في الخَدّ أنْ عَزَمَ الخَليطُ رَحيلا | مَطَرٌ تَزيدُ بهِ الخُدودُ مُحُولا |
يا نَظْرَةً نَفَتِ الرُّقادَ وغادَرَتْ | في حَدّ قَلبي ما حَيِيتُ فُلُولا |
كَانَتْ مِنَ الكَحْلاءِ سُؤلي إنّما | أجَلي تَمَثّلَ في فُؤادي سُولا |
أجِدُ الجَفَاءَ على سِواكِ مُرُوءَةً | والصّبرَ إلاّ في نَواكِ جَميلا |
وأرَى تَدَلُّلَكِ الكَثيرَ مُحَبَّباً | وأرَى قَليلَ تَدَلُّلٍ مَمْلُولا |
حَدَقُ الحِسانِ من الغواني هِجنَ لي | يَوْمَ الفِراقِ صَبابَةً وغَليلا |
حَدَقٌ يُذِمّ مِنَ القَواتِلِ غيرَها | بَدْرُ بنُ عَمّارِ بنِ إسْماعِيلا |
ألفَارِجُ الكُرَبَ العِظامَ بمِثْلِها | والتّارِكُ المَلِكَ العزيزَ ذَليلا |
مَحِكٌ إذا مَطَلَ الغَريمُ بدَيْنِهِ | جَعَلَ الحُسامَ بمَا أرَادَ كَفيلا |
نَطِقٌ إذا حَطّ الكَلامُ لِثامَهُ | أعْطَى بمَنْطِقِهِ القُلُوبَ عُقُولا |
أعْدَى الزّمانَ سَخاؤهُ فَسَخا بهِ | ولَقَدْ يكونُ بهِ الزّمانُ بَخيلا |
وكأنّ بَرْقاً في مُتُونِ غَمامةٍ | هِنْدِيُّهُ في كَفّهِ مَسْلُولا |
ومَحَلُّ قائِمِهِ يَسيلُ مَواهِباً | لَوْ كُنّ سَيْلاً ما وَجَدْنَ مَسيلا |
رَقّتْ مَضارِبُهُ فَهُنّ كأنّمَا | يُبْدينَ مِنْ عِشقِ الرّقابِ نُحُولا |
أمُعَفِّرَ اللّيْثِ الهِزَبْرِ بسَوْطِهِ | لمَنِ ادّخَرْتَ الصّارِمَ المَصْقُولا |
وَقَعَتْ على الأُرْدُنّ مِنْهُ بَلِيّةٌ | نُضِدَتْ بها هامُ الرّفاقِ تُلُولا |
وَرْدٌ إذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِباً | وَرَدَ الفُراتَ زَئِيرُهُ والنّيلا |
مُتَخَضّبٌ بدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ | في غِيلِهِ مِنْ لِبْدَتَيْهِ غِيلا |
ما قُوبِلَتْ عَيْناهُ إلاّ ظُنّتَا | تَحْتَ الدُّجَى نارَ الفَريقِ حُلُولا |
في وَحْدَةِ الرُّهْبَانِ إلاّ أنّهُ | لا يَعْرِفُ التّحْرِيمَ والتّحْليلا |
يَطَأُ الثّرَى مُتَرَفّقاً مِنْ تِيهِهِ | فكأنّهُ آسٍ يَجُسّ عَلِيلا |
ويَردّ عُفْرَتَه إلى يَأفُوخِهِ | حتى تَصِيرَ لرَأسِهِ إكْليلا |
وتَظُنّهُ مِمّا يُزَمْجِرُ نَفْسُهُ | عَنْها لِشِدّةِ غَيظِهِ مَشْغُولا |
قَصَرَتْ مَخَافَتُهُ الخُطى فكأنّما | رَكِبَ الكَميُّ جَوادَهُ مَشْكُولا |
ألْقَى فَريسَتَهُ وبَرْبَرَ دونَهَا | وقَرُبْتَ قُرْباً خالَهُ تَطْفِيلا |
فتَشابَهَ الخُلُقانِ في إقْدامِهِ | وتَخالَفَا في بَذْلِكَ المأْكُولا |
