رَأيْتُكَ تُوسِعُ الشّعرَاءَ نَيْلاً | حَديثَهُمُ المُوَلَّدَ وَالقَدِيمَا |
فتُعْطي مَنْ بَقَى مالاً جَسيماً | وَتُعْطي مَن مضَى شرَفاً عَظيمَا |
سَمِعْتُكَ مُنشِداً بَيْتَيْ زِيادٍ | نَشِيداً مِثْلَ مُنْشِدِهِ كَرِيمَا |
فَمَا أنكَرْتُ مَوْضِعَهُ وَلَكِنْ | غَبَطْتُ بذاكَ أعْظُمَهُ الرّميمَا |
نشيد الجبار ( هكذا غنى بروميثيوس )
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ | كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ |
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً | بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ |
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى | ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ… |
وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ، | غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ |
أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها | وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي |
وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي | يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ |
وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني | عن حرب آمالي بكل بلاءِ: |
“-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي | موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ |
«فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ | سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ» |
لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا، | وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء |
«ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً | بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي |
واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى ، | وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ |
وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ | رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ» |
«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً | قيثارتي، مترنِّما بغنائي» |
«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ | في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ» |
النّور في قلبِي وبينَ جوانحي | فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ» |
«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي | أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ» |
«وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس تزيدُهُ | إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ» |
أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى | عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي» |
«وخبا لهيبُ الكون في قلبي الذي | قدْ عاشَ مثلَ الشُّعْلة ِ الحمْراءِ |
فأنا السَّعيدُ بأنني مُتَحوِّلٌ | عَنْ عَالمِ الآثامِ، والبغضاءِ» |
«لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ | وأَرْتوي منْ مَنْهَلِ الأَضْواءِ” |
وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا | هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي |
ورأوْا على الأشواك ظلِّيَ هامِداً | فتخيّلوا أنِّي قَضَيْتُ ذَمائي |
وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما | وجدوا..، ليشوُوا فوقَهُ أشلائي |
ومضُوْا يمدُّونَ الخوانَ، ليأكُلوا | لحمي، ويرتشفوا عليه دِمائي |
إنّي أقول ـ لَهُمْ ـ ووجهي مُشْرقٌ | وَعلى شِفاهي بَسْمة اسْتِهزاءِ-: |
“إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي | والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي |
«فارموا إلى النَّار الحشائشَ..، والعبوا | يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي» |
«وإذا تمرّدتِ العَواصفُ، وانتشى | بالهول قَلْبُ القبّة ِ الزَّرقاءِ» |
«ورأيتموني طائراً، مترنِّماً | فوقَ الزّوابعِ، في الفَضاءِ النائي |
«فارموا على ظلّي الحجارة َ، واختفوا | خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ..» |
وهُناك، في أمْنِ البُيوتِ،تَطارَحُوا | عثَّ الحديثِ، وميِّتَ الآراءِ» |
«وترنَّموا ـ ما شئتمُ ـ بِشَتَائمي | وتجاهَرُوا ـ ما شئتمُ ـ بِعدائي» |
أما أنا فأجيبكم من فوقِكم | والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي: |
مَنْ جاشَ بِالوَحْيِ المقدَّسِ قلبُه | لم يحتفِلْ بفداحة الأعباءِ” |
أيها الحب أنت سر بلائي
أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي | وَهُمُومِي، وَرَوْعَتِي، وَعَنَائي |
وَنُحُولِي، وَأَدْمُعِي، وَعَذَابي | وَسُقَامي، وَلَوْعَتِي، وَشَقائي |
أيها الحب أنت سرُّ وُجودي | وحياتي ، وعِزَّتي، وإبائي |
وشُعاعي ما بَيْنَ دَيجورِ دَهري | وأَليفي، وقُرّتي، وَرَجائي |
يَا سُلافَ الفُؤَادِ! يا سُمَّ نَفْسي | في حَيَاتي يَا شِدَّتي! يَا رَخَائي |
ألهيبٌ يثورٌ في روْضَة ِ النَّفَسِ، فيـ | ـطغى ، أم أنتَ نورُ السَّماءِ |
أيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ | نَ كُؤُوساً، وَمَا اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي |
فَبِحَقِّ الجَمَال، يَا أَيُّها الحُـ | ـبُّ حنانَيْكَ بي! وهوِّن بَلائي |
لَيْتَ شِعْري! يَا أَيُّها الحُبُّ، قُلْ لي: | مِنْ ظَلاَمٍ خُلِقَتَ، أَمْ مِنْ ضِيَاءِ |
سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ
سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ | وما أن تجاوزتُ فجرَ الشَّبابْ |
سَئِمتُ اللَّيالي، وَأَوجَاعَها | وما شَعْشَعتْ مَنْ رَحيقِ بصابْ |
فَحَطّمتُ كَأسي، وَأَلقَيتُها | بِوَادي الأَسى وَجَحِيمِ العَذَابْ |
فأنَّت، وقد غمرتها الدموعُ | وَقَرّتْ، وَقَدْ فَاضَ مِنْهَا الحَبَابْ |
وَأَلقى عَلَيها الأَسَى ثَوْبَهُ | وَأقبرَها الصَّمْتُ والإكْتِئَابْ |
فَأَينَ الأَمَانِي وَأَلْحَانُها؟ | وأَينَ الكؤوسُ؟ وَأَينَ الشَّرابْ |
لَقَدْ سَحَقَتْها أكفُّ الظَّلاَمِ | وَقَدْ رَشَفَتْها شِفَاهُ السَّرابْ |
فَمَا العَيْشُ فِي حَوْمة ٍ بَأْسُهَا | شديدٌ، وصدَّاحُها لا يُجابْ |
كئيبٌ، وحيدٌ بآلامِه | وأَحْلامِهِ، شَدْوُهُ الانْتحَابْ |
ذَوَتْ في الرَّبيعِ أَزَاهِيرُهَا | فنِمْنَ، وقَد مصَّهُنَّ التّرابْ |
لَوينَ النَّحورَ على ذِلَّة ٍ | ومُتنَ، وأَحلامَهنَّ العِذابْ |
فَحَالَ الجَمَالُ، وَغَاضَ العبيرُ | وأذوى الرَّدى سِحرَهُنَّ العُجابْ |
ألا إن أحلام الشباب ضئيلة
أَلا إنَّ أَحْلاَمَ الشَّبَابِ ضَئِيلَة ٌ | تُحَطِّمُهَا مِثْلَ الغُصُونِ المَصَائِبُ |
سألتُ الدَّياجي عن أماني شبيبَتي | فَقَالَتْ: «تَرَامَتْهَا الرِّياحُ الجَوَائِبُ» |
وَلَمَّا سَأَلْتُ الرِّيحَ عَنْها أَجَابَنِي: | “تلقَّفها سَيْلُ القَضا، والنَّوائبُ |
فصارَت عفاءً، واضمحلَّت كذرَّة ٍ | عَلى الشَّاطِىء المَحْمُومِ، وَالمَوْجُ صَاخِبُ» |
في الليل ناديت الكواكب ساخطا
في اللّيل نَادَيتُ الكَوَاكِبَ ساخطاً | متأجَّجَ الآلام والآراب |
“الحقلُ يملكه جبابرة ُ الدّجى | والروضُ يسكنه بنو الأرباب |
«والنَّهرُ، للغُول المقدّسة التي | لا ترتوي، والغابُ للحَطّابِ» |
«وعرائسُ الغابِ الجميلِ، هزيلة ٌ | ظمأى لِكُلِّ جَنى ً، وَكُلِّ شَرابِ» |
ما هذه الدنيا الكريهة ُ؟ ويلَها! | حَقّتْ عليها لَعْنَة ُ الأَحْقابِ!» |
الكونُ مُصغٍ، ياكواكبُ، خاشعٌ | طال انتظاري، فانطقي بِجواب”! |
فسمعتُ صوتاً ساحراً، متموجاً | فوق المروجِ الفيحِ، والأَعْشابِ |
وَحَفيفَ أجنحة ٍ ترفرف في الفضا | وصدى ً يَرنُّ على سُكون الغابِ: |
الفجرُ يولدُ باسماً، مُتَهَلِّلاً | في الكونِ، بين دُحنِّة ٍ وضباب |