادى بـقرس |
لا تحش العيون فوق ربــاها | غير حور حو المراشف لعس |
كسيت أفرخي بظلك ريشاً | وربا في رباك واشتد غرسي |
هم بنو مصر لا الجميل لديهم | بمضاع ولا الصنيع بمنسي |
من لسان على ثنائك وقف | وجنان على ولائك حبس |
حسبهم هذه الطلول عظات | من جديد على الدهور ودرس |
وإذا فاتك التفات إلى الماضي | فقد غاب عنك وجه التأسي |
شيعت أحلامي بقلب باك
شَيَّعتُ أَحلامي بِقَلبٍ باكِ | وَلَمَمتُ مِن طُرُقِ المِلاحِ شِباكي |
وَرَجَعتُ أَدراجَ الشَبابِ وَوَردِهِ | أَمشي مَكانَهُما عَلى الأَشواكِ |
وَبِجانِبي واهٍ كَأنَّ خُفوقَهُ | لَمّا تَلَفَّتَ جَهشَةُ المُتَباكي |
شاكي السِلاحِ إِذا خَلا بِضُلوعِهِ | فَإِذا أُهيبَ بِهِ فَلَيسَ بِشاكِ |
قَد راعَهُ أَنّي طَوَيتُ حَبائِلي | مِن بَعدِ طولِ تَناوُلٍ وَفِكاكِ |
وَيحَ اِبنِ جَنبي كُلُّ غايَةِ لَذَّةٍ | بَعدَ الشَبابِ عَزيزَةُ الإِدراكِ |
لَم تُبقِ مِنّا يا فُؤادُ بَقِيَّةً | لِفُتُوَّةٍ أَو فَضلَةٌ لِعِراكِ |
كُنّا إِذا صَفَّقتَ نَستَبِقُ الهَوى | وَنَشُدُّ شَدَّ العُصبَةِ الفُتّاكِ |
وَاليَومَ تَبعَثُ فِيَّ حينَ تَهَزُّني | ما يَبعَثُ الناقوسُ في النُسّاكِ |
يا جارَةَ الوادي طَرِبتُ وَعادَني | ما يُشبِهُ الأَحلامَ مِن ذِكراكِ |
مَثَّلتُ في الذِكرى هَواكِ وَفي الكَرى | وَالذِكرَياتُ صَدى السِنينِ الحاكي |
وَلَقَد مَرَرتُ عَلى الرِياضِ بِرَبوَةٍ | غَنّاءَ كُنتُ حِيالَها أَلقاكِ |
ضَحِكَت إِلَيَّ وُجوهُها وَعُيونُها | وَوَجَدتُ في أَنفاسِها رَيّاكِ |
فَذَهبتُ في الأَيّامِ أَذكُرُ رَفرَفاً | بَينَ الجَداوِلِ وَالعُيونِ حَواكِ |
أَذَكَرتِ هَروَلَةَ الصَبابَةِ وَالهَوى | لَمّا خَطَرتِ يُقَبِّلانِ خُطاكِ |
لَم أَدرِ ماطيبُ العِناقِ عَلى الهَوى | حَتّى تَرَفَّقَ ساعِدي فَطواكِ |
وَتَأَوَّدَت أَعطافُ بانِكِ في يَدي | وَاِحمَرَّ مِن خَفرَيهِما خَدّاكِ |
وَدَخَلتُ في لَيلَينِ فَرعِكِ وَالدُجى | وَلَثَمتُ كَالصُبحِ المُنَوِّرِ فاكِ |
وَوَجدتُ في كُنهِ الجَوانِحِ نَشوَةً | مِن طيبِ فيكِ وَمِن سُلافِ لَماكِ |
وَتَعَطَّلَت لُغَةُ الكَلامِ وَخاطَبَت | عَينَيَّ في لُغَةِ الهَوى عَيناكِ |
وَمَحَوتُ كُلَّ لُبانَةٍ مِن خاطِري | وَنَسيتُ كُلَّ تَعاتُبٍ وَتَشاكي |
لا أَمسَ مِن عُمرِ الزَمانِ وَلا غَدٌ | جُمِعَ الزَمانُ فَكانَ يَومَ رِضاكِ |
لُبنانُ رَدَّتني إِلَيكَ مِنَ النَوى | أَقدارُ سَيرٍ لِلحَياةِ دَراكِ |
جَمَعَت نَزيلَي ظَهرِها مِن فُرقَةٍ | كُرَةٌ وَراءَ صَوالِجِ الأَفلاكِ |
نَمشي عَلَيها فَوقَ كُلِّ فُجاءَةٍ | كَالطَيرِ فَوقَ مَكامِنِ الأَشراكِ |
وَلَو أَنَّ بِالشَوقُ المَزارُ وَجَدتَني | مُلقى الرِحالِ عَلى ثَراكِ الذاكي |
