أَلْبَسُوكِ الدِّماءَ فَوْقَ الدِّماءِ | وأرَوْكِ العِداءَ بعد العِداءِ |
فلَبِسْتِ النَّجِيعَ منْ عهدِ قابيـ | ـلَ وشاهَدتِ مَصرَعَ الأبرياءِ |
فلكِ العُذرُ إن قَسَوتِ وإن خُنْـ | ـتِ وإن كنتِ مَصدراً للشَّقاءِ |
غَلِطَ العُذْرُ،ما طَغَى جَبَلُ النَّا | رِ بإرْسالِ نَفْثَة ٍ في الهَواءِ |
أحرَجُوا صَدرَ أُمِّهِ فأراهُمْ | بعضَ ما أَضْمرَتْ مِنَ الْبُرَحاءِ |
اسْخَطُوهَا فصابَرَتْهُمْ زَماناً | ثمّ أنحَتْ عليهمُ بالجَزاءِ |
أيّها الناسُ إنْ يكُنْ ذاكَ سُخْطُ الـ | أرْضِ ماذا يكونُ سُخْطُ السَّماءِ؟ |
إنّ في عُلْوِ مَسْرحاً للمقادِيـ | ـرِ وفي الأرضِ مَكْمَناً للقَضاءِ |
فاتّقوا الأَرْضَ والسَّماءَ سَواءً | واتّقوا النارَ في الثَّرى والفَضاءِ |
حافظ إبراهيم
محمد حافظ ابراهيم ولقبه شاعر النيل هو شاعر مصري كبير ولد في اسيوط وتوفي في القاهرة, وايضا يلقب بشاعر الشعب.
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي | وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي |
رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني | عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي |
وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي | رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي |
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً | وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ |
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة ٍ | وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ |
أنا البحر في أحشائه الدر كامن | فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي |
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني | ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي |
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني | أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي |
أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً | وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ |
أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً | فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ |
أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ | يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي |
ولو تَزْجُرونَ الطَّيرَ يوماً عَلِمتُمُ | بما تحتَه مِنْ عَثْرَة ٍ وشَتاتِ |
