شعري نُفَاثة صدري

شعري نُفَاثة صدري إنْ جَاشَ فِيه شُعوري
لولاه ما أنجاب عنّي غَيْمُ الحياة ِ الخطيرِ
ولا وجدتَ أكتئابي ولا وجدت سروري
بِهِ تَراني حزيناً أبكي بدمعٍ غزيرِ
به تراني طروباً أجرّ ذيلَ خُبوري
لا أنظمُ الشعرَ أرجو به رضاءَ الأمير
بِمِدْحَة ٍ أو رثاءٍ تُهْدَى لربّ السريرِ
حسْبي إذا قلتُ شعراً أن يرتضيهِ ضَميري
مالشعرُ إلا فضاءٌ يَرفُّ فيه مَقالي
فيما يَسُرُّ بلادي وما يسرُّ المعالي
وما يُثِيرُ شُعوري من خافقاتِ خيالي
لا أقرضُ الشعرَ أبغي به اقتناصَ نَوال
الشِّعرُ إنْ لمْ يكنْ في جمالِهِ ذَا جَلالِ
فإنَّما هُوَ طيفٌ يَسْعَى بوادي الظِّلال
يقضي الحياة َ طريداً في ذِلّة ، واعتزال
يا شعرُ! أنت مِلاكي وطارِفِي، وتِلادي
أنا إليكَ مُرادٌ وأنتَ نِعْمَ مُرادي
قِف، لا تَدَعْني وحيداً ولا أدعك تنادي
فَهَلْ وجدتَ حُساماً يُناط دون نجادِ
كَمْ حَطَّمَ الدَّهْرُ ذا هِمَّة ٍ كثيرَ الرّمادِ
ألقاه تَحْتَ نعالٍ من ذِلَّة وحِدادِ
رِفقاً بأَهْلِ بلادي! يا منجنون العَوادي!

إن الحياة صراع

إنَّ الحياة َ صِراعٌفيها الضّعيفُ يُداسْ
ما فَازَ في ماضِغيهاإلا شديدُ المراسْ
للخِبِّ فيها شجونٌفَكُنْ فتى الإحتراسْ
الكونُ كونُ شفاءٍالكونُ كونُ التباسْ
الكونُ كونُ اختلاقٍوضجّة ٌ واختلاسْ
السروروالابتئاسْ
بين النوائبِ بونٌللنّاس فيه مزايا
البعضُ لم يدرِ إلاالبِلى ينادي البلايا
والبعضُ مَا ذَاقَ منهاسوى حقيرِ الرزايا
إنَّ الحياة َ سُبَاتٌسينقضي بالمنايا
وما الرُّؤى فيهِ إلاَّ آمالُنَا، والخَطايا
فإن تيقّظَ كانتْبين الجفون بقايا
كلُّ البلايا…جميعاًتفْنى ويحْيا السلامْ
والذلُّ سبُّهُ عارٍلا يرتضيهِ الكِرامْ
الفجر يسطع بعد الدُّجى ، ويأتي الضِّياءْ
ويرقُدُ اللَّيْلُ قَسْراًعلى مِهَادِ العَفَاءْ
وللشّعوب حياة ٌحِينا وحِينا فَنَاءْ
واليأْسُ موتٌ ولكنْموتٌ يثيرُ الشّقاءْ
والجِدُّ للشَّعْبِ روحٌتُوحِي إليهِ الهَناءْ
فإن تولَّتْ تصدَّتحَيَاتُهُ لِلبَلاءْ
شعر أبو القاسم الشابي

