| حبَّذا الساحة ُ والظلُ الظليلْ | وثناءٌ في فَمِ الدارِ جميلْ |
| لم تزلْ تجري به تحت الثَّرى | لُجَّة المعروفِ والنَّيْلِ الجزيل |
| صنعُ إسماعيلَ جلَّتْ يدهُ | كلُّ بُنيانٍ على الباني دليل |
| أَتُراها سُدَّة ً من بابه | فتحتْ للخير جيلاً بعدَ جيل |
| ملعبُ الأيلمِ ، إلاَّ أنَّه | ليس حظُّ الجدِّ منه بالقليل |
| شهدُ الناسُ بها عائدة ً | وشجى الأجيالَ من فردي الهديل |
| وائتنفنا في ذراها دولة ً | ركنها السؤددُ والمجدُ الأثيل |
| أَينعتْ عصراً طويلاً، وأَتَى | دونَ أن تستأنفَ العصرُ الطويل |
| كم ضفرنا الغارَ في محرابها | وعقدناه لسبّاقٍ أَصيل |
| كم بدورٍ ودِّعتْ يومَ النَّوى | وشموسٍ شيِّعتْ يومَ الرحيل |
| رُبَّ عُرسٍ مَرَّ للبِرِّ بها | ماج بالخيرِ والسمحِ المنيل |
| ضحكَ الأيتامُ في ليلته | ومشى يستروحُ البرءَ العليل |
| والتقى البائسُ والنُّعمى به | وسعى المأوى لأبناءِ السبيل |
| ومن الأَرض جَدِيبٌ ونَدٍ | ومن الدُّور جوادٌ وبخيل |
| يا شباباً حنفاءً ضمهمْ | منزلٌ ليس بمذمومِ النزيلْ |
| يصرِفُ الشبان عن وِرْدِ القَذَى | ويُنحِّيهِمْ عن المَرْعَى الوَبيل |
| اذهبوا فيه وجِيئوا إخوة ً | بعضكم خدنٌ لبعضٍ وخليل |
| لا يضرنَّكمو قلَّته | كلُّ مولودٍ وإن جلَّ ضئيل |
| أَرجفتْ في أَمركم طائفة ٌ | تبَّعُ الظنِّ عن الإنصاف ميل |
| اجعلوا الصبرَ لهم حِيلَتكم | قلَّتِ الحيلة ُ في قالَ وقيل |
| أيريدون بكم أن تجمعوا | رقَّة َ الدين إلى الخلقِ الهزيلِ |
| خَلَتِ الأَرضُ من الهَدْي، ومن | مرشدٍ للنَّشءِ بالهديِ كفيل |
| فترى الأسرة َ فوضى ، وترى | نشأً عن سنَّة ِ البرِّ يميل |
| لا تكونوا السَّيْلَ جَهْماً خَشِناً | كلَّما عبَّ ، وكونوا السلسبيل |
| ربَّ عينٍ سمحة ٍ خاشعة ٍ | رَوَّت العُشْبَ، ولم تنسَ النخيل |
| لا تماروا الناسَ فيما اعتقدوا | كلُّ نفسٍ بكتابٍ وسبيل |
| وإذا جئتم إلى ناديكمُ | فاطرحوا خلفكمو العِبْءَ الثقيل |
| هذه ليْلَتُكم في الأُوبِرا | ليلة ُ القدرِ من الشهر النبيل |
| مهرجانٌ طوَّف الهادي به | ومشى بين يديه جبرئيل |
| وتجلتْ أوجهٌ زيَّنها | غررٌ من لمحة ِ الخير تسيل |
| فكأن الليلَ بالفجرِ انجلى | وكأن الدارَ في ظلِّ الأصيل |
| أَيها الأَجوادُ لا نجزيكمُ | لذَّة ُ الخيرِ منَ الخيرِ بديل |
| رجلُ الأُمّة ِ يُرجَى عندَه | لجليل العملِ العونُ الجليل |
