هَهُنا في خمائل الغابِ، تَحْت الزَّا | ن والسِّنديانِ، والزْيتونِ |
أنتِ أْشهى منَ الحياة ِ وأبْهى | من جمالِ الطَّبيعة ِ الميمونِ |
ما أرقَّ الشّبابَ، في جسمكِ الغضِّ | وفي جيدكِ البَديعِ، الثَّمينِ! |
وأدقّ الجمالَ في طرفِك السَّاهي، | وفي ثغرِكِ الجميلِ، الحَزين! |
وألذَّ الحياة َ حينَ تغنّيـ | ـن فَأُصْغِي لصوتِكِ المحزُونِ |
وأرى رُوحَكِ الجميلة َ عِطْراً | ضايعاً في حلاوة التَّلحينِ! |
قَدْ تَغَنَّيْتِ منذُ حينِ بصوتٍ | ناعمٍ، حالمٍ، شجيٍّ حنونِ |
نَغَماً كالحَياة ِ عذباً عميقاً | في حنانٍ، ورقة ٍ وحنينِ |
فإذا الكون قطعة ٌ من نشيد | علويِّ، منغّمٍ موزونِ |
فَلِمَنْ كنتِ تُنشدين؟ فقالتْ: | «للضياءِ البَنفسجيِّ الحزينِ» |
«للضّباب المورّد، المتلاشي | كخيالات حالمٍ، مفتونِ |
«للمساءِ المطلِّ لشَّفَق السّا | لسحْر الأسى ، وسحْر السكونِ |
للعبير الذي يرفرف في الأفقِ | ويفنى ، مثلَ المنى ، في سكونِ» |
للأَغاني التي يُردِّدُها الرّا | عي بمزماره الصّغيرِ، الأمينِ |
وبنى اللَّيلُ والرّبيعُ حواليـ | نا حَيَاة َ الهوى ، وروحَ الحنينِ |
ويوشِّي الوجودَ بالسحر، والأحلام | والزهر، والشَّذى ، واللُّحونِ |
للحياة ِ التي تغنّي حوالَيَّ، | على السَّهْلِ، والرُّبى والحُزُونِ |
للينابيعِ، للعصافير، للظلّ | لهذا الثّرى ، لتلكَ الغصونِ |
«للنَّسيمِ الذي يضمِّخُ أحلا | مي بعطر الأقاح والليمونِ |
«للجَمال الذي يفيضُ على | لأشواق قلبيَ المَشحونِ |
للزّمان الذي يوشِّح أيّامي | بِضَوءِ المنى وظلِّ الشُّجونِ |
للشباب السكران، للأملِ المعبودِ، | لليأسِ، للأسى ، للمُنونِ |
فَتَنهَّدْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: «وقلبي | مَنْ يغنّيه؟ مَنْ يُبيد شُجوني؟ |
قالت:الحُبُّ ثم غنّتْ لقلبي | قُبَلاً عبقرية َ التلحينِ |
قبلاً، علَّمتْ فؤادي الأغاني، | وأنارتْ لهُ ظَلامَ السنينِ |
قبلاً، تَرقصُ السعادة ُ والحبُّ | على لحنِها العَميقِ الرّصينِ |
..وأفقنا، فقلتُ كالحالم المسحور: | قولي، تَكَلَّمي، خَبِّريني |
أيُّ دنيا مسحورة ، أي رؤيا | طالَعَتْني في ضوء هذي العُيونِ:» |
زمرٌ من ملائكِ الملأِ الأعلى | يغنّون في حُنُوِّ حَنونِ |
«وصبايا رواقصٌ، يتراشقْ | بزهر التُّفاحِ واليَاسمينِ |
في فضاءٍ، مُوَرَّدٍ، حالمٍ سا | هٍ أطافتْ به عذارى الفُنونِ» |
«وجحيمٍ تَؤُجُّ تَحْتَ فرادِيـ | كأحلامِ شاعرٍ مَجنونِ؟ |
«أيُّ خمرٍ مؤجَّجٍ ولهيبٍ | مُسكرٍ؟ أيّ نشوة ، وجنونِ؟ |
أي خمرٍ رشفتُ، بل أيّ نارٍ | في شفاهٍ، بديعة ِ التَّكْوينِ» |
«واسمعي الغابَ، | فهو قيتارة ُ الكون……. |
أي إثمٍ مقدَّسٍ، قد لبسنا | بُرْدَهُ في مسائنا الميمونِ؟» |
فبَدَا طيفُ بسمة ٍ، ساحرٌ عذبٌ، | على ثَغرِها، قويُّ الفتونِ……… |