قد سكرنا بحبنا واكتفَيْنا

قد سكرنا بحبنا واكتفَيْنا يا مديرَ الكؤوس فاصرفْ كؤوسَكْ
واسكبِ الخمرَ للعَصَافيرِ والنَّحْلِ وَخَلِّ الثَّرى يَضُمُّ عروسَكْ
مالنا والكؤوس، نطلبُ منها نشوة ً والغَرامُ سِحْرٌ وسُكْرُ!
خَلِّنا منكَ، فَالرّبيعُ لنا ساقٍ وهذا الفضاءُ كاسٌ وخمرُ!
نحن نحيا كالطّيرِ، في الأفُق السَّاجي وكالنَّحْلِ، فوق غضِّ الزُّهُورِ
لا ترى غيرَ فتنة ِ العالم الحيِّ وأحلامِ قلبها المسحورِ…
نحن نلهو تحتَ الظلالِ، كطفلينِ سعيدين، في غُرورِ الطُّفولة ْ
وعلى الصخرة ِ الجميلة ِ في الوادي وبين المخاوفِ المجْهولَهْ
نحن نغدو بين المروج ونُمسى ونغنِّي مع النسيم المعنِّي
ونناجي روحَ الطبيعة ِ في الكون ونُصغي لِقَلْبها المتغنّي
نحنُ مثلُ الرَبيعِ: نمشي على أرضٍ مِنَ الزَّهرِ، والرُّؤى ، والخَيالِ
فوقَها يرقصُ الغرامُ، ويلهو ويغنّي، في نشوة ٍ ودلالِ
نحن نحيا في جَنَّة ٍ مِنْ جِنَانِ السِّحْرِ في عالمٍ بعيدٍ…،بعيدِ…،
نحنُ في عُشِّنا الموَرَّدِ، نتلو سُوِرِ الحُبِّ للشَّبابِ السّعيدِ
قد تركنا الوُجودَ للنَّاس، ـضُوا عليه الحياة َ كيفَ أرادُوا
وذهبنا بِلبِّه، وَهْوَ رُوحٌ وَتَركنا القُشُورَ، وَهْيَ جَمادُ
قد سِكْرنا بحبّنا، واكتَفْينا طفَحَ الكأسُ، فاذهَبُوا يا سُقاة ُ
نحن نحيا فلا نريدُ مزيداً حَسْبُنا ما مَنَحْتِنَا يا حَياة ُ
حَسْبُنا زهرُنَا الَّذي نَتَنَشَّى حَسْبُنا كأسُنا التي نترشّفْ
إنَّ في ثغرِنا رحيقاً سماويَّا وفي قلبنا ربيعاً مُفَوَّفْ
أيُّها الدَّهْرُ، أيُّها الزَّمَنُ الجاري إلى غيرِ وُجهة ٍ وقرارِ!
أيُّها الكونُ! أيّها القَدَرُ الأَعمى ! قِفُوا حيثُ أنتُمُ! أو فسيرُوا
وَدَعُونا هنا: تُغنِّي لنا الأحْلامُ والحبُّ، والوجودُ، الكبيرُ
وإذا ما أبَيْتُمُ، فاحْمِلُونا ولهيبُ الغَرامِ في شَفَتْينا
وزهورُ الحياة ، تعبقُ بالعطرِ وبالسِّحْرِ، والصِّبا في يديْنَا

في سكونِ الليل لما

في سكونِ الليل لما عانقَ الكونَ الخشُوع
وَاخْتَفَى صَوْتُ الأَمَانِي خَلْفَ آفَاقِ الهُجُوعْ
رَتَّلَ الرَّعْدُ نَشِيداً رَدَّدَتْهُ الكَائِنَاتْ
مِثْلَ صَوْتِ الحَقِّ إنْ صَا حَ بأعماقِ الحيَاة
يتهَادى بضَجيجٍ في خلاَيا الأودَيهْ
أَمْ هِيَ القُوَّة ُ تَسْعَى بِاعْتِسَافٍ واصْطِخَابْ
صَوْتِهَا رُوحُ العَذَابْ؟»
مِثْلَ جَبَّارِ بَنِي الجِنِّ بأَقْصَى الهَاوِيَة ْ