بِنتَ البِقاعِ وَأُمَّ بَردونِيَّها | طيبي كَجِلَّقَ وَاِسكُبي بَرداكِ |
وَدِمَشقُ جَنّاتُ النَعيمِ وَإِنَّما | أَلفَيتُ سُدَّةَ عَدنِهِنَّ رُباكِ |
قَسَماً لَوِ اِنتَمَتِ الجَداوِلُ وَالرُبا | لَتَهَلَّلَ الفِردَوسُ ثُمَّ نَماكِ |
مَرآكِ مَرآهُ وَعَينُكِ عَينُهُ | لِم يا زُحَيلَةُ لا يَكونُ أَباكِ |
تِلكَ الكُرومُ بَقِيَّةٌ مِن بابِلٍ | هَيهاتَ نَسيَ البابِلِيِّ جَناكِ |
تُبدي كَوَشيِ الفُرسِ أَفتَنَ صِبغَةٍ | لِلناظِرينَ إِلى أَلَذِّ حِياكِ |
خَرَزاتِ مِسكٍ أَو عُقودَ الكَهرَبا | أودِعنَ كافوراً مِنَ الأَسلاكِ |
فَكَّرتُ في لَبَنِ الجِنانِ وَخَمرِها | لَمّا رَأَيتُ الماءَ مَسَّ طِلاكِ |
لَم أَنسَ مِن هِبَةِ الزَمانِ عَشِيَّةً | سَلَفَت بِظِلِّكِ وَاِنقَضَت بِذَراكِ |
كُنتِ العَروسَ عَلى مَنَصَّةِ جِنحِها | لُبنانُ في الوَشيِ الكَريمِ جَلاكِ |
يَمشي إِلَيكِ اللَحظُ في الديباجِ أَو | في العاجِ مِن أَيِّ الشِعابِ أَتاكِ |
ضَمَّت ذِراعَيها الطَبيعَةُ رِقَّةً | صِنّينَ وَالحَرَمونَ فَاِحتَضَناكِ |
وَالبَدرُ في ثَبَجِ السَماءِ مُنَوِّرٌ | سالَت حُلاهُ عَلى الثَرى وَحُلاكِ |
وَالنَيِّراتُ مِنَ السَحابِ مُطِلَّةٌ | كَالغيدِ مِن سِترٍ وَمِن شُبّاكِ |
وَكَأَنَّ كُلَّ ذُؤابَةٍ مِن شاهِقٍ | رُكنُ المَجرَّةِ أَو جِدارُ سِماكِ |
سَكَنَت نَواحي اللَيلِ إِلّا أَنَّةً | في الأَيكِ أَو وَتَراً شَجِيَ حِراكِ |
شَرَفاً عَروسَ الأَرزِ كُلُّ خَريدَةٍ | تَحتَ السَماءِ مِنَ البِلادِ فِداكِ |
رَكَزَ البَيانُ عَلى ذَراكِ لِوائَهُ | وَمَشى مُلوكُ الشِعرِ في مَغناكِ |
أُدَباؤُكِ الزُهرُ الشُموسُ وَلا أَرى | أَرضاً تَمَخَّضُ بِالشُموسِ سِواكِ |
مِن كُلِّ أَروَعَ عِلمُهُ في شِعرِهِ | وَيَراعُهُ مِن خُلقِهِ بِمَلاكِ |
جَمعَ القَصائِدَ مِن رُباكِ وَرُبَّما | سَرَقَ الشَمائِلَ مِن نَسيمِ صَباكِ |
موسى بِبابِكِ في المَكارِمِ وَالعُلا | وَعَصاهُ في سِحرِ البَيانِ عَصاكِ |
أَحلَلتِ شِعري مِنكِ في عُليا الذُرا | وَجَمَعتِهِ بِرِوايَةِ الأَملاكِ |
إِن تُكرِمي يا زَحلُ شِعري إِنَّني | أَنكَرتُ كُلَّ قَصيدَةٍ إِلّاكِ |
أَنتِ الخَيالُ بَديعُهُ وَغَريبُهُ | اللَهُ صاغَكِ وَالزَمانُ رَواكِ |
ذكر الصبي ومراتع الآرام
ذِكَرُ الصّبَي وَمَرَاتِعِ الآرَامِ | جَلَبَتْ حِمامي قَبلَ وَقْتِ حِمامي |
دِمَنٌ تَكاثَرَتِ الهُمُومُ عَليّ في | عَرَصَاتِها كَتَكاثُرِ اللُّوّامِ |
وَكَأنّ كُلّ سَحَابَةٍ وَقَفَتْ بهَا | تَبكي بعَيْنيْ عُرْوَةَ بنِ حِزَامِ |
وَلَطَالَمَا أفْنَيْتُ رِيقَ كَعَابِهَا | فِيهَا وَأفْنَتْ بالعِتابِ كَلامي |