سقَى اللهُ في بَطْنِ الجزِيرة ِ أَعْظُماً | يَعِزُّ عليها أن تلينَ قَناتِي |
حَفِظْنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتُه | لهُنّ بقلبٍ دائمِ الحَسَراتِ |
وفاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ | حَياءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِراتِ |
أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً | مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناة ِ |
وأسمَعُ للكُتّابِ في مِصرَ ضَجّة ً | فأعلَمُ أنّ الصَّائحِين نُعاتي |
أَيهجُرنِي قومِي-عفا الله عنهمُ | إلى لغة ٍ لمْ تتّصلِ برواة ِ |
سَرَتْ لُوثَة ُ الافْرَنجِ فيها كمَا سَرَى | لُعابُ الأفاعي في مَسيلِ فُراتِ |
فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سبعين رُقْعة ً | مشكَّلة َ الأَلوانِ مُختلفاتِ |
إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِلٌ | بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِي |
فإمّا حَياة ٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى | وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي |
وإمّا مَماتٌ لا قيامَة َ بَعدَهُ | مماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بمماتِ |
حَطَمْتُ اليَراعَ فلا تَعْجَبِي
حَطَمْتُ اليَراعَ فلا تَعْجَبِي | وعِفتُ البَيانَ فلا تَعتُبي |
فما أنتِ يا مصرُ دارَ الأديبِ | ولا أنتِ بالبَلَدِ الطَّيِّبِ |
وكمْ فيكِ يَا مصرُ مِنْ كاتبٍ | أقالَ اليَراعَ ولم يَكتُبِ |
فلا تُعذُليني لهذا السكوت | فقد ضاقَ بي منكِ ما ضاقَ بي |
أيُعجِبُني منكِ يومَ الوِفاق | سُكوتُ الجَمادِ ولِعْبُ الصَّبي |
وكم غَضب الناسُ من قبلِنا | لسَلبِ الحُقوقِ ولمْ نغضَبِ |
أنابتَةَ العصرِ إنّ الغريبَ | مُجِدٌّ بمصرَ فلا تلعبي |
يقولون: في النَّشْءِ خيرٌ لنا | ولَلنَّشْءُ شرٌّ من الأجنبي |
أفي (الأزبكيّة)(1) مثوى البنينِ | وبين المساجد مثوى الأب؟ |
(وكم ذا بمصرَ من المضحكاتِ) | كما قال فيها (أبو الطيِّب) |
أمورٌ تمرُّ وعيشٌ يُمِرُّ | ونحن من اللَّهو في ملعب |
وشعب يفرُّ من الصالحاتِ | فرارَ السَّليم من الأجرب |
وصُحْف تطنُّ طنينَ الذُّبابِ | وأخرى تشنُّ على الأقرب |
وهذا يلوذ بقصر الأميرِ | ويدعو إلى ظِلِّه الأرحب |
وهذا يلوذ بقصر السَّفيرِ | ويُطنِب في وِرده الأعذب |
وهذا يصيحُ مع الصائحينَ | على غير قصدٍ ولا مأرب |
وقالوا: دخيلٌ عليه العفاء | ونعم الدَّخيلُ على مذهبي! |
رآنا نياماً ولما نُفِقْ | فشمَّرَ للسَّعي والمكسب |
وماذا عليه إذا فاتنا | ونحن على العيش لم ندأب؟ |
ألفنا الخمولَ ويا ليتنا | ألفنا الخمولَ! ولم نكذب! |
**** | |
وقالوا: (المؤيَّدُ) في غمرةٍ | رماه بها الطَّمعُ الأشعبي |
دعاه الغرامُ بسنّ الكهولِ | فجُنَّ جُنوناً ببنت النَّبي(1) |
ونادى رجالٌ بإسقاطهِ | وقالوا: تَلَوَّنَ في المَشْرَب |
وعَدُّوا عليه من السَّيِّئاتِ | أُلوفاً تَدُورُ مع الأحقُب |
وقالوا لصيقٌ ببيتِ الرَّسولِ | أغارَ على النَّسَبِ الأنجب |
وزكَّى (أبو خَطوةٍ)(2) قولَهم | بحكمٍ أحَدَّ من المضرب |
فما للتهاني على دارِهِ | تَسَاقطُ كالمطر الصَّيِّبِ |
وما للوُفُود على بابهِ | تزفُّ البشائرَ في موكب؟ |
وما للخليفة أسدى إليهِ | وساماً يليقُ بصدر الأبي؟ |
فيا أمّةً ضاقَ عن وصفها | جَنانُ المفوَّهِ والأَخْطَبِ |
تضيعُ الحقيقةُ ما بيننا | ويَصلى البريءُ مع المذنب |
ويُهضَمُ فينا الإمام الحكيمُ | ويُكْرَم فينا الجهولُ الغَبِي |
على الشَّرق منِّي سلامُ الودود | وإنْ طأطأ الشَّرقُ للمغرب(1) |
لقد كان خِصباً بجدب الزّمانِ | فأجدبَ في الزَّمن المُخْصِب ! |
لمِصرَ أم لرُبُوعِ الشَّأمِ تَنْتَسِبُ
لمِصرَ أم لرُبُوعِ الشَّأمِ تَنْتَسِبُ | هُنا العُلا وهُناكَ المجدُ والحَسَبُ |
رُكْنانِ للشَّرْقِ لا زالَتْ رُبُوعُهُما | قَلْبُ الهِلالِ عليها خافِقٌ يَجِبُ |
خِدْرانِ للضّادِ لَم تُهْتَكْ سُتُورُهُما | ولا تَحَوَّلَ عن مَغْناهُما الأدَبُ |
أمُّ اللُّغاتِ غَداة َ الفَخْرِ أَمُّهُما | وإنْ سَأَلْتَ عن الآباءِ فالعَرَبُ |
أَيَرْغَبانِ عن الحُسْنَى وبَيْنَهُما | في رائِعاتِ المَعالي ذلك النَّسَبُ |
ولا يَمُتّانِ بالقُربى وبينَهُما | تلكَ القَرابة ُ لَمْ يُقْطَعْ لها سَبَبُ؟ |
إذا ألَمَّتْ بوادي النِّيلِ نازِلَة ٌ | باتَتْ لها راسِياتُ الشّأمِ تَضطَرِبُ |
وإنْ دَعَا في ثَرَي الأَهْرامِ ذُو أَلَمٍ | أَجابَهُ في ذُرَا لُبْنانَ مُنْتَحِبُ |
لو أَخْلَصَ الِّنيلُ والأرْدُنُّ وُدَّهما | تَصافَحَتْ منهما الأمْواهُ والعُشُبُ |
بالوادِيَيْنِ تَمَشَّى الفَخرُ مِشيَتَه | يَحُفُّ ناحيَتَيْه الجُودُ والدَّأَبُ |
فسالَ هذا سَخاءً دونَه دِيَمٌ | وسالَ هذا مَضاءً دونَه القُضُبُ |
نسيمَ لُبنانَ كم جادَتْكَ عاطِرَة ٌ | من الرِّياضِ وكم حَيّاكَ مُنْسَكِبُ |
في الشَّرقِ والغَربِ أنفاسٌ مُسَعَّرَة ٌ | تَهْفُو إليكَ وأكبادٌ بها لَهَبُ |
لولا طِلابُ العُلا لم يَبتَغُوا بَدَلاً | من طِيبِ رَيّاكَ لكنّ العُلا تَعَبُ |
كم غادَة ٍ برُبُوعِ الشّأمِ باكيَة ٍ | على أَليِفٍ لها يَرْمِي به الطَّلَبُ |