يا صَميمَ الحياة ِ! إنّي وَحِيدٌ

يا صَميمَ الحياة ِ! إنّي وَحِيدٌ مُدْبجٌ، تائهٌ. فأين شروقُكْ؟
ضَائعٌ، ظامىء ٌ، ف َأَيْنَ رَحِيقُكْ؟
يا صميمَ الحياة ِ! قد وَجَمَ النَّايُ وغام الفضا. فأين بروقُكْ؟
يا صميمَ الحياة ِ! إنّي فؤادٌ فتحت النجومُ يُصغِي مَشوقُكْ
كُنْتُ في فجركَ، الموشَّحِ بالأحلامِ، عِطْراً، يَرِفُّ فَوْقَ وُرودِكْ
حالماً، ينهل الضياءَ، ويُصغي لكَ، في نشوة ٍ بوحي نَشِيدِكْ
ثمَّ جاءَ الدّجى ..، فَأمسيتُ أوراقاً، بداداً، من ذابلاتِ الورودِ
بين هولِ الدُّجى وصمتِ الوُجودِ
كنتُ في فجرك المغلَّف بالسِّحرِ، فضاءَ من النّشيد الهادي
وسحاباً من الرَّؤى ، يتهادى في ضميرِ الآزال والآبادِ
يا صميمَ الحياة ! كم أنا في الدُّنيا غَريبٌ أشقى بغُرْبَة ِ نفسي
بين قومٍ، لا يفهمونَ أناشيدَ فؤادي، ولا معاني بؤسي
فاحتضِنِّي، وضُمَّني لك- كالماضي- فهذا الوجودُ علَّة ُ يأسي
وأمانيَّ، يُغرق الدمعُ أحلاها،ويُفنى يمُّ الزّمان صداها
وأناشيدَ، يأكُلُ اللَّهَبُ الدّامي مَسَرَّاتِها، ويُبْقِي أَساها
وَوُروداً، تموت في قبضة ِ الأشْواكِ ما هذه الحياة ُ المملَّة ْ؟
سأَمٌ هذهِ الحياة ِ مُعَادٌ وصباحٌ، يكرُّ في إثرِ ليلِ
ليتني لم أزل- كما كنت- ضوءاً، شائعاً في الوجود، غيرَ سجين!
سأَمٌ هذهِ الحياة ِ مُعَادٌ وصباحٌ، يكرُّ في إثرِ ليلِ
ليتني لم أزل- كما كنت- ضوءاً، شائعاً في الوجود، غيرَ سجين!

أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ

أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ ويملأُ نَفسي صَبَاحُ الأملْ
وتنمو بصدرِي ورُودٌ، عِذابٌ وتحنو على قلبيَ المشتعِلْ
ويفْتِنُني فيكِ فيضُ الحياة ِ وذاك الشّبابُ، الوديعُ، الثَّمِلْ
ويفتنُني سِحْرُ تلك الشِّفاهِ ترفرفُ منْ حولهنّ القُبَلْ
فأعبُدُ فيكِ جمالَ السّماء، ورقَة َ وَرْدِ الرَّبيعِ، الخضِلْ
وطُهْرَ الثلوج، وسِحْرَ المروج مُوَشَّحَة ً بشعاعِ الطَّفَلْ
أراكِ، فأُخْلَقُ خلْقاً جديداً كأنّيَ لم أَبْلُ حربَ الوجودْ
ولم أحتمِلْ فيه عِبثاً، ثقيلاً من الذِّكْريَاتِ التي لا تَبيدْ
وأضغاثِ أيّاميَ، الغابراتِ وفيها الشَّقيُّ، وفيها السَّعيدْ
ويْغْمُرُ روحِي ضياءٌ، رفيقٌ تُكَلّلهُ رَائعاتُ الورودْ
وتُسْمُعُني هَاتِهِ الكَائِنَاتُ رقيقَ الأغاني، وحُلْوَ النشيدْ
وترقصُ حولِي أمانٍ، طِرابٌ وأفراحُ عُمْرِ خَلِيٍّ، سَعيدْ
كأنِّيَ أصبَحْتُ فوقَ البَشَرْ وتهتزُّ مثْلَ اهتزازِ الوتَرْ
أناملَ، لُدْناً، كرَطْب الزَّهَرْ
فتخطو أناشيدُ قلبيَ، سكْرَى تغرِّدُ، تَحْتَ ظِلالِ القَمَرْ
وتملأَني نَشْوة ٌ، لا تُحَدُّ
أوَدُّ بروحي عناقَ الوجودِ بما فيه من أنفسٍ، أو شجرْ
وليلٍ يفرُّ، وفجرٍ يكرُّ وغَيْمٍ، يُوَشِّي رداءَ السحرْ