| ليتَ لي أن أعيشَ هذهِ الدنيّا | سَعيداً بِوَحْدتي وانفرادي |
| أَصرِفُ العْمْرَ في الجبالِ، وفي الغاباتِ | بينَ الصنوبّر الميّادِ |
| ليس لي من شواغل العيش ما يصرفُ | نفسي عن استماعِ فؤادي |
| أرقبُ الموتَ، والحياة َ وأصغي | لحديثِ الآزال والآبادِ |
| وأغنيّ مع البلابل في الغابِ، | وأصغيِ إلى خرير الوادي |
| وَأُناجي النُّجومَ والفجرَ، والأَطيارَ | والنّهرَ، والضّياءَ الهادي |
| عيشة ً للجمالِ، والفنِ، أبغيها | بعيداً عَنْ أمتَّي وبلادي |
| لا أعنِّي نفسي بأحزانيِ شعبي | فهو حيٌّ يعيشُ عيشَ الجمادِ! |
| وبحسبي مِنَ الأسى ما بنفسي | من طريفٍ مُسْتَحْدَثٍ وتِلادِ |
| وبعيداً عن المدينة ، والنّاس، | بعيداً عن لَغْوِ تلك النّوادي |
| فهو من معدنِ السّخافة والإفك | ومن ذلك الهُراء العادي |
| أين هوَ من خريرِ ساقية الوادي | وخفقِ الصدى ، وشدوِ الشادي |
| وَحَفيفِ الغصونِ، نمَّقها الطَّلُّ | وَهَمْسِ النّسيمِ للأوْراد؟ |
| هذهِ عِيشة ٌ تقدِّسُها نفسي | وأدعُو لمجدها وأنادي |
في جِبال لهمومِ، أننبتَّ أغصاني،
| في جِبال لهمومِ، أننبتَّ أغصاني، | فَرَقّتْ بينَ الصُّخُورِ بِجُهْدِ |
| وَتَغَشَّانيَ الضَّبَابُ..، فأورقتُ | وأزهرتُ للعواضف، وحْدي |
| وتمايلتُ في الظَّلام، وعطَّرتُ | فضاءَ الأَسى بأنفاس وردي |
| وبمجد الحياة ِ، والشوقِ غّنَّيْتُ..، | فلم تفهم الأعَاصيرُ قصدي |
| وَرَمَتْ للوهادِ أفنانيَ الخضْرَ، | وظلّتْ في الثَّلْجِ تحفر لَحْدِي |
| ومَضتْ بالشَّذى فَقُلْتُ: «ستبني | في مروجِ السّماءِ بالعِطْر مَجْدي» |
| وَتَغَزَلْتُ بالرَّبيعِ، وبالفجرِ | فماذا ستفعلّ الرّيحُ بَعدِي؟ |
أنتِ كالزهرة ِ الجميلة ِ في الغاب،
| أنتِ كالزهرة ِ الجميلة ِ في الغاب، | ولكنْ مَا بينَ شَوكٍ، ودودِ |
| والرياحينُ تَحْسَبُ الحسَكَ الشِّرِّيرَ | والدُّودَ من صُنوفِ الورودِ |
| فافهمي النَاسَ..، إنما النّاسُ خَلْقٌ | مُفْسِدٌ في الوجودِ، غيرُ رشيدِ |
| والسَّعيدُ السَّعيدُ من عاشَ كاللَّيل | غريباً في أهلِ هَذا الوجودِ |
| وَدَعِيهِمْ يَحْيَوْنَ في ظُلْمة ِ الإثْمِ | وعِيشيي في ظهرك المحمودِ |
| كالملاك البريءِ، كالوردة البيضاءَ، | كالموجِ، في الخضمَّ البعيدَ |
| كأغاني الطُّيور، كالشَّفَقِ السَّاحِرِ | كالكوكبِ البعيدِ السّعيدِ |
| كَثلوجِ الجبال، يغَمرها النورُ | وَتَسمو على غُبارِ الصّعيدِ |