يَمْضِي ولا حِيلَة ٌ إلاّ عَزِيمَتُه | ويَنثَني وحُلاهُ المَجدُ والذَّهَبُ |
يَكُرُّ صَرفُ اللَّيالي عنه مُنقَلِباً | وعَزْمُه ليسَ يَدْرِي كيفَ يَنْقَلِبُ |
بِأَرْضِكُولُمْبَأَبْطالٌ غَطارِفَة ٌ | أسْدٌ جِياعٌ إذا ما وُوثِبُوا وَثَبُوا |
لَم يَحْمِهمْ عَلَمٌ فيها ولا عُدَدٌ | سوى مَضاءٍ تَحامَى وِرْدَهُ النُّوَب |
أسطُولُهُمْ أمَلٌ في البَحرِ مُرتَحِلٌ | وجَيْشُهُمْ عَمَلٌ في البَرِّ مُغْتَرِبُ |
لهم بكُلِّ خِضَمٍّ مَسرَبٌ نَهَجٌ | وفي ذُرَا كُلِّ طَوْدٍ مَسْلَكٌ عَجَبُ |
لَمْ ثَبْدُ بارِقَة ٌ في أفْقِ مُنْتَجَعٍ | إلاّ وكان لها بالشامِ مُرتَقِبُ |
ما عابَهُم انّهُم في الأرضِ قد نُثِرُوا | فالشُّهبُ مَنثُورَة ٌ مُذ كانت الشُّهُبُ |
ولَمْ يَضِرْهُمْ سُرَاءَ في مَناكِبِها | فكلّ حَيِّ له في الكَوْنِ مُضْطَرَبُ |
رَادُوا المَناهِلَ في الدُّنْيا ولو وَجَدُوا | إلى المَجَرَّة ِ رَكباً صاعِداً رَكِبُوا |
أو قيلَ في الشمسِ للرّاجِينَ مُنْتَجَعَ | مَدُّوا لها سَبَباً في الجَوِّ وانتَدَبُوا |
سَعَوا إلى الكَسْبِ مَحْمُوداً وما فَتِئَتْ | أمُّ اللُّغاتِ بذاكَ السَّعْي تَكْتَسِبُ |
فأينَ كان الشَّآمِيُّونَ كان لها | عَيْشٌ جَدِيدٌ وفَضْلٌ ليسَ يَحْتَجِبُ |
هذي يَدي عن بني مِصرٍ تُصافِحُكُم | فصافِحُوها تُصافِحْ نَفسَها العَرَبُ |
فما الكِنانَة ُ إلاّ الشامُ عاجَ على | رُبُوعِها مِنْ بَنِيها سادَة ٌ نُجُبُ |
لولا رِجالٌ تَغالَوا في سِياسَتِهِم | مِنّا ومِنْهُمْ لَمَا لمُنْا ولا عَتَبُوا |
إِنْ يَكْتُبوا لِيَ ذَنْباً في مَوَدَّتِهمْ | فإنّما الفَخْرُ في الذَّنْبِ الذي كَتَبُوا |
حَيّاكُمُ اللهُ أَحْيُوا العِلْمَ والأَدَبا
حَيّاكُمُ اللهُ أَحْيُوا العِلْمَ والأَدَبا | إنْ تَنْشُرُوا العِلْمَ يَنْشُرْ فيكُم العَرَبا |
ولا حَياة لكمْ إلاّ بجامِعَة ٍ | تكونُ أمَّا لطُلاّبِ العُلاَ وأَبَا |
تَبْنِي الرِّجالَ وتَبنِي كلَّ شاهِقَة ٍ | مِنَ المَعاِلي وتَبْنِي العِزَّ والغَلَبا |
ضَعُوا القُلُوبَ أَساساً لا أقولُ لكمْ | ضَعُوا النُّضارَ فإنِّي أَصْغِرُ الذَّهَبا |
وابْنُوا بأَكْبَادِكُمْ سُوراً لها وَدَعُوا | قيلَ العَدُوِّ فإنِّي أَعْرِفُ السَّببَا |
لا تَقْنَطُوا إنْ قَرَأتُمْ ما يُزَوِّقُه | ذاكَ العَمِيدُ ويَرْمِيكُمْ به غَضَبا |
وراقِبُوا يومَ لا تُغني حَصائِدُه | فكلُّ حَيٍّ سيُجْزَى بالّذي اكتَسَبا |
بَنَى على الإفْكِ أَبْرَاجاً مُشَيَّدَة ً | فابْنُوا على الحَقِّ بُرجاً يَنطَحُ الشُّهُبا |