وأجابتْ- وكلّها فتنة ٌ تُغوي، | وتُغري بالحبِّ، بلْ بالجنونِ ـ: |
كلُّ زهرِ يَضُوعُ منه أريجٌ | من بخُورِ الرّبيعِ، جَمُّ الفُتونِ |
ونجومُ السماء فيه شموعٌ | أَوْقَدَتْها للحُبِّ رُوحُ القرونِ |
طهَّري يا شقيقة َ الروحِ ثَغْري | بلهيبِ الحياة ِ، بَلْ قبِّليني» |
«قبِّليني، وَأَسْكِري ثغريَ الصَّا | مت وقلبي، وفِتنتي، وجنوني |
علَّني أستطيعُ أَنْ أتغنّى | لجمال الدّجى بوَحي العُيونِ |
«آه ما أجملَ الظَّلامَ! وأقوى | وحيه في فُؤادي المَفْتونِ! |
أنظري الليلَ فهو في حلّة ظ | ـلام يمشي على الذُّرى والحُزُونِ» |
واسمعي الغاب،فهو قيثارة ُ الكونِ | نِ تغنّي لحبنا الميمونِ» |
إن سِحْرَ الضَّباب، واللّيلِ، والغَا | بِ، بعيدُ المدى ، قويُّ الفُتونِ |
وجمالُ الظّلام يعبقُ بالأحلامِ | والحبّ… فابسمي، والثمينِ… |
آه: ما أعذَبَ الغرامَ! وأحلى | رَنَّة َ اللَثمِ في خشوع السَكونِ! |
.. وَسَكِرْنا هناك.. في عالم الأحـ | بة تحتَ السَّماء، تحتَ الغُصونِ… |
وتوارى الوجودُ عنّا بما فيـ | وغبْنا في عالَم مَفْتونِ… |
ونسينا الحياة ، والموتَ، والسُّكو | ن وما فيه مِنْ مُنّة ومَنونِ |
ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي
ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي | ومشاعري عمياء بأحزانِ- |
أني سأظمأُ للحياة ِ، وأحتسي | مِنْ نهْرها المتوهِّجِ النّشوانِ |
وأعودُ للدُّنيا بقلبٍ خَافقٍ | للحبِّ، والأفراحِ، والألحانِ |
ولكلِّ ما في الكونِ من صُوَرِ المنى | وغرائبِ الأهُواء والأشجانِ |
حتى تحرّكتِ السّنون، وأقبلتْ | فتنُ الحياة ِ بسِحرِها الفنَّانِ |
فإذا أنا ما زلتُ طفِْلاً، مُولَعاً | بتعقُّبِ الأضواءِ والألوانِ |
وإذا التشأوُمُ بالحياة ِ ورفضُها | ضرْبٌ من الُبهتانِ والهذيانِ |
إنَّ ابنَ آدمَ في قرارة ِ نفسِهِ | عبدُ الحياة ِ الصَّادقُ الإيمانَ |
ياربَّة َ الشّعرِ والأحلامِ، غنِّيتي
ياربَّة َ الشّعرِ والأحلامِ، غنِّيتي | فقد سئمت وجومَ الكَوْنِن من حينِ |
إن اللَّيالي اللَّواتي ضمَّختْ كَبِدي | بالسِّحْر أضْحتْ مع الأيَّامِ ترميني |
ناخت بنفسي مآسيها، وما وجدتْ | قلباً عطوفاً يُسَلِّيها، فَعزِّيني |
وَهَدّ مِنْ خَلَدِي نَوْحٌ، تُرَجِّعُه | بَلوى الحياة ِ، وأحزانُ المساكينِ |
على الحياة أنا أبكي لشقوتِها | فَمَنْ إذا مُتُّ يبكيها ويبكيني؟ |
يا ربة السِّعرِ، غنِّني، فقد ضجرت | نفسي من النّاس أبناء الشياطين |
تَبَرَّمَتْ بَيْنيَ الدُّنيا، وَأَعوزَهَا | في مِعزفِ الدَّهرِ غرِّيدُ الأَرانينِ |
وَرَاحَة ُ اللَّيل ملأى مِنْ مَدَامِعِهِ | و غادة ُ الحُبّ ثكلى ، لا تغنِّنيني |
فهل إذا لُذت بالظلماء منتحباً | أسلو؟ وما نفعُ محزونٍ لمَحزونِ؟ |
يا ربة َ الشعر! إن يائسٌ، تعسٌ | عَدِمْتُ ما أرتجي في العالَم الدُّونِ |