أسَدٌ يَرَى عُضْوَيهِ فيكَ كِلَيْهِما | مَتْناً أزَلَّ وساعداً مَفْتُولا |
في سرْجِ ظامِئَةِ الفُصوصِ طِمِرّةٍ | يأبَى تَفَرُّدُها لهَا التّمْثيلا |
نَيَّالةِ الطَّلِبَاتِ لَوْلا أنَّهَا | تُعْطي مَكانَ لِجامِها مَا نِيلا |
تَنْدَى سَوالفُها إذا استَحضَرْتَها | ويُظَنّ عَقْدُ عِنانِها مَحْلُولا |
ما زالَ يَجْمَعُ نَفْسَهُ في زَوْرِهِ | حتى حَسِبْتَ العَرْضَ منه الطّولا |
ويَدُقّ بالصّدْرِ الحِجارَ كأنّه | يَبْغي إلى ما في الحَضِيضِ سَبيلا |
وكأنّهُ غَرّتْهُ عَيْنٌ فادّنَى | لا يُبْصِرُ الخَطْبَ الجَليلَ جَليلا |
أنَفُ الكَريمِ مِنَ الدّنيئَةِ تارِكٌ | في عَينِهِ العَدَدَ الكَثيرَ قَليلا |
والعارُ مَضّاضٌ ولَيسَ بخائِفٍ | مِنْ حَتْفِهِ مَنْ خافَ ممّا قِيلا |
سَبَقَ التِقاءَكَهُ بوَثْبَةِ هاجِمٍ | لَوْ لم تُصادِمْهُ لجازَكَ مِيلا |
خَذَلَتْهُ قُوّتُهُ وقَدْ كافَحْتَهُ | فاستَنْصَرَ التّسْليمَ والتّجْديلا |
قَبَضَتْ مَنِيّتُهُ يَدَيْهِ وعُنْقَهُ | فَكَأنّما صادَفْتَهُ مَغْلُولا |
سَمِعَ ابنُ عَمّتِهِ بهِ وبحالِهِ | فنَجا يُهَرْوِلُ أمسِ منكَ مَهُولا |
وأمَرُّ مِمّا فَرّ مِنْهُ فِرارُهُ | وكَقَتْلِهِ أنْ لا يَمُوتَ قَتيلا |
تَلَفُ الذي اتّخَذَ الجراءَةَ خُلّةً | وعَظَ الذي اتّخَذَ الفِرارَ خَليلا |
لَوْ كانَ عِلْمُكَ بالإل?هِ مُقَسَّماً | في النّاسِ ما بَعَثَ الإل?هُ رَسُولا |
لَوْ كانَ لَفْظُكَ فيهِمُ ما أنزَلَ الـ | ـفُرْقانَ والتّوْراةَ والإنْجيلا |
لَوْ كانَ ما تُعطيهِمُ من قبلِ أنْ | تُعْطيهِمُ لَمْ يَعرِفُوا التّأمِيلا |
فلَقَدْ عُرِفْتَ وما عُرِفتَ حَقيقَةً | ولقد جُهِلْتَ وما جُهِلْتَ خُمُولا |
نَطَقَتْ بسُؤدُدِكَ الحَمامُ تَغَنّياً | وبما تُجَشّمُها الجِيادُ صَهيلا |
ما كلّ مَنْ طَلَبَ المَعالي نافِذاً | فيها ولا كُلّ الرّجالِ فُحُولاَ |
أرى حللا مطواة حسانا
أرَى حُلَلاً مُطَوَّاةً حِسَاناً | عَداني أنْ أراكَ بها اعْتِلالي |
وهَبْكَ طَوَيتَها وخرَجتَ عنها | أتَطوي ما عَلَيكَ من الجَمالِ |
وإنّ بها وإنّ بهِ لَنَقْصاً | وأنتَ لها النّهايةُ في الكَمالِ |
لَقَدْ ظَلّتْ أواخِرُها الأعالي | مَعَ الأُولى بجِسْمِكَ في قِتالِ |
تُلاحِظُكَ العُيُونُ وأنتَ فيها | كأنّ علَيكَ أفْئِدَةَ الرّجالِ |
متى أحصَيْتُ فَضلَكَ في كَلامٍ | فقَدْ أحصَيتُ حَبّاتِ الرّمالِ |
عذلت منادمة الأمير عواذلي
عَذَلَتْ مُنادَمَةُ الأميرِ عَواذِلي | في شُرْبِها وكَفَتْ جَوابَ السّائِلِ |