وجاوِبُوه بفِعْلٍ لا يُقَوِّضُه | قُوْلُ المُفَنِّدِ أنَّى قال أو خَطَبا |
لا تَهْجَعُوا إنّهمْ لَنْ يَهْجَعُوا أَبداً | وطالِبُوهُمْ ولكنْ أجمِلُوا الطَّلَبا |
هَل جاءَكُم نَبَأُ القَومِ الأُلى دَرَجوا | وَخَلَّفوا لِلوَرى مِن ذِكرِهِم عَجَبا |
عَزَّت بِقُرطاجَةَ الأَمراسُ فَاِرتُهِنَت | فيها السَفينُ وَأَمسى حَبلُها اِضطِرَبا |
وَالحَربُ في لَهَبٍ وَالقَومُ في حَرَبٍ | قَد مَدَّ نَقعُ المَنايا فَوقَهُم طُنُبا |
وَدّوا بِها وَجَواريهِم مُعَطَّلَةٌ | لَو أَنَّ أَهدابَهُم كانَت لَها سَبَبا |
هُنالِكَ الغيدُ جادَت بِالَّذي بَخِلَت | بِهِ دَلالاً فَقامَت بِالَّذي وَجَبا |
جَزَّت غَدائِرَ شِعرٍ سَرَّحَت سُفُناً | وَاِستَنقَذَت وَطَناً وَاِستَرجَعَت نَشَبا |
رَأَت حُلاها عَلى الأَوطانِ فَاِبتَهَجَت | وَلَم تَحَسَّر عَلى الحَليِ الَّذي ذَهَبا |
وَزادَها ذاكَ حُسناً وَهيَ عاطِلَةٌ | تُزهى عَلى مَن مَشى لِلحَربِ أَو رَكِبا |
وَبَرثَرانِ الَّذي حاكَ الإِباءُ لَهُ | ثَوباً مِنَ الفَخرِ أَبلى الدَهرَ وَالحِقَبا |
أَقامَ في الأَسرِ حيناً ثُمَّ قيلَ لَهُ | أَلَم يَئِن أَن تُفَدّي المَجدَ وَالحَسَبا |
قُل وَاِحتَكُم أَنتَ مُختارٌ فَقالَ لَهُم | إِنّا رِجالٌ نُهينُ المالَ وَالنَشَبا |
خُذوا القَناطيرَ مِن تِبرٍ مُقَنطَرَةً | يَخورُ خازِنُكُم في عَدِّها تَعَبا |
قالوا حَكَمتَ بِما لا تَستَطيعُ لَهُ | حَملاً نَكادُ نَرى ما قُلتَهُ لَعِبا |
فَقالَ وَاللَهِ ما في الحَيِّ غازِلَةٌ | مِنَ الحِسانِ تَرى في فِديَتي نَصَبا |
لَو أَنَّهُم كَلَّفوها بَيعَ مِغزَلِها | لَآثَرَتني وَصَحَّت قوتَها رَغَبا |
هَذا هُوَ الأَثَرُ الباقي فَلا تَقِفوا | عِندَ الكَلامِ إِذا حاوَلتُمُ أَرَبا |
وَدونَكُم مَثَلاً أَوشَكتُ أَضرِبُهُ | فيكُم وَفي مِصرَ إِن صِدقاً وَإِن كَذِبا |
سَمِعتُ أَنَّ اِمرِأً قَد كانَ يَألَفُهُ | كَلبٌ فَعاشا عَلى الإِخلاصِ وَاِصطَحَبا |
فَمَرَّ يَوماً بِهِ وَالجوعُ يَنهَبُهُ | نَهباً فَلَم يُبقِ إِلّا الجِلدَ وَالعَصَبا |
فَظَلَّ يَبكي عَلَيهِ حينَ أَبصَرَهُ | يَزولُ ضَعفاً وَيَقضي نَحبَهُ سَغَبا |
يَبكي عَلَيهِ وَفي يُمناهُ أَرغِفَةٌ | لَو شامَها جائِعٌ مِن فَرسَخٍ وَثَبا |
فَقالَ قَومٌ وَقَد رَقّوا لِذي أَلَمٍ | يَبكي وَذي أَلَمٍ يَستَقبِلُ العَطَبا |
ما خَطبُ ذا الكَلبِ قالَ الجوعُ يَخطِفُهُ | مِنّي وَيُنشِبُ فيهِ النابَ مُغتَصِبا |
قالوا وَقَد أَبصَروا الرُغفانَ زاهِيَةً | هَذا الدَواءُ فَهَل عالَجتَهُ فَأَبى |