وفي يديكِ مزاميرٌ يُخَالِجُها | وحي السَّما فهاتيها وغنّيني |
ورتِّلي حولَ بيتِ الحُزْن أغْنِيَة ً | تجلُو عن النَّفسِ أحوانَ الأحايينِ |
فإن قلبي قبرٌ، مظلمٌ،قُبرتْ | فيه الأمانِي، فما عادتْ تناغيني |
لولاك في هذه الدنيا لما لمست | أوتارَ رُوحِيَ أَصْواتُ الأفَانينِ |
ولا تغنَّيتُ مأخوذاً..، ولا عذُبتْ | لي الحياة ُ لدى غضِّ الرياحينِ |
ولا ازدهى النَّفْسَ في أشْجَانَها شَفَقٌ | يُلوِّنُ الغيمَ لهواً أيَّ تلوينِ |
ولا استخفَّ حياتي وهي هائمة ٌ | فجرُ الهوى في جفون الخُرَّدِ العِينِ |
إن هذه الحياة قيثارة الله
إنَّ هذي الحَيَاةَ قيثارَةُ اللهِ – وأَهْلُ الحَيَاةِ مِثْلُ اللًّحُونِ |
نَغَمٌ يَسْتَبي المَشاعِرَ كالسِّحْرِ – وصَوْتٌ يُخِلُّ بالتَّلْحينِ |
واللَّيالي مَغَاوِرٌ تُلْحِدُ اللَّحْنَ – وتَقْضي على الصَّدى المِسْكِينِ |
كنَّا كزوجي طائِرِ، في دوحة الحُبّ الأَمينْ
كنَّا كزوجي طائِرِ، في دوحة الحُبّ الأَمينْ
غَنَّاهْ الأَمْسُ، وأَطْرَبَهُ
غَنَّاهْ الأَمْسُ، وأَطْرَبَهُ | وشجاه اليومُ، فما غدُهُ؟ |
قَدْ كان له قلبٌ، كالطِّفْلِ، | يدُ الأحلامِ تُهَدْهِدُهُ |
مُذْ كان له مَلَكُ في الكون | جميلُ الطَلعَة ، يعبدُه |
في جَوْفِ اللَّيلِ، يُنَاجيهِ | وَأَمَامَ الفَجْرِ، يُمَجِّدُهُ |
وعلى الهضباتِ، يغنِّيه | آيات الحبّ، ويُنشدُهُ |
تَمْشي في الغابِ فَتَتْبعه | أَفَراحُ الحُبِّ، وَتَنْشُدُهُ |
ويرى الافاقَ فيبصرها | زُمراً في النَّور، تُراصدهُ |
ويرى الأطيارَ، فيحسبُها | أحلام الحُبِّ تغرِّدهُ |
ويرى الأزهارَ، فيحسبها | بسَماتِ الحُبّ توادِدُهُ |
فَيَخَالُ الكونَ يناجيهِ! | وجمالَ العاَلمِ يُسعدُه! |
ونجومَ الليل تضاحكُهُ! | ونسيمَ الغابَ يطاردُهُ! |
ويخال الوردَ يداعبهُ | فرِحاً، فتعابثه يدُهُ!.. |
ويرى الينبوعَ، ونَضرتَه، | ونسيمُ الصُّبح يجعِّدهُ |
وخريرُ الماء له نغَمٌ | نسماتُ الغاب تردّدهُ |
ويرى الأعشابَ وقد سمقَت | بينَ الأشجارِ تشاهدهُ |
ونطافُ الطلِّ تُنَمِّقُها | فيجل الحبَّ ويحمدهُ |
ياللأيام! فكم سَرَّت | قلْباً في النّاسِ لِتُكْمِدَهُ |
هي مثل العاهر، عاشقها | تسقيه الخمر..، وتطردُهُ! |
يعطيكَ اليومُ حلاوتَها | كالشَّهْدِ، لَيَسْلُبَهَا غَدُهُ! |
بالأمسِ يعانقُها فرحاً | ويضاجعُها، فتُوسِّدُهُ |
واليومَ، يُسايرُها شَبَحاً | أضناه الحُزنُ، ونكَّدُهُ |
يتلو في الغَابِ مَرَاثِيَه | وجذوعُ السَّروِ تساندُهُ |
ويماشي الّناسِ، وما أحدٌ | منهم يُشجيه تفرُّدُهُ |
في ليل الوَحْشَة ِ مسْراهُ | وَبِكَهْفِ الوَحْدَة ِ مرقَدُهُ |
أصواتُ الأمسِ تُعَذِّبه | وخيالُ الموتِ يُهَدِّدُهُ |
بالأمسِ، له شفَقٌ في الكونِ | ُيضئُ الأفقَ تورُّدُهُ |
واليومَ لقد غشَّاه الليلُ | |
غنَّاه الأمسُ وَأَطْرَبَهُ | وشجاه اليومُ، فما غدهُ؟ |