مَطَرَتْ سَحابُ يَديكَ رِيَّ جَوانحي | وحملتُ شكرَكَ واصطناعُك حاملي |
فمَتى أقُومُ بشُكرِ ما أوْلَيْتَني | والقَوْلُ فيكَ عُلُوّ قَدْرِ القائِل |
بدر فتى لو كان من سؤاله
بَدْرٌ فَتًى لوْ كانَ مِنْ سؤَّالِهِ | يَوْماً تَوَفّرَ حَظُّهُ مِنْ مالِهِ |
تَتَحَيّرُ الأفْعالُ في أفْعالِهِ | ويَقِلُّ ما يأتيهِ في إقْبالِهِ |
قَمَراً نَرَى وسَحابَتينِ بمَوضعٍ | مِنْ وَجْهِهِ ويَمينِهِ وشِمَالِهِ |
سَفَكَ الدّماءَ بجُودِهِ لا بأسِهِ | كَرَماً لأنّ الطّيرَ بعضُ عِيالِهِ |
إنْ يَفنَ ما يحوي فَقَد أبْقَى لهُ | ذِكْراً يَزولُ الدّهرُ قَبلَ زوالِهِ |
قد أبت بالحاجة مقضية
قَدْ أُبْتُ بالحَاجَةِ مَقضِيّةً | وعِفْتُ في الجَلسَةِ تَطويلَها |
أنتَ الذي طُولُ بَقاءٍ لَهُ | خَيرٌ لنَفسِي مِنْ بَقائي لَهَا |
لك يا منازل في القلوب منازل
لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ | أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منكِ أواهِلُ |
يَعْلَمْنَ ذاكَ وما عَلِمْتِ وإنّمَا | أوْلاكُما يُبْكَى عَلَيْهِ العاقِلُ |
وأنَا الذي اجتَلَبَ المَنيّةَ طَرْفُهُ | فَمَنِ المُطالَبُ والقَتيلُ القاتِلُ |
تَخْلُو الدّيارُ منَ الظّباءِ وعِنْدَهُ | من كُلّ تابِعَةٍ خَيالٌ خاذِلُ |
أللاّءِ أفْتَكُهَا الجَبانُ بمُهْجَتي | وأحَبُّهَا قُرْباً إليّ البَاخِلُ |
ألرّامِياتُ لَنَا وهُنّ نَوافِرٌ | والخاتِلاتُ لَنَا وهُنّ غَوافِلُ |
كافأنَنَا عَنْ شِبْهِهِنّ مِنَ المَهَا | فَلَهُنّ في غَيرِ التّرابِ حَبَائِلُ |
مِنْ طاعِني ثُغَرِ الرّجالِ جآذِرٌ | ومِنَ الرّماحِ دَمَالِجٌ وخَلاخِلُ |
ولِذا اسمُ أغطِيَةِ العُيُونِ جُفُونُها | مِنْ أنّها عَمَلَ السّيُوفِ عَوامِلُ |
كم وقْفَةٍ سَجَرَتكَ شوْقاً بَعدَما | غَرِيَ الرّقيبُ بنا ولَجّ العاذِلُ |
دونَ التّعانُقِ ناحِلَينِ كشَكْلَتيْ | نَصْبٍ أدَقَّهُمَا وضَمَّ الشّاكِلُ |
إنْعَمْ ولَذّ فَلِلأمورِ أواخِرٌ | أبَداً إذا كانَتْ لَهُنّ أوائِلُ |
ما دُمْتَ مِنْ أرَبِ الحِسانِ فإنّما | رَوْقُ الشّبابِ علَيكَ ظِلٌّ زائِلُ |
للّهْوِ آوِنَةٌ تَمُرّ كأنّهَا | قُبَلٌ يُزَوَّدُهَا حَبيبٌ راحِلُ |
جَمَحَ الزّمانُ فَلا لَذيذٌ خالِصٌ | ممّا يَشُوبُ ولا سُرُورٌ كامِلُ |
حتى أبو الفَضْلِ ابنُ عَبْدِالله رُؤ | يَتُهُ المُنى وهيَ المَقامُ الهَائلُ |
