قَد صَدَقَ الوَرْدُ في الذي زَعَمَا | أنّكَ صَيّرْتَ نَثْرَهُ دِيَمَا |
كأنّمَا مائِجُ الهَوَاءِ بِهِ | بَحْرٌ حَوَى مِثلَ مائِهِ عَنَمَا |
نَاثِرُهُ النّاثِرُ السّيُوفَ دَمَا | وَكُلَّ قَوْلٍ يَقُولُهُ حِكَمَا |
وَالخَيْلَ قَد فَصّلَ الضّياعَ بهَا | وَالنِّعَمَ السّابِغاتِ وَالنِّقَمَا |
فَلْيُرِنَا الوَرْدُ إنْ شَكَا يَدَهُ | أحسَنَ منهُ من جُودِها سَلِمَا |
فَقُلْ لهُ لَستَ خَيرَ ما نَثَرَتْ | وَإنّمَا عَوّذَتْ بكَ الكَرَمَا |
خَوْفاً منَ العَينِ أنْ يُصَابَ بهَا | أصَابَ عَيْناً بها يُصَابُ عَمَى |
نزور ديارا ما نحب لها مغنى
نَزُورُ دِياراً ما نُحِبّ لهَا مَغْنى | وَنَسْألُ فيها غَيرَ ساكِنِهَا الإذْنَا |
نَقُودُ إلَيْهَا الآخِذاتِ لَنَا المَدَى | عَلَيْهَا الكُماةُ المُحْسِنونَ بها ظَنّا |
وَنُصْفي الذي يُكنى أبا الحسنِ الهَوَى | وَنُرْضِي الذي يُسمى الإل?هَ وَلا يُكنى |
وَقَدْ عَلِمَ الرّومُ الشّقِيّونَ أنّنَا | إذا ما تَرَكْنا أرْضَهُمْ خلفَنا عُدْنَا |
وَأنّا إذا ما المَوْتُ صَرّحَ في الوَغَى | لبِسنا إلى حاجاتِنا الضّرْبَ والطّعْنَا |
قَصَدْنَا لَهُ قَصْدَ الحَبيبِ لِقاؤهُ | إلَيْنَا وَقُلْنَا للسّيُوفِ هَلُمّنَّا |
وَخَيْلٍ حَشَوْنَاهَا الأسِنّةَ بَعدَمَا | تكَدّسنَ من هَنّا عَلَيْنَا وَمن هَنّا |
ضُرِبنَ إلَيْنَا بالسّياطِ جَهَالَةً | فَلَمّا تَعَارَفْنَا ضُرِبنَ بهَا عَنّا |
تَعَدَّ القُرَى وَالْمُسْ بنا الجيشَ لمسةً | نُبَارِ إلى ما تَشتَهي يَدَكَ اليُمْنى |
فَقَدْ بَرَدَتْ فَوْقَ اللُّقَانِ دِماؤهمْ | وَنحنُ أُنَاسٌ نُتْبِعُ البارِدَ السُّخنَا |
وَإنْ كنتَ سَيفَ الدوْلَةِ العَضْبَ فيهمِ | فدَعنا نكنْ قبل الضّرابِ القنا اللُّدنَا |
فنَحنُ الأُلى لا نَأتَلي لكَ نُصرَةً | وَأنْتَ الذي لَوْ أنّهُ وَحْدَهُ أغنى |
يَقيكَ الرّدَى مَن يَبْتَغي عندك العُلى | وَمَن قال لا أرْضَى من العيش بالأدنَى |
فلَوْلاكَ لم تَجرِ الدّماءُ وَلا اللُّهَى | وَلم يَكُ للدّنْيا وَلا أهلِها مَعْنى |
وَمَا الخَوْفُ إلاّ مَا تَخَوّفَهُ الفَتى | وَمَا الأمْنُ إلاّ ما رآهُ الفَتى أمْنَا |
ثياب كريم ما يصون حسانها
ثيَابُ كَرِيمٍ ما يَصُونُ حِسَانَهَا | إذا نُشِرَتْ كانَ الهِباتُ صِوَانَهَا |
تُرِينَا صَنَاعُ الرّومِ فيهَا مُلُوكَهَا | وَتَجْلُو عَلَيْنَا نَفْسَها وَقِيانَهَا |
وَلم يَكفِهَا تَصْوِيرُها الخَيْلَ وَحدَها | فَصَوّرَتِ الأشْيَاءَ إلاّ زَمانَهَا |
وَمَا ادّخَرَتْهَا قُدْرَةً في مُصَوِّرٍ | سِوَى أنّهَا مَا أنْطَقَتْ حَيَوَانَهَا |
وَسَمْرَاءُ يَسْتَغْوي الفَوَارِسَ قدُّها | وَيُذْكِرُهَا كَرّاتِهَا وَطِعَانَهَا |
رُدَيْنِيّةٌ تَمّتْ وَكادَ نَبَاتُهَا | يُرَكِّبُ فِيهَا زُجَّهَا وَسِنَانَهَا |
وَأُمُّ عَتِيقٍ خالُهُ دُونَ عَمّهِ | رَأى خَلْقَهَا مَنْ أعْجَبَتْهُ فعانَهَا |
إذا سَايَرَتْهُ بَايَنَتْهُ وَبَانَهَا | وَشانَتْهُ في عَينِ البَصِيرِ وَزانَهَا |
فأينَ التي لا تأمَنُ الخَيلُ شَرَّهَا | وَشَرّيَ لا تُعطي سِوايَ أمَانَهَا |
وَأينَ التي لا تَرْجعُ الرّمْحَ خائِباً | إذا خَفَضَتْ يُسرَى يَدَيّ عِنانَهَا |
