أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟

أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟ أينَ الطُّموحُ، والأَحْلامُ؟
أين يا شعبُ، رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّانُ أينَ، الخيالُ والالهامُ؟
أين يا شعبُ، فنُّك السَّاحرُ الخلاّقُ؟ أينَ الرُّسومُ والأَنغامُ؟
إنَّ يمَّ الحياة ِ يَدوي حوالَيْكَ فأينَ المُغامِرُ، المِقْدَامُ
أينَ عَزْمُ الحياة ِ؟ لا شيءَ إلاّ الموتُ، والصَّمتُ، والأسى ، والظلامُ
عُمُرٌ مَيِّتٌ، وَقَلْبٌ خَواءٌ ودمٌ، لا تثيره الآلامُ
وحياة ٌ، تنامُ في ظلمة ِ الوادي وتنْمو من فوقِها الأوهام
أيُّ عيشٍ هذا، وأيُّ حياة ٍ؟! رُبَّ عَيْشٍ أخَفُّ منه الحِمَام
قد مشتْ حولَك الفصولُ وغَنَّتْكَ فلم تبتهِجْ، ولمْ تترنَّمْ
ودَوَتْ فوقَك العواصِفُ والأنواءُ حَتَّ أَوشَكْتَ أن تتحطَّمْ
وأطافَتْ بكَ الوُحوشُ وناشتْك فلم تضطرب، ولم تتألمْ
يا إلهي! أما تحسُّ؟ أَمَا تشدو؟ أما تشتكي؟ أما تتكلَّمْ؟
ملَّ نهرُ الزّمانِ أيَّامَكَ الموتَى وأنقاضَ عُمرِكَ المتهدِّمْ
أنتَ لا ميِّتٌ فيبلَى ، ولا حيٌّ فيمشي، بل كائنٌ، ليس يُفْهَمْ
أبداً يرمقُ الفراغَ بطرفٍ جامدٍ، لا يرى العوالِمَ، مُظْلِمْ
أيُّ سِحْرٌ دهاكَ! هل أنتَ مسحورٌ شقيٌّ؟ أو ماردٌ، يتهكَّمْ؟
آه! بل أنتَ في الشُّعوب عجوزٌ، فيلسوفً، مُحطَّمٌ في إهابِهْ
ماتَ شوقُ الشبابِ في قلبِه الذاوي، وعزمُ الحياة ِ في أعصابِهْ
فمضى يَنْشُدُ السَّلامَ..، بعيداً..
وهناكَ.. اصطفى البقاءَ مع الأموات، «في قبرِ أمسِهِ» غيرَ آبِهْ…
وارتضى القبرَ مسكناً، تتلاشى فيه أيَّامُ عُمرِهِ المتشابِهْ
وتناسى الحياة َ، والزّمَنَ الدّاوي وما كان منْ قديمِ رِغَابِهْ
واعبدِ «الأمسَ» وادَّكِرْ صُوَرَ الماضِي فدُنْيَا العجوزِ ذكري شبابِهْ…
وإذا مرَّتِ الحياة ُ حوالَيْكَ جميلاً، كالزّهر غضَّا صِباها
تتغنّى الحياة بالشوق والعزم فيحْي قلبَ الجمادِ غِنَاها
والربيعُ الجميلُ يرقصُ فوقَ الوردِ، والعشبِ، مُنْشِداً، تيَّاهاً
ومشَى النّاسُ خلفَها، يتَمَلوْنَ جمالَ الوجودِ في مرآها
فاحذرِ السِّحْرَ! أيُّها النَّاسكُ القِدِّيسُ
والربيعُ الفَنَّانُ شاعِرُها المفتونُ يُغْرِي بحبِّها وهواها
وَتَمَلَّ الجمالَ في رِممِ الموتَى ..! بعيداً عن سِحْرِهَا وَصَدَاها
وَتَغَزَّلْ بسِحْرِ أيَّامِكَ الأولى وخَلِّ الحياة َ تخطو خطاها
وإذا هبَّت الطيورُ مع الفجر، تُغنِّي بينَ المروجِ الجميلهْ
وتُحَيِّي الحياة َ، والعالَمَ الحيَّ، بِصَوْتِ المحبَّة ِ المعسولهْ
والفَراشُ الجميلُ رَفْرَفَ في الرَّوْضِ، يناجي زهورَهُ المطلولهْ
وأفاقَ الوجودُ للعمل المُجْدِي ولِلسَّعي، والمعاني الجليلهْ
ومشى الناس في الشِّعاب، وفي الغاب، وفوق المسَالكِ المجهولهْ
ينشدون الجمالَ، والنُّورَ، والأفراحَ والمجدَ، والحياة َ النبيلهْ
فاغضُضِ الطَّرفَ في الظَّلامِ! وحاذِرْ فِتْنَة َ النُّورِ..! فهيَ رُؤْيَا مَهولَة …
وَصَبَاحُ الحياة ِ لا يُوقِظُ الموْتَى ولا يَرْحَمُ الجفونَ الكليلهْ
كلُّ شيءٍ يُعَاطِفُ العالَم الحيَّ، ويُذكِي حياتَه، ويُفيدُهْ
والذي لا يجاوِبُ الكونَ بالاحساسِ عِبْءٌ على الوجودِ، وُجُودُهُ
كُلُّ شيءٍ يُسايرُ الزَّمنَ الماشي بعزمٍ، حتى الترابُ، ودودُهُ
كلُّ شيءٍ ـ إلاَّكَ ـ حَيٌّ، عَطوفٌ يُؤْنِسُ الكونَ شَوْقُه، ونَشيدُهُ
فلِماذا تعيشُ في الكون يا صَاحِ! وما فيكَ من جنًى يستفيدُهْ
لستَ يا شيخُ للحياة ِ بأَهْلٍ أنت داءٌ يُبِيدُها وتُبِيدُهْ
أنت قَفْرٌ، جهنَّميٌّ لَعِينٌ، مُظْلِمٌ، قَاحلٌ، مريعٌ جمودُهْ
لا ترفُّ الحياة ُ فيه، فلا طيرَ يغنّي ولا سَحَابَ يجودُهْ
أنتَ يا كاهنَ الظلامِ ياة ٌ تعبد الموتَ..! أنت روحٌ شقيٌّ
كافرٌ بالحياة ِ والنُّورِ..، لا يُصغي إلى الكون قلبُه الحَجَرِيُّ
أنتَ قلبٌ، لا شوقَ فيه ولا عزمَ وهذا داءٌ الحياة ِ الدَّوِيُّ
أنتَ دنيا، يُظِلُّها أُفُقُ الماضي وليلُ الكآبة ِ الأَبديُّ
مات فيها الزّمانُ، والكونُ إِلاَّ أمسُها الغابرُ، القديمُ، القَصِيُّ
والشقيُّ الشقيُّ في الأرض قلبٌ يَوْمُهُ مَيِّتٌ، وما ضيه حيُّ
أنتَ لا شيءَ في الوجودِ، فغادِرْهُ إلى الموت فَهْوَ عنك غَنِيُّ