مَمْطُورَةٌ طُرُقي إلَيهَا دونَهَا | مِنْ جُودِهِ في كلّ فَجٍّ وابِلُ |
مَحْجُوبَةٌ بسُرادِقٍ مِنْ هَيْبَةٍ | تَثْني الأزِمّةَ والمَطيُّ ذَوامِلُ |
للشّمسِ فيهِ وللسّحابِ وللبِحَا | رِ وللأسُودِ وللرّياحِ شَمَائِلُ |
ولَدَيْهِ مِلْعِقْيَانِ والأدَبِ المُفَا | دِ ومِلْحيَاةِ ومِلْمَماتِ مَنَاهِلُ |
لَوْ لم يَهَبْ لجَبَ الوُفُودِ حَوَالَهُ | لَسَرَى إلَيْهِ قَطَا الفَلاةِ النّاهِلُ |
يَدْري بمَا بِكَ قَبْلَ تُظْهِرُهُ لَهُ | مِن ذِهْنِهِ ويُجيبُ قَبْلَ تُسائِلُ |
وتَراهُ مُعْتَرِضاً لَهَا ومُوَلّياً | أحْداقُنا وتَحارُ حينَ يُقابِلُ |
كَلِماتُهُ قُضُبٌ وهُنّ فَوَاصِلٌ | كلُّ الضّرائبِ تَحتَهُنّ مَفاصِلُ |
هَزَمَتْ مَكارِمُهُ المَكارِمَ كُلّهَا | حتى كأنّ المَكْرُماتِ قَنَابِلُ |
وقَتَلْنَ دَفْراً والدُّهَيْمَ فَما تَرَى | أُمُّ الدُّهَيْمِ وأُمُّ دَفْرٍ ثَاكِلُ |
عَلاّمَةُ العُلَمَاءِ واللُّجُّ الّذي | لا يَنْتَهي ولِكُلّ لُجٍّ ساحِلُ |
لَوْ طابَ مَوْلِدُ كُلّ حَيٍّ مِثْلِهِ | وَلَدَ النّساءُ وما لَهنّ قَوابِلُ |
لَوْ بانَ بالكَرَمِ الجَنينُ بَيانَهُ | لَدَرَتْ بهِ ذَكَرٌ أمْ أنثى الحامِلُ |
ليَزِدْ بَنُو الحَسَنِ الشِّرافُ تَواضُعاً | هَيهاتِ تُكْتَمُ في الظّلامِ مشاعلُ |
جَفَختْ وهم لا يجفَخونَ بها بهِمْ | شِيَمٌ على الحَسَبِ الأغَرّ دَلائِلُ |
مُتَشابِهُو وَرَعِ النّفُوسِ كَبيرُهم | وصَغيرُهمْ عَفُّ الإزارِ حُلاحِلُ |
يا کفخَرْ فإنّ النّاسَ فيكَ ثَلاثَةٌ | مُسْتَعْظِمٌ أو حاسِدٌ أو جاهِلُ |
ولَقَدْ عَلَوْتَ فَما تُبالي بَعدَمَا | عَرَفُوا أيَحْمَدُ أمْ يَذُمُّ القائِلُ |
أُثْني عَلَيْكَ ولَوْ تَشاءُ لقُلتَ لي | قَصّرْتَ فالإمْساكُ عنّي نائِلُ |
لا تَجْسُرُ الفُصَحاءُ تُنشِدُ ههُنا | بَيْتاً ولكِنّي الهِزَبْرُ البَاسِلُ |
ما نالَ أهْلُ الجاهِلِيّةِ كُلُّهُمْ | شِعْرِي ولا سمعتْ بسحري بابِلُ |
وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ | فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ |
مَنْ لي بفَهْمِ أُهَيْلِ عَصْرٍ يَدّعي | أنْ يَحْسُبَ الهِنديَّ فيهِمْ باقِلُ |
وأمَا وحَقّكَ وهْوَ غايَةُ مُقْسِمٍ | لَلْحَقُّ أنتَ وما سِواكَ الباطِلُ |
ألطِّيبُ أنْتَ إذا أصابَكَ طِيبُهُ | والماءُ أنتَ إذا اغتَسَلْتَ الغاسِلُ |
ما دارَ في الحَنَكِ اللّسانُ وقَلّبَتْ | قَلَماً بأحْسَنَ مِنْ ثَنَاكَ أنَامِلُ |