وَمَا لي ثَنَاءٌ لا أرَاكَ مَكَانَهُ | فهَلْ لكَ نُعْمَى لا تَراني مكانَهَا |
حجب ذا البحر بحار دونه
حَجّبَ ذا البَحرَ بحارٌ دونَهُ | يَذُمّهَا النّاسُ وَيَحْمَدونَهُ |
يا مَاءُ هَلْ حَسَدْتَنَا مَعِينَه | أمِ اشْتَهيتَ أنْ تُرَى قَرِينَهُ |
أمِ انْتَجَعْتَ للغِنى يَمينَهُ | أمْ زُرْتَهُ مُكَثّراً قَطينَهُ |
أمْ جِئْتَهُ مُخَنْدِقاً حُصونَهُ | إنّ الجِيادَ وَالقَنَا يَكْفينَهُ |
يا رُبّ لُجٍّ جُعِلَتْ سَفينَهُ | وَعازِبِ الرّوْضِ تَوَفّتْ عُونَهُ |
وَذي جُنُونٍ أذْهَبَتْ جُنُونَهُ | وَشَرْبِ كأسٍ أكثرَتْ رَنينَهُ |
وَأبْدَلَتْ غِنَاءَهُ أنِينَهُ | وَضَيْغَمٍ أوْلَجَهَا عَرِينَهُ |
وَمَلِكٍ أوْطَأهَا جَبينَهُ | يَقُودُهَا مُسَهِّداً جُفُونَهُ |
مُباشِراً بِنَفْسِهِ شُؤونَهُ | مُشَرِّفاً بطَعْنِهِ طَعينَهُ |
بَحْرٌ يكونُ كلُّ بَحْرٍ نُونَهُ | شمسٌ تَمَنّى الشّمسُ أن تكونَهُ |
إنْ تَدْعُ يا سَيفُ لتَسْتَعينَهُ | يُجِبْكَ قَبْلَ أنْ تُتِمّ سِينَهُ |
أدامَ مِنْ أعدائِهِ تَمكينَهُ | مَنْ صَانَ منهُمْ نَفْسَهُ ودِينَهُ |
الرأي قبل شجاعة الشجعان
الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ | هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني |
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ | بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ |
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ | بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ |
لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ | أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ |
وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْ | أيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ |
لَوْلا سَميُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُ | لمّا سُلِلْنَ لَكُنّ كالأجْفانِ |
خاضَ الحِمَامَ بهنّ حتى ما دُرَى | أمِنِ احتِقارٍ ذاكَ أمْ نِسْيَانِ |
وَسَعَى فَقَصّرَ عن مَداهُ في العُلى | أهْلُ الزّمانِ وَأهْلُ كلّ زَمَانِ |
تَخِذُوا المَجالِسَ في البُيُوتِ وَعندَه | أنّ السّرُوجَ مَجالِسُ الفِتيانِ |
وَتَوَهّموا اللعِبَ الوَغى والطعنُ في الـ | ـهَيجاءِ غَيرُ الطّعْنِ في الميدانِ |
قادَ الجِيَادَ إلى الطّعانِ وَلم يَقُدْ | إلاّ إلى العاداتِ وَالأوْطانِ |
كُلَّ ابنِ سَابقَةٍ يُغيرُ بحُسْنِهِ | في قَلْبِ صاحِبِهِ عَلى الأحزانِ |
إنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بآدابِ الوَغَى | فدُعاؤها يُغني عنِ الأرْسانِ |
في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيُونَ غبارُهُ | فكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذانِ |
يَرْمي بهَا البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ | كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَرِيبٌ دانِ |
فكأنّ أرْجُلَهَا بتُرْبَةِ مَنْبِجٍ | يَطرَحنَ أيديَها بحِصْنِ الرّانِ |
حتى عَبرْنَ بأرْسَنَاسَ سَوَابحاً | يَنْشُرْنَ فيهِ عَمَائِمَ الفُرْسانِ |
يَقْمُصْنَ في مثلِ المُدَى من بارِدٍ | يَذَرُ الفُحُولَ وَهنّ كالخصْيانِ |