| إم داراً حُطتمُوها بالنَّدى | أخذتْ عهدَ النَّدى ألاَّ تميل |
بني القبط إخوان الدهور رويدكم
| بني القبطِ إخوانُ الدُّهورِ ، رويدكم | هبوه يسوعاً في البريّة ِ ثانيا |
| حملتمِ لحكمِ اللهِ صلبَ ابنِ مريمٍ | وهذا قضاءُ الله قد غالَ غاليا |
| سديدُ المرامِي قد رماه مُسَدِّدٌ | وداهية ُ السُوَّاسِ لاقى الدَّوَاهيا |
| وواللهِ ، لو لم يطلقِ النارَ مطلقٌ | عليه، لأَوْدَى فجأَة ً، أَو تَداوِيا |
| قضاءٌ، ومِقدارٌ، وآجالُ أَنفُسٍ | إذا هي حانت لم تُؤخَّرْ ثوانيا |
| نبيدُ كما بادت قبائلُ قبلنا | ويبقى الأنامُ اثنينِ : ميتاً ، وناعياً |
| تعالوا عسى نطوي الجفاءَ وعهده | وننبذُ أسبابَ الشِّقاقِ نواحيا |
| أَلم تكُ مصرٌ مهدَنا ثم لَحْدَنا | وبينهما كانت لكلِّ مغانيا |
| ألم نكُ من قبل المسيحِ ابن مريمٍ | و موسى وطه نعبُدُ النيلَ جاريا |
| فَهلاَّ تساقيْنا على حبِّه الهَوَى | وهلاَّ فديْناه ضِفافاً ووادِيا |
| وما زال منكم أَهلُ وُدٍّ ورحمة ٍ | وفي المسلمين الخيرُ ما زالَ باقيا |
| فلا يثنِكم عن ذمَّة قتلُ بُطرُسٍ | فقِدْماً عرفنا القتلَ في الناس فاشيا |
عظيم الناس من يبكي العظاما
| عظيمُ الناسِ من يبكي العظاما | ويَندُبُهُم ولو كانوا عِظاما |
| وأَكرَمُ من غمامٍ عندَ مَحْلٍ | فتى ً يُحيي بمدحتِهِ الكراما |
| وما عُذرُ المقصِّر عن جزاءٍ | وما يَجزِيهُمُ إلا كلاما |
| فهل من مُبلِغٍ غليومَ عنِّي | مقالاً مُرْضِياً ذاك المقاما |
| رعاكَ الله من ملكٍ هُمامٍ | تعهَّدَ في الثَّرَى مَلِكاً هُماما |
| أَرى النِّسيانَ أَظمأَه، فلمَّا | وقفتَ بقبرهِ كنتَ الغماما |
| تقرِّبُ عهدهُ للناسِ حتى | تركتَ الجليلَ في التاريخِ عاما |
| أتدري أيَّ سلطانٍ تحيِّي | وأَيَّ مُملَّكٍ تُهدي السَّلاما |
| دَعَوْتَ أَجَلَّ أَهلِ الأَرضِ حَرْباً | وأَشرفَهم إذا سَكنوا سَلاما |
| وقفتَ به تذكّرهُ ملوكاً | تعوَّدَ أن يلاقوهُ قياما |
| وكم جَمَعَتْهُمُ حربٌ، فكانوا | حدائدها ، وكان هو الحسما |
| كلامٌ للبريّة دامياتٌ | وأَنتَ اليومَ مَنْ ضَمَدَ الكِلاما |
| فلما قلتَ ما قد قلتَ عنه | وأَسمعتَ الممالكَ والأناما |
| تساءلتِ البريّة ُ وهيَ كلمى | أَحُبّاً كان ذاكَ أَمِ انتقاما |
| وأَنتَ أَجلُّ أَن تُزرِي بِميْتٍ | وأَنْتَ أَبرُّ أَن تُؤذِي عظاما |
| فلو كان الدوامُ نصيبَ ملكٍ | لنالَ بحدِّ صارمهِ الدواما |
