يا صَميمَ الحياة ِ! إنّي وَحِيدٌ | مُدْبجٌ، تائهٌ. فأين شروقُكْ؟ |
ضَائعٌ، ظامىء ٌ، ف | َأَيْنَ رَحِيقُكْ؟ |
يا صميمَ الحياة ِ! قد وَجَمَ النَّايُ | وغام الفضا. فأين بروقُكْ؟ |
يا صميمَ الحياة ِ! إنّي فؤادٌ | فتحت النجومُ يُصغِي مَشوقُكْ |
كُنْتُ في فجركَ، الموشَّحِ بالأحلامِ، عِطْراً، يَرِفُّ فَوْقَ وُرودِكْ | |
حالماً، ينهل الضياءَ، ويُصغي | لكَ، في نشوة ٍ بوحي نَشِيدِكْ |
ثمَّ جاءَ الدّجى ..، فَأمسيتُ أوراقاً، بداداً، من ذابلاتِ الورودِ | |
بين هولِ الدُّجى وصمتِ الوُجودِ | |
كنتُ في فجرك المغلَّف بالسِّحرِ، | فضاءَ من النّشيد الهادي |
وسحاباً من الرَّؤى ، يتهادى | في ضميرِ الآزال والآبادِ |
يا صميمَ الحياة ! كم أنا في الدُّنيا غَريبٌ أشقى بغُرْبَة ِ نفسي | |
بين قومٍ، لا يفهمونَ أناشيدَ فؤادي، ولا معاني بؤسي | |
فاحتضِنِّي، وضُمَّني لك- كالماضي- فهذا الوجودُ علَّة ُ يأسي | |
وأمانيَّ، يُغرق الدمعُ أحلاها،ويُفنى يمُّ الزّمان صداها | |
وأناشيدَ، يأكُلُ اللَّهَبُ الدّامي مَسَرَّاتِها، ويُبْقِي أَساها | |
وَوُروداً، تموت في قبضة ِ الأشْواكِ ما هذه الحياة ُ المملَّة ْ؟ | |
سأَمٌ هذهِ الحياة ِ مُعَادٌ | وصباحٌ، يكرُّ في إثرِ ليلِ |
ليتني لم أزل- كما كنت- ضوءاً، شائعاً في الوجود، غيرَ سجين! | |
سأَمٌ هذهِ الحياة ِ مُعَادٌ | وصباحٌ، يكرُّ في إثرِ ليلِ |
ليتني لم أزل- كما كنت- ضوءاً، شائعاً في الوجود، غيرَ سجين! |
أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ
أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ | ويملأُ نَفسي صَبَاحُ الأملْ |
وتنمو بصدرِي ورُودٌ، عِذابٌ | وتحنو على قلبيَ المشتعِلْ |
ويفْتِنُني فيكِ فيضُ الحياة ِ | وذاك الشّبابُ، الوديعُ، الثَّمِلْ |
ويفتنُني سِحْرُ تلك الشِّفاهِ | ترفرفُ منْ حولهنّ القُبَلْ |
فأعبُدُ فيكِ جمالَ السّماء، | ورقَة َ وَرْدِ الرَّبيعِ، الخضِلْ |
وطُهْرَ الثلوج، وسِحْرَ المروج | مُوَشَّحَة ً بشعاعِ الطَّفَلْ |
أراكِ، فأُخْلَقُ خلْقاً جديداً | كأنّيَ لم أَبْلُ حربَ الوجودْ |
ولم أحتمِلْ فيه عِبثاً، ثقيلاً | من الذِّكْريَاتِ التي لا تَبيدْ |
وأضغاثِ أيّاميَ، الغابراتِ | وفيها الشَّقيُّ، وفيها السَّعيدْ |
ويْغْمُرُ روحِي ضياءٌ، رفيقٌ | تُكَلّلهُ رَائعاتُ الورودْ |
وتُسْمُعُني هَاتِهِ الكَائِنَاتُ | رقيقَ الأغاني، وحُلْوَ النشيدْ |
وترقصُ حولِي أمانٍ، طِرابٌ | وأفراحُ عُمْرِ خَلِيٍّ، سَعيدْ |
كأنِّيَ أصبَحْتُ فوقَ البَشَرْ | وتهتزُّ مثْلَ اهتزازِ الوتَرْ |
أناملَ، لُدْناً، كرَطْب الزَّهَرْ | |
فتخطو أناشيدُ قلبيَ، سكْرَى | تغرِّدُ، تَحْتَ ظِلالِ القَمَرْ |
وتملأَني نَشْوة ٌ، لا تُحَدُّ | |
أوَدُّ بروحي عناقَ الوجودِ | بما فيه من أنفسٍ، أو شجرْ |
وليلٍ يفرُّ، وفجرٍ يكرُّ | وغَيْمٍ، يُوَشِّي رداءَ السحرْ |
لو كانت الأيام في قبضتي
لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي | أذريتها للريح، مثل الرمال |
وقلتُ: يا ريحُ، بها فاذهبي | وبدِّديها في سَحيقِ الجبالُ |
بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ | لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ |
لو كان هذا الكونُ في قبضتي | ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ |
ما هذه الدنيا، وهذا الورى | وذلكَ الأُفْقُ، وَتِلْكَ النُّجُومْ |
النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى | ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ |
يا أيّها الماضِي الذي قد قَضَى | وضمَّهُ الموتُ، وليلُ الأَبَدْ |
يا حاضِرَ النَّاس الذي لم يَزُل | يا أيُّها الآتي الذي لم يَلِدْ |
سَخَافة ٌ دنياكُمُ هذه | تائهة ٌ في ظلمة ِ لا تُحَدْ |
كان قلبي فجر ونجوم
كان قلبِيَ فجرٌ، ونجومْ، | وبحارٌ لا تُغَشّيها الغيومْ |
وأناشيدٌ، وأطيارٌ تَحُومْ | وَرَبيعٌ، مُشْرِقٌ، حُلْوٌ، جَميلْ |
كانَ في قلبي صباحٌ، وإياهْ، | وابتِسَامَاتٌ ولكنْ… واأسَاهْ |
آه! ما أهولَ إعْصَارَ الحياة | آه! ما أشقى قُلُوبَ النّاسِ! آه |
كان في قلبيَ فجرٌ، ونجومْ، | |
فإذا الكلُّ ظلامٌ، وسديمْ..، | |
كان في قلبيَ فجرٌ، ونجومْ | |
يا بني أمِّي! تُرى أينَ الصّباح | قد تقضَّى العُمْرُ، والفجْرُ بعيدْ |
وَطَغى الوادي بِمَشْبُوبِ النواح | وانقَضَتْ أنشودة ُ الفَصْل السَّعيدْ |
أين نايي؟ هل ترامتْه الرياح | أين غابي؟ أين محرابُ السُّجُودْ.. |
خبِّروا قلبي. فما أقسى الجراحْ | كيف طارتْ نشوة ُ العيشِ الحَميد |
يا بني أمِّي! تُرى أين الصَّباح | |
أوراءَ البحر؟ أم خلفَ الوُجود | |
يا بني أمي؟ ترى أينَ الصباح | |
ليت شعري! هل سَتُسَلِيني الغَداة ْ | وتعزِّيني عن الأمسِ الفَقِيدْ |
وتُريني أن أفراحَ الحياة | زُمَرٌ تمضي، وأفواجٌ تعود |
فإذا قلبي صياح، وإيّاه.. | وإذا أحلاميَ الأولى وَرُودْ.. |
وإذا الشُّحْرورُ حُلْوُ النَّغماتْ.. | وإذا الغَابُ ضِيَاءٌ وَنَشِيدْ.. |
أم ستنساني، وتُبْقيني وحيد؟ | |
ليتَ شِعْري! هل تُعَزِّيني الغَدَاة ْ |
أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟
أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟ | أينَ الطُّموحُ، والأَحْلامُ؟ |
أين يا شعبُ، رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّانُ | أينَ، الخيالُ والالهامُ؟ |
أين يا شعبُ، فنُّك السَّاحرُ الخلاّقُ؟ | أينَ الرُّسومُ والأَنغامُ؟ |
إنَّ يمَّ الحياة ِ يَدوي حوالَيْكَ | فأينَ المُغامِرُ، المِقْدَامُ |
أينَ عَزْمُ الحياة ِ؟ لا شيءَ إلاّ | الموتُ، والصَّمتُ، والأسى ، والظلامُ |
عُمُرٌ مَيِّتٌ، وَقَلْبٌ خَواءٌ | ودمٌ، لا تثيره الآلامُ |
وحياة ٌ، تنامُ في ظلمة ِ الوادي | وتنْمو من فوقِها الأوهام |
أيُّ عيشٍ هذا، وأيُّ حياة ٍ؟! | رُبَّ عَيْشٍ أخَفُّ منه الحِمَام |
قد مشتْ حولَك الفصولُ وغَنَّتْكَ | فلم تبتهِجْ، ولمْ تترنَّمْ |
ودَوَتْ فوقَك العواصِفُ والأنواءُ | حَتَّ أَوشَكْتَ أن تتحطَّمْ |
وأطافَتْ بكَ الوُحوشُ وناشتْك | فلم تضطرب، ولم تتألمْ |
يا إلهي! أما تحسُّ؟ أَمَا تشدو؟ | أما تشتكي؟ أما تتكلَّمْ؟ |
ملَّ نهرُ الزّمانِ أيَّامَكَ الموتَى | وأنقاضَ عُمرِكَ المتهدِّمْ |
أنتَ لا ميِّتٌ فيبلَى ، ولا حيٌّ | فيمشي، بل كائنٌ، ليس يُفْهَمْ |
أبداً يرمقُ الفراغَ بطرفٍ | جامدٍ، لا يرى العوالِمَ، مُظْلِمْ |
أيُّ سِحْرٌ دهاكَ! هل أنتَ مسحورٌ | شقيٌّ؟ أو ماردٌ، يتهكَّمْ؟ |
آه! بل أنتَ في الشُّعوب عجوزٌ، | فيلسوفً، مُحطَّمٌ في إهابِهْ |
ماتَ شوقُ الشبابِ في قلبِه الذاوي، | وعزمُ الحياة ِ في أعصابِهْ |
فمضى يَنْشُدُ السَّلامَ..، بعيداً.. | |
وهناكَ.. اصطفى البقاءَ مع الأموات، | «في قبرِ أمسِهِ» غيرَ آبِهْ… |
وارتضى القبرَ مسكناً، تتلاشى | فيه أيَّامُ عُمرِهِ المتشابِهْ |
وتناسى الحياة َ، والزّمَنَ الدّاوي | وما كان منْ قديمِ رِغَابِهْ |
واعبدِ «الأمسَ» وادَّكِرْ صُوَرَ الماضِي | فدُنْيَا العجوزِ ذكري شبابِهْ… |
وإذا مرَّتِ الحياة ُ حوالَيْكَ | جميلاً، كالزّهر غضَّا صِباها |
تتغنّى الحياة بالشوق والعزم | فيحْي قلبَ الجمادِ غِنَاها |
والربيعُ الجميلُ يرقصُ فوقَ | الوردِ، والعشبِ، مُنْشِداً، تيَّاهاً |
ومشَى النّاسُ خلفَها، يتَمَلوْنَ | جمالَ الوجودِ في مرآها |
فاحذرِ السِّحْرَ! أيُّها النَّاسكُ القِدِّيسُ | |
والربيعُ الفَنَّانُ شاعِرُها المفتونُ | يُغْرِي بحبِّها وهواها |
وَتَمَلَّ الجمالَ في رِممِ الموتَى ..! | بعيداً عن سِحْرِهَا وَصَدَاها |
وَتَغَزَّلْ بسِحْرِ أيَّامِكَ الأولى | وخَلِّ الحياة َ تخطو خطاها |
وإذا هبَّت الطيورُ مع الفجر، | تُغنِّي بينَ المروجِ الجميلهْ |
وتُحَيِّي الحياة َ، والعالَمَ الحيَّ، | بِصَوْتِ المحبَّة ِ المعسولهْ |
والفَراشُ الجميلُ رَفْرَفَ في الرَّوْضِ، | يناجي زهورَهُ المطلولهْ |
وأفاقَ الوجودُ للعمل المُجْدِي | ولِلسَّعي، والمعاني الجليلهْ |
ومشى الناس في الشِّعاب، وفي الغاب، | وفوق المسَالكِ المجهولهْ |
ينشدون الجمالَ، والنُّورَ، والأفراحَ | والمجدَ، والحياة َ النبيلهْ |
فاغضُضِ الطَّرفَ في الظَّلامِ! وحاذِرْ | فِتْنَة َ النُّورِ..! فهيَ رُؤْيَا مَهولَة … |
وَصَبَاحُ الحياة ِ لا يُوقِظُ الموْتَى | ولا يَرْحَمُ الجفونَ الكليلهْ |
كلُّ شيءٍ يُعَاطِفُ العالَم الحيَّ، | ويُذكِي حياتَه، ويُفيدُهْ |
والذي لا يجاوِبُ الكونَ بالاحساسِ | عِبْءٌ على الوجودِ، وُجُودُهُ |
كُلُّ شيءٍ يُسايرُ الزَّمنَ الماشي | بعزمٍ، حتى الترابُ، ودودُهُ |
كلُّ شيءٍ ـ إلاَّكَ ـ حَيٌّ، عَطوفٌ | يُؤْنِسُ الكونَ شَوْقُه، ونَشيدُهُ |
فلِماذا تعيشُ في الكون يا صَاحِ! | وما فيكَ من جنًى يستفيدُهْ |
لستَ يا شيخُ للحياة ِ بأَهْلٍ | أنت داءٌ يُبِيدُها وتُبِيدُهْ |
أنت قَفْرٌ، جهنَّميٌّ لَعِينٌ، | مُظْلِمٌ، قَاحلٌ، مريعٌ جمودُهْ |
لا ترفُّ الحياة ُ فيه، فلا طيرَ | يغنّي ولا سَحَابَ يجودُهْ |
أنتَ يا كاهنَ الظلامِ ياة ٌ | تعبد الموتَ..! أنت روحٌ شقيٌّ |
كافرٌ بالحياة ِ والنُّورِ..، لا يُصغي | إلى الكون قلبُه الحَجَرِيُّ |
أنتَ قلبٌ، لا شوقَ فيه ولا عزمَ | وهذا داءٌ الحياة ِ الدَّوِيُّ |
أنتَ دنيا، يُظِلُّها أُفُقُ الماضي | وليلُ الكآبة ِ الأَبديُّ |
مات فيها الزّمانُ، والكونُ إِلاَّ | أمسُها الغابرُ، القديمُ، القَصِيُّ |
والشقيُّ الشقيُّ في الأرض قلبٌ | يَوْمُهُ مَيِّتٌ، وما ضيه حيُّ |
أنتَ لا شيءَ في الوجودِ، فغادِرْهُ | إلى الموت فَهْوَ عنك غَنِيُّ |
رَفْرَفَتْ فِي دُجْيَة ِ اللَّيْلِ الحَزِينْ
رَفْرَفَتْ فِي دُجْيَة ِ اللَّيْلِ الحَزِينْ | زُمرة ُ الأحلامْ |
فَوْقَ سِرْبٍ مِنْ غَمَامَاتِ الشُّجُونْ | مِلْؤُهَاالآلامْ |
شَخَصَتْ، لَمَّا رَأَتْ، عَيْنُ النُّجُومْ | بَعْثَة َ العُشَّاقْ |
وَرَمَتْهَا مِنْ سَمَاها بِرُجُومْ | تسكبُ الأحراق |
كنت إذْ ذَاك على ثَوْبِ السكون | أنثرُ الأَحزانْ |
وَالهَوى يَسْكُبُ أَصْدَاءَ المَنُونْ | في فؤادٍ فانْ |
سَاكِتاً مِثْلَ جَميعِ الكَائِناتْ | راكدَ الألحانْ |
هائمٌ قلبي بأعماقِ الحياة | تائهٌ، حيرانْ |
إنَّ للحبِّ عَلى النَّاسِ يَدا | تقصفُ الأعمارْ |
وَلَهُ فَجْرٌ على طُولِ المدى | سَاطِعُ الأَنْوَارْ |
ثورة ُ الشّر، وأحلامُ السّلام، | وجمالُ النّور |
وابتسامُ الفَجْرِ في حُزْنِ الظَّلامْ، | في العيونِ الحُورْ |