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ | تَتَفَرّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ |
رَكَضَ الأميرُ وَكاللُّجَينِ حَبَابُهُ | وَثَنى الأعِنّةَ وَهْوَ كالعِقيانِ |
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فوْقَهُ | وَبَنى السّفينَ لَهُ منَ الصّلْبانِ |
وَحَشاهُ عادِيَةً بغَيرِ قَوَائِمٍ | عُقُمَ البطونِ حَوَالِكَ الألوَانِ |
تأتي بما سَبَتِ الخُيُولُ كأنّهَا | تحتَ الحِسانِ مَرَابضُ الغِزْلانِ |
بَحْرٌ تَعَوّدَ أنْ يُذِمّ لأهْلِهِ | من دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الحِدْثَانِ |
فتَرَكْتَهُ وَإذا أذَمّ مِنَ الوَرَى | رَاعَاكَ وَاستَثنى بَني حَمدانِ |
ألمُخْفِرِينَ بكُلّ أبيَضَ صَارِمٍ | ذِممَ الدّرُوعِ على ذوي التّيجانِ |
مُتَصَعْلِكينَ على كَثَافَةِ مُلكِهم | مُتَوَاضِعِينَ على عَظيمِ الشّانِ |
يَتَقَيّلُونَ ظِلالَ كُلّ مُطَهَّمٍ | أجَلِ الظّليمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحانِ |
خَضَعتْ لمُنصُلكَ المَناصِلُ عَنوَةً | وَأذَلّ دِينُكَ سَائِرَ الأدْيانِ |
وَعلى الدّروبِ وَفي الرّجوعِ غضَاضَةٌ | وَالسّيرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الإمْكانِ |
وَالطّرْقُ ضَيّقَةُ المَسَالِكِ بالقَنَا | وَالكُفْرُ مُجتَمعٌ على الإيمَانِ |
نَظَرُوا إلى زُبَرِ الحَديدِ كأنّمَا | يَصْعَدْنَ بَينَ مَناكِبِ العِقْبانِ |
وَفَوَارِسٍ يُحيي الحِمامُ نُفوسَها | فكأنّهَا لَيستْ مِنَ الحَيَوَانِ |
مَا زِلتَ تَضرِبهُم دِرَاكاً في الذُّرَى | ضَرْباً كأنّ السّيفَ فيهِ اثْنانِ |
خصّ الجَماجمَ وَالوُجوهَ كأنّمَا | جاءتْ إليكَ جُسُومُهمْ بأمانِ |
فرَمَوْا بما يَرْمونَ عَنْهُ وَأدْبَرُوا | يَطَأونَ كُلّ حَنِيّةٍ مِرْنَانِ |
يَغشاهُمُ مَطَرُ السّحاب مُفَصَّلاً | بمُهَنّدٍ وَمُثَقَّفٍ وَسِنَانِ |
حُرِموا الذي أمَلُوا وَأدرَكَ منهُمُ | آمَالَهُ مَنْ عادَ بالحِرْمانِ |
وَإذا الرّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ | شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الإخْوَانِ |
هَيهاتِ عاقَ عنِ العِوادِ قَوَاضِبٌ | كَثُرَ القَتيلُ بها وَقَلّ العَاني |
وَمُهَذَّبٌ أمَرَ المَنَايَا فِيهِمِ | فأطَعْنَهُ في طاعَةِ الرّحْمانِ |
قد سَوّدتْ شجرَ الجبالِ شُعُورُهم | فكأنّ فيهِ مُسِفّةَ الغِرْبانِ |
وَجَرَى على الوَرَقِ النّجيعُ القَاني | فكأنّهُ النّارَنْجُ في الأغصانِ |
إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْ | كقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ |
تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِ | مثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ |
رَفعتْ بكَ العرَبُ العِمادَ وَصَيّرَتْ | قِمَمَ المُلُوكِ مَوَاقِدَ النّيرانِ |
أنسابُ فَخرِهِمِ إلَيْكَ وَإنّمَا | أنْسَابُ أصْلِهِمِ إلى عَدْنَانِ |
يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرَادَ بسَيْفِهِ | أصْبَحتُ منْ قَتلاكَ بالإحْسانِ |
فإذا رَأيتُكَ حارَ دونَكَ نَاظرِي | وَإذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني |