أرَاعَ كَذا كُلَّ الأنَامِ هُمَامُ | وَسَحَّ لَهُ رُسْلَ المُلُوكِ غَمَامُ |
وَدانَتْ لَهُ الدّنْيا فأصْبَحَ جالِساً | وَأيّامُهَا فِيمَا يُريدُ قِيَامُ |
إذا زَارَ سَيْفُ الدّوْلَةِ الرّومَ غازِياً | كَفَاهَا لِمَامٌ لَوْ كَفَاهُ لِمَامُ |
فَتًى تَتْبَعُ الأزْمانُ في النّاسِ خَطوَهُ | لكُلّ زَمانٍ في يَدَيْهِ زِمَامُ |
تَنَامُ لَدَيْكَ الرّسْلُ أمْناً وغِبطةً | وَأجفانُ رَبّ الرّسْلِ ليسَ تَنَامُ |
حِذاراً لمُعْرَوْري الجِيادِ فُجَاءَةً | إلى الطّعْنِ قُبْلاً مَا لَهُنّ لِجَامُ |
تَعَطَّفُ فيهِ وَالأعِنّةُ شَعْرُهَا | وَتُضْرَبُ فيهِ وَالسّياطُ كَلامُ |
وَما تَنْفَعُ الخَيلُ الكِرامُ وَلا القَنَا | إذا لم يكُنْ فوْقَ الكِرامِ كِرامُ |
إلى كَمْ تَرُدُّ الرُّسْلَ عَمّا أتَوْا لَهُ | كأنّهُمُ فيما وَهَبْتَ مَلامُ |
فإنْ كنتَ لا تُعْطي الذّمامَ طَواعَةً | فَعَوْذُ الأعادي بالكَريمِ ذِمَامُ |
وَإنّ نُفُوساً أمّمَتْكَ مَنيعَةٌ | وَإنّ دِمَاءً أمّلَتْكَ حَرَامُ |
إذا خَافَ مَلْكٌ من مَليكٍ أجَرْتَهُ | وَسَيْفَكَ خافُوا وَالجِوارَ تُسَامُ |
لهُمْ عنكَ بالبِيضِ الخِفافِ تَفَرّقٌ | وَحَوْلَكَ بالكُتْبِ اللِّطَافِ زِحَامُ |
تَغُرُّ حَلاواتُ النّفُوسِ قُلُوبَهَا | فتَختارُ بَعضَ العَيشِ وَهْوَ حِمامُ |
وَشَرُّ الحِمَامَينِ الزّؤامَينِ عِيشَةٌ | يَذِلُّ الذي يَختَارُها وَيُضامُ |
فَلَوْ كانَ صُلْحاً لم يَكُنْ بشَفاعَةٍ | وَلَكِنّهُ ذُلٌّ لَهُمْ وَغَرَامُ |
وَمَنٌّ لفُرْسانِ الثّغُورِ عَلَيْهِمِ | بتَبْليغِهِمْ ما لا يَكادُ يُرامُ |
كَتائِبُ جَاؤوا خاضِعِينَ فأقْدَمُوا | وَلَوْ لم يكونوا خاضِعينَ لخَامُوا |
وَعَزّتْ قَديماً في ذَرَاكَ خُيُولُهُمْ | وَعَزُّوا وَعامَتْ في نَداكَ وَعَامُوا |
على وَجْهِكَ المَيمونِ في كلّ غارَةٍ | صَلاةٌ تَوَالى مِنْهُمُ وَسَلامُ |
وَكُلُّ أُنَاسٍ يَتْبَعُونَ إمَامَهُمْ | وَأنتَ لأهْلِ المَكْرُماتِ إمَامُ |
وَرُبّ جَوَابٍ عَن كتابٍ بَعَثْتَهُ | وَعُنْوَانُهُ للنّاظِرِينَ قَتَامُ |
تَضِيقُ بهِ البَيداءُ من قَبْلِ نَشرِهِ | وَمَا فُضّ بالبَيْداءِ عَنهُ خِتَامُ |
حُرُوفُ هِجاءِ النّاسِ فيهِ ثَلاثَةٌ: | جَوَادٌ وَرُمْحٌ ذابِلٌ وَحُسَامُ |
أخا الحَرْبِ قد أتْعَبْتَها فَالْهَ ساعَةً | ليُغْمَدَ نَصْلٌ أوْ يُحَلَّ حِزامُ |
وَإنْ طالَ أعمَارُ الرّماحِ بهُدْنَةٍ | فإنّ الذي يَعْمُرْنَ عِندَكَ عَامُ |
وَمَا زِلْتَ تُفني السُّمْرَ وَهْيَ كَثيرَةٌ | وَتُفْني بهِنّ الجَيْشَ وَهوَ لُهَامُ |
متى عاوَدَ الجَالُونَ عاوَدْتَ أرْضَهُمْ | وَفيهَا رِقَابٌ للسّيُوفِ وَهَامُ |
وَرَبّوْا لكَ الأوْلادَ حتى تُصِيبَهَا | وَقَدْ كَعَبَتْ بِنْتٌ وَشَبّ غُلامُ |
جَرَى مَعَكَ الجارونَ حتى إذا انتَهوا | إلى الغايَةِ القُصْوَى جرَيتَ وَقَامُوا |
فَلَيْسَ لشَمسٍ مُذْ أنَرْتَ إنَارَةٌ | وَلَيسَ لبَدْرٍ مُذْ تَمَمْتَ تَمَامُ |
أيا راميا يصمي فؤاد مرامه
أيَا رَامِياً يُصْمي فُؤادَ مَرَامِهِ | تُرَبّي عِداهُ رِيشَهَا لسِهامِهِ |
أسِيرُ إلى إقْطَاعِهِ في ثِيَابِهِ | على طِرْفِهِ مِنْ دارِهِ بحُسامِهِ |
وَمَا مَطَرَتْنِيهِ مِنَ البِيضِ وَالقَنَا | وَرُومِ العِبِدّى هَاطِلاتُ غَمَامِهِ |
فَتًى يَهَبُ الإقْليمَ بالمالِ وَالقُرَى | وَمَنْ فيهِ مِنْ فُرْسانِهِ وَكِرَامِهِ |
وَيَجْعَلُ مَا خُوّلْتُهُ مِنْ نَوَالِهِ | جَزَاءً لِمَا خُوّلْتُهُ من كَلامِهِ |
فَلا زَالَتِ الشّمسُ التي في سَمَائِهِ | مُطالِعَةَ الشّمسِ التي في لِثَامِهِ |
وَلا زَالَ تَجتازُ البُدُورُ بوَجْهِهِ | فَتَعْجَبُ مِن نُقْصانِها وَتَمَامِهِ |
رأيتك توسع الشعراء نيلا
رَأيْتُكَ تُوسِعُ الشّعرَاءَ نَيْلاً | حَديثَهُمُ المُوَلَّدَ وَالقَدِيمَا |
فتُعْطي مَنْ بَقَى مالاً جَسيماً | وَتُعْطي مَن مضَى شرَفاً عَظيمَا |
سَمِعْتُكَ مُنشِداً بَيْتَيْ زِيادٍ | نَشِيداً مِثْلَ مُنْشِدِهِ كَرِيمَا |
فَمَا أنكَرْتُ مَوْضِعَهُ وَلَكِنْ | غَبَطْتُ بذاكَ أعْظُمَهُ الرّميمَا |
نشيد الجبار ( هكذا غنى بروميثيوس )
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ | كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ |
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً | بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ |
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى | ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ… |
وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ، | غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ |
أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها | وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي |
وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي | يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ |
وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني | عن حرب آمالي بكل بلاءِ: |
“-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي | موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ |
«فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ | سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ» |
لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا، | وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء |
«ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً | بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي |
واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى ، | وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ |
وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ | رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ» |
«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً | قيثارتي، مترنِّما بغنائي» |
«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ | في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ» |
النّور في قلبِي وبينَ جوانحي | فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ» |
«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي | أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ» |
«وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس تزيدُهُ | إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ» |
أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى | عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي» |
«وخبا لهيبُ الكون في قلبي الذي | قدْ عاشَ مثلَ الشُّعْلة ِ الحمْراءِ |
فأنا السَّعيدُ بأنني مُتَحوِّلٌ | عَنْ عَالمِ الآثامِ، والبغضاءِ» |
«لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ | وأَرْتوي منْ مَنْهَلِ الأَضْواءِ” |
وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا | هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي |
ورأوْا على الأشواك ظلِّيَ هامِداً | فتخيّلوا أنِّي قَضَيْتُ ذَمائي |
وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما | وجدوا..، ليشوُوا فوقَهُ أشلائي |
ومضُوْا يمدُّونَ الخوانَ، ليأكُلوا | لحمي، ويرتشفوا عليه دِمائي |
إنّي أقول ـ لَهُمْ ـ ووجهي مُشْرقٌ | وَعلى شِفاهي بَسْمة اسْتِهزاءِ-: |
“إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي | والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي |
«فارموا إلى النَّار الحشائشَ..، والعبوا | يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي» |
«وإذا تمرّدتِ العَواصفُ، وانتشى | بالهول قَلْبُ القبّة ِ الزَّرقاءِ» |
«ورأيتموني طائراً، مترنِّماً | فوقَ الزّوابعِ، في الفَضاءِ النائي |
«فارموا على ظلّي الحجارة َ، واختفوا | خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ..» |
وهُناك، في أمْنِ البُيوتِ،تَطارَحُوا | عثَّ الحديثِ، وميِّتَ الآراءِ» |
«وترنَّموا ـ ما شئتمُ ـ بِشَتَائمي | وتجاهَرُوا ـ ما شئتمُ ـ بِعدائي» |
أما أنا فأجيبكم من فوقِكم | والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي: |
مَنْ جاشَ بِالوَحْيِ المقدَّسِ قلبُه | لم يحتفِلْ بفداحة الأعباءِ” |
أيها الحب أنت سر بلائي
أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي | وَهُمُومِي، وَرَوْعَتِي، وَعَنَائي |
وَنُحُولِي، وَأَدْمُعِي، وَعَذَابي | وَسُقَامي، وَلَوْعَتِي، وَشَقائي |
أيها الحب أنت سرُّ وُجودي | وحياتي ، وعِزَّتي، وإبائي |
وشُعاعي ما بَيْنَ دَيجورِ دَهري | وأَليفي، وقُرّتي، وَرَجائي |
يَا سُلافَ الفُؤَادِ! يا سُمَّ نَفْسي | في حَيَاتي يَا شِدَّتي! يَا رَخَائي |
ألهيبٌ يثورٌ في روْضَة ِ النَّفَسِ، فيـ | ـطغى ، أم أنتَ نورُ السَّماءِ |
أيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ | نَ كُؤُوساً، وَمَا اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي |
فَبِحَقِّ الجَمَال، يَا أَيُّها الحُـ | ـبُّ حنانَيْكَ بي! وهوِّن بَلائي |
لَيْتَ شِعْري! يَا أَيُّها الحُبُّ، قُلْ لي: | مِنْ ظَلاَمٍ خُلِقَتَ، أَمْ مِنْ ضِيَاءِ |
سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ
سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ | وما أن تجاوزتُ فجرَ الشَّبابْ |
سَئِمتُ اللَّيالي، وَأَوجَاعَها | وما شَعْشَعتْ مَنْ رَحيقِ بصابْ |
فَحَطّمتُ كَأسي، وَأَلقَيتُها | بِوَادي الأَسى وَجَحِيمِ العَذَابْ |
فأنَّت، وقد غمرتها الدموعُ | وَقَرّتْ، وَقَدْ فَاضَ مِنْهَا الحَبَابْ |
وَأَلقى عَلَيها الأَسَى ثَوْبَهُ | وَأقبرَها الصَّمْتُ والإكْتِئَابْ |
فَأَينَ الأَمَانِي وَأَلْحَانُها؟ | وأَينَ الكؤوسُ؟ وَأَينَ الشَّرابْ |
لَقَدْ سَحَقَتْها أكفُّ الظَّلاَمِ | وَقَدْ رَشَفَتْها شِفَاهُ السَّرابْ |
فَمَا العَيْشُ فِي حَوْمة ٍ بَأْسُهَا | شديدٌ، وصدَّاحُها لا يُجابْ |
كئيبٌ، وحيدٌ بآلامِه | وأَحْلامِهِ، شَدْوُهُ الانْتحَابْ |
ذَوَتْ في الرَّبيعِ أَزَاهِيرُهَا | فنِمْنَ، وقَد مصَّهُنَّ التّرابْ |
لَوينَ النَّحورَ على ذِلَّة ٍ | ومُتنَ، وأَحلامَهنَّ العِذابْ |
فَحَالَ الجَمَالُ، وَغَاضَ العبيرُ | وأذوى الرَّدى سِحرَهُنَّ العُجابْ |