أَجابَهُم وَدَواعي الشُحِّ قَد ضَرَبَت | بَينَ الصَديقَينِ مِن فَرطِ القِلى حُجُبا |
لِذَلِكَ الحَدِّ لَم تَبلُغ مَوَدَّتُنا | أَما كَفى أَن يَراني اليَومَ مُنتَحِبا |
هَذي دُموعي عَلى الخَدَّينِ جارِيَةٍ | حُزناً وَهَذا فُؤادي يَرتَعي لَهَبا |
أَقسَمتُ بِاللَهِ إِن كانَت مَوَدَّتُنا | كَصاحِبِ الكَلبِ ساءَ الأَمرُ مُنقَلَبا |
أُعيذُكُم أَن تَكونوا مِثلَهُ فَنَرى | مِنكُم بُكاءً وَلا نُلفي لَكُم دَأَبا |
إِن تُقرِضوا اللَهَ في أَوطانِكُم فَلَكُم | أَجرُ المُجاهِدِ طوبى لِلَّذي اِكتَتَبا |
أَجادَ مَطْرانُ كعاداته
أَجادَ مَطْرانُ كعاداته | وهكذا يُؤْثَرُ عَنْ قُسِّ |
فإنْ أَقِفْ مِنْ بَعْدِه مُنْشِداً | فإنّما مِنْ طِرْسِه طِرْسي |
رَثَى حَبِيباً وَرَثَى بَعْدَه | لذلِكَ المُوفي على الرَّمْسِ |
كانَا إذا ما ظَهَرا مِنْبَراً | حَلاَّ مِنَ السّامِعِ في النَّفْسِ |
فأَصْبَحَا هذا طَواهُ الرَّدَى | وذاكَ نَهْبٌ في يَدِ البُؤْسِ |
لولا سَلِيمٌ لَم يَقُلْ قائِلٌ | ولَمْ يَجُدْ مَنْ جادَ بالأمْسِ |
للهِ ما أَشْجَعَه إنّـه | ذُو مِرَّة ٍ فِينَا وذُو بَأْسِ |
يَقُومُ في مَشْرُوعِهِ نافِذاً | كأنّهعَنْتَرَة ُ العَبْسِي |
تَلْقاهُ في الجِدِّ كما تَبْتَغِي | وتارَة ً تَلْقاهُ في الهَلْسِ |
سَرْكِيسُ إنْ راقَكَ ما قُلْتُه | في مَعْرِضِ الهَزْلِ فَقُلْ مِرْسِيٌ |
أقْسِمُ باللَّـهِ وآلائِـه | بعَرْشِه باللَّوْحِ بالكُرْسِي |
بالخُنَّسِ الكُنَّسِ في سَبْحِها | بالبَدْرِ في مَرْآهُ بالشَّمْسِ |
بأنّ هذا عَمَلٌ صالحٌ | قامُ به هَذا الفَتَى القُدْسِي |
ذَكَّرَنا والمَرْءُ مِنْ نَفْسِه | وعَيْشِه في شاغِلٍ يُنْسِي |
بالواجِبِ الأَقْدَسِ في حَقِّ مَنْ | باعَتْه مِصْرٌ بَيْعَة َ الوَكْسِ |
هذاأبُوا العَدْلِفمَنْ خالَه | حَياً فما خَالَ سِوَى العَكْسِ |
كانت له في حَلْقِه ثَرْوَة ٌ | مِنْ نَبْرَة ٍ تُشْجي ومِنْ جَرْسِ |
فغالَها الدَّهْرُ كما غَالَه | حتّى غَدَا كالطَّلَلِ الدَّرْسِ |
فاكتَسِبُوا الأَجْرَ ولا تَبْتَغُوا | شِراءَه بالثَمَنِ البَخْسِ |
إنِّي أَرى التَّمْثِيلَ في غَمْرَة ٍ | غامِرَة ٍ تَدْعُو إلى اليَأُسِ |
لَم يَرْمِه في شَرْخِه ما رَمى | لو كان مَبْنِياً على أُسٍّ |
أَكُلَّما خَفَّتْ به صَحْوَة ٌ | مِنْ دائِه عُوجِلَ بالنَّكْسِ |
إنْ تُغْفِلُوا دارِسَ آثارِه | عَفَّى عَليْها الدُّهْرُ بالطَّمْسِ |
أَعْجَزَها النُّطْقُ فجاءَتْ بِنا | نَنُوبُ عنْ أَلْسُنِها الخُرْسِ |