سما يناغي الشهبا
| سما يناغي الشهبا | هل مسَّها فالتهبا |
| كالدَّيدبانِ ألزموهُ | في البحار مرقبا |
| شيع منه مركبا | وقام يلقي مركبا |
| بشر بالدار وبالأَهلِ | السُّراة الغُيَّبا |
| وخَطَّ بالنُّور على | لوْحِ الظلام: مَرْحَبَا |
| كالبارق المُلِحِّ لم | يولِّ إلا عقَّبا |
| يا رُبَّ ليلٍ لم تَذُقْ | فيه الرقاد طربا |
| بتنا نراعيه كما | يرعى السُّراة الكوكبا |
| سعادة ٌ يعرفها | في الناس من كان أَبَا |
| مَشَى على الماءِ، وجاب | كالمسيح العببا |
| وقام في موضعه | مُستشرِفاً مُنَقِّبا |
| يرمي إلى الظلام طرفاٌ | حائراٌ مذبذبا |
| كمبصرٍ أدار عيناٌ | في الدجى ، وقلِّبا |
| كبصر الأَعشى أَصاب | في الظلام ، ونبا |
| وكالسراج في يَدِ الــريح | أضاءَ، وخَبا |
| كلمحة ٍ من خاطرٍ | ما جاء حتى ذهبا |
| مجتنبُ العالم في | عُزلته مُجْتَنَبا |
| إلا شراعاً ضلَّ ، أو | فُلْكاً يُقاسي العَطَبا |
| وكان حارس الفنارِ | رجُلاً مُهذَّبا |
| يهوى الحياة ، ويحبَّ | العيش سهلاً طيِّبا |
| أتت عليه سنواتٌ | مُبْعَداً مُغْتَرِبا |
| لم يَرَ فيها زَوْجَهُ | ولا ابنَه المحبَّبا |
| وكان قد رعى الخطيبَ | ووعى ما خطَبا |
| فقال : يا حارسُ | خلٍّ السُّخط والتعتُّبا |
| من يُسعِفُ الناسَ إذا | نُودِي كلٌّ فأَبى |
| ما الناس إخوتي ولا | آدمُ كان لي أبا |
| أنظر إليَّ ، كيف أقضي | لهم ما وجَبا |
| قد عشتُ في خِدمتهم | ولا تراني تعبا |
| كم من غريقٍ قمت | عند رأسه مطبَّبا |
| وكان جسماَ هامداً | حرّكتهُ فاضطربا |
| وكنت وطَّأت له | مَناكبي، فرَكبا |
| حتى أتى الشطَّ ، فبشَّ | من به ورحَّبا |
| وطاردوني ، فانقلب | تُ خاسراَ مخيٍّبا |
| ما نلت منهم فضة َ | ولا منحت ذهبا |
| وما الجزاء ؟ لا تسل | كان الجزاءُ عجبا! |
| ألقوا عليّ شبكا | وقطَّعوني إربا |
| واتخذ الصٌّنَّاع من | شَحميَ زَيْتا طيِّباً |
| ولم يَزَلْ إسعافُهم | ليَ الحياة َ مذهبا |
| ولم يزل سَجِيَّتي | وعملي المُحبَّبا |
| إذا سمعتُ صرخة ً | طرتُ إليها طربا |
| لا أَجِدُ المُسْعِفَ | إلا ملكاً مقرَّبا |
| والمسعفون في غدٍ | يؤلفون مَوْكبا |
| يقول رِضوانُ لهم | هيَّا أدخلوها مرحبا |
| مُذنِبُكم قد غَفَر | اللهُ لهُ ما أذنبا |
فديناه من زائر مرتقب
| فديناهُ من زائرٍ مرتقبْ | بدا للوجودِ بمرأى عجبْ |