رَفْرَفَتْ فِي دُجْيَة ِ اللَّيْلِ الحَزِينْ

رَفْرَفَتْ فِي دُجْيَة ِ اللَّيْلِ الحَزِينْ زُمرة ُ الأحلامْ
فَوْقَ سِرْبٍ مِنْ غَمَامَاتِ الشُّجُونْ مِلْؤُهَاالآلامْ
شَخَصَتْ، لَمَّا رَأَتْ، عَيْنُ النُّجُومْ بَعْثَة َ العُشَّاقْ
وَرَمَتْهَا مِنْ سَمَاها بِرُجُومْ تسكبُ الأحراق
كنت إذْ ذَاك على ثَوْبِ السكون أنثرُ الأَحزانْ
وَالهَوى يَسْكُبُ أَصْدَاءَ المَنُونْ في فؤادٍ فانْ
سَاكِتاً مِثْلَ جَميعِ الكَائِناتْ راكدَ الألحانْ
هائمٌ قلبي بأعماقِ الحياة تائهٌ، حيرانْ
إنَّ للحبِّ عَلى النَّاسِ يَدا تقصفُ الأعمارْ
وَلَهُ فَجْرٌ على طُولِ المدى سَاطِعُ الأَنْوَارْ
ثورة ُ الشّر، وأحلامُ السّلام، وجمالُ النّور
وابتسامُ الفَجْرِ في حُزْنِ الظَّلامْ، في العيونِ الحُورْ

أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى

أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى وَكُنْتَ لاَ تَعْرِفُ الظَّلامْ
فَأَطْبَقَتْ حَوْلَكَ الدَّيَاجِي وغامَ من فوقِك الغمامْ
وَعِشْتَ في وَحْشَة ٍ، تقاسي خواطراً، كلّها ضرامْ
وغربة ٍ، ما بها رفيقٌ وظلمة ٍ، ما لها ختام
تشقُّ تِيهَ الوجودِ فرداً قد عضّك الفَقْرُ والسُّقَامْ
وطاردتْ نفسَك المآسي وفرَّ من قلبِك السّلامْ
هوِّنْ عَلى قلبك المعنَّى إنْ كُنْتَ لاَ تُبْصِرُ النُّجُومْ
ولا ترى الغابَ، وهْو يلغو وفوقه تَخْطُرُ الغُيومْ
ولا ترى الجَدْوَلَ المغنِّي وَحَوْلَهُ يَرْقُصُ الغيم
فكلُّنا بائسٌ، جَديرٌ برأفة ِ الخالقِ العَظيمْ
وكلُّنا في الحياة أعمى يَسُوقه زَعْزَعٌ عَقِيمْ
وحوله تَزْعَقُ المَنَايا كأنَّها جِنَّة ُ الجَحِيمْ:
يا صاح! إن الحياة قفرٌ مروِّعٌ، ماؤهُ سرابْ
لا يجتني الطَّرْفُ منه إلاّ عَواطفَ الشَّوكِ والتُّرابْ
وأسعدُ النّاس فيه أعمى لا يبصرُ الهولَ والمُصابْ
ولا يرى أنفس البرايا تَذُوب في وقْدَة ِ العَذَابْ
فاحمدْ إله الحياة ، وافنعْ فيها بألْحَانِكَ العِذابْ
وعِشْ، كما شاءَتِ الليالي من آهَة ِ النَّاي والرَّبَابْ

أُسْكُتي يا جرَاحْ

أُسْكُتي يا جرَاحْ وأسكني يا شجونْ
ماتَ عهد النُّواحْ وَزَمانُ الجُنُونْ
وَأَطَلَّ الصَّبَاحْ مِنْ وراءِ القُرُونْ
في فِجاجِ الرّدى قد دفنتُ الألَمْ
ونثرتُ الدُّموعْ لرياحِ العَدَمْ
واتّخذتُ الحياة مِعزفاً للنّغمْ
أتغنَّى عليه في رحابِ الزّمانْ
وأذبتُ الأسَى في جمال الوجودْ
ودحوتُ الفؤادْ واحة ً للنّشيدْ
والضِّيا والظِّلالْ والشَّذَى والورودْ
والهوى والشَّبابَّ والمنى والحَنانْ
اسكُني يا جراحْ وأسكُتي يا شجونْ
ماتَ عهدُ النّواحْ وزَمانُ الجنونْ
وَأَطَلَ الصَّباحْ مِنْ وراءِ القُرونْ
في فؤادي الرحيبْ مَعْبِدٌ للجَمَالْ
شيَّدتْه الحياة ْ بالرّؤى ، والخيال
فَتَلَوتُ الصَّلاة في خشوع الظّلالْ…
وَحَرقْتُ البخور… وأضأتُ الشُّموع
إن سِحْرَ الحياة ْ خالدٌ لا يزولْ
فَعَلامَ الشَّكَاة ْ مِنْ ظَلامٍ يَحُولْ
ثمَ يأتي الصبَّاح وتمُرُّ الفصولْ..؟
سوف يأتي رَبِيعْ إن تقضَّى رَبِيعْ
کسكُنِي يا جراحْ وأسكتي يا شجونْ
ماتَ عهدُ النّواح وَزَمانُ الجنونْ
وأطلَّ الصَّباحْ مِن وراءِ القُروُنْ
من وراءِ الظَّلامْ وهديرِ المياهْ
قد دعاني الصَّباحْ وَرَبيعُ الحَيَاهْ
يا لهُ مِنْ دُعاءُ هزّ قلبي صَداهْ
لَمْ يَعُد لي بَقاء فوق هذي البقاعْ
الودَاعَ! الودَاعَ! يا جبالَ الهمومْ
يا هضَبابَ الأسى ! يا فِجَاجَ الجحيمْ
قد جرى زوْرَقِي في الخضمِّ العظيمْ…
ونشرتُ الشراعْ… فالوَداعَ! الوَداعْ

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ
سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ
وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ وتبذرُ شوكَ الأسى في رُباهُ
رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ
ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ
حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ
تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ
ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ
سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ

أَزَنْبَقَة َ السفْح! مالي أراكِ

أَزَنْبَقَة َ السفْح! مالي أراكِ تَعَانِقُكِ اللَّوْعة ُ القَاسِيه؟
أفي قَلْبكِ الغضِّ صوتُ اللهيب، يرتِّل أُنْشُودَة َ الهاويهْ؟
أَأَسْمَعَكِ اللَّيلُ نَدْبَ القُلوبِ أأرشفكِ الفجرُ كأسَ الأسى ؟
أَصَبَّ عليكِ شُعَاعُ الغروبِ نجيعَ الحياة ، ودمعَ المسا؟
أأوقفكَ الدهرُ حيث يُفجِّـ ـرُ نوحُ الحياة صُدوعَ الصدور؟
وَيَنبَثِقُ الليل طيفاً، كئيباً رهيباً، ويخفقُ حُزْنُ الدهورْ؟
إذا أضرتكِ أغاني الظلامِ فقد عذَّبَتْني أغاني الوجومْ
وإن هجرتكِ بناتُ الغيوم فقد عانَقَتْني بناتُ الجَحيمْ
وإنْ سَكَبَ الدَّهْرُ في مِسمِعيْكِ نَحِيبَ الدُّجَى ، وأنينَ الأملْ
فقد أجّجَ الدهرُ في مُهْجتي شُواظاً من الحَزَن المشتعل
وإن أرشفتْكِ شفاهُ الحياة رُضابَ الأسى ، ورحيقَ الألم
فإنِّي تجرّعتُ من كفِّها كُؤوساً، مؤجَّجة ً، تَضْطَرِمْ
أصيخي! فما بين أعشار قلبي يرِفّ صدى نوحِكِ الخافت
معيداً على مهجتي بحفيف جَنَاحَيْهِ صَوْتَ الأسى المائتِ
وقد أترع الليلُ بالحب كأسى وشعشعها بلهيب الحياة
وجرّعني من ثُمالاتِه مرارة َ حُزْنٍ، تُذيبُ الصَّفاة ْ
إليَّ! فقد وحّدت بيننا قَسَاوة ُ هذا الزّمان الظَّلُومْ
فقد فَجَّرتْ فيَّ هذي الكُلومَ كما فجّرت فيكِ تلك الكلوم
وإنْ جَرَفَتْنِي أكفُّ المنونِ اللحْد، أو سحقتكِ الخُطوبْ
فَحُزْني وَحُزْنُكِ لا يَبْرَحَانِ ألِيفيْنِ رغمَ الزّمان العَصيبْ
وتحت رواقِ الظَّلامِ الكَئيبِ إذا شملَ الكونَ روحُ السحَرْ
سيُسمَع صوتٌ، كلحن شجيٍّ تطايَرَ من خَفَقات الوترْ
يردِّدُه حُزنُنا في سكون على قبرنا، الصّامتِ المطمئن
فَنَرقُد تَحْتَ التُّرابِ الأصمِّ جميعاً على نَغَمَاتِ الحَزَنْ