لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ | أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ |
إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ | قد عَرانا، ولم نجد من أزاحهُ |
كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ، | مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ |
ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ | فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ |
وتوخَّوْاطرائقَ العَسف الإِرْهَاقِ | تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ |
هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ | رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ |
غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا | واستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ |
أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَة َ فِي لُجِّ | الهَوى قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ |
شِرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ وإنِّي | قَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ |
لستُ أنصاعُ للوَّاحي ولو مــتُّ | وقامتْ على شبابي المناحَة ْ |
لا أبالي.., وإنْ أُريقتْ دِمائي | فَدِمَاءُ العُشَّاق دَوْماً مُبَاحَهْ |
وبطولِ المَدى تُريكَ الليالي | صَادِقَ الحِبِّ وَالوَلاَ وَسَجاحَهْ |
إنَّ ذا عَصْرُ ظُلْمَة ٍ غَيْرَ أنِّي | مِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ |
ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْ | سَتَرُدُّ الحَيَاة ُ يَوماً وِشَاحَهْ |
يا عذارى الجمال والحب والأحلام
يا عذارى الجمال والحب والأحلامِ | بل يَا بَهَاءَ هذا الوُجُودِ |
قد رأَيْنا الشُّعُورَ مُنْسَدِلاتٍ | كلّلَتْ حُسْنَها صباحُ الورودِ |
ورَأينا الجفونَ تَبْسِمُ..، أو تَحْلُمُ | بالنُّورِ، بالهوى ، بِالنّشيدِ |
وَرَأينا الخُدودَ، ضرّجَها السِّحْرُ، | فآهاً مِنْ سِحْرِ تلكَ الخُدود |
ورأينا الشِّفاه تبسمُ عن دنيا | من الورد غضّة ٍ أملُود |
ورأينا النُّهودَ تَهْتَزُّ، كالأزهارِ | في نشوة الشباب السعيدِ |
فتنة ٌ، توقظ الغرام، وتذكيه | وَلكنْ مَاذا وراءَ النُّهُودِ |
ما الذي خلف سحرها الحالي، السكران، | في ذلك القرارِ البعيدِ..؟ |
أنفوسٌ جميلة ٌ، كطيور الغابِ | تشدوُ بساحر التغريدِ |
طاهراتٌ، كأَنَّها أَرَجُ الأَزَهارِ | في مَوْلِدِ الرّبيعِ الجَديد؟ |
وقلوبٌ مُضيئة ٌ، كنجوم الليل | ضَوَاعة ٌ، كغضِّ الورودِ؟ |
أم ظلامٌ، كأنهُ قِطَعُ الليل، | وهولٌ يُشيبُ قلبَ الوليدِ |
وخِضَمُّ، يَمُوج بالإثْمِ والنُّكْ | رِ، والشَّرِّ، والظِّلالِ المَديدِ؟ |
لستُ أدري، فرُبّ زهرٍ شذيِّ | قاتل رغمَ حسنه المشهودِ |
صانَكنَّ الإلهُ من ظُلمة ِ الرّوحِ | وَمِنْ ضَلّة الضّميرِ المُرِيدِ |
إن ليلَ النّفوسِ ليلٌ مُريِعٌ | سرمديُّ الأسى ، شنيع الخلودِ |
يرزَحُ القَلْبُ فيه بالأَلَم المرّ، | ويشقى بعِيشة المنكودِ |
وَربيعُ الشَّبابِ يُذبِلُهُ الدُّهْرُ، | ويمضي بِحُسْنِهِ المَعْبُودِ |
غيرَ باقٍ في الكونِ إلا جمالُ | الرُّوح غضًّا على الزَّمانِ الأَبيدِ |
يا عذارى الجمالِ، والحبِ، والأحلام،
يا عذارى الجمالِ، والحبِ، والأحلام، | بَلْ يا بَهَاءَ هذا الوجودِ! |
خلق البلبل الجميل ليشدوا | وَخُلِقْتُنَّ للغرامِ السَّعيدِ |
والوُجودُ الرحيبُ كالقَبْرِ، لولا | ما تُجَلِّينَ مِنْ قُطوبِ الوُجودِ |
والحياة ُ التي تخرُّ لها الأحلامُ | موتٌ مثقَّلٌ بالقيودِ… |
والشبابُ الحبيبُ شيخوخة ٌ تسعى | إلى الموت في طريق كؤودِ… |
والربيعُ الجميلُ في هاتِه الدُنيا | خريفٌ يُذْوِي رفيفَ الوُرودِ.. |