قَد كُنْتَ تَهْزَأُ بالفِراقِ مَجَانَةً | وَتَجُرّ ذَيْلَيْ شِرّةٍ وَعُرَامِ |
لَيسَ القِبابُ على الرّكَابِ وَإنّمَا | هُنّ الحَيَاةُ تَرَحّلَتْ بسَلامِ |
ليتَ الذي فَلَقَ النّوَى جعَل الحَصَى | لخِفافِهِنّ مَفَاصِلي وَعِظامي |
مُتَلاحِظَينِ نَسُحُّ مَاءَ شُؤونِنَا | حَذَراً مِنَ الرُّقَبَاءِ في الأكْمَامِ |
أرْوَاحُنَا انهَمَلَتْ وَعِشْنَا بَعدَهَا | من بَعدِ ما قَطَرَتْ على الأقدامِ |
لَوْ كُنّ يَوْمَ جرَينَ كُنّ كصَبرِنَا | عندَ الرّحيلِ لَكُنّ غَيرَ سِجَامِ |
لم يَتْرُكُوا لي صاحِباً إلاّ الأسَى | وَذَمِيلَ ذِعْلِبَةٍ كَفَحْلِ نَعَامِ |
وَتَعَذُّرُ الأحْرارِ صَيّرَ ظَهْرَهَا | إلاّ إلَيْكَ عَليَّ ظَهْرَ حَرَامِ |
أنتَ الغَريبَةُ في زَمَانٍ أهْلُهُ | وُلِدَتْ مَكارِمُهُمْ لغَيرِ تَمَامِ |
أكْثَرْتَ من بَذْلِ النّوَالِ وَلم تزَلْ | عَلَماً على الإفْضالِ وَالإنْعَامِ |
صَغّرْتَ كلّ كَبيرَةٍ وَكَبُرْتَ عَنْ | لَكَأنّهُ وَعَدَدْتَ سِنّ غُلامِ |
وَرَفَلْتَ في حُلَلِ الثّنَاءِ وَإنّمَا | عَدَمُ الثّنَاءِ نِهَايَةُ الإعْدامِ |
عَيْبٌ عَلَيكَ تُرَى بسَيفٍ في الوَغى | مَا يَصْنَعُ الصّمْصَامُ بالصّمصَامِ |
إنْ كانَ مِثْلُكَ كانَ أوْ هُوَ كائِنٌ | فَبَرِئْتُ حِينَئِذٍ مِنَ الإسْلامِ |
مَلِكٌ زُهَتْ بِمَكَانِهِ أيّامُهُ | حتى افتَخَرْنَ بهِ على الأيّامِ |
وَتَخالُهُ سَلَبَ الوَرَى مِن حِلْمِهِ | أحْلامَهُمْ فَهُمُ بِلا أحْلامِ |
وَإذا امتَحَنْتَ تَكَشّفَتْ عَزَمَاتُهُ | عَن أوْحَدِيّ النّقْضِ وَالإبْرامِ |
وَإذا سَألْتَ بَنَانَهُ عَنْ نَيْلِهِ | لم يَرْضَ بالدّنْيَا قَضاءَ ذِمَامِ |
مَهْلاً ألا لِلّهِ ما صَنَعَ القَنَا | في عَمْرِو حَابِ وَضَبّةَ الأغْتَامِ |
لمّا تَحَكّمَتِ الأسِنّةُ فِيهِمِ | جَارَتْ وَهُنّ يَجُرْنَ في الأحكامِ |
فَتَرَكْتَهُمْ خَلَلَ البُيُوتِ كأنّما | غَضِبَتْ رُؤوسُهُمُ على الأجْسامِ |
أحجارُ ناسٍ فَوْقَ أرْضٍ مِنْ دَمٍ | وَنُجُومُ بَيْضٍ في سَمَاءِ قَتَامِ |
وَذِراعُ كُلّ أبي فُلانٍ كُنْيَةً | حَالَتْ فَصَاحِبُها أبُو الأيْتَامِ |
عَهْدي بمَعْرَكَةِ الأميرِ وَخَيْلُهُ | في النّقْعِ مُحْجِمَةٌ عنِ الإحجامِ |
صَلّى الإل?هُ عَلَيْكَ غَيرَ مُوَدَّعٍ | وَسَقَى ثَرَى أبَوَيْكَ صَوْبَ غَمَامِ |
وَكَسَاكَ ثَوْبَ مَهَابَةٍ مِنْ عِنْدِهِ | وَأرَاكَ وَجهَ شَقيقِكَ القَمْقَامِ |
فَلَقَدْ رَمَى بَلَدَ العَدُوّ بنَفْسِهِ | في رَوْقِ أرْعَنَ كالغِطَمّ لُهَامِ |
قَوْمٌ تَفَرّسَتِ المَنَايَا فِيكُمُ | فرَأتْ لكُمْ في الحرْبِ صَبرَ كِرَامِ |
تَالله مَا عَلِمَ امرُؤٌ لَوْلاكُمُ | كَيفَ السّخاءُ وَكَيفَ ضرْبُ الهَامِ |