| تَهُزُّ الجبالَ تَباشيرُهُ | كما هَزَّ عِطفَ الطَّروبِ الطَّرَب |
| ويُحْلِي البحارَ بلألائهِ | فمِنَّا الكؤوسُ، ومنه الحبَب |
| منارٌ الحزونِ إذا ما إعتلى | منارُ السهولِ إذا ما إنقلب |
| أتانا من البحرِ في زورقٍ | لجيناً مجاذيفهُ من ذهب |
| فقلنا: سُليمانُ لو لم يَمُتْ | وفرعونٌ لو حملتهُ الشُّهب |
| وكِسرَى وما خَمَدتْ نارُه | ويوسُفُ لو أنه لم يشِبْ |
| وهيهاتَ ما توجوا بالسَّنا | ولا عرشهم كان فوقَ السُّحب |
| أنافَ على الماءِ ما بينها | وبينَ الجبالِ وشُمِّ الهضب |
| فلا هو خافٍ، ولا ظاهرٌ | ولا سافرٌ، لا، ولا مُنتقِب |
| وليس بِثَاوٍ، ولا راحلٍ | ولا بالبعيدِ، ولا المقترب |
| تَوارَى بِنصفٍ خلالَ السُّحُبْ | ونصفٌ على جبلٍ لم يغب |
| يجدِّدها آية ٍ قد خلت | ويذكرُ ميلادَ خيرِ العرب |
إن تسألي عن مصر حواء القرى
| إن تسألي عن مصرَ حواءِ القرى | وقرارة ِ التاريخِ والآثارِ |
| فالصُّبحُ في منفٍ وثيبة واضحٌ | مَنْ ذا يُلاقي الصُّبحَ بالإنكار |
| بالهَيْلِ مِن مَنْفٍ ومن أَرباضِها | مَجْدُوعُ أَنفٍ في الرّمالِ كُفارِي |
| خَلَتِ الدُّهُورُ وما التَقَتْ أَجفانُه | وأتتْ عليه كليلة ٍ ونهار |
| ما فَلَّ ساعِدَه الزمانُ، ولم يَنَلْ | منه اختلافُ جَوارِفٍ وذَوار |
| كالدَّهرِ لو ملكَ القيامَ لفتكة ٍ | أَو كان غيرَ مُقَلَّمِ الأَظفار |
| وثلاثة ٍ شبَّ الزمانُ حيالها | شُمٍّ على مَرّ الزَّمانِ، كِبار |
| قامت على النيلِ العَهِيدِ عَهِيدة ً | تكسوه ثوبَ الفخرِ وهيَ عوار |
| من كلِّ مركوزٍ كرَضْوَى في الثَّرَى | متطاولٍ في الجوَّ كالإعصار |
| الجنُّ في جنباتها مطروة ٌ | ببدائع البنَّاءِ والحفَّار |
| والأَرضُ أضْيَعُ حِيلة ً في نَزْعِها | من حيلة ِ المصلوبِ في المسمار |
| تلكَ القبورُ أضنَّ من غيب بما | أَخفَتْ منَ الأَعلاق والأَذخار |
| نام الملوك بها الدُّهورَ طويلة ً | يجِدون أَروحَ ضَجْعَة ٍ وقرار |
| كلُّ كأهلِ الكهف فوقَ سريره | والدهرُ دونَ سَريرِه بهِجَار |
| أملاكُ مصرَ القاهرون على الورى | المنزَلون منازلَ الأَقمار |
| هَتَكَ الزمان حِجابَهم، وأَزالهم | بعدَ الصِّيانِ إزالة َ الأسرار |
| هيهاتَ لم يلمسْ جلالهمو البلى | إلا بأَيدٍ في الرَّغام قِصار |
| كانوا وطرفُ الدهر لا يسمو لهم | ما بالهمْ عرضوا على النُّظَّار |
| لو أُمهلوا حتى النُّشُورِ بِدُورِهم | قاموا لخالقهم بعير غبار |