والورودُ العِذابُ في ضيفَّة الجدولِ | شوكٌ، مُصفَّحٌ بالحديدِ… |
والطُّيورُ التي تُغَنِّي، وتقضي | عَيشَها في ترنّمُ وغريدِ؟ |
إنَّها في الوجودِ تشكو إلى الأيّام | عِبءَ الحَياة ِ بالتَّغْريدِ.. |
والأَنَاشِيدُ؟ إنَّها شَهَقَاتٌ | تتشظَّى من كل قلبِ عميدِ… |
صورة ٌ للوجودِ شوهاءُ، لولا | شفَقُ الحسن فوق تلك الخدودِ |
يا زهورَ الحياة ِ للحبّ أنتنَّ | ولكنَّهُ مخيفُ الورودِ |
فَسَبِيلُ الغرامِ جَمُّ المهاوي | |
رغمَ ما فيه من جمالٍ، وفنٍّ | عبقريُّ، ما أن له من مزيدِ |
وَأناشيدَ، تُسْكِرُ الملأَ الأعلى ، | وتُشْجِي جوانِحَ الجلمودِ |
وأريجٍ، يَكَادُ يَذْهَبُ بالألباب | ما بين غَامضٍ وَشَديدِ |
وسبيل الحياة رحبٌ، ولأننتنَّ | اللواتي تَفْرُشْنَهُ بالوُرودِ |
إنْ أردتُنَّ أن يكونَ بهيجاً | رَائعَ السِّحْر، ذَا جمالٍ فريدِ |
أو بشوكٍ يدميّ الفضيلة َ والحبَّ | ويقضي على بهاءِ الوُجودِ |
إنْ أردتُنّ أنْ يكونَ شنيعاً، | مُظْلِمَ الأُفْقِ ميِّتَ التَّغريدِ |
كل ما هب وما دب
كلُّ ما هبَّ، وما دبَّ، وما | نامَ، أو حامَ على هذا الوجود |
مِنْ طيورٍ، وَزُهورٍ، وشذًى | وينابيعَ. وأغصانٍ تَميدْ |
وبحارٍ، وكهوفٍ، وذُرًى | وبراكينَ، ووديانٍ، وبيدْ |
وضياءٍ، وظِلالٍ ودجى | وفصولٍ، وغيولٍ، ورعودْ |
وثلوجٍ، وضباب عابرٍ | وأعاصيرَ وأمطارٍ تجودْ |
وتعاليمَ، وَدِينٍ، ورؤى | وأحاسيسَ، وَصَمْتٍ، ونشيدْ |
كلُّها تحيْا، بقلبي حرَّة ً | غَضة َ السّحر، كأطفال الخلودْ |
ههُنا، في قلبيَ الرحْبِ، العميقْ | يرقُصُ الموتُ وأطيافُ الوجودْ |
ههُنا، تَعْصِفُ أهوالُ الدُّجى | ههنا، تخفُقُ أحلامُ الورودْ |
ههنا، تهتُفُ أصداءُ الفَنا | ههنا، تُعزَفُ ألحانُ الخلودْ |
ههنا، تَمْشي الأَماني والهوى | والأسى ، في موكبٍ فخمِ النشيد |
ههنا الفجْرُ الذي لا ينتهي | ههنا اللَّيلُ الذي ليسَ يَبيدْ |
ههنا، ألفُ خِضَمٍّ، ثَائرٍ | خالدِ الثَّورة ِ، مجهولِ الحُدودْ |
ههنا، في كلِّ آنٍ تَمَّحي | صُوَرُ الدُّنيا، وتبدو من جَديدْ |
ليتَ لي أن أعيشَ هذهِ الدنيّا
ليتَ لي أن أعيشَ هذهِ الدنيّا | سَعيداً بِوَحْدتي وانفرادي |
أَصرِفُ العْمْرَ في الجبالِ، وفي الغاباتِ | بينَ الصنوبّر الميّادِ |
ليس لي من شواغل العيش ما يصرفُ | نفسي عن استماعِ فؤادي |
أرقبُ الموتَ، والحياة َ وأصغي | لحديثِ الآزال والآبادِ |
وأغنيّ مع البلابل في الغابِ، | وأصغيِ إلى خرير الوادي |
وَأُناجي النُّجومَ والفجرَ، والأَطيارَ | والنّهرَ، والضّياءَ الهادي |
عيشة ً للجمالِ، والفنِ، أبغيها | بعيداً عَنْ أمتَّي وبلادي |
لا أعنِّي نفسي بأحزانيِ شعبي | فهو حيٌّ يعيشُ عيشَ الجمادِ! |
وبحسبي مِنَ الأسى ما بنفسي | من طريفٍ مُسْتَحْدَثٍ وتِلادِ |
وبعيداً عن المدينة ، والنّاس، | بعيداً عن لَغْوِ تلك النّوادي |
فهو من معدنِ السّخافة والإفك | ومن ذلك الهُراء العادي |
أين هوَ من خريرِ ساقية الوادي | وخفقِ الصدى ، وشدوِ الشادي |
وَحَفيفِ الغصونِ، نمَّقها الطَّلُّ | وَهَمْسِ النّسيمِ للأوْراد؟ |
هذهِ عِيشة ٌ تقدِّسُها نفسي | وأدعُو لمجدها وأنادي |
في جِبال لهمومِ، أننبتَّ أغصاني،
في جِبال لهمومِ، أننبتَّ أغصاني، | فَرَقّتْ بينَ الصُّخُورِ بِجُهْدِ |
وَتَغَشَّانيَ الضَّبَابُ..، فأورقتُ | وأزهرتُ للعواضف، وحْدي |
وتمايلتُ في الظَّلام، وعطَّرتُ | فضاءَ الأَسى بأنفاس وردي |
وبمجد الحياة ِ، والشوقِ غّنَّيْتُ..، | فلم تفهم الأعَاصيرُ قصدي |
وَرَمَتْ للوهادِ أفنانيَ الخضْرَ، | وظلّتْ في الثَّلْجِ تحفر لَحْدِي |
ومَضتْ بالشَّذى فَقُلْتُ: «ستبني | في مروجِ السّماءِ بالعِطْر مَجْدي» |
وَتَغَزَلْتُ بالرَّبيعِ، وبالفجرِ | فماذا ستفعلّ الرّيحُ بَعدِي؟ |