| أنتِ تحتَ السماء رُوحٌ جميلٌ | صَاغَهُ اللَّهُ من عَبيرِ الوُرودِ |
| وبنو الأرض كالقرود،وما أضـ | أضْيَعَ عِطرَ الورودِ بين القرودِ! |
| أنتِ من ريشة الإله، فلا تُلْقِ | ي بفنِّ السّما لِجَهْلِ العبيدِ |
| أنت لم تُخْلَقي ليقْربَكِ النَّاسُ | ولكن لتُعبدي من بعيدِ… |
أَتَفنى ابتساماتُ تَلك الجفونِ؟
| أَتَفنى ابتساماتُ تَلك الجفونِ؟ | ويخبو توهُّجُ تلكَ الخدودْ |
| وتذوي وُرَيْداتُ تلك الشِّفاهِ؟ | وتهوِي إلى التُّرْبِ تلكَ النُّهودْ؟ |
| وينهدُّ ذاك القوامُ الرَّشيقُ | وينحلُّ صَدْرٌ، بديعٌ، وَجِيدْ |
| وتربدُّ تلكَ الوحوهُ الصًّباحُ | وكلٌّ ـ إذا ما سألنا الحياة ـ |
| ويغبرُّ فرعٌ كجنْحِ الظَّلامِ | أنيقُ الغدائر، جعدٌ، مديدْ |
| ويُصبحُ في ظُلُماتِ القبورِ | هباءً، حقيراً، وتُرْباً، زهيدْ |
| وينجابُ سِحْرُ الغَرامِ القويِّ | وسُكرُ الشَّبابِ، الغريرِ، السّعيدْ |
| أتُطوَى سماواتُ هذا الوجودِ؟ | ويذهبُ هذا الفَضاءُ البعيدْ؟ |
| وتَهلِكُ تلكَ النُّجومُ القُدامى ؟ | ويهرمُ هذا الزّمانُ العَهيدْ؟ |
| ويقضِي صَباحُ الحياة ِ البديعُ؟ | وليلُ الوجودِ، الرّهيبُ، العَتيدْ؟ |
| وشمسٌ توشِّي رداءَ الغمامِ؟ | وبدرٌ يضيءُ، وغَيمٌ يجودْ؟ |
| وضوءٌ، يُرَصِّع موجَ الغديرِ؟ | وسِحْرٌ، يطرِّزُ تلكَ البُرودْ؟ |
| جليلاً، رهيباً، غريباً، وَحيدْ | يضجُّ، ويدوي دويَّ الرّعودْ؟ |
| وريحٌ، تمرُّ مرورَ المَلاكِ، | وتخطو إلى الغاب خَطَوَ الوليدْ؟ |
| وعاصفة ٌ من بناتِ الجحيم، | كأنَّ صداها زئير الأسودْ |
| تَعجُّ، فَتَدْوِي حنايا الجبال | وتمشي، فتهوي صُخورُ النُّجودْ؟ |
| وطيرٌ، تغنِّي خِلالَ الغُصونِ، | وتهتف ُللفجر بين الورود؟ |
| وزهرٌ، ينمِّقُ تلك التلال | وَيَنْهَل من كلِّ ضَوءٍ جَدِيدْ؟ |
| ويعبَقُ منه أريجُ الغَرامِ | ونفحُ الشباب، الحَييّ، السعيد |
| أيسطو على الكُلِّ ليلُ الفَناءِ | ليلهُو بها الموتُ خَلْفَ الوجودْ.. |
| وَيَنْثُرَهَا في الفراغِ المُخِيفِ | كما تنثرُ الوردَ ريحٌ شَرود |
| فينضبُ يمُّ الحياة ِ، الخضيمُّ | ويَخمدُ روحُ الربيع، الولود |
| فلا يلثمُ النُّورُ سِحْرَ الخُدودِ | ولا تُنبِتُ الأرضُ غضَّ الورود |
| كبيرٌ على النَّفسِ هذا العَفَاءُ! | وصعبٌ على القلب هذا الهموذ! |
| وماذا على الَقدَر المستمرِّ | لو استمرَأَ الّناسُ طعمَ الخلود |
| ولم يُخْفَروا بالخرابِ المحيط | ولم يفُجعَوا في الحبيبِ الودود |
| ولم يَسلكوا للخلمودِ المرجَّى | سبيلَ الرّدى ، وظَلامَ اللّحودْ |
| فَدَامَ الشَّبابُ، وَسِحْرُ الغرامِ، | وفنُّ الربيعِ، ولطفُ الورُودْ |
| وعاش الورى في سَلامٍ، أمينٍ | وعيشٍ، غضيرٍ، رخيٍّ، رَغيد؟ |
| ولكنْ هو القَدَرُ المستبدُّ | يَلَذُّ له نوْحُنا، كالنّشيد |
تَبَرَّمْتَ بالعيشِ خوفَ الفناءِ
| تَبَرَّمْتَ بالعيشِ خوفَ الفناءِ | ولو دُمْتَ حيَّا سَئمتَ الخلودْ |
| وَعِشْتَ على الأرضِ مثل الجبال | جليلاً، غريباً، وَحيد |
| فَلَمْ تَرتشفْ من رُضابِ الحياة | ولم تصطبحْ منْ رحيقِ الوُجود |
| ولم تدرِ ما فتنة ُ الكائناتِ | وما سحْرُ ذاكَ الربيعِ الوَليد |
| وما نشوة ُ الحبّ عندَ المحبِّ | وما صرخة ُ القلبِ عندَ الصّدودْ |
| ولم تفتكرْ بالغدِ المسترابِ | ولم تحتفل بالمرامِ البعيدْ |
| وماذا يُرجِّي ربيبُ الخلودِ | من الكون-وهو المقيمُ العهيد-؟ |
| وماذا يودُّ وماذا يخافُ | من الكونِ-وهو المقيمُ الأبيد-؟ |
| تأمَّلْ..، فإنّ نِظامَ الحياة ِ | نظامُ، دقيقٌ، بديعٌ، فريد |
| فما حبَّبَ العيشَ إلاّ الفناءُ | ولا زانَهُ غيرُ خوْفِ اللحُود |
| ولولا شقاءُ الحياة ِ الأليمِ | لما أدركَ النَّاسُ معنى السُّعودْ |
| ومن لم يرُعْه قطوبُ الديَاجيرِ | لَمْ يغتبطْ بالصّباح الجديدْ |
إذا لم يكنْ من لقاءِ المنايا
| إذا لم يكنْ من لقاءِ المنايا | مناصٌ لمن حلَّ هذا الوجودْ |
| فأيُّ غَناءٍ لهذي الحياة | وهذا الصراعِ، العنيفِ، الّشديد |
| وذاك الجمال الذي لا يُملُّ | وتلك الأغاني،وذاكَ الّنشيد |
| وهذا الظلامِ، وذاك الضياءِ | وتلكَ النّجومِ، وهذا الصَّعيد |
| لماذا نمرّ بوادِي الزمان | سِراعاً، ولكنّنا لا نَعُود؟ |
| فنشرب من كلّ نبع شراباً | ومنهُ الرفيعُ، ومنه الزَّهيد؟ |
| ومنه اللذيذُ، ومنه الكريهُ، | ومنه المُشيدُ، ومنه الُمبيد |
| وَنَحْمِلُ عبْئاً من الذّكرياتِ | وتلكَ العهودَ التي لا تَعود |
| ونشهدُ أشكالَ هذي الوجوهِ | وفيها الشَّقيُّ، وفيها السَّعيدْ |
| وفيها البَديعُ، وفيها الشنيعُ، | وفيها الوديعُ، وفيها العنيدْ |
| فيصبحُ منها الوليُّ، الحميمُ، | ويصبحُ منها العدوُّ، الحقُودْ |
| غريبٌ لعَمْري بهذا الوجودْ | |
| أتيناه من عالمٍ، لا نراه | فُرادى ، فما شأنُ هذي الحقُودْ؟ |
| وما شأنُ هذا العَدَاءِ العنيفِ؟ | وما شأنُ هذا الإخاءِ الوَدودْ؟ |